باتريوس أكثر عراقية من المالكي

 

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

أدلى الجنرال ديفيد باتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق بجملة من التصريحات الهامة خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم أمس في واشنطن. ويدور محور هذه التصريحات حول كيفية تعامل الحكومة العراقية مع ملف التيار الصدري الذي يعتبر اليوم واحدا من أكثر الملفات سخونة في الواقع العراقي الراهن. ويمكن إعتبار هذه التصريحات خارطة طريق وضعها باتريوس للحكومة العراقية ورئيسها نوري المالكي حول كيفية التعاطي مع التيار الصدري في هذه المرحلة الحساسة  والحرجة التي يمر بها العراق والتي لاتتحمل أزمات جديدة. 

بدأ الجنرال باتريوس حديثه بتثبيت جملة من الحقائق المتعلقة بهذا التيار وأولها إعتباره السيد مقتدى الصدر الواجهة والقيادة السياسية لهذا التيار وبذلك فإن باتريوس قد وضع بقوله هذا خطا أحمر لأي محاولة من الحكومة لأقصاء أو تهميش السيد مقتدى الصدر من الحياة السياسية العراقية، فهو قائد لحركة سياسية لها حضورها القوي في الساحة. ومن ثم يؤكد الجنرال باتريوس على حقيقة أن التيار الصدري حركة سياسية  فهو ليس عصابات كما أراد المالكي أن يصوره خلال صولته الأخيرة وكما تعامل معه أخيرا وذلك بعدم دعوته للكتلة الصدرية لحضور الأجتماع الأخير الذي دعا إليه جميع الكتل السياسية مستثنيا التيار الصدري في إشارة واضحة إلى  إعتباره التيار عصابة خارجة على القانون وليس تيارا سياسيا. 

ثم لا يكتفي باتريوس بوصف التيار الصدري على انه حركة سياسية فحسب وإنما يصفه بالحركة السياسية الهامة وذلك لمعرفة باتريوس بحجم التأييد الشعبي الذي يحظى به التيار بين صفوف العراقيين، فهذا التيار له جمهوره الذي لا يستهان به والذي يفوق جمهور العديد من الحركات السياسية العراقية وبعشرات المرات وبضمنها حزب المالكي وجناحه الحزبي الذي لا يملك سوى تسع مقاعد برلمانية من مجموع مقاعد البرلمان العراقي والبالغة مئتين وسبعون مقعدا!.  

ولذلك فإن هذا التيار  شرعي بل إنه أكثر شرعية من المالكي وحزبه الذي لم يكن ليحظى بهذا العدد من المقاعد البرلمانية لو دخل الأنتخابات منفردا، والفضل كل الفضل يعود للمرجعية الدينية التي أدخلت حزب المالكي في قائمة الأئتلاف. ومن هنا وصف الجنرال باتريوس  هذا التيار بأنه  شرعي وهام للغاية  نظرا لحجم التأييد الشعبي الذي يحظى به ونظرا للثقل الذي يتمتع به داخل البرلمان العراقي. ومن ثم يوجه باتريوس ضربة لكل المشككين بعراقية التيار الصدري وبأنه ينفذ أجندة غير عراقية وذلك بوصفه لهذا التيار بأنه حركة سياسية عراقية وبذلك فإن باتريوس قد سحب البساط من تحت أرجل كل أولئك الراغبين بضرب التيار بحجة أرتباطه بدول أجنبية.

 

لقد رسم الجنرال باتريوس بتصريحاته هذه خارطة طريق للحكومة العراقية في كيفية تعاملها مع التيار الصدري مذكرا إياها بجملة من الحقائق المتعلقة بهذا التيار والتي يحاول رئيس الوزراء العراقي تجاهلها لغاية في نفس يعقوب . واولها أن هذا التيار هو الذي أوصل المالكي لسدة الحكم ولولا دعم التيار للمالكي لكان من المستحيل حصوله على رئاسة الوزراء.  

لقد وجه باتريوس بتصريحاته هذه ضربة موجعة للمالكي المتعطش للقضاء على التيار الصدري وإخلاء الساحة السياسية منه طمعا في الفوز بالأنتخابات المحلية القادمة والتي لا يملك المالكي وحزبه أي حظ للفوز بها في أغلب المحافظات العراقية. ولقد وجه باتريوس ضربة موجعة لكل الجهود التي بذلتها وتبذلها العديد من القوى السياسية وعلى رأسها حزب المالكي في محاولة لأقصاء هذا التيار الذي دعا باتريوس الحكومة العراقية الى التواصل معه ومد اليد إليه بدلا من قتاله وإقصاءه وتهميشه كما فعل المالكي أخيرا بتغييبه الصدريين من إجتماعه مع الكتب السياسية المختلفة. 

وهنا لا بد من الأشارة الى ان تصريحات باتريوس هذه لا تبتعد كثيرا عن دعوة رئيس الوزراء السابق الدكتور الجعفري والتي دعا من خلالها الحكومة الى إحتضان التيار بدلا من قتاله والتي لم تلق أذانا صاغية من لدن المالكي ومستشاريه الذين وصفوها بأنها تهدف الى تحقيق مكاسب سياسية. كما وأنها تلتقي مع دعوة رئيس الجمهورية الدكتور جلال الطالباني والتي دعا من خلالها للتواصل وإشراك التيار في الحكومة القادمة. 

ومن المفارقات العجيبة أن تصدر هذه التصريحات المتعلقة من قائد عسكري لجيوش أكبر قوة عسكرية في العالم  وهو الذي يجيد لغة القتال والحرب قبال مواقف وتصريحات تدعو لأقصاء وقتال تيار سياسي عراقي تصدر من رئيس وزراء ينتمي لحزب يدعي الدعوة الى الله والأستهداء بالقواعد الأسلامية في عمله السياسي . لقد أثبت باتريوس بهذه التصريحات بأنه أكثر عراقية من المالكي ومستشاريه الذين لا يفكرون الا بالسلطة وبالحفاظ على المكاسب السياسية التي تحققت لهم بفضل التيار الصدري الذي يطعنوه اليوم في الظهر. 

وبعد هذه التصريحات التي ستقلب الطاولة السياسية رأسا على عقب على رؤوس المراهنين على عزم امريكا إقصاء التيار الصدري والتي إعتمد عليها المالكي ومستشاريه فما على قادة  التيار الصدري اليوم سوى التصرف بعقلانية وقراءة هذه التصريحات قراءة واعية ومن ثم تفويت الفرصة على المالكي وغير المالكي ممن يحاول إقصاء التيار، وذلك بالمبادرة لفتح باب حوار مع الأدارة الأمريكية يعجل في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق ويساهم في عودة الأستقرار اليه .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com