|
بعد خمس سنين على سقوط الاستبداد، العراق بين محرقتي العرب و ايران
عدي حاتم/ كاتب واعلامي عراقي خمس سنين منذ سقوط نظام الاستبداد الذي عطل حياة العراقيين ودمر كل مفاصل البلاد ، حين جعل الدولة كلها وكل مؤسساتها على قياسه فأنهارت بانهياره المخزي والمذل .... امال وطموحات واحلام كثيرة كانت تراود العراقيين عند خلاصهم من نظام الطغيان لكنها اصطدمت بواقع تداخلت فيها المصالح وتقاطعت لدول المنطقة والعالم ليتفقوا على شيء واحد هو ضرورة استنزاف امريكا بالعراق ووأد مشروعها بدمقرطة المنطقة وجعلها تستجدي الحلول ، حتى وان كان الضحية في ذلك العراق وشعبه . وساعدت تلك الدول في تنفيذ مخططاتها عدة امور اهمها حدود البلاد المشرعة والحواضن الداخلية المتمثلة ببقايا نظام صدام وبعض السياسيين الذين لايرون ابعد من انوفهم ويعتقدون ان استمرار الفوضى في العراق هو الذي سيحافظ على عروشهم ويكم الافواه عن سرقاتهم ، تلك الامور وغيرها جعلت السعودية ومن خلفها الانظمة الاستبدادية العربية التي تسميها امريكا بـ" المعتدلة " ، وايران ومن خلفها سورية وحزب الله اللبناني تحاول فرض الوصاية على العراقيين من خلال تقديم الاموال وفرض الاملاءات على بعض رجال السياسة والدين الذين اختاروهم لتنفيذ اجنداتهم بتحويل العراق الى محرقة كبرى وبلد يعشش فيه الخراب وتعمه الفوضى حتى تثبت تلك الدول ان الديمقراطية غير ناجحة في منطقتنا ولا تأتي الا بالتطرف والارهاب . خمس سنين تحول فيها العراق الى مناطق نفوذ متصارعة ترتبط بالرياض وطهران ويتأزم الامن فيها متى ماتأزمت العلاقة مع واشنطن او بينهما ، وتم استغلال الدين والمشترك المذهبي اسوأ استغلال لتحقيق مصالح تلك الدول بأبعاد الخطر الامريكي عنها والمتمثل بالنسبة للدول العربية بالديمقراطية الزاحفة اليها والمهددة لدكتاتورياتها المتهرئة ، ولايران بتمرير مشروعها النووي وفك الحصار الغربي المفروض عليها واعتراف واشنطن بنفوذها وسيادتها على منطقة الخليج ، الطرفان استخدما نفس الشعارات التي ضيعت فلسطين لكن بوسائل اكثر دموية واشد همجية، شعارات (الاسلام والقومية) وبالرغم من الزواج غير الشرعي بينهما الا انها رفعت في العراق للتغطية على شلالات الدم النازفة وسط احتفال (اشقاءهم) العرب والمسلمين بـ (المقاومة الباسلة) التي ستعيد المجد التليد والكرامة الضائعة . ووضعت تلك الدول تحت تصرف " القاعدة وبقايا البعثيين ومنظومة صدام الامنية وعصابات الجريمة والقتل وكل ضعاف النفوس والباحثين عن المال الحرام " اموال النفط تحت مرأى ومسمع ومساندة مخابراتية ولوجستية من عواصم غربية تقف في مقدمتها باريس وموسكو. باسم الاسلام والعروبة دخل علينا شبح الموت المحمل بميزانية دول الخليج ومهارات مخابرات دولية وارشاد منظومة صدام الامنية ومستفيدا من ترسانة الاسلحة - التي انفق على جمعها النظام المخلوع مئات وربما الاف المليارات - ومستخدما الانفاق السرية التي حفرها صدام للاختباء من الشعب الذي كان يتوق الى الخلاص منه ،بالاستفادة من كل ذلك اصبح شبح الموت يطاردنا في الشوارع والمدارس والجامعات والمستشفيات ويلاحقنا حتى في منازلنا ويتلذذ بدماء الاطفال ويتفاخر بمنعهم من اللعب في المتنزهات والفرح بالعيد الذي اجل الاحتفال به حتى يأذن (الاشقاء). حرب ابادة الشعب العراقي سخرت لها تلك الانظمة آلتها الاعلامية الضخمة التي اخذت تبث اكثر من (1400) ساعة يوميا للتغطية على مشاهد القتل والدمار وتصويرها على انها ( مقاومة للاحتلال وقتل لعملائه ) ، كما تم تسخير المؤسسة الدينية لاضفاء صبغة (الجهاد) وتحليل قتل العراقيين تحت مسمى جديد هو (المتراس) الذي يجوز قتل الابرياء الذين يصادف وجودهم قرب قوات التحالف ، اما الشعوب العربية فهي الاخرى شريكة في الجريمة فهي شعوب مهزومة نفسيا تعاني من عقدة الفشل والضياع وغياب الارادة كما انها مجبولة على عبودية الدكتاتورية والعيش على الخرافة والشعارات الجوفاء ومعتادة على تمجيد الطغاة وليس لديها- بعد ان غيبت عقلها- اي تفسير غير نظرية المؤامرة ومسؤولية الدول الكبرى عن حالة التخلف والتردي التي تعيشها اليوم ، لذلك فأنها وكعادتها هتفت لحفلات الموت المجاني في العراق كما كانت تهتف للطاغية وهو يضرب العراقيين بالكيمياوي ويسمم مياه الشرب ويدفن مئات الالاف منهم وهم احياء في المقابر الجماعية، تلك الشعوب بما تحمله من عقلية مؤامراتية اراحت ضمائرها بتحميل امريكا مسؤولية مايحدث كما اراحت عقولها من التفكير لانها التي لم تتعود استخدامها. خمس سنين دفع العراقيون ثمن رفضهم لنظام صدام وعدم دفاعهم عنه ومن خوف دول المنطقة من امتداد التجربة الديمقراطية اليهم وخوف العالم الغربي من سيطرة واشنطن على منابع البترول لذلك لم تحرك اشلاء اطفالنا المقطعة ضمير (الامتين) العربية والاسلامية ولا ضمير المجتمع الدولي ولا منظماته (الانسانية ) لانها مسألة اثبات وجود للبعض ومصالح ستراتيجية للبعض الاخر. الصراع بين العرب وايران سيستمر كما ان المؤشرات تدل بوضوح على ان التخبط الامريكي سيستمر على الاقل خلال الخمس سنوات القادمة ، وسيبقى وقود ذلك الصراع العراقيين ، حتى تتمكن القوى الوطنية التي لاترتبط بالاجندات الاقليمية او الدولية ولاتمول من خلف الحدود من اقتحام الساحة والوصول الى عامة الناس واقناعهم بضرورة التغيير والتخلص من تجار الطائفية وامراء الحروب ، وذلك لايتم الا عندما تنهي تلك القوى سباتها وتنفض غبار الكسل عنها وتعمل بجد وفي كافة زوايا ومفاصل المجتمع لانهاء سيطرة الطائفيين وافشال مساعيهم في الاستمرار بتقسيم المجتمع الى طوائف واعراق لتخويفهم من بعضهم البعض لان وجودهم يعتمد على غياب الثقة بين مكونات الشعب وتصارعها وبقاء دوامة العنف في البلاد، واذا عرف الوطنيون كيف ينهون العنف ويعززون وحدة الشعب ويعيدون لحمة المجتمع وثقته ببعضه سوف ينتهي حكم امراء الطوائف ليبدء عصر الدولة المدنية الحديثة في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |