أحداث الوسط والجنوب: المكاسب والخسائر والحلول

 

مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

annabaanews@googlemail.com

تقرير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حول معركة البصرة

عدت المواجهات الأخيرة التي وقعت في جنوب ووسط العراق بين القوات الحكومية من جهة وعناصر جيش المهدي من جهة أخرى الاشد عنفا  في سير العلاقة بين الطرفين ادت الى المزيد من توتر الاوضاع بين التيار الصدري وحكومة السيد المالكي، والتي أخذت تبعاتها تنسحب على الاوساط السياسية والشعبية بتغير العديد من المواقف بين مؤيد ومعارض لعمل الحكومة وما قابله من رد عسكري من قبل عناصر جيش المهدي.

 مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث اصدر تقريرا يضع الأحداث الأخيرة وتبعاتها وما صاحبها من مواقف وتداعيات تحت مجهر التحليل الموضوعي، حيث اشار التقرير الى الاسباب التي أدت الى حالة الانفجار الأمني وإنهيار العلاقة بين الطرفين وتداعياتها ودور الأطراف السياسية والدينية والاجتماعية للإسهام في تهدئة المواقف، ويشير التقرير الى حزمة من النتائج التي تمخضت عن هذه العملية والتحولات التي يمكن لهذه النتائج ان تفرزها. كما سلط الضوء على الاطراف المستفيدة من هذه المعركة واكتشاف هوية المنتصر الحقيقي.

ويصل التقرير الى حقيقة أن الحل العسكري ليس مجديا في مثل هذه الأزمات، وكان لابد من وجود حلول حقيقية لأزمات سبقت هذه الأزمة وعدم استخدام العنف والسلاح كحل وحيد لتصفية الحسابات. كما يرى ان هذه الأزمة تؤكد ضرورة إيجاد حلول حقيقية ترضي جميع الأطراف، وعدم الاستخفاف بأي مشكلة، والاعتماد على الحلول جذرية وليست مسكنات آنية..

ويشير التقرير الى ضرورة المساهمة في رأب الصدع وتقديم الحلول والمقترحات والعودة الى منطق العقل والحوار والكف عن إراقة الدماء وإشاعة روح الاخوة والتسامح ومحاولة تجاوز أثارها المستقبلية مع التأكيد على ضرورة تجنب تكرار تلك الحوادث المؤسفة في بلد مزقته الفوضى واللاقانون وتدخل القوى الخارجية.

وفيما يلي نص ماجاء في التقرير:

نص تقرير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حول معركة البصرة

   هناك الكثير من المشاكل التي تعاني منها محافظات العراق لاسيما محافظة البصرة ثاني أكبر مدن العراق، فهناك مشاكل أمنية كأعمال العنف والاغتيالات والقتل المتعمد، وهناك مشاكل سياسية ممثلة في صراع الأحزاب السياسية الحاكمة على السلطة والثروة، وهناك مشاكل اقتصادية وصحية وأيضا مشاكل عشائرية.

   وكان من المفترض أن تقوم السلطات الاتحادية في بغداد بالوقوف على حالات الفوضى التي شهدتها المحافظة منذ فترة ليست بالقصيرة بعد أن عجزت الحكومة المحلية من معالجتها ومنعها من الاستفحال، ولهذا أكد السيد رئيس الوزراء نوري المالكي الذي قاد العمليات العسكرية والأمنية في البصرة أن الحكومة العراقية قد تأخرت كثيرا في معالجة الوضع الأمني فيها، الأمر الذي عدّه تقصيرا من جانبها، ولكن سارت الرياح بما لا تشتهي السفن، ففي الوقت الذي كان يجب أن توجه العمليات العسكرية والأمنية إلى العصابات الإجرامية والجماعات الخارجة عن القانون سيما عناصر التهريب والتخريب، ورغم التأكيدات الحكومية المتكررة من أن العمليات لا تستهدف أي جهة سياسية حزبا كان أو تيارا، إلا أن المعارك في البصرة دارت على ارض الواقع بين القوات الحكومية وبين التيار الصدري خصوصا جيش المهدي.

   وقد أصرت الحكومة العراقية على أن يكون الحل عسكرياً وأنه لا بديل عنه، الأمر الذي وسع حالة التصادم ورقعة المواجهات في محافظات أخرى، وبعد عدة أيام من القتال بين الطرفين والاتهامات المتبادلة في التصعيد المسلح ودعوة عدد من الشخصيات الدينية والسياسية لوقف نزيف الدم جاء بيان السيد مقتدى الصدر طالباً من أتباعه إلغاء جميع المظاهر المسلحة وعدم الاعتداء على مقار الأحزاب السياسية ومساعدة الأجهزة الأمنية كما  طالب الحكومة بوقف المداهمات العشوائية وإطلاق سراح الأبرياء من المعتقلين وخصوصاً من أبناء التيار الصدري بحسب البيان مما جعل حالة من الهدوء تسود أغلب مناطق الصراع.

من المنتصر؟

   سواء حققت الحكومة العراقية أهدافها من العملية العسكرية والأمنية أم لا، فان هذه العملية تمخضت عنها العديد من النتائج وهي:

أولاً: النتائج الأمنية:

1- تمخضت الأحداث عن خسائر بالأرواح بين الطرفين المتصارعين.

2- حرق وتدمير العديد من المعدات والمواقع الأمنية والتي كلفت البلد ملايين الدولارات.

3- تخفيف القبضة عن عناصر القاعدة في المناطق التي تم تحريرها في الفترة الماضية.

4-عدم نجاح الحملة العسكرية في تحقيق أهدافها التي رسمت لها.

5-تحول أغلب مدن الوسط والجنوب إلى ثكنات عسكرية.

ثانياً: النتائج السياسية:

1-الوصول إلى حالة من عدم الثقة المتبادلة بين أهم وأكبر المكونات السياسية في الوسط والجنوب على خلفية تلك الأحداث.

2-أثر سلباً على أداء البرلمان بحصول انشقاقات كبيرة بين مكوناته السياسية.

3-الشعور بالسلبية تجاه فكرة إنشاء إقليم الوسط والجنوب خوفاً من حدوث نزاع بين نفس الأحزاب المتنفذة حالياً في تلك المناطق للاستئثار بالسلطة وموارد الإقليم على حساب الجهات الأخرى والتي قد تصل بالوضع الأمني إلى ما وصل إليه في الأحداث الأخيرة أو أسوء من ذلك.

4-تدني شعبية أغلب الأحزاب التي وقفت خلف التصعيد العسكري في تلك المناطق وبالتالي مما يؤثر سلباً على مستقبلها في الانتخابات القادمة.

5-عودة بعض القوى العشائرية إلى الساحة السياسية رغم موقفها الواضح في مساندة النظام البعثي في تلك المناطق مستغلة حالة التفكك السياسي بين الأحزاب الإسلامية.

ثالثاً: النتائج الإنسانية:

    أفرزت المواجهات العسكرية نتائج كبيرة وخطيرة على الوضع الإنساني في عموم مناطق العراق والذي يعاني أساساً من حالة من التردي، حيث أدى الاقتتال إلى إزهاق المئات من أرواح الأبرياء "923" مدنيا بحسب إحصائية حكومية، أما على المستوى الصحي فقد شهدت المحافظات التي شملتها الأحداث فرض لحظر التجوال والذي تسبب بعدم وصول سيارات الإسعاف إلى العديد من المناطق التي تعرض فيها المدنيون إلى الاستهداف من قبل الأطراف المتقاتلة، أما على المستوى المعيشي فقد تعطلت أغلب الطبقات العاملة عن أعمالها وعدم حصولها إلى ما تحتاج إليه من قوتها اليومي والذي رافقه صعود غير مسبوق في أسعار السلع الاستهلاكية بسبب تعذر وصولها إلى الأسواق المحلية، أما الجانب الخدمي فإنه قد تعرض إلى حالة من التوقف شبه التام الأمر الذي ينذر بحدوث كارثة بيئية في حال عدم الإسراع برفع المخلفات التي تركتها المواجهات العسكرية.

 أما على المستوى النفسي للعوائل التي كانت مناطقها مسرحاً للعمليات العسكرية، فقد تمخضت عن وجود حالة كبيرة من الذعر والخوف لدى الأطفال والنساء نتيجة المداهمات وأصوات الانفجارات داخل الأحياء السكنية والاعتقالات العشوائية من قبل الأجهزة الحكومية أو من خلال التمترس بالمدنين من قبل المسلحين. 

من هي الأطراف المستفيدة؟

    رغم أن المعارك التي دارت في مدن الوسط والجنوب كانت بين التيار الصدري والقوات الحكومية في ظاهر الحال إلا أن الأطراف التي استفادت من تلك الأحداث متعددة ومنها:

1-الأطراف الخارجية:

أ-القوات الأمريكية: وجد الأمريكان من تلك العملية العسكرية فرصة مناسبة لضرب الجناح العسكري للتيار الصدري ومحاولة القضاء عليه كونه يمثل أكبر تهديد للوجود الأمريكي في العراق، خصوصاً وهي تتهمه بالتدريب والتمويل من قبل إيران.

ب- النفوذ الإيراني: استفادت إيران من العملية العسكرية بزعزعة الوضع الأمني الذي تدعي الولايات المتحدة باستقراره في العراق بفضل زيادة عديد القوات الأمريكية في العراق واعتباره إنجازاً لها أمام الرأي العام الأمريكي.

ج-دول الجوار الإقليمي: استفادت البعض من هذه الدول تعطيل عملية البناء والاستثمار للقطاع النفطي للخشية من ظهور منافس جديد لها في الأسواق النفطية العالمية أو من أن تصبح مركزاً تجارياً قوياً في المنطقة، ومنها من يعد تلك الأحداث مكسبا عقائديا من خلال إراقة الدم الشيعي وترسيخ التفكك والتشرذم في الساحة الشيعية كي لا يأخذوا مكانهم الطبيعي في الحكم والسلطة داخل العراق.

2-الأطراف الداخلية: أضحت المواجهات العسكرية فرصة سانحة لبعض الأطراف السياسية الداخلية في إظهار الحكومة بمظهر الفاشل في إدارة البلاد والتي تسببت من خلال سياساتها من إيصال البد إلى حالة من الفوضى الأمنية والسياسية، وعدم قدرتها على حل الأزمات واحتواء أغلب الأطراف المشاركة في العملية السياسية. 

3- قوى الإرهاب: وجد الإرهاب تلك الأحداث فرصة سانحة لإعادة تنظيم صفوفه وتخفيف الخناق الذي كانت تفرضه عليه القوات العسكرية وبخاصة المتوجهة صوب مدينة الموصل أو التي تقوم ببعض العمليات في محافظة ديالى، وقد يكون استغل تلك الأحداث لتنفيذ الكثير من الأعمال الإجرامية بحجة انتماءه إلى هذا الطرف أو ذاك.

أهم إفرازات الأحداث

1-كشفت الأحداث الأخيرة عن فشل الأحزاب المتنفذة في مناطق الأحداث في برامجها الحزبية وتأثيرها سلباً على البنية الاجتماعية وتفريق الصف الوطني.

2-أفرزت الأحداث عن جانب سياسي مهم متمثل بخطورة احتمال قيام صراع آخر في حال إنشاء أقاليم في المرحلة الحالية كون الصراع الدائر في الجنوب واقع بين أحزاب متنفذة للسيطرة على ثروات تلك المناطق.

3-ظهور حالة من التذمر الشعبي تجاه جميع أنواع العنف المستخدم سواء من قبل المسلحين أو الأجهزة الأمنية.

4- أدت تلك الأحداث الى تقوية مليشيات جيش المهدي عبر اظهارهم الالتزام بالأوامر التي صدرت من السيد مقتدى الصدر، كما أفرزت عن وجود قيادات ليست على مستوى المسؤولية في التيار ساهمت في تصعيد الأزمة.

5-أبرزت تلك الأحداث حالة الفشل التي تعاني منه الحكومات المحلية للمحافظات في إدارة الملفات الأمنية والخدمية وحالة من عدم التنسيق مع الحكومة وتباين المواقف لتلك الحكومات ( المحلية) خلال الأزمة.

6-أظهرت الأحداث حالة من التنافس بين الأطراف المتنازعة للحصول على الولاءات العشائرية ومحاولة كسب تأيدها بوسائل الترغيب المتمثلة بفتح باب التطوع لأبناء العشائر للانخراط في صفوف الجيش والقوات الأمنية والحصول على فرصة للعمل في مناطق تتفشى فيها البطالة بصورة كبيرة.

7-كشفت تلك الأحداث عن وجود مرجعيات لها صوت مسموع في الوسط الشعبي والديني العراقي بالدعوة إلى التهدئة ونبذ العنف والفرقة والدعوة للوحدة وعدم التفرقة بين أبناء البلد الواحد والتي تمثلت ببيان المرجع الديني السيد صادق الشيرازي  والاستجابة الواضحة لها من قبل زعيم التيار الصدري في مبادرته التي أنهت الأزمة.

8-أما بالنسبة للجانب العسكري فقد أظهرت الأحداث حالة كبيرة من عدم الانضباط في بعض قيادات الأجهزة الأمنية والمتمثلة بالانتهاك الواضح للنصوص الدستورية أثناء المداهمات العشوائية لمساكن المواطنين وانتهاك حقوق الإنسان والتي تمثلت بالاعتقالات الكيفية وحرق بعض المنازل.

9-الغياب الواضح لدور القضاء في إصدار أحكامه بالسرعة المطلوبة تماشيا مع سرعة الأحداث ومتابعة تنفيذ الأحكام الصادرة عنه من قبل السلطة التنفيذية.

10- فشل واضح وكبير لمؤسسات المجتمع المدني في أداءها لتقصي الحقائق بمهنية وعرضها على الرأي العام وبخاصة المؤسسات التي تعنى بمراقبة حقوق الإنسان.

الخلاصة

    من خلال كل ما تقدم نجد أن الحل العسكري ليس مجديا في مثل هذه الأزمات، وكان لابد من وجود حلول حقيقية لأزمات سبقت هذه الأزمة والتي تسببت في اندلاع أحداث العنف في الوسط والجنوب والمتمثلة بأحداث الزيارة الشعبانية في كربلاء المقدسة وما أعقبها من تبادل للتهم بين أطراف حكومية مهمة وقيادات دينية دون أن تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل السياسيين والحكومة إلى أن وصل الحال إلى استخدام العنف والسلاح كحل وحيد لتصفية الحسابات بين تلك الأطراف.

     هذه الأزمة تؤكد ضرورة إيجاد حلول حقيقية ترضي جميع الأطراف وفق القانون ومجريات العدالة التي ينشدها الجميع، وعدم الاستخفاف بأي مشكلة مهما كان حجمها كي لا تتكرر المأساة السابقة التي وصلت إلى استباحة الدم العراقي تحت مبررات واهية، ولابد من الاعتماد على الحلول جذرية وعدم الاكتفاء بمسكنات آنية من الممكن أن يزول أثرها في أي وقت من الأوقات.

    وكان من المفترض أن تلتزم القوى السياسية في العراق بعد سنوات الاستبداد والدكتاتورية، وبعد إقرار جملة من المفاهيم الدستورية والقانونية التي تؤكد اللجوء إلى الحلول السلمية والركون، إلى مبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء وبعد عمليات الانتخابات الحرة التي شهدها العراق بالطرق والوسائل السلمية في حل نزاعاتها وخلافاتها، وان لا تلجأ هذه القوى السياسية في الحكم كانت أو خارجه إلى أي نوع من أنواع  استخدام العنف ضد الآخر؛ لان الاحتكام إلى هذه الوسائل يعني نسف لكل المبادئ والقيم والمضامين الإنسانية السامية التي نص عليها الدستور العراقي وصوت عليه الشعب بالأغلبية، ويعني هذا السلوك غير المسئول العودة –ضمنا- إلى الأنظمة الديكتاتورية وهو أمر أصبح مثار رفض العراقيين جميعا.

   إن وقوع الظلم والحيف على فصيل سياسي ما، مهما كانت طبيعته وحجمه لا يعني بكل حال من الأحوال الركون إلى القوة واستخدام السلاح وتغليب العنف، بل هناك الكثير من الوسائل والأدوات السلمية المتاحة للقوى السياسية التي تشعر بالامتعاض من سياسات الأحزاب الحاكمة والتي يمكن اللجوء إليها واستخدامها لتحقيق المطالب المشروعة.

    كما أنه ليس من حق الحاكمين أيضا أن يلجؤا إلى استخدم القوة العسكرية بحق المتظاهرين أو المعتصمين أو المطالبين بحقوقهم، وليس من حقهم اعتبار العصيان السلمي تهديدا للسلم والأمن الوطني مادام هناك التزام بقواعد العمل السياسي التي تضمن للمعارضين أو شركاء السلطة حقهم في الدفاع عن مصالحهم المشروعة، بل ليس من حقهم أيضا استخدام القوى المفرطة بحق ما تسميهم بـ"الخارجين على القانون" لأنه استخدام غير مشروع للسلطة.

    إن اللجوء إلى العنف بين الأحزاب الحاكمة والمشاركة في الحكم في العراق يكون غير مقبول جدا إذا ما أدركنا أن هذه الأحزاب هي أحزاب ذات صبغة دينية! حيث أن "للأديان دور كبير ومؤثر في نشر ثقافة السلام والتعايش السلمي ودرء النزاعات، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى الأديان لتزكية النفس البشرية وتطهير القلوب وإقرار الخير على الأرض وتشترك الرسالات السماوية كلها في جوهر واحد هو إخراج البشرية من الظلمات إلى النور والسمو بها إلى فهم حكمة اكتساب القيم الفاضلة والدعوة للمحبة والتراحم والتسامح ونبذ الشقاق والفرقة وإصلاح ذات البين والأمر بالمعروف وإتباع الشورى والحوار والجنوح للسلم، والبعد عن سطوة الطغيان والاستبداد".

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com