في الذكرى الخامسه .. لاحتلال العراق الوقائع والنتائج

 

د فيصل الفهد

As_the_sky@yahoo.com

ها قد دخل احتلال العراق سنته السادسه ، فما الذي حدث؟ وماذا يمكن أن يحدث الآن وغداً؟

أولاً قبل الاحتلال..

يعرف الجميع أن أعداء العراق والعروبة والإسلام الذين خططوا ونفذوا جريمة احتلالهم  لكلّ منهم أهدافه وخططه حسب مساحات تأثيراته وقدراته في تحقيق ما يصبو إليه ومدى التقاء وتقاطع إراداته مع حلفائه وقربه وابتعاده عنهم في هذه المسألة أو تلك.

ورغم كل ما يمكن أن يحمله هذا الكلام من تشابكات واختلافات في درجات الرؤى والقرب والبعد من هذا الهدف أو ذاك إلا أن الواقع العملي على الأرض أثبت بعد هذه السنوات أن المعتدين لم يجتمعوا على هدف واحد مثل اجتماعهم على استهداف العراق وتدميره وقتل وسبي أهله وسرق ثرواته.

حيث ظهر للجميع على اختلاف أهوائهم أن أمريكا والغرب المتصهينين والكيان الصهيوني والفارسي وأغلب الأنظمة العربية المتهاوية والآيلة للسقوط قد جمعوا كل قواهم الشيطانية لمحاربة قلب العروبة والإسلام ورأس حربتها العراق و لكل من هذه الفئات الضالة هوسه واندفاعه الأعمى للنيل من شعب العراق ونظامه الوطني.

فالإدارة الأمريكية ترى في العراق معوق خطير أمام تطلعاتها في بناء إمبراطوريتها وهيمنتها على العالم، ولأنها الأقوى بين حلفائها فقد وظفتهم ودفعتهم لمشاركتها في خطتها لاحتلال العراق (مثلما يدفع الراعي قطعية بهذا الاتجاه أو ذاك) وهذا ينطبق على كل من شارك في العدوان على العراق واحتلاله سواء كانوا من الأنظمة المحسوبة على العرب أو غيرهم مع ملاحظة أن عدد من الحكام العرب كان لديهم أسبابهم الأخرى (عدا عمالتهم وخيانتهم) في المشاركة في احتلال العراق ومنها أسباب شخصية بحتة!! لاسيما بعد أن تعرت خيانتهم لأمتهم وقضاياها القومية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي كان للنظام الوطني في العراق موقفه المتميز جداً  منها وكان هذا الموقف أحد أهمّ أسباب احتلال العراق .

لقد رفعت إدارة بوش لواء العداء المفضوح للعراق مستخدمة ذرائع متحركة ومسوغات هي أبعد من أن يتقبلها أي إنسان عاقل مثل امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع تنظيمات القاعدة وإن العراق يهدد جيرانه ويشكل تهديداً للأمن والاستقرار العالمي وغير ذلك مما جاد به المطبخ الدعائي للمخابرات الأمريكية والصهيونية.

وكل ذلك يحدث والعالم يدرك تماماً حجم الأكاذيب في كل ما كان يتهم به العراق، ولكن لا أحد قد حرك ساكناً (بشكل حقيقي وفعَّال) لوقف تلك المسرحيات وكل ما كان يحدث هو تجاذب في التصريحات بين أمريكا وبريطانيا الداعيتان إلى اجتياح العراق، وبين روسيا وألمانيا وفرنسا؛ حيث طالبت هذه الدول بالتمهل وإعطاء فرصة لفرق التفتيش لإنجاز مهامها وبين الصين التي وقفت موقفاً حيادياً بين الحق والباطل ودون أن يكلف أي من هذه الأطراف نفسه لاتخاذ موقف منصف حقيقي لمنع الكارثة الكبرى التي ستحل ليس على العراق حسب؛ بل بالعالم.

علماً؛ أن الوقائع اللاحقة أثبتت أن كل ما كان يجري من مناقشات ومواقف، إنما كانت جزء من سيناريو توزيع الأدوار؛ حيث ظهر أن جميع هذه الأطراف قد شاركت بهذا القدر أو ذاك في العدوان على العراق واحتلاله لأن لكل منهم حساباته الخاصة وسنشير إليه لاحقاً.

ثانياً بعد الاحتلال..

أ- ثبت منذ بداية العدوان على العراق في فجر يوم الخميس 20/3/2003 أن هذا العدوان قد خطط له قبل عام 1990 أثناء ولاية جورج بوش الأب، ولا علاقة له بدخول العراق الكويت، ولا بأسلحة الدمار الشامل المزعومة، ولا بعلاقة العراق بتنظيم القاعدة وإن أساس الخطة دراسات وضعت منذ عام 1978 وأجل تنفيذها بسبب وصول الديمقراطيين (بيل كلينتون) الذين رجحوا تنفيذ سياسة الاحتواء المزدوج والضربات الإجهاضية، وتغيير النظام من الداخل بدل سياسة الاجتياح العسكري أو إسقاط النظام الوطني العراقي بالقوة العسكرية الخارجية..

ب- ثبت أيضاً أن الأمريكيين خططوا أيضاً لاحتلال العراق عسكرياً ولم يضعوا خططاً منطقية ناجحة لمرحلة ما بعد الاحتلال وهذا ما أوقعهم في شراك وإشكاليات خطيرة لن يتمكنوا الإفلات منها إلا بهروبهم (الأكيد) من العراق؛ حيث أصبح العراق في حالة فوضى عارمة (  أطلقوا عليها الفوضى الخلاقة ) ضاع فيها الحابل بالنابل وضاعت خيوط اللعبة وانفلت كل شيء، وأصبح الموت العنوان الأكبر الذي يجابه الجميع وينتظرهم ويتوعدهم سواء كانوا عراقيين أم أمريكيين أم حلفائهم وعملائهم..

بل والأنكى من ذلك أن الأمريكيين وبسبب (غبائهم المعهود) قدموا العراق لقمة سهلة للنظام الإيراني ألصفوي يلوك بها كما يشتهي.

ج - ثبت كذلك فشل كل مشاريع الاحتلال وعملائه في تحقيق أي من وعودهم الوردية ابتداءً من كذب إدارة بوش من أن مهمتهم في العراق ستكون أشبه بالنزهة وسيستقبل جنوده الغازين بورود العراقيين ثم استعجاله بإعلان انتهاء العمليات العسكرية من على ظهر إحدى حاملات الطائرات ثم أحاديثهم المطولة عن إعادة إعمار العراق وبناء التجربة الديمقراطية النموذج وتعميمها على دول المنطقة وبناء العراق الجديد؛ فالواقع اليوم يثبت أن أي من هذه الادعاءات لم ولن ترى النور لأن المحتل الذي قتل العراقيين ودمر بلدهم وسرق ثرواتهم واعتدى على شرفهم لا يمكن أن يغير منهجه فالمتخصص في القتل والدمار لا يتقن غيرهما حتى وإن وعد لأن وعده باطل.

د - ثبت كذلك أن ادعاء المحتلين عن وجود خيانات في قيادات جيش العراق الوطني الباسل كانت افتراءات وأكاذيب للإساءة لهذا الجيش العظيم الذي أصبح بعد الاحتلال العمود الفقري لأسرع وأطهر وأقوى وأشجع مقاومة وطنية في التاريخ البشري المعاصر وقيادات هذا الجيش هم في مقدمة من يذيق الأمريكان وعملائهم علقم الموت والهزيمة في كل لحظة وفي كل شبر من أرض العراق الموحد.

هـ - ثبت أيضاً أن كثير من الدول المهمة في العالم أوربية وآسيوية كانت تريد لإمبراطورية الشر أمريكا أن تورط نفسها في الرمال المتحركة العراقية لتؤمن شرها وتقلل من ضغوطها عليهم وهذه الدول تمارس اليوم أدوار في السر والعلن من أجل إيصال الثور الأمريكي إلى حافة الانهيار وبدرجة لا تمكنه من فرض وصايته على أوربا والصين واليابان علماً بأن هذه القوى لم تجرأ حتى اليوم على أن تقدم أي من الدعم إلى الشعب العراقي مثلما لم تقل كلمة حق يجب أن تقال لإنهاء الاحتلال واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية الكاملة.

و - ثبت أن قضية العراق وتداعياتها قد أتت على ما تبقى من الشرعية الدولية ووجود الأمم المتحدة ودور مجلس الأمن، ولم يعد من هذه المسميات إلا كلمات تردد هنا وهناك دون أن تعني شيء أو تؤثر في شيء وبهذا فإن على العالم الحر الذي سيتشكل بعد هروب الأمريكان من أرض العراق الطاهرة أن يعمل على تشكيل مؤسسات جديدة جدية تحمل من المصداقية والقدرة على تحقيق العدالة الدولية ما يؤهلها لقيادة عالم متوازن يتحقق فيه الأمن والاستقرار والتعاون الدولي بدل الاحتراب والفوضى والانحياز للكبار على حساب المستضعفين.

ز - ثبت كذلك أن الأسلوب والطريقة التي جابه بها شعب العراق الشجاع المؤمن بالله والوطن الاحتلال وعملائه وما يوقعه فيهم من خسائر فاقت التصورات والحسابات قد شجع شعوب كثيرة لأن تقول (كلمة لا) للعنجهية والعدوان الأمريكي كما أن غرق الأمريكان وعملائهم في المستنقع العراقي سبب أساسي دفع الأذى والعدوان عن دول أخرى رغم أن هذه الدول لم تستثمر ذلك بالطريقة والأسلوب المناسبين بما يخدم شعوبهم ويدعم كفاح شعب العراق وعلى هذه الدول أن تدرك أن عدم اجتياحها من قبل الثور الأمريكي الهائج هو بسبب بطولة وتضحيات الشعب العراقي وليس لأي سبب آخر!!

ح - إن أهم ما يمكن أن يقف عند حدوده الجميع سواء كانوا مع الشعب العراقي أم عملوا ضده هو مصداقية قيادة العراق وافتراء أعدائها فكل الوقائع تثبت أن العراقيين كانوا صادقين في كل ما قالوه ابتداءً من تأكيدهم عدم وجود أسلحة الدمار الشامل مروراً بوجود تناقض في الرؤى بين الإيديولوجية التي نؤمن بها وبين توجهات القاعدة وصولاً إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي قد أكدَّ مراراً وتكراراً أن استهداف العراق هو استهداف لكل قيم الأمة العربية والإسلام وإن مخطط العدوان على العراق واحتلاله سيصب في خانة الصهاينة والصفويين وسيجهض المشروع العربي الإسلامي التحرري الإنساني وسيزيل أهم عقبة أمام الأمريكان والصهاينة في تحقيق مشروعهم الكوني للهيمنة على العالم.

ط - أثبتت الوقائع أن العراقيين قد أعدوا مشروعهم للعمل المقاوم قبل الاحتلال بفترات زمنية مناسبة وهيئوا مستلزماته وأسلوب إدارته بطريقة فريدة من نوعها فاجأت الأصدقاء والأعداء بعكس الأمريكان الذين خططوا للغزو باعتباره نهاية المطاف ونستذكر هنا تصريحات المسئولين بأن الغزاة سينتحرون عند أسوار بغداد وها هم ينتحرون في كل ساعة هم وعملائهم عند أسوار بغداد العظيمة وكل مدن العراق الحبيبة الغالية.

ي - رغم كل محاولات الأمريكان واستعانتهم بالخبرات والإمكانيات في إرساء هيكله سياسية لحكم يمكن أن يتستروا خلفه إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع لاسيما عمليتهم ألسياسيه التي ولدت ميتة  مرورا بمجلس الحكم سيء الصيت إلى الحكومات المتعاقبة إلى المهازل الانتخابية والدستور الصهيوني؛ بل والأنكى من ذلك أن كل هذه الممارسات زادت من ورطة الاحتلال وعقدت مهمته وأضافت عليه أعباء أثقلت كاهله المريض أصلاً وأصبح يفتش هنا وهناك عله يجد علاجاً مسكناً وحاول أن يسخر عملائه الآخرين في الأنظمة العربية وجامعتهم التي أصبحت وسيلة للبغاء الرسمي العربي والنتيجة في كل هذه المحاولات كانت وستبقى فشل آخر وتورط أكبر في حيثيات القضيّة العراقية التي ما عاد أمام حلها إلا خيار واحد لا مثنى له ولا ثلاث وهو خروج الاحتلال اليوم قبل غد فلا عاصم له ولعملائه من انتقام الشعب العراقي إن استمروا بغيهم وصلفهم وأصروا على الاستمرار بعدوانهم وإيذائهم للعراقيين.

لقد ضحى الشعب العراقي بأكثر من مليوني من أبنائه ولا يزال عدا أمثالهم الذين يقبعون في المعتقلات سواء كانت معتقلات الاحتلال أو معتقلات عملائه وعملاء الصفويين في الحكومة المنصبة على الشعب وهذا هو جزء من الضريبة التي ندفعها في مواجهة طاغوت العصر والشراذم التي جاءت معه لاحتلال وتدمير بلدنا ولكن في المقابل فإن خسائر المحتلين وعملائهم البشرية والمادية ربما هي الأكثر أهمية عدة وعدداً.

فالعراقيون عندما يستشهدون فإنهم يؤدون واجباً مقدساً دفاعاً عن أرضهم وعرضهم ويفوزوا برضا الله ويدخلوا جناته خالدين وهذه جل غاياتهم أما المحتلين وعملائهم فهم قد خسروا الحياة الدنيا والآخرة هذا عدا ما يترتب على الإدارة الأمريكية من استحقاقات ونتائج كارثية في مقدمتها قصم ظهر الجيش الأمريكي لاسيما قوته الضاربة (المارينز) فواقع الحال أثبت أن نصف القوات الفعالة للجيش الأمريكي أصبحت الآن خارج الخدمة بسبب مقتل عشرات الآلاف منهم وعوق أضعاف ذلك بسبب العمليات العسكرية المنظمة والدقيقة للمقاومة الوطنية العراقية.

هذا عدا الاعتراف الصريح للمسؤولين الأمريكيين بوجود أكثر من 150000 حالة إصابة (بعوق نفسي) عدا انتشار ظاهرة الانتحار في صفوف القوات الأمريكيّة وهذا ما يؤكد المعلومات التي تشير بأن عدد القوات التي اشتركت في احتلال العراق وعملت فيه طيلة السنوات الثلاث الماضية هو إضعاف ما يذكر عادة في تصريحات المسؤولين الأمريكيين أي أن الرقم الصحيح هو ليس 135 ألف جندياً؛ بل إضعاف ذلك.

حيث أشارت بعض التقارير السرية المسربة عن وزارة الدفاع الأمريكية أن عدد القوات الأمريكية التي شاركت في احتلال العراق منذ 20/3/2003 وحتى منتصف 2005 (990) ألف جندي.

ومع ذلك فإن كل هذه القوات ومعها القوات الحليفة وميليشيات عملائهم لم تستطع أن تبسط نفوذها على الأرض فجميع هذه القوات لا هم لها سوى حماية نفسها وهي عاجزة تماماً عن تحقيق ذلك ولهذا نؤكد أن من لا يستطيع توفير الحماية لقواته لن يستطيع تأمينها للعراقيين؟!

ك – وهنا لابدّ من لفت الانتباه إلى ظاهرة مهمة جداً أخذ مداها يتعمّق داخل الشعب العراقي لا سيّما في مناطق الفرات الأوسط والجنوب وحتّى في أربيل والسليمانية ودهوك حيث أصبحت هذه المناطق تعيش حال من الغليان بعدما نفضت أيديها من كلّ الوعود التي طالما تشدّق بها المحتلين وعملائهم وأصبح كلّ العراقيين مدركين أنّهم كانوا هدفاً للأكاذيب والتضليل إلى درجة أنّ الجميع أصبح متيقناً أنّهم فقدوا نظامهم الوطني الذي كان يوفّر لهم الكرامة والأمان والعيش المناسب ، وجاء الاحتلال ليفرض عليهم ثلّة من المجرمين والخونة والقتلة واللصوص الذين ما انفكوا يستخدمون الشعائر الدينية المزيفة لتمرير مخططات الاحتلال وعملائه المرتبطين بالنظام الإيراني الصفوي .. كلّ ذلك والشعب العراقي يدفع الثمن أنهاراً غزيرة من دماء أبنائه والرابح الوحيد هو المحتل وذيوله الخائبة في الحكومة العميلة .

وبهذا المعنى فإنّ الشعب العراقي أصبح من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه موحداً قلباً وقالباً ضدّ الاحتلال وعملائه وجلاوزته وهو ينتظر اللحظة المناسبة ليجهز على كلّ من أسهم بأيّ شكل من الأشكال باحتلال العراق .

إن الحقيقة المطلقة على الأرض اليوم في العراق تشير بوضوح إلى أن الهيمنة الكاملة هي للمقاومة الوطنية العراقية وإن قوة واقتدار هذه المقاومة وسيطرتها والتفاف العراقيين حولها وفعالية تنظيمها وتطورها يزداد بشكل مثير مقابل انحسار الاحتلال وعملائه وبما يؤشر قرب انهيار الهياكل الكارتونية المزيفة التي أراد المحتلين إضفاء الشرعية عليها وبما يعني سقوط آخر معاقل الاحتلال واندحاره ليشهد العالم (كما أكدنا ونؤكده الآن) فصلاً مشابهاً لفصل الهروب الأمريكي من سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية ولكن هذه المرة سيكون من بغداد الحبيبة لتعود عاصمة الرشيد والعروبة والإسلام منارة لكل الأحرار والشرفاء في العالم الجديد الذي سيكون للعراقيين حصة الأسد في بناء صرحه لأنهم كسروا شوكة الشيطان الأمريكي وعملائه بتضحياتهم وبطولاتهم وعقولهم الجبارة التي هي مصدر فخر واعتزاز العرب والمسلمين وكل أحرار الدنيا وإن غد النصر لناظره قريب

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com