لو قاوم كافة شيعة العراق الإحتلال الأمريكي...
د. حامد العطية
hsatiyyah@hotmail.com
لو كان نيل المطالب بالتمني لكانت تلك أولى إمنياتي، ومن المؤكد بأن ليس كل ما في الدنيا يؤخذ غلاباً، ولكن في هذه الحالة ليس هنالك من بديل سوى الغلبة، فأما أن تكون للشعب العراقي وقواه المؤمنه بدينه ووطنه وأما أن تكون للمحتلين الأمريكان، وكل ماعدا ذلك من إدعاءات لأعوان المحتلين والمستقوين بهم على جماهير الشعب الرافض للاحتلال محض كذب وافتراء، فالأمريكان لم يأتوا لتحرير العراق بل لاحتلاله، وهم وحلفاؤهم الصهاينة وغلمانهم من حكام العرب يريدون عراقاً ضعيفاً مقسماً، والأمريكان لم يمنعوا قيام حرب أهلية بل هم اشعلوا شرارتها عندما تحدوا الإرهابيين لمنازلتهم على أرض العراق، وتركوا الحدود مفتوحة ليدخلها إرهابيو القاعدة حلفاؤهم بالأمس وخريجو كتاتيب الوهابية السعودية، وحرموا على العراقيين العزل الدفاع عن أنفسهم، وإذا كان الأمريكان أنفسهم يعلنون جهاراً بأنهم احتلوا العراق خدمة لمصالحهم الاستراتيجية والاقتصادية فكيف يجرؤ عراقي على تنزيه مقاصد المحتلين الأمريكان؟
العراقيون على اختلاف أديانهم وطوائفهم وإثنياتهم، وعلى الرغم من الخلافات السياسية العميقة بين فئاتهم، مجمعون على معارضة الاحتلال، مهما كان نوعه، وحتى لو كان له منافع عرضية أو غير مقصودة، وهم بذلك لا يختلفون عن الهنود الحمر والماوماو والفيتناميين والهنود، وحتى الأمريكان وجلهم مستوطنون نازحون من بريطانيا عندما حاربوا القوات البريطانية المحتلة لنيل الاستقلال، ولا يشذ عن قاعدة معارضة الاحتلال سوى ثلة قليلة من العراقيين، الذين وجدوا في الاحتلال جسراً للعبور عليه نحو الاستئثار بالسلطة والتسلط على العراقيين وتحقيق مآربهم الشخصية الأخرى، ولو على حساب دماء ودموع أبناء شعبهم، وقد استثمر هؤلاء الهجمات الإرهابية ليضعوا الناس بين اختيارين لا ثالث لهما: أما الرضوخ للاحتلال ومخططاته أو المخاطرة باكتساح الإرهابيين لكافة مناطق العراق، وما يجره ذلك من مجازر جماعية وتهجير لغالبية العراقيين، وعندما حاول بعض الشيعة التصدي بما لديهم من أسلحة بسيطة للإرهابيين الطائفيين صنفهم أعوان المحتلين ضمن الخارجين على القانون، وحاربتهم قوات الحكومة والاحتلال بضراوة لم تشهدها عملياتهم ضد الإرهابيين.
من المفجع أن معظم العراقيين ساهموا، ولربما بعضهم من دون قصد، في إضعاف أنفسهم تجاه المحتلين واسدوا خدمات كبيرة لهم، فعندما يقتل الإرهابيون السلفيون وأعوان النظام السابق المندثر الشيعة المدنيين العزل يثيرون الفتنة الطائفية ويصرفون اهتمام الشيعة عن مقاومة المحتلين، والرابح الوحيد من ذلك هو المحتل، ووفر المتهافتون على المشاركة في العملية السياسية تحت الحراب الأمريكية وما فرضته من محاصصة إثنية وطائفية خبيثة، نوعاً من الغطاء الشرعي للإحتلال، وأضفوا مصداقية على وعوده الجوفاء حول بناء نظام ديمقراطي تعددي في العراق، وقد كان لادعاءات بقايا النظام الطاغوتي السابق والإرهابيين حول مشاركتهم في مقاومة المحتلين، وهي في معظمها مختلقة، تأثيرات سلبية على المقاومة، إذ دفعت بالكثير من العراقيين إلى اتخاذ موقف المتفرج وعدم المشاركة في المقاومة تجنباً للقتال في خندق واحد مع الإرهابيين والبعثيين وبانتظار نشوء جبهة مقاومة واسعة، تستثني من صفوفها جلادي البعث والطائفيين السلفيين وأشباههم، وهنالك من العراقيين من سكت على الاحتلال لأنهم صدقوا كلام بعض المتعاونين مع المحتلين بأن أمد الاحتلال قصير، وبأنهم سيكونوا أول المقاومين للمحتلين لو رفضوا الانسحاب سلمياً، وها نحن نشهد اليوم تسويقهم لإبرام معاهدة شاملة مع المحتلين، هي أسوء في تبعاتها على سيادة واستقلال العراق من معاهدات وأحلاف العهد الملكي البائد.
قياساً على ثورة العشرين فإن مقاومة الإحتلال الأمريكي، حتى الآن على الأقل، محدودة وضعيفة، ناهيك عن تشوه صورتها نتيجة تزامنها مع العمليات المسلحة لبقايا البعثيين بأمل استعادة سيطرتهم وكذلك الحرب الطائفية التي تشنها الجماعات السلفية الإرهابية على الشيعة، والتي تكمن الأيادي الأمريكية والسعودية من خلفهما، وفي الوقت ذاته يلوذ غالبية العراقيين بالصمت والسكون منتظرين انجلاء الموقف وقد فاقت ضحاياهم مئات المرات قتلى وجرحى المحتلين، وعلى هذه الخلفية يقفز إلى الذهن السؤال، ليس من باب الفضول العقلي فقط وإنما للإتعاظ واستدرار الفائدة: ماذا لو قاوم معظم العراقيين الإحتلال؟
أقول وكلي ثقة بأن اتفاق العراقيين- باستثناء البعثيين والإرهابيين- على مقاومة المحتلين هو الجسر الوحيد للعبور نحو الاستقلال الكامل والحرية والديمقراطية والتنمية للجميع، ولو بادر جميع الشيعة، بقيادة مراجعهم الدينية وحركاتهم السياسية، لمقاومة الأمريكان منذ الشهور الأولى بعد الاحتلال، حتى بالوسائل السلمية، مثل الإضرابات والإحتجاجات والمظاهرات والعرائض وكسب التأييد العالمي الرسمي والشعبي، لكان ذلك كافياً في تقديري لإجبار المحتلين على المغادرة في ظرف ستة أشهر، ولتحققت فوائد عظيمة للعراقيين وأمكن تجنب الكثير من الويلات التي وقعت عليهم بسبب الإحتلال، ومن أهم هذه الفوائد والإيجابيات ما يلي:
- تركيز اهتمام وجهود وموارد العراقيين حول هدف مركزي، يحظى بأهمية قصوى دينياً ووطنياً مما سيوحد صفوفهم، ويقلل من احتمال اختلافهم وتفرقهم، ويرفع من روحهم المعنوية، ويعزز ثقتهم بأنفسهم، ويفجر طاقاتهم الكامنة، ويهيئهم لإنطلاقة موفقة بعد التحرير.
- قطع الطريق على دخول الإرهابيين إلى العراق، لأن المحتلين سينشغلون بالتعامل مع مقاومة العراقيين لهم، ولن يكون بمقدورهم تحويل العراق إلى ساحة صراع مفتوحة مع الإرهابيين، ولو تمكن بعض الإرهابيين من التسلل إلى الداخل فسيتعامل العراقيون الوطنيون المنضوون وراء هدف التحرير معهم باعتبارهم مخربين ويحكمون على المتعاونين معهم بالخيانة العظمى.
- تجنيب ملايين العراقيين الأبرياء المآسي والويلات التي حطت بساحتهم نتيجة الإحتلال وما جلبه من إرهاب وعمليات عسكرية وفوضى، وما نتج عنه من استشهاد ما يقارب المليون عراقي، وتشريد أربعة ملايين منهم داخل وخارج العراق وزرع القلق والاضطراب والريبة في نفوس غالبيتهم.
- منع ظهور الفتنة الطائفية التي أدت إلى التقاتل والتهجير المتبادل وفقدان الثقة بين الطوائف العراقية وإضعاف الوحدة الوطنية، وسيعتبر العراقيون كل من يثير الطائفية ويحرض عليها مندساً يهدف لإضعاف صفوفهم امام المحتلين، ولن يجد الطائفيون لدى العراقيين إذناً صاغية.
- إفشال مخطط تقسيم العراق إلى دويلات أو كانتونات إثنية وطائفية تمهيداً لاختفاءه من على الخريطة السياسية والجغرافية، وهو الهدف المشترك لأعداء العراق من الأمريكان والصهاينة والأعراب.
- ستكون معركة التحرير، حتى لو اقتصرت على وسائل اللاعنف، مجال اختبار لقدرات وكفاءات الجماعات السياسية المشاركة فيها، وستكشف تحديات هذه المرحلة عن القادة الأكثر اقتداراً الذين يبرهنون عملياً على إخلاصهم واستقامتهم وبراعتهم في قيادة وتنظيم المرحلة وتوفير مستلزماتها، وسيكافئهم العراقيون في مرحلة ما بعد زوال الاحتلال بالتقدير الرفيع والتصويت لهم لو اختاروا المشاركة في العملية السياسية، وسيكون من غير المحتمل وصول قائمة أو مرشحين إلى مجلس النواب أو الحكومة على أساس انتماء طائفي أو مباركة قادة دينيين فقط.
- منع تفشي الفساد الإداري، إذ سيكون قادة حركة المقاومة وما يتصفون به من إخلاص واستعداد للتضحية القدوة الحسنة لكافة العراقيين، الذين لن يقبلوا بوجود مفسدين ومنحرفين بين صفوفهم.
- سيكون الإنسحاب الأمريكي تحت ضغط قوى الشعب العراقي انتصاراً باهراً للعراق يرفع من مكانته بين شعوب المنطقة والعالم، ويعزز من قدراته على أداء الدور اللائق به، ويمكنه من الحصول على كافة حقوقه الإقليمية، كما سيرتدع أعداؤه من التآمر عليه والتدخل في شؤونه.
- عندما ينتصر العراق في معركة تحرير أرضه من الإحتلال فسيكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافه التنموية، نتيجة الزخم الكبير لذي ستخلفه المجابهة الناجحة مع المحتلين، وكذلك المعنويات العالية التي سيتمتع بها العراقيون المنتصرون.
- سيكون انتصار العراق بفرضه الجلاء على المحتلين رسالة بليغة إلى كل دول وشعوب العالم بأن أمريكا غير قادرة على بسط هيمنتها وفرض ثقافتها ونظامها السياسي والاقتصادي، مما سيساهم في إفشال مخططاتها الإقليمية والتعجيل بإسقاط الحكومات المستبدة المتحالفة معها والتي لا تخفي عداءها للعراق وسعيها الحثيث لإضعافه وتقسيمه.
هذه بعض الفوائد والمزايا العظيمة التي كانت ستتحقق لو أعلن كافة قادة العراق، كما فعل أجدادنا في ثورة العشرين العظيمة، مناهضتهم للإحتلال، واتكلوا بعد الله على سند العراقيين الوطنيين، ولو حدث ذلك لأجبروا المحتلين على الإنسحاب في أقل من ستة شهور، وبتضحيات محدودة، ولكن عبيد السلطة والمناصب استعانوا بالمحتلين لفرض سيطرتهم على العراقيين، وتستروا وراء الوجود العسكري للمحتلين ليستأثروا بالمناصب السياسية والإدارية والعسكرية، وتعاونوا مع قوات الإحتلال في قتال المقاومين الوطنيين من أتباع التيار الصدري واغتيال زعماءهم وفرض العقوبات الجماعية على مناطقهم، وقد وفر هؤلاء المتسلطون في الحكومة والبرلمان الحجة والذريعة والفرصة للمحتلين لاستمرار احتلالهم وتحقيق أهدافهم الخبيثة وللإرهابيين وبقايا النظام البعثي البائد للإمعان في عملياتهم الإرهابية والتخريبية بدعوى مقاومة الإحتلال، فلا غرابة أن نجد بأن المحتلين الأمريكان والإرهابيين وأتباع النظام الطاغوتي وكذلك أركان النظام السياسي الفاسد يتفقون على معاداة التيار الصدري، لأنه التنظيم الشعبي الوحيد الذي يقاوم المحتلين ويحمي مستضعفي العراقيين من الإرهابيين ويعارض عودة البعثيين إلى الحياة السياسية، والآن وقد أدرك معظم العراقيين هذه الحقائق، فقد حان الآوان لكي يمدوا يد العون للصدريين في مقاومة الإحتلال وتطهير العراق من الإرهابيين والبعثيين، فالفرصة لم تضع بعد لكي يتوحد العراقيون وراء هذه الأهداف السامية، وجني ثمارها الطيبة بعون الله.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب