|
كشفت صحيفة The Guardian البريطانية فى عدددها الصادر فى الثامن من نيسان الجارى، النقاب عن مسودة أتفاق استراتيجى سرى، تم التوقيع عليه فى السابع من آذار الماضى بين الأدارة الأميركية وحكومة المالكى حول الوجود العسكرى الأميركى طويل الأمد فى العراق.والذى يهدف الى شرعنة الأحتلال، حيث ينص الأتفاق على ( السماح للقوات الأميركية بشن عمليات عسكرية فى العراق وتوقيف أشخاص لضرورات أمنية من دون الحصول على موافقة الحكومة العراقية وبلا اى قيد وشرط . ولا يحدد مشروع الأتفاق هنا أيضا حجم القوات الأميركية فى العراق ولا الأسلحة التى يمكنها أستخدامها ولا الوضع القانونى لهذه القوات ولا السلطات التى تتمتع بها حيال المواطنين العراقيين . ورغم أن مسودة الأتفاق تنص على أن هذا السماح ( مؤقت ) وأن الولايات المتحدة لا تسعى الى أقامة قواعد عسكرية دائمة والى وجود عسكرى دائم فى العراق، الا أن عدم وجود تحديد زمنى وقيود فى نص الأتفاقية يؤدى عمليا الى جعل الهيمنة الأميركية على العراق ومقدراته أمرا واقعا ودائميا، وجاء فى الوثيقة " أن المصلحة المتبادلة للولايات المتحدة والعراق تقضى المحافظة على سيادة العراق ووحدة وسلامة أراضيه وأستقلاله السياسى وردع التهديدات الخارجية التى تحدق به " وتنص المسودة أيضا على أن " الولايات المتحدة والعراق أتفقا على التشاور الفورى فى حال تعرض وحدة وسلامة أراضى العراق واستقلاله السشياسى لتهديد " ولا شك أن هذا الأتفاق يتجاوز الى حد بعيد، ما نصت عليه الأتفاقيات الأمنية الأميركية مع الدول الأخرى، وتلك التى تتواجد علي أراضيها القواعد العسكرية الأميركية. وتحل هذه الوثيقة محل تفويض الأمم المتحدة الذى ينتهى نهاية العام الجارى . وترغب الولايات المتحدة فى أقرار هذا الأتفاق الجديد من قبل البرلمان العراقى قبل نهاية شهر تموز / يوليوالمقبل . ومن المتوقع ان يثير هذا الأتفاق جدلا واسع النطاق وربما خلافات حادة،سواء بين الأحزاب السياسية فى العراق وبين الأوساط السياسية فى واشنطن , وقد ظهرت بوادر ذلك عندما شنت المرشحة الديمقراطية للأنتخابات الرئاسية هيلارى كلينتون هجوما عنيفا على الأدارة الأميركية وأتهمتها بمحاولة تقييد الرئيس الأميركى القادم بألتزام عسكرى للدفاع عن العراق .. وكان وزير الدفاع الأميركى روبرت غيتس قد صرح فى شهر شباط المنصرم بأن الأتفاقية الأميركية العراقية ستكون شبيهة بالأتفاقيات التى أبرمتها الولايات المتحدة فى أنحاء العالم ولا تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن العراق .ولكن العديد من أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب الأميركيين من الحزب الديمقراطى لا يشارطون هذا الرأى . فقد صرح السناتور أدورد كينيدى، العضوالبارز فى لجنة القوات المسلحة فى مجلس النواب، بأن هذه الأتفاقية تخرج عن أطار الأتفاقيات المماثلة التى وقعتها الولايات المتحدة وشبيهة بنمط الأتفاقيات التى تتطلب – حسب الدستور الأميركى – مصادقة مجلس النواب الأميركى عليها . ويقول المسؤولون فى ادارة الرئيس بوش ( اذا تضمنت الأتفاقية على ( تعهد الولايات المتحدة بضمان أمن العراق )، فأنه يتعين استحصال موافقة مجلس النواب الأميركى، ولكن الأتفاقية الموقعة، كما تسربت الى الصحافة، أشارت فقط الى " المحافظة على سيادة العراق ووحدة ة المتحدة - وسلامة أراضيه وأستقلاله السياسى " .. ونظرا للعلاقات المتوترة القائمة بين ايران والولايات المتحدة وعلاقة ايران الوثيقة بالأحزاب الشيعية الحاكمة فى العراق، فقد حرص الجانبان الأميركى والعراقى غلى التأكيد فى نص الأتفاق على أن " الولايات المتحدة الأميركية لا تسعى الى استخدام الأراضى العراقية كنقطة أنطلاق لعمليات هجومية ضد الدول الأخرى ". وقد تعهد المرشحان الديمقراطيان هيلارى كلينتون وباراك اوباماب – فى خال انتخاب أى منهما لمنصب رئيس الولايات المتحدة بالشروع فى سحب القوات الأميركية من العراق خلال فترة زمنية قصيرة، أما المرشح الجمهورى جون ماكيين فقد وعد بالأبقاء على عديد القوات الأميركية فى العراق على مستواه الحالى الى حين تحسن الوضع الأمنى فى العراق . أن نص الأتفاق الجديد أسوأ حتى من التفويض الأممى الذى يحدد سقفا زمنيا للأحتلال الأميركى للعراق وينص على ضرورة حماية المدنيين العراقيين وضمان حقوقهم الأنسانية . وقيود أخرى كثيرة تتضمنها أتفاقية جنيف . ولكن الولايات المتحدة ضربت عرض الحائط بشروط أتفاقية جنيف والأتفاقيات الأخرى حول واجبات ومسؤوليات قوات الأحتلال . فما زالت الجرائم التى ارتكبتها هذه القوات طوال السنوات الخمس الماضية حية فى الأذهان، فمنذ اليوم الأول لسقوط بغداد تجاهلت قوات الأحتلال وأحيانا شجعت على سلب ونهب الممتلكات العامة على أيدى الغوغاء وعملاء دول الجوار وأقترفت جرائم تعذيب وقتل وأغتصاب بشعة تقشعر لها الأبدان سواء فى سجن ( أبى غريب ) وفى المحمودية وحديثة ودمناطق أخرى كثيرة يصعب حصرها، فهى تدمر البيوت على رؤوس ساكنيها لمجرد الشك فى لجؤ بعض المشبوهين اليها، وهى تعتقل يوميا العشرات وأحيانا المئات من المدنيين العراقيين لمجرد الظن بوجود أرهابيين بينهم . وبعد توقيف طويل الأمد قد يصل الى عدة سنوات يطلق سراح معظمهم لعدم ثبوت التهم الموجهة اليهم . أن قوات الأحتلال لا تتوانى عن قتل اى مواطن عراقى لأتفه الأسباب فى نقاط السيطرة وفى الطرق الخارجية فى حالة عدم توقف أى شخص وسيارة مدنية عند مرور رتل عسكرى أميركى . ومع افتضاح أمر هذا الأتفاق المشؤوم - الذى يكبل العراق بصك أنتداب جديد غير محدد زمنيا – تحاول حكومة المالكى وزعماء الائتلاف تجنب النقمة الشعبية بالقول أن الوثيقة التى تم التوقيع عليها فى السابع من الشهر الماضى هى مسودة أولية قابلة للنقاش، ولكن النص الذى تسرب الى الصحافة وتعليقات المرشحين للأنتخابات الرئاسية الأميركية وأعضاء الكونغرس الأميركى وما تناقلته وسائل الأعلام فى الغرب، كل ذلك يدل بأن هذا الأتفاق الموقع بين الجانبين يكاد أن يكون نهائيا، حيث يأمل المحتل والائتلاف الحاكم فى العراق تمريره بصيغته الحالية من خلال مجلس النواب العراقى خلال الأشهر القليلة . ان وسائل الأعلام الأميركية وأبواق الدعاية العراقية الحكومية والحزبية تحاول هذه الأيام نفى ما جاء فى هذه الوثيقة الدامغة ولكن التأريخ سيجكم على حكومة المالكى وعلى الأحزاب المؤيدة للأنتداب الأميركى الجديد على العراق، بأنها قد فرطت بالأستقلال الوطنى للعراق ومصالحه العليا وتسببت فى اطالة عمر الأحتلال وفى استمرار معاناة الشعب العراقىالمنكوب لسنوات عديدة أخرى، من أجل البقاء فى السلطة ولوبدعم من المحتل .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |