|
جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا عضوألأتحاد الدولي للصحافة وعضومنظمة العفوالدولية من يتابع كتاباتي المتواضعة يعلم جيداً مدى حبي وتقديري وأعجابي بالزعيم الخالد الشهيد / عبدالكريم قاسم ، ذلك البطل الذي نذر نفسه لخدمة أبناء شعبه ووطنه.. فالشهيد لايحتاج الى شهادة أحد .. لقد أثبت على أرض الواقع بأنه كان من والى الشعب ... ألأمثلة وألأدلة بالعشرات.. لابل بالمئات . وبالمقابل من الطبيعي أن يكون لي موقف مغاير تجاه المرحوم الرئيس / عبد السلام محمد عارف الذي كان أخاً وصديقاً ورفيق درب للشهيد الزعيم / قاسم ومع ذلك أنقلب عليه في الثامن من / فبراير 1963 وألأدهى أنه وجماعته أغتالوه من غير محاكمة أو تحقيق يذكر.. لذلك أكرر وأقول .. نعم .. موقفي من عبدالسلام عارف وجماعته لايمكن أن يتغير !!. ولكن مع هذه وتلك هذا لايعني أن المرحوم / عبد السلام عارف لم تكن له أيجابيات في حياته الرئاسية .. أكيد هنالك نقاط يجب أن تذكر !!. من أهم النقاط بعيدا عن السياسة ( رجاء.. رجاء.. رجاء ) تواضعه وعيشته فقط لاغير.. حيث يكفي أن أذكر هذه المقدمة لأحد الضباط الذين رافقوه لفترة من الزمن : [ بغداد: صدر مؤخراً كتاب جديد بعنوان "عبدالسلام محمد عارف كما رأيته" تحدث فيه مؤلفه الدكتور صبحي ناظم توفيق عن تجربته كحارس لمنزل رئيس الجمهورية العراقي عبدالسلام عارف. ويزخر الكتاب بالكثير من المعلومات الجديدة الشيقة حول الرئيس / عارف . كان منزل عبدالسلام عارف عندما كان رئيساً للعراق متواضعا جدا، وفي منطقة شعبية، وكان يخلو من وجود هاتف، حيث امر عارف بنقل هاتف منزله الي مقار حماية داره بعد ان اعتذرت بدالة الاعظمية عن نصب هاتف للحماية لعدم توفر خط شاغر!!!. وكان ابناء الرئيس وبناته يذهبون الي مكتب الحماية في حال اضطروا لإجراء مكالمات هاتفية !!. ويروي الدكتور صبحي ناظم ان زوجة الرئيس كلمته مرة واحدة في حياتها حين استدعته لتشكو له بصوت خافت تصرف احد جنوده ازاء ابنة جيرانهم. ويقول د. صبحي ناظم توفيق ان من الامور التي كان يعاني منها اثناء عمله بالحراسة، هي اصرار الرئيس علي السير لوحده في المنطقة، فكان هو يتابعه عن بعد، وفي احدي المرات فقد حراسه اثره ثلاث ساعات وتبين انه ذهب لزيارة احد اصدقائه !!! . ] شخصياً ليس لدي أي تعليق على المسألة.. رئيس جمهورية لايضغط على دائرة بريد من أجل نصب هاتف لعائلته !!! .. وألأهم يزور ألأصدقاء بمفرده !!!... عجيبة !!.
الزيارة ألأخيرة !!! في 11 ابريل / نيسان 1966م كان الرئيس عبد السلام عارف يتجول في موكب رسمي مهيب في شوارع البصرة حيث احتشدت جموع غفيرة من محبيه من المواطنين وذلك في سيارة شفروليت مكشوفه، وتفقد الميناء ونطقة المعقل ثم وضع حجر الاساس لمصنع الاسمدة الكيمياوية بعدها افتتح مصنع الاسمنت وهو أكبر معمل اسمنت في الشرق الاوسط في حينها. واجرت بعض الصحف المقابلات الصحفية معه، ومن المقابلات المثيرة هي تصريحه عن افاق عمله المستقبلية وخططه الخاصة باعمار العراق حيث قال للصحفي : نحن لدينا لجنة وزارية خاصة بخطط البناء والاعمار وبالتعاون مع جميع الوزارات، ثم درج في القول مازحا، اما على الصعيد الشخصي فاقول لك الاية الكريمة "لاتدري نفس ماذا تعمل غدا ولاتدري نفس باي ارض تموت!!!!". اما في اللقاء الثاني وكان في المطار عند اقلاع الطائرة قبل وفاته بساعات، حيث كانت الشائعات تروج عن محاوة انقلابية، فاجاب الرئيس "لايهم اذا بقيت حيا ام مت فتلك مشيئة الله وانا نذرت نفسي للعراق". وتذكر السيدة عقيلة الرئيس عارف بانه اخبرها بانه قد رأى رؤيا في منامه قبل ايام، وقد تكررت الرؤيا بان زيارته للبصرة ستكون محطته الاخيرة، وعندما حاولت اثناءه عن السفر قال لها "لكل اجل كتاب، لا يمكننا تاخير ارادة رب العالمين اذا شاء"!!!. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فی مثل هذا اليوم ، ألأربعاء والمصادف 25 / ذي الحجة / 1385 ، 13 / نيسان / 1966 سقطت طائرة الرئيس / عبد السلام محمد عارف ومرافقيه وعدد من الوزراء ، والطائرة كانت روسية الصنع من طراز ( مي / MI) بين القرنة والبصرة !!. سمعنا كثيراً وقرأنا أكثر عن تلك الحادثة.. روايات مختلفة .. ولكن ياترى ما رأيكم أن نقرأ شهادة أحد شهود العيان من الضباط الذين يعرفون الكثير عن تلك الحادثة التي لم تكن سهلة أطلاقاً... طائرة رئيس جمهورية وهو على متنها..!!. الشاهد على تلك العملية والتي يرويها بأمان هو ألأستاذ المهندس / طلال آل طلال باحث سياسي وضابط سابق في الجيش العراقي مقيم في بريطانيا ... يقول ألأستاذ آل طلال : ان تضارب المعلومات حول سقوط هذه الطائرة وادعاءات البعض أو جهات عديدة بانهم هم وراء هذه الحادث لاضافة رصيد سياسي لهم هي ادعاءات غير صحيحة اساسا وهذا ما دفعني الادلاء ولأول مرة بالقصة الحقيقية لهذه الحادثة لأني شاهد عيان في منطقة الحادث .. لم يكن تواجدي في منطقة الحادث هو رغبة مني بل كان وجودا مفروضا علي بسبب اتهامي وستة ضباط آخرين من القوة الجوية بالتآمر والتخطيط لقلب نظام حكم الرئيس عبد السلام عارف . وبعد توسط قائد القوة الجوية بالوكالة المرحوم اللواء المهندس منير حلمي " طاب ثراه " ووقوفه الى جانبنا لدى رئيس الجمهورية الذي يحترمه ويحترمه كل الناس فان موضوع احالتنا الى محكمة عسكرية خاصة قد تأجل ولذلك تم ابعادنا الى القواعد الجوية البعيدة خارج بغداد " قاعدة الشعبية الجوية ـ قاعدة الموصل الجوية ـ قاعدة كركوك الجوية وقاعدة H.3 الوليد الجوية مع تشديد المراقبة على تحركاتنا . ولذلك كان نصيبي هو قاعدة الشعيبة الجوية في محافظة البصرة . كان علينا تنفيذ امر النقل فغادرت انا بغداد متوجها الى قاعدة الشعيبة الجوية يوم 7/4 / 1966 وكان آمر القاعدة الجوية وآمر كلية القوة الجوية في آن واحد هو المقدم الطيار الركن خالد حسين ناصر وهو ابن الشريف ناصر من العائلة الملكية الهاشمية في العراق . وبالرغم من فارق الرتبة حيث كانت رتبتي ملازم أول مرشح الى نقيب ولكن معرفتنا كانت قديمة وقد رحب بوصولي دون علمه بسبب هذا النقل المفاجئ الذي حدثته عنه لاحقا . وبعدعدة أيام تبلغنا بزيارة الرئيس عبد السلام عارف الى محافظة البصرة ولذلك وحسب السياقات المعروفة الغيت كافة الاجازات لمنتسبي الوحدات العسكرية في المحافظة ، وقبل وصول الرئيس عارف بيوم أو يومين وصلت مفرزة طائرات هليكوبتر من بغداد ( طائرتين ) مع طاقم فني للادامة الى مطار البصرة المدني وعندما سمع آمر القاعدة الجوية بذلك المقدم الطيار الركن خالد حسين ناصر ، اتصل هاتفيا مع مديريات الحركات الجوية ( مديرية العمليات الجوية حاليا ) في مقر قيادة القوة الجوية في بغداد طالبا الحاق هذه المفرزة بأمرة القاعدة الجوية لأسباب فنية وأمنية وكنت انا شخصيا جالسا معه في غرفة مكتبه ويبدو ان الاجابة لم تكن مثلما اراد لذلك عزز هذه المكالمة ببرقية سرية وفورية الى مديرية الحركات الجوية حول هذا الموضوع . وكان الجواب بان تبقى المفرزة في المطار المدني في البصرة ، وفي يوم وصول الرئيس كانت هناك مأدبة غداء على شرفه في دار الضباط ( نادي الضباط ) في البصرةوحسب الاصول فان الحضور اجباري عدا الذين لا تساعدهم واجباتهم على الحضور . وعند حضور الرئيس وبعد استراحة قصيرة القى خطبة قصيرة ثم تناول بعدها الحضور طعام الغذاء وبعد ذلك انتهت مراسيم هذه الدعوة حيث خرج الرئيس ليبدأ برنامج زيارته الى المحافظة حيث زيارات موقعية للمؤسسات وبعض الاماكن المدرجة ضمن برنامج هذه الزيارة . وكان يوم 13 /4 /1966 هو موعد زيارة الرئيس عارف الى منطقة النشوة في قضاء القرنة . اقلعت طائرة الرئيس بقيادة ملازم اول طيار/ خالد محمد نوري عصر ذلك اليوم وهي نقل الوفد المرافق له ايضا من الوزراء والمرافقين متوجهة من المطار المدني في البصرة الى منطقة النشوة حيث حطت في المكان المهيأ لها . وترجل الرئيس بعد وصول الطائرة والوفد المرافق له . وبعد استراحة قصيرة بدا خطابه الى أهالي المنطقة الذين جاؤوا للاستماع الى هذا الخطاب . ويبدو ان الرئيس استرسل في خطابه وقد أخذ الوقت يميل الى الغروب ولكن ليس هناك من يتمكن ان يقاطع او يوقف هذا الخطاب لابلاغ الرئيس بأن الليل اخذ يرخي سدوله . وهكذا طال هذا الخطاب ومع هذه الاطالة كان الظلام قد ساد المكان وكانت الرياح قد بدأت هي الاخرى تلعب دورها . وبعد ان انتهى المرحوم الرئيس عبد السلام عارف توجه والوفد المرافق له الى الطائرة التي اقلعت من ذلك المكان متوجهة الى مطار البصرة المدني وكانت هناك عاصفة ترابية ايضا . وبعد مضي دقائق على طيران الطائرة التي كانت تطير على ارتفاع متوسط دخلت الطائرة في مطبات وجيوب هوائية شديدة يرافقها غبار كثيف وزاد الظلام الامر سوءاً حيث فقد قائد الطائرة المرحوم خالد محمد نوري السيطرة على القيادة وفعلت التيارات الهوائية فعلها في سحب الطائرة وبسرعة نحو الأرض حيث ارتطمت الطائرة بالأرض بشدة ولوجود كمية من الوقود في الطائرة حدث حريق اثناء الاصطدام بالأرض . وقد تسبب هذا الحريق في احتراق بعض ابدان الركاب بصورة جزئية وبعضهم بنسبة 80% ولكن كان من الممكن التعرف على معظمهم . وفي اليوم الثاني ارسلت طائرة هليكوبتر ومع مصورين جويين واخرين لنقل رفات الموتى . وقد ذهبت انا شخصيا مع احدى الطائرات وقد رأيت بنفسي جثث بعض افراد الوفد المرافق للرئيس وكذلك الرئيس نفسه . والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل كان الحادث فعلا حادث مدبرا أم هو قضاء وقدر ؟ لابد لي أن أوضح بان ذهابي الى مكان الحادث لم يكن بتكليف من احد بل هو الفضول أو حب الاستطلاع كما يمكن ان نطلق عليه .. لأني وكمهندس طيران كنت وخلال وجودي في بريطانيا قد اشتركت في دورة خاصة في مدرسة التفتيش الجوي . Aeronoutical Inspection School (A.I.S) وفيها يتعلم الدارس اسلوب التفتيش والتحري في حوادث الطيران وقضايا كثيرة . وبالاضافة الى وجودي في مكان الحادث وسماعي لشريط التسجيل بين قائد الطائرة وبرج السيطرة الجوية وكذلك دراستي لكافة افادات الشهود في اضبارة المجلس التحقيقي الذي اثبت ان الحادث كان قضاء وقدرا فإني أود أن أضيف .. ما يلي : أ / ان محادثة الطيار مع برج السيطرة كانت تظهر ارتباكا شديداً ، كان الطيار يعاني من انعدام الرؤيا التي تسببت بحلول الظلام والعاصفة الترابية . ان المرحوم ملازم أول طيار خالد محمد نوري هو من دورتي واعرفه معرفة جيدة فقد عشنا سوية فترة طويلة فهو مزاجي يثور ويغضب بسرعة وان هذا عامل مهم في فقدانه السيطرة على القيادة . ب / ان الطائرة لم تنفجر في الجو اطلاقا بل ارتطمت بالأرض وبشدة مما تسبب في اندلاع الحريق وتناثر ابدان الركاب واجزاء الطائرة في محيط 10ـ15 مترا وكذلك وجود حفرة نتيجة هذا الارتطام وهذا ينفي تماما القصص والروايات التي تتحدث عن وجود حقيبة او قنبلة وضعت في الطائرة ولو كانت الطائرة قد انفجرت في الجو لتناثرت الابدان واجزاء الطائرة في مساحة كبيرة جدا وهذا لم يحدث ابدا ولا اساس لهذه الادعاءات. ج / ان الادعاء بخلخلة مروحة الطائرة ( Ro-Tar) أو تخريب جزء منها كي يتسبب في سقوط الطائرة هو الاخر ادعاء لا صحة له ابدا حيث ان الطائرة طارت من المطار المدني في البصرة ولمدة (15 ) دقيقة وحطت في منطقة النشوة بصورة اعتيادية ولو كان هذا الادعاء صحيح لسقطت الطائرة في طريق ذهابها وبعد اقلاعها من المطار المدني . ولذلك فان حادث سقوط الطائرة جاء قضاء وقدرا ولكن نتيجة للأهمال والتقصير غير المتعمد والذي يتمثل في : اولا : ان طائرات الهيلكوبتر والنقل بقيادة مزدوجة أي ان هناك طيار اولا وطيارا ثانيا وهذا يعني ان الطائرة يجب ان تقاد من طيارين اثنين ولكن ما حدث ان طيارة الرئيس عبد السلام عارف كان يقودها طيار واحد فقط هو ملازم اول طيار خالد محمد نوري ولو كان معه طيار ثان لاختلفت النتيجة تماما وكان من الممكن السيطرة على الطائرة وانزالها وهذا هو تقصير آمر السرب الذي تعود المفرزة له والذي كان عليه ان لا يسمح لطيار واحد ان يقود طائرة رئيس الجمهورية وهي مخالفة واضحة وصريحة . ثانيا : ان آمر القاعدة الجوية في الشعيبة كان محقا عندما طلب الحاق المفرزة بالقاعدة الجوية ولو حصل ذلك فانه من المؤكد وكطيار جيد فانه لن يسمح للطائرة بان تطير بطيار واحد ابدا بل كان سيطلب طيارين اضافيين تمشيا مع انظمة سلامة الطيران وان عدم استجابة مدير الحركات الجوية لهذا الطلب يجعله المقصر الآخر في هذا الحادث . ثالثا : ان المرحوم ملازم أول طيار خالد محمد نوري لم يكن قد مارس الطيران الليلي منذ مدة وكان يجب ان تؤخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار ولذلك فان طيرانه في الليل مجازفة كبيرة دفع ثمنها هو والاخرون . ومما تقدم فان سقوط طائرة المرحوم الرئيس عبد السلام محمد عارف كانت قضاء وقدرا ولم تكن من تدبير أي جهة كانت وكل من يدعي غير ذلك فانه كذاب اشر . ] ـــــــــــــــــــــــــــــ بهذه الشهادة قد وضع السيد / آل طلال حداً لكل ألأقاويل والتصريحات التي أطلقت من هنا وهناك .. شهادته أكثر من معقولة بالأخص أنه مختص في مجال عمله وكان حاضرا هناك . ألأهم في المسألة أن الكاتب كان حياديا في تحليلاته وشروحاته ، من المعروف أنه كان معارض للنظام أنذاك .... وهذه نقطة مهمة . ملاحظة مهمة : أولا : التأريخ والحادثة فرضتا نفسيهما على متابعة هذا الحادث . ثانياً : حتى لا أتهم بأنحيازي الى المرحوم الرئيس / عبدالسلام عارف ..أنا أعرف أنه طارد وأضطهد ألأخوة الشيوعيون... وأعرف كيف خاطبه الزعيم السوفيتي / خروتشوف في مصر ، على ما أعتقد خلال أفتتاح مشروع ( السد العالي ) حول موقفه من الشيوعيين العراقيين وأعرف كيف طرد ( خروتشوف ) مترجمه لكونه لم يترجم وينقل نص كلامه الى الرئيس / عبد السلام بالضبط !!!. لذلك أكرر أنني لازلت على موقفي بسبب ما قام به ضد الشهيد / الزعيم قاسم .. وقد أثنيت على بساطة العيش وأسرته أيضا ...لم أتطرق ولم أكتب الا القليل.. تركت ألأمر للشاهد فقط ... شخصيا مع شهادة الشاهد المنطقية . المصادر :
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |