|
إن الكلمات التي استخدمها كل من الجنرال " ديفيد بتريس" والسفير الأمريكي لدى العراق السيد "راين كروكر" بالأمس أمام الكونجرس الأمريكي لوصف الدور التي تلعبه إيران في العراق اتسمت بالشدة والصراحة. وقد تحدث كلاهما عن نشاطات إيران البشعة وتأثيرها الخبيث اللذان يهددان فاعلية الحكومة العراقية على المدى الطويل. وأتضح من الوهلة الأولى أن إيران هي لب الموضوع لهذه الجلسة. فقد أصبح الخطر الإيراني الشاغل الأساسي وراء المهمة في العراق بعد تقلص الدور التي تلعبه منظمة القاعدة فيها، كما أصبح سبباً وراء تقصيرنا هناك. إن إيران هي السبب الرئيسي وراء تعثرنا وبقائنا في العراق وعدم استطاعتنا على سحب قواتنا من العراق. كما إن شبح الملل في طهران يخيم على ميادين المعارك في العراق. ومن المحتمل أن لا تتغير خطط الحرب هناك لبقية هذا العام وهذا ما تضمنته تصريحات الجنرال "بتريس" عندما سأل عن التخفيض المزمع لعدد الجنود في شهر يوليو القادم والعودة إلى المستوى السابق للزيادة. وتحدث الجنرال بطريقة غير واضحة عن مدة تبلغ 45 يوماً للتقييم والعرض تتبع بعد ذلك بفترة إضافية مفتوحة المدى لتقصي الأمور. وهو دلاله على أنه يريد إبقاء قوة كبيرة قدر المستطاع للحد من تدهور الحالة الأمنية في فترة قيادته وهذا شيء مفهوم ومقدر من أي قائد ،ولكن أمر الرقم المستقبلي للجنود وكذلك أمر الحد من النشاطات الإيرانية في العراق سيكون من نصيب الرئيس الأمريكي الجديد. والسؤال الآن هو هل باستطاعة الإدارة الجديدة إقناع هذا الخصم اللدود بالوصول لخطة أمنية جديدة في المنطقة كالتي وصفها الجنرال "بتريس" والسفير "كروكر"؟ وهل باستطاعة الولايات المتحدة تخفيض عدد الجنود في العراق دون خلق فراغ يُملئ من قبل الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية؟ من يجرأ على تعليق ناقوس الخطر الإيراني؟ هذا السؤال كان في خلفية الشهادة أمام الكونجرس بالأمس. ويتحدث المسئولون الأمريكيون وحتى المحنكين منهم مثل الجنرال والسفير وكأنهم حديثي العهد بالنشاطات الإيرانية في العراق. وقال الجنرال "بتريس" " إن بصمات الأعمال الإيرانية اتضحت في الأسابيع القليلة الماضية". هذه النشاطات لها تاريخا طويلا. كما إن المحاولات الإيرانية الخفية لإعادة تنظيم نفوذها بالعراق كانت واضحة منذ دخول الولايات المتحدة للعراق في مارس 2003. وقد أعد في ذلك الوقت عددٌ من ضباط المخابرات الإيرانية بالعراق قائمة اغتيالات تضم أسماء أفراد يراد التخلص منهم في الأسابيع والأشهر التي تلت الحرب. كما بعثت إيران بعدد من رجال الدين الدارسين بها من أجل الأخذ بزمام المساجد الشيعية في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق والتي كانت مضطهدة تحت حكم نظام صدام حسين. وقام الإيرانيون بتقديم أكثر من 12 مليون دولار أسبوعياً في معاملات مادية خفية لمساعدة حلفائهم في شهر يناير 2005 مع حلول واقتراب الانتخابات العراقية. وقد تمكن الإيرانيون من اختراق معظم الأحزاب الشيعية الرئيسية وبعض الأحزاب السنية أيضاً. وقد رتب الإيرانيون اللعبة السياسية في العراق بحيث يصبح لهم وجود مع كل التوجهات السياسية بالعراق، بالإضافة إلى علاقاتهم برئيس الوزراء "نور المالكي" وحزب الدعوة الذي ينتمي إليه. ويقوم الإيرانيون بتهريب الأموال لمنظمة "بدر" التابعة للزعيم الشيعي "عبد العزيز الحكيم" والتي تعتبر من المصادر الرئيسية للتجنيد في الجيش العراقي. وتعمل إيران على توفير الأسلحة والتدريبات والقادة لمعظم العناصر المتطرفة في جيش المهدي. وفي الحقيقة يعيش القائد الروحي لجيش المهدي السيد "مقتدى الصدر" في مدينة "قم" الدينية في إيران والذي تعتقد الكثير من مصادر المخابرات بأنه يعاني من حالة اكتئاب نفسي. إنه من الأفضل دعوته للعودة إلى العراق للمشاركه في المناقشات لوضع خطة سلمية. كما ان بإستطاعة الإيرانيون خلق الاضطرابات الجديدة في البصرة وبغداد من خلال مجموعة من العملاء وفي نفس الوقت البدء في المفاوضات لوقف هذه الاضطرابات من خلال مجموعة أخرى من العملاء. بإختصار، هم يجيدون اللعب على أوتار العود العراقي. إن خوض حرب مع إيران هي فكرة سيئة والأسوأ من ذلك هو الخوض في حرب بالوكالة معها، خصوصاً وأن عدداً من حلفائنا المهمين متأثرين بهذا النفوذ. إن أفضل الحجج التي يمكن أن تستخدم كسبب لإبقاء جنودنا في العراق هو مواجهة مد النفوذ الإيراني ،ولكن في نفس الوقت تخفيض عدد الجنود لدرجة تكون مناسبة سياسياً وعسكرياً يعتبر حجة حسنة كذلك, وقد تعطي للولايات المتحدة حرية المناورة مع إيران في المستقبل. بطريقة أو بأخرى يجب على الرئيس الأمريكي الجديد دمج الحلول العسكرية والدبلوماسية للتعامل مع إيران للحد من نشاطاتها المختلفة. ويعتبر الحوار الإيراني الأمريكي عنصر حيوي لاستتباب الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط ولكن أي أتفاق يأتي من موضع ضعف أمريكي وغطرسة إيرانية سيؤدي إلى وقوع كارثة في المنطقة. وكان السفير "كروكر" محقاً عندما قال " يعتبر كل ما يتعلق بالعراق أمر صعب"، خاصة فيما يتعلق بأمر وجود إيران بها. ولقد تلقى كل من الجنرال "بتريس" والسفير "كروكر" أسئلة صعبة بالأمس ولكننا أيضاً سمعنا بعض الكلمات المختصرة الموجة إليهم من المرشحين الثلاثة للرئاسة الأمريكية، السيناتور "جون ماكين" والسيناتور "براك أوباما" والسيناتور "هيلاري كلينتون". كتب المقال : السيد ديفيد إيقناتيوس نشر في : جريدة الواشنطن بوست تاريخ النشر: 9 إبريل 2008
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |