قبل البدء بمخاطبة من أسميتهم بعقلاء الدعوة، أقدم بعض الملاحظات لسائر القراء الكرام.

- أؤكد لمن لم يتابع مواقفي بدقة بأني منذ وقت غير قصير حسمت أمري باعتماد الفكر العلماني، ولذا مخاطبتي لعقلاء حزب الدعوة ليس من موقع كوني إسلاميا، إذ هذا التوصيف يعود إلى ما قبل 2006.

- البعض سيشكك في وجود عقلاء في وسط الإسلاميين، فأقول إن في التعميم والإطلاق مجانبة للموضوعية وللفكر النسبي الذي هو من الملامح الأساسية للعقلانية والعلمانية.

- من خلال تجربتي الذاتية لربع قرن داخل حزب الدعوة أعلم علما مباشرا أن هناك داخل حزب الدعوة من العقلاء، ممن يتفق معي على جل إلم يكن كل ما سأطرحه.

- لا أقصد من الدعوة الحزب المنشق المذيل اسمه بـ (تنظيم العراق)، كما لا أخاطب بذلك التكتل الانفصالي الجديد المتمحور حول الجعفري.

- خطابي في رسالتي هذه سيكون بلغة التعميم، وهذا لا يعني أني أخاطب كل أفراد حزب الدعوة، بل أخاطب كل عقلائهم.

- لن أستعمل لفظة «الدعاة» المألوف استخدامها في أدبيات الحزب تعبيرا عن أفراد الحزب، بل أستخدم ما أراه مناسبا بحسب السياق.

والآن مع رسالتي إلى عقلاء الدعوة:

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوتي وأخواتي المعنيين بهذا الخطاب من حزب الدعوة الإسلامية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إني أعرفكم جيدا، وأفضل مما يعرفكم الكثيرون غيري، وأنتم تعرفونني جيدا وأفضل مما يعرفني الكثيرون غيركم. ومن هنا أعلم وتعلمون أن القناعات التي سأذكرها هي من متبنياتكم، وليس حصرا من متبنياتي، وأعلم وتعلمون أنكم تمارسون التقية السياسية والاجتماعية، مما يسميه آخرون ربما بالنفاق، أو بعضكم وللأسف يداري وضعه الشخصي وامتيازاته عبر بقائه في الحزب. وهذا الخطاب يشمل قادة وقياديين وأعضاء مهمين، كما يشمل شرائح أخرى في الحزب.

صحيح إني لم أخرج من الحزب فقط، بل أصبحت أختلف عنكم كوني أعتبر نفسي من الناحية السياسية علمانيا، بينما أنتم ما زلتم إسلاميين، ومع هذا ألتقي معكم أنتم عقلاء الدعوة في كثير من القناعات سابقا وحاليا، وكما سيرد أدناه.

إنكم تماما مثلي لا تؤمنون بمنح دور سياسي أو اجتماعي متميز لطبقة المعممين.

بل إنكم لتعانون من أكثر المعممين حتى الذين هم من داخل الحزب نفسه، ومعممو الحزب أنفسهم يتعاملون عندما يختلون إلى بعضهم البعض بنـَفـَس طبقي استعلائي، لأنهم يعتقدون جزما أنهم، وفي ضوء الشأنية التي يؤمنون بها، لا يجوز وضعهم مع أفندية الحزب سواء بسواء، وهذا ما لمسته، يوم أصبحت - شكلا لا جوهرا - منهم فانفتحوا عليّ، وأعلم أن الكثير منكم متحسس جدا من وسط المعممين.

وإنكم تؤمنون مثلي بمدى ضرر وخطأ وخطر منح المرجعية دور القيادة والريادة والولاية والوصاية في الشؤون العامة للمجتمع، ولاسيما في القضايا السياسية.

وإنكم مضطرون اضطرارا بالقبول بتبني فكرة ولاية الفقيه التي تمارس عمليا، إما خشية من أساليب التسقيط التي تمارسها بقية الأحزاب الإسلامية لاسيما المجلس الأعلى، وكذلك لوجود عدد من المحافظين والمغالين في تقديس المؤسسة الدينية والمرجعية داخل الحزب.

إنكم مثلي تكرهون الدور الإيراني التخريبي الذي عانيتم منه أيام كنتم في إيران، وتعانون منه اليوم، وتعلمون أن بعض القياديين من الحزب له علاقات مشبوهة بالإيرانيين تتحسسون منها وترفضونها ولا تحبونها، إلا أنه تنقصكم الشجاعة لاتخاذ الموقف المطلوب في بتر الأصابع الإيرانية الممتدة للحزب وللعراق عموما.

أنتم تعلمون أن (حزب الدعوة - تنظيم العراق) المنشق عن الحزب الأم هو من التخلف والتشدد والجمود الفكري مما يجعله الأبعد عنكم حتى لو كان محسوبا عليكم، بل إن الأقرب إليكم هم الإخوة في حركة الدعوة الإسلامية.

عانيتم وما زلتم تعانون من المجلس الأعلى الذي طالما استطاع بذكاء غير نزيه إما أن يضعكم في زاوية التهمة بمناوءة ولاية الفقيه فترة كنتم في إيران، أو تهمة عدم الاندكاك بشكل كاف في المرجعية في العراق، ولطالما جرّكم أو جر قيادتكم من غير رضا منكم بشعاراته ومزايداته إلى مواقف لا تؤمنون بها في العمق.

كلكم تعلمون مثلي أن التيار الصدري ليس بالحليف السياسي الذي يليق بحزب كحزب الدعوة أن يدخل معه في تحالف، وكلكم يعلم تطرف وتشدد المؤسس لهذا التيار، مما يجعله الأبعد عن خط العقلانية والاعتدال، كما تعلمون جيدا ما زاوله التيار منذ العاشر من نيسان 2003 حتى يومنا هذا من جرائم وخروقات يستغنى عن سردها والتذكير بها. نعم إن الظروف ليست مناسبة لوضع حد لهذا التيار، ولا يعني بالضرورة وضع
أنفسكم في خط المعاداة له، ولكن المهم أن تعوا أن وجوده يمثل خطرا جديا على مشروع التحول الديمقراطي، بل على المشروع الثقافي الإسلامي المعتدل.

كلكم تعتقدون مثلي أن العملية الأخيرة التي قادها الأخ نوري المالكي كانت صحيحة من حيث المبدأ، ولكن تبدو أنها كانت خطأ من حيث عدم استيفاء دراسة النتائج بشكل دقيق وكاف، وعدم القيام بدراسة دقيقة لإمكانات قوى الدولة من جهة، وإمكانات الأطراف المسلحة الخارجة على القانون من جهة أخرى، هذا حسب ما يبدو لي ولكثيرين آخرين. أما إذا تبين لاحقا ما يصحح هذا الانطباع فلكل حادث حديث.

وإن كان كثير منكم - وليس كلكم - كنتم تعولون، كما كنت أعول على الجعفري رمزا لتيار الاعتدال داخل الحزب، تشاركونني القناعة اليوم بعدم إمكان التعويل على الرجل، الذي يؤمن بنفسه أولا، ويؤمن بنفسه ثانيا، ويؤمن بنفسه ثالثا، ثم يؤمن رابعا أو خامسا بحزب الدعوة، ولكن بحزب الدعوة وفق مقاسات ومعايير الجعفري، ويؤمن بالعراق خامسا أو رابعا أيضا وفق مقاسات ومعايير الجعفري.

إنكم إلم تدركوا من البداية فاليوم تدركون مثلي خطأ دخول حزب الدعوة في ائتلاف شيعي وحمله لمشروع شيعي، بدل أن يكون رائدا في حمل مشروع عراقي وطني شامل، وإلا فالشعارات وحدها لا تكفى لدعوى تبني المشروع الوطني، ولعلكم تدركون مثلي اليوم بأن طائفية المشروع السياسي للقوى الإسلامية الشيعية هو الذي جعل الطرف الآخر يصر على مشروعه الطائفي كرد فعل، أو تعبير عن مخاوف تكرست عبر المشروع الطائفي للشيعة الذين كان الحزب شريكا فيه ويتحمل مسؤولية عواقبه الوخيمة التي أوصلت العراق إلى الحالة الكارثية التي يعاني منها اليوم.

أيها الأعزاء وأيتها العزيزات ممن يعنيهم هذا الخطاب، وينطبق عليهم - إلم يكن كل فجل - ما ورد في رسالتي هذه، املكوا أخيرا الشجاعة في الانسجام مع قناعاتكم، ولست بصدد تحديد كيفية تحقيق هذا الانسجام أو التعبير عنه، فأنتم أو كل منكم أدرى بتحديد ذلك. لا أدري لعل تجسيد هذا الانسجام يكون من خلال الالتفاف حول الأمين العام الحالي الأخ المالكي، إذا رأيتم - وهكذا يبدو لي - منه الجدية والصدق والشجاعة في السير نحو تحقيق شخصية متميزة لحزب الدعوة، مستقلة عن المشروع الشيعي الطائفي، وعن المرجعية وعن النفوذ الإيراني وعن الضغط الذي
يمارسه المجلس الأعلى، للسير ضمن خطة مدروسة نحو تحقيق الانسجام مع ما هو أنفع للعراق، بعيدا عن شعارات ثقافة التأسيس، أو ثقافة ما بعد ثورة إيران، التي وقعنا في الوهم القاتل يوم أسميناها إسلامية، وبايعناها تأسيسا على هذا الوهم.

وإذا لمتموني لأني ربما أحرجتكم بهذه الرسالة وربما عرضتكم للأسئلة والاستجوابات، فإني إنما أهدف فيما أهدف إحراجكم، حرصا مني عليكم، وقربة إلى الله، وحبا بالعراق.

إذا كان العراق أعز عليكم من حزبكم ومن امتيازاتكم، فكونوا شجعانا في الانتصار للعراق وللحقيقة، واتخذوا الموقف الذي يبرئ ذمتكم أمام الله، وأمام ضميركم، وأمام شعبكم، وأمام التاريخ.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com