السيد أحمد الشمري: هل غدت أمريكا الأم الحنون لشيعة العراق؟

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

ليس من عادتي الرد على انتقادات البعض لمواقفي وأرائي، فحرية الرأي والفكر والمعتقد حق طبيعي للجميع، لا بفضل "التحرير" الأمريكي كما تظن، وإنما بنعمة الهدي الرباني، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، حتى إني دافعت عن حقك في الرأي في مقالة منشورة في صوت العراق منذ حوالي السنتين، وقد اخترت الإيمان ولا زلت عليه، وإيماني هو الذي هداني لمغادرة العراق في 1982م رافضاً العدوان البعثي على الجارة المسلمة إيران، فعانيت من لوعة التغرب والحرمان ربع قرن من الزمن، أما الذين اختاروا عبودية الانتماء لحزب الطاغية، وهم وفقاً لبعض المصادر الرسمية يقاربون سبعة ملايين عراقي، فقد شاركوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبدرجة أو أخرى، في جرائم النظام، ومن البديهي أن أتباع الطاغية من أعضاء حزبه وضباط جيشه يتحملون الوزر الأكبر عن جرائمه الوحشية ضد سكان الجارتين إيران والكويت وكذلك المجازر التي اقترفها بحق المدنيين من الشيعة والأكراد، وكان لقادة وضباط المؤسسة العسكرية في عهد الطاغية النصيب الوافر من السمعة غير العطرة، ولن ينسى العراقيون  تلذذ الكثير من هؤلاء الضباط بالقتل والتعذيب وانغماسهم في السكر والعربدة والزنا والشذوذ، فلا غرابة أن يشيع العراقيون تلك المؤسسة الخبيثة إلى مثواها الأخير باللعنات، وأحمد الله الذي هداني إلى رفض الإنضمام لحزب عبودية الطاغية وأبعدني عن القتال في صفوف جيشه الشرير.

إن من صفات المؤمن التعلم، فهو لا يدعي احتكار الحقيقة ولا اكتمال المعرفة، لذا يقضي حياته بين دفات الكتب، ولأنه متعلم تجده متأنياً في ابداء الرأي، فلا يخط حرفاً ولا ينبس بكلمة إلا بعد بحث ومراجعة وتمحيص، ولكنه في ذات الوقت لا تنقصه الجرأة ولا تأخذه في قول الحق لومة لائم، وبهذه الطريقة توصلت إلى تحليل المواقف المتباينة للعراقيين بخصوص "تواجد" القوات الأمريكية وحلفائها على الأرض العراقية، ويرى فريق وأنت منهم بأن القوات الأمريكية أتت للعراق  لـ"تحريره" لا احتلاله، وبأن لولاها لرزح العراق تحت نير الطاغية صدام وذريته حتى قيام الساعة، وبالمقابل يعتقد فريق آخر وأنا منهم بأن هنالك إحتلال أمريكي سافر، ولولا أطماع أمريكا بالحصول على فوائد استراتيجية من احتلالها للعراق لما أقدمت على الإطاحة بنظام الطاغية، ولم أبني هذا الموقف من الاحتلال على أساس عاطفي أو بسبب تأثري بالتيار القومي، كما تتهمني جزافاً ومن غير أدلة، بل توصلت له على أساس حقائق مادية، من أهمها تصريحات رسمية لمسؤولين وخبراء وكتاب أمريكان وغربيين يؤكدون فيها بأن للإحتلال الأمريكي أهدافاً معلنة وغير معلنة تخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية في العالم والمنطقة، وأنت تذكر بإعتبارك ضابطاً كبيراً في الجيش العراقي المنحل حادثة هجوم مقاتلة عراقية على بارجة أمريكية أواخر الحرب على إيران وسقوط عدد من طاقم البارجة الأمريكية بين قتيل وجريح، ولم ترد القوات الأمريكية على الهجوم لأن من مصلحة النظام الأمريكي في حينه الوقوف مع النظام الصدامي الطاغوتي، وإذا كان الأمريكان أنفسهم يؤكدون بأن لهم مصالح في العراق فلم ينزه أعوان المحتلين مقاصدهم؟ وبالأمس القريب فقط صرح الناطق باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ، ومن على شاشة الفضائية العالم، بأن حكومته ترفض تسمية القوات الأمريكية في العراق بقوات إحتلال، ولكنه وفي نفس المقابلة ناقض نفسه بقوله أن "الدبابات الأمريكية تسير على ضلوعنا".

وكما قلت فلا أنكر وجود عراقيين يكيلون المديح للأمريكيين ويثنون على "تحريرهم" العراقيين من عبودية النظام السابق، ويكمن وراء هذا الإقتناع نزعات نفسية وجهود إعلامية كبيرة، فقد سخر المحتلون والقادمون معهم أو ورائهم من المنفى وسائل إعلام عالمية ومحلية لتمويه طبيعة الإحتلال وتقديمه بصورة تحرير، ومن الطبيعي أن يعارض العراقيون العائدون بفضل الإحتلال تسميته باسمه الحقيقي، ولكن تسمية الإحتلال تحريراً لا يختلف كثيراً عن تسمية الوثنيين القدامى أصنامهم الحجرية والطينية آلهة، فهي مجرد أسماء مصطنعة، ما لها في الواقع المادي من أساس، ومن ثم شهدنا تحول المحتل إلى حامي حمى الشيعة، فبعد شهور قلائل من قدوم الأمريكان وحلفائهم دعوا الإرهابيين للمنازلة على أرض العراق، والعجب العجاب أن يستهدف هؤلاء الإرهابيون الشيعة فقط، فلم يشهد إقليم كردستان سوى عدد محدود من العمليات الإرهابية، مع أن قادة الأكراد كانوا ولا يزالون الأشد مناصرة للوجود الأمريكي وعلى المدى الطويل، ولو كان قتلهم لشيعة العراق نابع فقط من حقدهم الطائفي على الشيعة فلماذا لم يستهدف الإرهابيون الشيعة في السعودية والبحرين وغيرها؟ ولنتذكر هنا اتهام بعض أقطاب الأحزاب الشيعية المشاركة في الحكومة ورجال الدين في طائفتنا الإحتلال بالمسئولية عن هذه العمليات. لا أدعي امتلاك أدلة حسية على ضلوع الأمريكان بالأعمال الإرهابية، ولكني لا استبعد احتمال أن تكون القاعدة في العراق من صنع أمريكي، أو مخترقة أمريكياً، وبمشاركة وهابية سعودية ومخابراتية أردنية ومصرية، ومن المؤكد بأنهم نجحوا في توظيف العراقيين السنة الطائفيين في عملياتهم ضد الشيعة، ومرت شهور كنا – أنت وأنا- نكتب فيها المقالات المنددة بالعمليات الإرهابية والداعية لتوفير الحماية للشيعة العزل، لكن القادمين مع الإحتلال بفيالقهم وبشمركتهم تركوا الشيعة العزل هدفاً سهلاً لمفخخات وانتحاري الإرهابيين، وفي الوقت ذاته خرجوا علينا بالتصريحات المؤيدة لاستمرار الإحتلال باعتباره السد المنيع الوحيد الذي يمنع المد الإرهابي من تصفية الوجود الشيعي، وهل يعقل أن يكون سبعة عشر مليون شيعي عاجزين عن التصدي لبضع آلاف من الإرهابيين، وجلهم مأجورون؟ وانفضح المخطط الأمريكي عندما تحرك التيار الصدري ومجاميع من الشيعة اليائسين من حماية قوات الإحتلال والحكومة للتصدي للإرهابيين بأسلحتهم القليلة وأوقفوهم عند حدهم بالفعل، فكيف كافئتهم قوات الإحتلال والحكومة؟ بشن حملات التصفية، التي فاقت ضراوتها عملياتهم ضد الإرهابيين، أليس ذلك مدعاة للتساؤل والتعجب؟ ولكن يبطل العجب إذا عرفنا بأن الأمريكان وحلفائهم سخطوا على الصدريين والقوى الشعبية لأنها أثبتت قدرتها على مقارعة الإرهابيين، ثم وبدون مقدمات أعلن أعوان وحماة الإرهابيين والبعثيين من العرب السنة توبتهم وانحيازهم للمعسكر الأمريكي، لتبدأ بعد ذلك مرحلة "الصحوة" والمصالحة الوطنية (بين الضحايا الشيعة وجلاديهم بالأمس واليوم؟) وعفا الله عما سلف من مجازر بعثية وإرهابية ووهابية، لتكتمل خمس سنوات دموية من عمر الإحتلال.

  أما النزعات النفسية المؤثرة على بعض العراقيين الذين يسفحون مداد أقلامهم يومياً في مديح الأمريكان والتي أشرت لها سلفاً فلا بد من الاستعانة بفكر فرانز فانون لشرحها،  وهو مؤلف كتاب بعوان "الهروب من الحرية"، والذي يفسر فيه نشوء النظم الدكتاتورية في دول العالم الثالث بعد حصولها على الإستقلال من الدول الإستعمارية، ويرى الكاتب بأن شعوب تلك الدول تعودت خلال قرون من الحكم الإستعماري على الخضوع للتسلط، فما أن خرج المحتلون حتى سارعت نخب تلك الدول حديثة العهد بالاستقلال لملأ الفراغ بنظم دكتاتورية، ويبدو في نظري بأن العراقيين من أنصار الإحتلال هم أيضاً فارون من الحرية إلى الدكتاتورية، لذا تراهم يساندون استبدال النظام الدكتاتوري البائد بنظام احتلال تعسفي، وسيبقى الشعب العراقي في نظرهم قاصراً وغير قادر على الاستقرار من دون حكومة مستبدة، محتلة أو محلية.

      من الخطأ أيضاً تصنيف العراقيين إلى فريقين أو خندقين، فقد يلتقي عراقيون حول معارضة الإحتلال ويختلفون جذرياً في مواقفهم من إرهاب القاعدة، فليس من الإنصاف إطلاق الأحكام جزافاً على الشيخ الخالصي أو غيره من الشيعة لأنه جالس يوماً فلاناً من العراقيين الذي تعاطف فيما بعد مع الإرهابيين، وهل الواجب على العراقيين التخندق مع الإحتلال ومباركته لأن قواته تحارب الإرهابيين قتلة الشيعة، أو تدعي ذلك، متناسين بأن الأمريكان هم أنفسهم دعوا الإرهابيين للمنازلة على أرض العراق ومنعوا الشيعة من الدفاع عن أنفسهم؟ والإنسان الموضوعي هو الذي يحتكم إلى الأدلة ويطلع على كافة الحقائق المتوفرة قبل إصدار الأحكام، وما كثرة استخدام البعض للشتم والبذاءة في التهجم على الخصوم إلا دليل على ضعف الحجة وهزال المنطق، والإناء بما فيه ينضح، كما أن الحروف توضع على الكلمات -إن كانت هنالك كلمات يجدر أن تقال- لا على السطور، لأن الحروف على السطور دليل على خواء الفكر، كما على من يرى في نفسه الجدارة الكافية للكتابة والنشر أن يكون قادراً على التمييز بين الضاد والظاء على الأقل، فنحن أمة الناطقين بالضاد.

كان يحلو لبعض المسيحيين في لبنان تسمية فرنسا بـ"أمنا الحنون"، وهم بذلك يعترفون بالدور الفرنسي في حماية حقوقهم الدينية آبان العهد العثماني ووقوفها إلى جانب تقسيم سورية الكبرى وولادة لبنان، ومع ذلك يسخر المسيحيون الوطنيون من هذه التسمية رافضين الوصاية الفرنسية، فهل غدا شيعة العراق أيتاماً ليطلبوا من أمريكا تبنيهم؟ لكل واحد منا، نحن شيعة العراق، أبوان مسلمان عراقيان عربيان، ولسنا بحاجة لوصاية من أمريكا وغيرها، وسيكون النصر في النهاية التي أراها قريبة بإذن الله للعراقيين المؤمنين الوطنيين على المحتلين والإرهابيين وبقايا البعثيين وأعوان المحتلين، آنذاك فقط سينال العراقيون استقلالهم وحريتهم، على أمل أن يكون هذا آخر السجال بيننا، وإن خاطبتني مجدداً قلت: سلاماً.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com