ذاكرة المستقبل .. مشكورة يا بغداد ً
 

 

جمعة اللامي

Juma_allami@yahoo.com

الليل والنهار عليّ سواء

وليلُ المحبّ بلا آخر

(خالد بن يزيد)

في ذلك الصباح الربيعي، صباح يوم التاسع من شهر نيسان/ ابريل/ ،2003 عندما ظهرت الدبابتان الأمريكيتان على “جسر الأحرار” ببغداد، قال البوشيون: “سقطت بغداد”. وقال العرب: “احتلّ العراق”.

وقال غريب المتروك: هذا عراق جديد، حقاً، لأن ما جرى في “حي البتاوين” سنة ،1958 سوف يعود مرة أخرى.

وقبل أن أبسط بين أيديكم ماذا أراد غريب المتروك بقوله هذا، دعوني أسر عليكم حكاية بيت شعر خالد بن يزيد، الذي جعلته عنق مقالة هذا اليوم.

يحدث أن يقوم أحد الناس بقطع عنق أحد أبناء آدم، وهو لا يدري، أو يدري.

ولو وضعنا هاتين الحالتين، أما شاعر، كما هو خالد بن يزيد، أو شاعر سندي، كما هو طاغور، لتحول القبح الى جمال، والناقص الى كامل، وهذه هي جوهرة الشاعر عندما يختار الشعر، وجوهر الكاتب حيث يكون النثر على يديه شعراً.

والبيان سحر.

وقيل لخالد بن يزيد، وهو (خالد الكاتب) كما تعملون، من أين قلت في قصيدتك “وليل المحب بلا آخر”.

فأجاب: وقفت على بابٍ وسائل عليه مكفوف، وهو يقول: “الليل، والنهار عليّ سواء”، فأخذت منه هذا البيت.

أما طاغور، فقد كان يسير في طريق، حيث أولاد يلعبون، وشاهد على جدار أحد المنازل خطاً منحنياً رسمه تلميذ غر بقطعة طباشير، فأخذ طاغور قطعة طباشير من أحد الأولاد اللاهين، ومرره على ذلك الخط، وجعل منه شكلاً أقرب الى الجسد الإنساني.

منذ تسع وعشرين سنة، كتبت حكاية طاغور هذه، هنا أكثر من مرة، كما كتبت حكاية الجدار الذي في “حي البتاوين”، ببغداد، مرات ومرات في “ذاكرة المستقبل” أيضاً.

في صيف سنة ،1956 وفدت على بغداد، فتى حصل على المركز الأول بامتحان البكالوريا على المنطقة الجنوبية، والمركز “الأول مكرر” على العراق برمته، وكان أول ما واجهني بالعاصمة العباسية، شعار محفور على جدار أحد منازل “حي البتاوين” هذا نصه:

- “نريد خبزاً لا رصاصاً”.

وعلى مبعدة شارع واحد من ذلك الشارع، كان ثمة شعار آخر هذا نصه: “الموت لخونة العراق”، كتب بقطعة طباشير.

بعد سنتين من ذلك التاريخ، كنت أحد الشهود على قيام عراقيين غاضبين بسحل رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، لأنه ربط بلاده باتفاقيات غير متكافئة مع بريطانيا.

فكيف يكون مصير من قالوا للأمريكان “تعالوا احتلوني؟”

مشكورة يا بغداد، سلفا

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com