المراة الشرقبة بين ثقافتين رعوية وزراعية
جهاد علاونه
jehad_alwan2006@yahoo.com
الفصل الثاني
لم يعرف الشرقيون ثقافات وافدة منذ بداية الخط المسماري حوالي (3200ق.م) لأنهم سابقون على الثقافات الأخرى مثل اليونانية وفلسفاتها والرومانية وقوانينها ، ولكنهم عرفوا مراحل متطورة من مراحل نمو الثقافة الشرقية ،مثل ثقافة أو إن صح التعبير مثل فترة أو [عصر جمع القوت] الذي عاش به الإنسان مع الإنسان دون الإحساس بفوارق اجتماعية بينه وبين الآخر ، أو بين الأنثى والذكر ، وتطور بعد هذه المرحلة واصبح ينتج السلع والقوت ، وتحول إلى منتمي إلى الطبيعة ومن ثم إلى متميز عنها مع بداية دخوله عصر بداية استخدام الادوات المعدنية وبداية بناء السدود وشق الطرق الزراعية مع بداية السيطرة على الماء .
ومن هنا عرف الشرقيون ثقافتين الأولى زراعية تختص بالتربة والأرض وروحها روح الاستقرار ومدجنة وملتصقة بالأرض التصاق الروح بالجسد ، وهذه كانت منذ بداية تدجين الحبوب حتى اليوم ، وثقافة أخرى رعوية وهي مختلفة كل الاختلاف عن الثقافة الزراعية إذ أنها أولاً :غير ملتصقة بالأرض وغير مستقرة وغير مدجنةـ بضم الميم ـ وغير مدجنةـ بكسر الجيم ـ. إلا قبل مائتي عام من كتابة هذا الكتاب إذ تحول الرعي إلى علم زراعي بفضل تدخل الإنسان بالصناعات العلفية وتحسينها لتحسين إنتاج اللحوم والحليب وبيض المائدة كما سنرى في نهاية هذا الكتاب.
لذلك ارتبطت الثقافة أو الفئة الزراعية برابط الإنتاج والخصب وتحسين الإنتاج ، عن طريق الطرق التقليدية الزراعية ،ولما كانت هذه الطرق غير كافية لتحسين الإنتاج ، فان المزارعين والمجتمعات الزراعية لجأوا إلى اختراع ثقافة دينية تعني بالخصب والنماء وزيادة الخصب عبر تشكيل عبادات الخصب وطقوس الجنس المقدس وبقيت هذه الفئة الزراعية تدين بالولاء للمرأة وللطبيعة معاً وذلك كما أسلفنا في الفصل السابق للتشابه القوي بين المرأة الام وطبيعة الام من حيث وظيفة كل من الطبيعة والمرأة ، والطبيعة تزود الإنسان بالزرع والمزروعات لذلك فهي مصدر الحياة ، والأنثى تزود الإنسان بنوعه عبر الولادات المتكررة في رحم المرأة ، ولهذا اعتبر الجنس عند الثقافة الزراعية عاملاً محفزاً على استمرار الحياة وتكرارها في دورة طبيعية تقوم بأدائها كائنات مؤنثة ، لذلك انتشرت الصور المتكررة للتماثل الأنثوي ، مثل تمثال [ربة الينبوع] إذ تظهر به [عشتار] وهي حاملة بين ذراعيها جرة فخارية ،ووجد في تلك الفترة حوالي [7000-4000ق.م] جرار فخارية في الشرق الأدنى يبدو أنها لدفن الموتى وتظهر فيها عظام الميت بشكل [مكوَّر] كما هو الوضع للجنين في رحم أمه ، على اعتبار أن الجرة تشبه المرأة من حيث التفاصيل الجسمانية ووضع الإنسان بها يشير إلى وضع الخلق البدائي والى أن الذي يعطي هو نفسه الذي يقدر على الأخذ وبالتالي فان عودة الإنسان للأرض داخل جرة فخارية هو إشارة أيضا لعودته إلى خالقه الذي بدا منه وانتهى إليه ، لذلك نشأ الإنسان في بلاد الرافدين وبلاد كنعان وهو محب جداً للأرض وللمرأة وملتصق بالاثنتين معاً ولهذا السبب فإن المزارعين هم أول من قام ببناء المدن ذات الأسوار مثل أريحا والبيضاء في الأردن والأولى عائدة إلى الألف الثامن قبل الميلاد والثانية عائدة إلى الألف التاسع قبل الميلاد وكانت الأسوار تبنى كحد فاصل بين القرية وبين الأراض الزراعية .
بمقابل هذا كله تشكلت في منطقة الشرق الأدنى في صحراء الأردن والحجاز وارض سيناء قبائل أو فئات [رعوية] تقوم على الرعي في المواقع قليلة الخصوبة من الأرض وهذه الطبقة الاجتماعية [مستهلكة] لموارد الطبيعة وغير منتجة ولا تستثمر في الأرض أو الإنسان ، وفي سنين الجفاف تلجئ إلى الاستيلاء على أراضي المزارعين وتخريبها للحصول على [الغذاء] من قبل المزارعين المنتجين للسلع وللمزروعات الصيفية ، وتختلف الثقافة الزراعية عن الثقافة الرعوية اختلاف المجتمعات الزراعية عن المجتمعات الرعوية ،إذ أن المجتمعات الزراعية مجتمعات مثقفة بسبب العلوم الزراعية السائدة في كل عصر على حدى ، وبسبب نشوء المدن واستقرار المثقفين والسياسيين ورجال الدين والهياكل الدينية في المشاعات القروية البدائية في كل قرية زراعية (75).
أما المجتمعات الرعوية [البدوية] فإنها تختلف عن المجتمعات الزراعية اختلافاً كلياً :
أولاً : الرعاة ، غير مستقرين في اغلب الأحيان.
ثانياً : غير مثقفين مدنياً ،بسبب هجرة المثقفين إلى المواقع الزراعية .
ثالثاً : غير مؤهلين لبناء المدن لأنهم لا يحبون الاستقرار .
رابعاً : غير منتجين للسلعة ، بعكس المزارعين المنتجين للحبوب والمدجنين لها.
خامساً: دائماً في حالة استعداد للحرب ويتصفون بالكرم وحسن الضيافة اكثر من غيرهم، وذلك يعود الى طبيعة المناخ الصحراوي، إذ أن الانسان يموت جوعاً وعطشاً في الصحراء اذا لم يجد من يتكرم عليه بالماء والطعام.
وهذا بعكس المزارعين إذ انهم دائماً في حالة استعداد للسلم لذلك انتج المزارعون ثقافة قوية ومستقرة . وخصصوا لكل شيء آلهة مؤنثة فكانت عشتار هي الأقوى بين جميع الآلهة ، وامتاز المزارعون عن [الرعاة] امتازوا بطقوسهم الجنسية المقدسة فكانت النساء تهب نفسها لرجال الدين في الهياكل الدينية بهدف زيادة الخصب والنماء لذلك ولد أشخاص نصفهم [اله] ونصفهم بشر ، ولما ولدت [مريم _ العذراء ] قال لها اليهود [يا أخت هارون ما كان أبوك امرئ سوء وما كانت أمك بغيا](76) إذ كان ذلك إشارة من اليهود إلى مريم أنها تمارس [البغاء المقدس] لان مريم كانت تلزم الهيكل مع زكريا زوج خالتها ، ولما كبر المسيح [الهه] المزارعون وليس اليهود على اعتبار إن نصفه اله ونصفه بشر وان عيد [الفصح المجيد] الذي يحتفل به المسيحيون على اعتبار انه قيامة المسيح في ليلة 24و25اذار هو عيد ربيعي ،وهو قيامة السيد المسيح من بين الأموات بعد أن [مشى على درب الآلام الحزينة ] وهذا لا يخص اليهود في شيء لذلك وجب عليهم أن يحاربوا المسيح لأنه مخالف لطبيعة ثقافتهم الرعوية ، وهذه الصفات التي أطلقت على المسيح هي في الأصل صفات الإله [ بعل ]الزراعي العدو اللدود ليهوى الرعوي ، وقد حلت مريم محل الآلهة عشتار ، ومازال حتى وقت قريب في [إيطاليا] يدعون مريم بـ[افر وديتا] على اعتبار أنها تشترك مع مريم في كثير من الخصائص والصفات.
ومن الخطأ الجازم اعتبار أن الصليب هو التمثيل الناسوتي لصلب المسيح ، ولكنه قبل دعوة المسيح بمات السنين كان يظهر في يد الآلهه عشتار وفي يد(بارات ) الفينقيه المشتق منها اسم مدينة (بيروت) اليوم . وهو يرمز الى (الخصوبه) وليس الى قصة الصلب الروماني للسيد المسيح والصليب ايضا رمز الاله (اندارا) وشكل .الصليب هو شكل للكلمه (الويا)وهي سومريه الاصـــــــ ـل ( ELELEUُ_هلوليا) ومعناها :- ( اله السائل المنوي) او السائل المخصب(77) وبهذا تكون الديانه المسيحيه الشرقيه ديانه زراعيه وثقافه طبقة زراعيه مخالفه لشريعة اليهود رغم قول السيد المسيـح (ما جئت لانقض الناموس وانما لاتممه) وهو يعني بالناموس (التوراة ) او القوانين التوراتيه . وكانت اعياد الخصب الزراعيه تنتثر في كل المواقع الزراعيه من بلاد فارس الى البحر الا بيض المتوسط .فقد كان اهل فارس يحتفلون بيوم 25كانون الاول يوم ميلاد الاله (ميثرا) اله الضوء والظلامُ
وفي الفتره التي ولد فيها ( سرجون الاول 2381_2316ق.م.) كان يحضر على النساء الممارسات للبغاء المقدس ان ينجبن الاطفال كي لا تكن نسبه البشر المؤلهين من الذكور وهذا بدليل القصه السومريه التي عثر عليها مكتوبه على لسان سرجون الذي قال فيها:- ان امه كانت كاهنه من كاهنات الهيكل العليا اللواتي يحرم عليهن الزواج او الانجاب من كاهن وبما ان امه فعلت ذلك فقد استدعتها الضروره الى وضع سرجون الاول في صندوق خشبي ومن ثم القته في الفرات ، حتى وصل الى رجل فلاح اسمه (آلى) واتخذه وزوجته ابنا لهما ،وتعلم سرجون على يد الفلاح (الي) كثيرا من العلوم الزراعيه واصبح بستانيا ، عند حاكم كيش ، وهناك راته الاله عشتار وعشقته ومن بعدها صار ملكا لسومر واكد (78)
وبذلك يقول :- ( سيجموند _ فرويد) في كتابه ( موسى والتوحيد)(79) ان ولادة سرجون ، هي اول واقدم الولادات الالهيه لنموذج البطل ( المخلص) او(المنقذ) وبذلك فان تاليه المسيح ليس غريباً عن الديانات الزراعيه ولكنها مثيره للسخط والعجب لدى اليهود الرعوين ومن اللافت للنظر ان الثقافه الزراعيه لا تجد حرجا من ذكر وتكرار العبارات الجنسيه ، ولاترى في صراحة التعبير عيبا او خجلا بقدر ما تراه ضرورة حتميه ، وهي لا تكبت مشاعر الجنس والرغبه بالمتعه مع الاخر وهنا لدينا ملحمه ادبيه تعد من أروع الملاحم الادبية بعد ملحمة الخلق البابلي، وملحمة جلجامش وأخيراً هذه الملحمة المسماة : ( دموزي وإنكمدو) وهي منافسة للزواج بين دموزي الراعي وانكمدو، الفلاح وبذلك تقول : [أنانا] لأخيها :
(...بعد أن تجلب ملاءة العرس
من سينام معي؟؟
شقيقتي : عريسك من سينام معك
هو الذي ولد من رحم مثمر
هو الذي حبلت به امه على عرش الزواج المقدس
دموزي الراعي سينام معك
(أنانا قالت :
الراعي لن أتزوج الراعي
ملابسة رثة وصوفه خشن
الفلاح يزرع الكتان لملابسي
الفلاح يزرع الشعير لمائدتي )(80)
وإن الثقافة الزراعية هي أول من قام بتوسيع خيال الأدباء من خلال قصصهم عن أبطال غير طبيعيين في كل شيء وهم الذين صوروا أبطالهم بهالات كبيرة، وحولوا ولاداتهم من ولادات طبيعية الى ولادات غير طبيعية، وذلك لاقناع الناس انهم صورة تختلف عن صور الاشخاص الطبيعين مثل سرجون الأول ودموزي الذي تظهره الملحمة الادبية على انه ولد من أُمٍ حبلت به على فراش عرش الزواج المقدس . وهذا يثبه ايضا ولاده المسيح، الذي يراه كثيرُ من دارسي الأديان أن في ولادته خلط بين الصورة الحقيقة وبين الثقافات الزراعية السائدة في ذلك العصر، وأنا لا أرى في ذلك خلط بقدر ما هو ولادة طبيعية في ثقافة دينية مركزها الاخصاب ومن الملاحظ ايضا جداً أن قول (أوتو) شقيق (أنانا) عن (دموزي) (أنه: ولد من رحم مثمر) هو تعبيراً صادق عن مشاعر الخصب تجاه المرأة المثمرة مثل الأرض ومثل النبع ومثل الشجر ومثل كافة أصناف الحياة، التي تتكرر بها يومياً مشاهد الخصب، ولكن في ولادة المسيح اختلاف جوهري، وهو أن كل الذين ولدوا قبل المسيح اعترفوا –دون حرج أو عيب – أن أمهاتهم قد مارسن الجنس المقدس أو البغاء المقدس مع الآلهة الذكور الذين يقومون في الهياكل بتمثيل أدوار ذكورية، وإن ولادة المسيح قد اختلطت بفلسفات لغوية وأسرار روحية، لسبب معلوم لدينا وهو أن (عيسى ابن مريم) حين بعث كان قد ولد أصلاً في مجتمع زراعي مستقر يهودي وعبري الأصل ينتمي الى ثقافة (رعوية) يهودية ترى أن (يهوى) ليس له مكان لكنه منتشرٌ مثل الضوء في كل مكان، وهذا يثبه طبيعة الانسان الراعي والبدوي الدائم الترحال، ولأن ديانة اليهود ديانة رعوية تختلف عن الديانة الزراعية ذات الأسرار والألغاز، فقد رأوا في ديانة الخصب عداءاً دينياً ما بعده عداء وفارقاً ثقافياً ما بعده التقاء ولأن اليهود ايضا تعلموا قصة الخلق عن مردوك البابلي وهو الخلق بفعل الكلمة بدل الخلق بفعل الرحم ، لهذه الأسباب كلها لجئ المسيح والمؤمنون به الى فكرة الولادة بفعل كلمة من الرب ألقاها الى مريم البتول او العذراء، واسم مريم معناه البتول والبتول معناه العذراء والعذراء معناه البتول، وهكذا كلها ألفاظ تدل على العفة والشرف التي لم يمسسها بشر ولم تك بغيا، وهذا الإلتفاف من قبل المؤمنين بالوهية المسيح ناتج عن كره (اليهود) الرعاه للعبادات الزراعية لما بينهم وبين المزراعين من عداء بسبب الهجرات العبرية المتكررة باتجاه الأراض الزراعية والاحتكاك عسكرياً مع المزارعين لاعتدآتهم المتكررة على الأراض الزراعية وابتلاعها دونما تعب ولأن المسيح بعث كما هو قال على لسانه أنه (بعث إلى الخراف الضاله من بني اسرائيل) لهذا السبب مزج المؤمنون به بين طبيعتين : الأولى (ناسويته) والثانية (لاهوتية) ولكنها هذه المرة بفعل الكلمة التي تخلق بفعلها القوي من الاله (كن فيكون)، ولقد جاءت الديانة المسيحية بعد نهاية عصر العنف الذي إتسم بالصناعات الحربية الحديدية وبعد فشل وسقوط (هاينبال) القرطاجي في تونس وسيطرة (روما) القوة العسكرية الضار به من روما الى النيل والى الشرق الأوسط أو الأدنى لذلك عانت هذه المناطق من ويلات الحروب وانتصار الغرباء على السكان المحليين من فلاحين ورعاه وقد ترتب على هذا الوضع احتراق الثقافة الزراعية وانتصار ثقافة عسكرية لا تعرف شيئاً عن الحالات الانسانية وليس لها هم سوء فرض نظام (الجباية) لهذا السبب جاء المسيح بشريعه: (الحب والمسواه) : (أحبوا بعضكم بعضا وباركوا لاعنيكم) و(ومن لطمك على خدك الأيسر فأدر له خدك الأيمن) وقال : (ما جئت لانقض الناموس وانما لأتممه) لقد جاء المسيح بعد انتصار عصر الحديد على عصر الثقافات الأمومية السمحة والتي تبدلت من خلال نظرة الفكر الاسرائيلي العبري الى ديانات الخصب على انها غير اخلاقية وتتجاوز كل ما هو محرم في العرف الديني ونظرت الى ديانات الخصب العشتارية كما ينظر المسلمون اليوم الى (عبده الفرج) أو (عبدة النزوات) والمتع الجنسية وبدون مجاملة لأحد هذب العبرانيون الفكر الشرقي لأول مره من ديانات الخصب ودعوا الى عبادة (يهوى) ومعناه (يهوى- واهب الحياة ) وهذه كما أسلفنا احدى صفات الاله المصري وهذه الصفة كانت رسالةً من اليهود إلى كل شعوب المنطقة تهدف إلى إخبارهم أن عبادتهم عبادة ما أنزل يهوى بها من سلطان وإن عبادة الخصب الانثوية محرمة على شعب الله المختار لذلك ومن هذا المنطلق أحس العبرانيون أنهم مميزون عن الكنعانيين وأهل الفرات، لما يعبدون من دون آلهتهم وعلى الرغم من تأخر الرعاه علمياً عن الفلاحين المستقرين الا انهم استطاعوا خلال تنقلهم في الصحراء ان يتعرفوا على اله مثله مثل الضوء موجودة في كل مكان، وبدون مجاملة لأحد وبرغم كل حركات التمرد والعدوان والعداء بين اليهود والعرب اليوم برغم كل ذلك فان هؤلاء الرعاه هم أول من هذب الديانات ورفعها من الارض الى السماء وهم أول من أسقط الأوثان والأصنام ودعوا الى عبادة اله واحد ليس له مثيل لهذا السبب كان العداء بين اليهود وبين الكنعانيين ليس من أجل لقمة العيش فقط وانما ايضا لان الكنعانيين كانوا يعبدون(81) الخصب والنماء والجنس والبغي المقدس وأول لفظ لكلمة (قديسة)* كانت تطلق على النساء الممارسات للجنس في الهياكل الدينية فيقال لهن (قديسات)، فحولها العبرانيون إلى كلمة (كديشه) أي (البهيمة) ذلك انهم راوا في هذه الأفعال أفعالاً حيوانية شهوانية اما تغير الحروف من (قاف الى كاف) فذلك يعود الى تقارب المخارج بين الحرفين ولكن يبقى المعنى واحد لذلك أكد (برايت) على رايه ان الاندماج بين الرعاه العبرانيين والفلاحين الكنعانين كان مستحيلاً بسبب تناقض الثقافتين، وهذه الاراء يخفيها كل العرب الدارسين للثقافة الشرقية بسبب طبيعه العداء بينهم وبين اليهود ولا بًّد أن فترة إزدهار مملكة داوود وسليمان كان لهما الأثر الكبير في فرض ديانة التوحيد المهذبة اذ نقلها بنو اسرائيل من الأرض والخصب وعبادة الجنس الى السماء والطهارة وعبادة الاله (يهوى) الواحد.
لذلك اندثرت في الشرق الادنى عبادة (عشتار ) بعد أن سيطرت على اذهان وسلوك الشرقيين اكثر من خمسة الاف عام حتى ظهور العبرانيين على مسرح الشرق الادنى الذي لولاهم لبقيت المنطقة على دين الخصب والجنس حتى مجييء الدين الاسلامي الحنيف، وبرغم هذا كله فقد تدخلت قوتين عظمتين أسقطت بني اسرائيل عسكرياً وهي قوة (سرجون الثاني) حوالي (721 ق.م) حيث ساق اليهود الى العراق القديم والقوة الثانية هي قوة (بنوخذ نصر 586 ق.م) حيث انه خرب يهوذى وساقهم الى بابل وهناك اطلق على بني اسرائيل ولاول مرة في التاريخ لفظ (اليهود)(82) نسبة الى دولة (يهوذى) العبرية المخربة.
* * * * * * * * * * * * * * * *
آن الأوان أن نقول أن الثقافة الزراعية أنتجت أدباً زراعياً يعبر عن طبيعة المجتمعات الزراعية من حيث الخصوبة التي تحولت الى مفاهيم واصطلاحات جنسية تعني بالخصب وممارسة الجنس في الهياكل الدينية على مبدأ السحر التشاكلي وهذا النوع أنتج رجالاً مؤلهين نصفهم (بشر) ونصفهم الآخر (إله) الأمر الذي دفع باليهود لأن يتهموا مريم بممارسة هذا النوع من العبادة اذ قالوا لها (يا أخت هارون ما كان أبوك امرئ سوء وما كانت امك بغيا).
ولهذا السبب أيضا هدموا كل البيوت التي بناها سليمان للكنعانيات زوجاته خوفا على ديانتهم من الاختلاط بالديانة الكنعانية وهذا ان دل على شيء فانما يدل على أن الرعاه كلما استقروا كلما تحولوا الى مزارعين والى ثقافة او مثقفين زراعيين، وهنا يبدأ الصراع بين الأصالة والمعاصرة.
وامتازت الحياة الزراعية والمجتمعات الزراعية بتعميم مفاهيم جديدة من التعاون وحب التعاون(83) بين أفراد المجتمع المتكامل من اجل تحقيق التكافل الاجتماعي لمواجهة الطبيعة القاسية مثل تحريم السرقة واشاعة العدل وكانت ومازالت هذه المفاهيم سارية المفعول حتى قبل خمسين عاما من كتابة هذا الكتاب.
بمقابل ذلك ساعد تدجين الحصان والجمل على انتشار الحياة البدوية (البداوه) واصبح في الشرق الادنى مجتمعين متميزين بخصائصهما
الاول :زراعي –(فلاحة)
والثاني :رعوي –(بداوه)
والمجتمع الأول مستقر والثاني دائم الترحل , عرف باسم (العبريو) و(العربي)ولا غرابة في ذلك اذ كان يطلق لفظ (عبري )(84) على كثير من القبائل العربية التي تسكن شمال الجزيرة وعلى القبائل في طور سيناء وشرقي الاردن ومنهم العمالقة , وحتى اصبحت كلمة عبري مرادفة لكل إنسان يسكن في الصحراء , وهي ليست خاصة باليهود ,بل آن كل الذين يسكنون الصحراء يقال لهم (عبريون)و(عرب)ومازالت اكثر الناس حتى اليوم تطلق مصطلح (عرب)على كل من يعيش حياة (البداوة) وكلمة (فلاحون) على من يعيش حياة الزراعة واستعملت كلمة (إبري ,هبري ,خبيرو , عبيرو) في اللغتين المسمارية والهيلوغروفية ولم يك لليهود ذكر , وذلك للدلالة على حياة ,التنقل والعبور والبداوه ومن الملاحظ جدا آن كلمة (عبري)(85) و (عربي) متشابهتان وكلمة ( عربي) مشتقة من كلمة (عبري) وحول هذا الموضوع يقول العالم (ولفنسون):أن كلمة عبري تؤدي نفس معنى كلمة عربي , أي أن العبريين هم قبائل رحل,كانت تتنقل بخيامها وإبلها من مكان لأخر , وهذا الاسم كان يطلق على أبناء يعقوب وعلى كل القبائل الرحل في سوريا والأردن وفلسطين .
ولفظ (الرعاة) أيضا كان يطلقه المصريون على (الهكسوس) إذ دعوهم (مينو –ساتي) أي الرعاة ويقال آن من أطلق لفظ الهكسوس هم (اليونان)بمعنى (الملوك الرعاة)ولكن العرب لم تعرف لفظ هكسوس بل اسموهم (العمالقة)(86) الذين استمروا بالظهور حتى بداية الرسالة الاسلامية.
ومن الجدير ذكره , آن العبريين هم كل سكان الأردن وفلسطين وسيناء وسوريا الذين يحيون حياة البداوة والترحال , وان ما عدى ذلك لا يطلق علية لفظ عبري ويدل على ذلك ما جاء في التوراة ( صموئيل الثاني : 7:6-8_انت تبني لي بيتا ,لسكناي, لاني لم اسكن في بيت منذ يوم أصعدت بني اسرائيل من مصر الى هذا اليوم بل كنت اسير في خيمة...)
وهذا الكلام موجه إلى الملك داود إذا انه أول من نقل العبرانيين من حياة البداوة إلى حياة الاستقرار وتأسيس الدولة , وان العرب والعبرانيين هم شعب واحد يشتركون مع بعظهم في كل الصفات على اعتبار انهم ( رعويون ورعاه وبدو) ينتقلون في الصحراء ولا يعرفون حياة الاستقرار ,لذلك نجدهم في عصورهم المتأخرة لا يملكون قوانين ونواميس خاصة بهم الا في حالة واحدة وهي خاصة بالذين يستقرون ولا يتنقلون , لذلك ليس من العجب آن نجد العبرانيين أثناء استقرارهم في ارض كنعان يكرهون لفظ اصطلاح ( العبرانيون) ويؤثرون آن يطلق عليهم لفظ ( بني اسرائيل)* وذلك لما تحمله كلمة ( عبرانيون) من معاني ومفاهيم وتقاليد بدوية , وكان في ذلك الوقت المزارعون والفلاحين هم المدنيون العصريون بلغة اليوم , اذا انه كان ينظر الى الفلاح على انه ( الانسان التمدن ) بلغة اليوم او الانسان العصري .
وكان الانسان الشرقي في كل المواقع الزراعية متحضرا اكثر من الانسان الراعي وكان يتمتع بمزايا اجتماعية اكثر من الانسان الرعوي وقد اكتسبها بسبب استقراره وهذه المزايا تتمثل بالعلوم الزراعية والعلوم التشرعية والحقوق المدنية بسبب الحاجة الماسة بضرورة المحافظة على ملكيته الفردية للأراض الزراعية لذا شاع في المجتمعات الزراعية مفاهيم العدل والاستقرار الامني وحب السلام للمحافظة على خط سير الإنتاج الزراعي من التلف والتدهور بسبب الحروب وكان حتى وقت قريب ينظر إلى الإنسان الزراعي على انه هو وحده المتمدن والحاذق , حتى آن القران وصف الإنسان المؤمن ب(أولئك هم المفلحون) وتكرر هذا اللفظ عبر أشكال مختلفة من التعبير لوصف كل ما هو جيد وكيس وفطن , على اعتبار آن كلمة (مفلحون) وفالح ومفلح ,كلها تعبيرات مشتقة من الثقافة الزراعية وكان ومازال حتى اليوم في معظم قرى الشرق الأوسط يوصف الإنسان الذكي ب( فالح) ,ولكن هذه الثقافة مع حبها للاستقرار الأمني وقدرتها على فرض نظام دولة القانون والمؤسسات الا أنها اصطدمت مع الثقافة العربية والعبرية بسبب الهجرات المتكررة للعرب والعبريين وميلهم إلى الاستقرار في الاراض الزراعية تسبب بمواجهة عسكرية بين العرب والعبريين من جهة , وبين الفلاحين من جهة أخرى , ويقول (جودت السعد) مؤلف كتاب ( أوهام التاريخ اليهودي):- >(87) وفي الحقيقة أن ما قصده المؤلف هو اتهام الثقافة العبرية بالتسلط وفرض النظام الأبوي وهذا صحيح من جهة واحدة , وهو أن الثقافة العبرية هي ثقافة غير زراعية وغير منتجة ومستهلكة للأراض الخصبة وانه من الطبيعي في كل أنحاء الكرة الأرضية .أن تتكرر مثل هذه المواجهات, وموقف المؤلف ( السعد) ناتج عن إتجاه حركي أيديولوجي ,وليس عن اتجاه علمي بحت فالاتجاه العلمي يعلم أن الثقافه الزراعيه والرعويه كانتا على نقيض دائم بسبب الاختلافات الاقتصاديه وبين انماط الانتاج الاقتصادي بينهما , وكانت هذه العداءآت بينهما مستمره بالظهور في كل أنحاء العالم حتى ظهور الثورة الصناعيه الحديثه التي شكلت بمجملها مجتمعا له أنماط مختلفه من التفكير
لهذا السبب تحول العداء بين المزارعين .الكنعانين والبدو العبرانين من عداء اقتصادي الى عداء ثقافي ايدلوجي , وتمثل هذا العداء بين عشتار وبعل وبعليم وكل ما يتعلق بالخصوبه والجنس بينما عبدالرعاة العبرانيون (اله) ذكر قادر على خلق الطبيعه واماتتها ,ولأن المزارعين أمة مسالمة ليس لها نوايا عسكرية فقد انهزمت نواياهم العسكرية وعلى يد( الرعاة . العرب والعبرانيون ) بسبب خشونة الرعاة وقوة جأشهم وقدرتهم الفائقه على حمل السلاح ووجهه الاتهامات الى الثقافه الطبيعيه والطبيعه الام على انها طبيعة فاشله وعاجزه عن تقديم أي نوع من انواع الخصب طالما أن الاله ( يهوى) الاب لا يريد ذلك , وقالت ان ما تقدمه الطبيعه الام للانسان ناتج عن ارادة (يهوى) للكون وليس ارادة الطبيعه وعلى المزارعين الذين عبدوا الطبيعه والمرأه الآم , عليهم ان يعرفوا ان ارادة (يهوى) فوق كل ارادة , وانه لا يتمثل بالاصنام والاوثان بل انه موجود في كل مكان في الارض وفي البحر وفي السماء , وقد ترجم كتاب التوراة ومدونيه قصة قديمه كانت قد وجدت منقوشه في الالفيه الرابعه قبل الميلاد تتحدث عن رجل وامرأة وشجرة نخيل وأفعى , ولما وصلت الى كتاب التوراة ترجموها من لوحه فنيه مرسومه الى قصه مكتوبه واللوحه تشير الى رجل جالس ومقابله امراه تمديدها الى شجره نخيل وخلفها افعى تهمس لها , والرجل يمد يده الى الشجره كما تفعل المراه علما ان شجرة النخيل بينهما.
ومن الجدير بالذكر ان هذه اللوحه رسمت قبل زمن الكتابه بالف عام ,وقد وصلت الى الأدب الزراعي كتعبير عن ارادة الطبيعه في مشهد رومنسي يبعث على النشوه وعلى الامتثال الفوري لاوامر الطبيعه وهي تخلق جوا من الرومانسيه والمتعه بين الرجال والنساء
وحينما وصلت هذه القصه الى العرب الرعاة(88) والعبرانيين الرعاة فانهم حوروا نصوصها المرسومه لتتوافق مع طبيعة مفاهيمهم الرعوية , وقالوا أن ممارسة الجنس هو سبب سقوط الانسان الاخلاقي , وكان هذا اول انتقاد تاريخي للاخلاق والمعايير الاخلاقيه . وتصوروا ان المراه التي تهب نفسها لرجال الهياكل هي امرأة مومس ومأمونه وسيحلُ وبها غضب الاله (يهوى) وهي زانيه بحكم الدين والشريعه وفي القرن العشرين قالت نوال السعداوي منتقدةً اليهود والعرب :(إن ممارسة الجنس كان سببا في إرتقاء أدم وحواء وليس سببا للسقوط وللهبوط)
بينما بقي الفلاحون المزارعون يعبرون عن احترامهم لهذه الصور والمشاهد الجنسيه التي تثير عاطفة الانسان وتثير عاطفة الالهه وتغدق على الانسان من خيراتها كما يغدق الانسان بالفعل البيولوجي .
لهذا السبب جاز لنا أن نقول ان العبرانين هذبوا الديانات الشرقيه وسمو بها فوق مستوى البثر من ديانة مركزها الجنس والمتعه الجنسيه الى ديانة مركزها روح سماويه فوق مستوى الفهم والادراك ؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هو:- ؟من أين للعبرانين هذه التصورات طالما انهم بدو رحل ليس لهم ثقافه مستقرة ؟ وهم بعيدون كل البعد عن الثقافه والحضاره!!
ويقول : ويلز (ان اليهود ذهبوا الى بابل همجا , وعادوا منها متمدنين , خرجوا منقسمين وعادوا بروح قوميه شديدة وجنوح الى الاعتزال , ذهبوا وليس لهم أدب مشترك وعادوا ومعهم مادة العهد القديم)(89)
وأعتقد أن اليهود تمدنوا وتفقهوا وتحضروا قبل ذهابهم الى بابل ,وإن ويلز يناقض نفسه بدليل وصفه للعبرانيين أنهم (يهود) والذي يؤسس دولة المدينه لا بد أن يكون متحضرا , وهذا يعني ان اليهود قد انتقلوا من العيش في خيم متنقله الى العيش في مساكن أمنه وقد اتقنوا التجارة وبعد وفاة الملك سليمان امر(يوشيا). الشعب وجمع الكهنه من أجل احراق الاواني المصنوعه للبعل وهدم المرتفعات التي تقع قبالة أور شليم والتي بناها الملك سليمان ملك اسرائيل لعشتروت ديانه الخصوبه الانثويه الكنعانيه التي رأى (يوشيا)(90) أن الملك سليمان قد تأثر بالثقافة الزراعية الحديثة وقد انتصرت عليه المعاصرة على الاصالة بينما عاد يوشيا الى الاصالة ورأى مثل:- الموسيقا , والغناء, والاحتفال بالاعياد والرقص أمام تابوت العهد , كلها عبادات كنعانيه(91) لم يستطع اليهود ان يتخلصوا منها حتى اليوم وان معظم ثقافات العالم تتأثر بغيرها وتؤثر بغيرها ولكن هنالك مفاهيم خاطئه عن اليهود وأهمها ما ذكرناه سابقا حول نظرتهم الى الام الطبيعه او الطبيعه الام التي هي اهم ركائز الديانه الكنعانيه.
* الجنس والتوحيد :
يبدو للوهلة الأولى أن الكلمتين غريبتين مع بعضهما البعض ولكن حتى نختصر الطريق نود أن نقول أن المفهومين أي الجنس والتوحيد قد تغيرت النظرة إليهما معاً ففي الوقت الذي عاش به الإنسان الشرقي في مشاعات قروية كانت نظرته إلى الجنس نظرة واجب وحاجة بيولوجية ممتعه ليس عليها غبار وإن الدور الذي كانت تؤديه المرأة في الهياكل الدينية من ممارسة للجنس كان دوراً رئيسياً لاتمام دورة الحياة الطبيعية عبر التزاوج والولادات المتكررة وكانت المعايير الأخلاقية لا تهتم بثقافة العيب أو قضايا الشرق التي شنت من أجلها الحروب في المجتمعات البدوية .
وبقيَّ أن نفهم أن الدور الذي لعب به العبرانيون ونعني بالعبرانيين كل القبائل البدوية التي تعيش على الرعي في سيناء وفلسطين كنعان والأردن وسوريا والعراق وبقي أن نقول أن نظرة هؤلاء اختلفت كثيراً عن نظرة الفلاحين ونعني بالفلاحين كل القبائل التي مارست مهنه الزراعة والفلاحة في حوض البحر الأبيض المتوسط إذ اختلفت نظرة الفلاحين إلى الجنس على اعتبار انه العامل الرئيس لزيادة إنتاج الأرض من مزروعات ولزيادة الإنتاج النسوي (المرأة) من مخلوقات بشرية .
وكانت الثقافتين الرعوية والزراعية في تنافس مستمر، حيث بدأ العبرانيون ينظرون إلى النساء والرجال الممارسين للبغاء في المعابد على أنهم (المأبونون) و(الزانيون) و(الزانيات) وقبل ظهور العبرانيين وحياة الرعي كان ينظر إليهم على أنهم (قديسون) و(قديسات)(92) يضحون بأنفسهم من أجل خصوبة الأرض والإنسان ويجب أن نفهم أن انتقال الإنسان الشرقي من حياة الزراعه إلى البداوة والرعي، قد بدل وغيَّر مفاهيماً كثيرةً من بينها أو أهمها مفهوم الجنس ومفهوم التوحيد، ففي الوقت الذي عبدت به طقوس جنسية زادت من أهمية المرأة لأكثر من خمسة آلاف عام (5000-2000 ق.م) الأمر الذي دفع بالفلاحين الى عبادة المرأة الألهه الأنثى، ولا ننسى أن نذكر ونقول أن كلمة (أنثى)(93) المتعارف عليها اليوم هي في الأصل البنت الثالثة للاله (بعل) الاله الفينيقي والذي يدعى (حداد) أو (أداد) وكانوا يسمونها (أناث) وأحياناً (أنات) واحياناً (عنات) وما أكثر ما تبدل العرب بالحروف لتقارب مخارجها كما أسلفنا، وتقول بعض المصادر أن (أناث) هي صفة من صفات الألهه عشتار .
وما زال الناس حتى اليوم يصفون المرأة بـ(الأنثى) وهم لا يدرون سر هذه الألفاظ وذلك لسبب معلوم وهو انتشار الوعي والثقافة والتقلبات الاجتماعية التي غيرت المفاهيم وأيضاً ما زال لفظ عشتار ما ثلاً بين أيدي الفلاحين ومازالت عشتار الى اليوم ظاهرة عند كل فلاحي الاردن وفلسطين وسوريا والعراق وسيناء، ولكنه للأسف لفظ لا يدل على الانسانه الانثى الحاملة للجنين بل للحيوانات والبهائم اذ انهم يصفون البقرة الحامل بقولهم (بقرة معشرة) ولفظ معشرة هي من لفظ عشتار وهذا هو الجذر اللغوي للفظه (معشرة) وقام الرعاه بتحرير كلمة (قديسة) الى (كديشة) كما اسلفنا ذكر ذلك، ويقال أن المصريين هم أول من سمَّى (أناث) بـ(قادش)(94) و(قديشة) وقد نقلها العبرانيون منهم، ولولا تدخل التاريخ الطبقي والعبرانيون وظهور أنظمة اجتماعية حديثة لانتشرت (ديانة التوحيد) باسم (الأنثى) وذلك لما تحمله الألهة (أناث) من صفات متعددة الأشكال والمعاني، حيث بلغت صفاتها أكثر من ثلاثمائة صفة أو أسم*، وهذا ان دل على شيء فانما يدل دلالة واضحة على سيطرتها وسيطرة عابديها على كل وظائف الطبيعة، وهذا اكثر بكثير من صفات (مردوك) في ملحمة الخلق البابلي حيث بلغت اسماؤه وصفاته خمسون اسماً وصفةً وتلك ديانة توحيدية بدائية لم يكتب لها أن تعيش لأكثر من بضع عثرات من السنين.
ويقول بعض الباحثين أن العبرانيين تفرقوا بعد وفات يوشع(95) بن نون، وبوفاته انقطعت القيادة الجماعية وتركوا عبادة التوحيد الموسوية وبذلك يتحدث سفر القضاه ويوضح الى أي مدى اخلاقي تراجع العبرانيون الرعاه واتبعوا ديانة الخصب الأنثوية حيث جاء في سفر القضاه :
ويرى بعض الباحثين المحدثين والحداثيون أن عبادة اليهود لألهة الكنعانيين يرجع الى استقرارهم وتحولهم من البداوة والرعي الى الزراعة وبهذا يظهر الصراع بين اله السماء ايل والهة الطبيعة عشتار وهذا يفسر لنا سبب بناء الملك سليمان صنماً لكل زوجة من زوجاته الغريبات اللواتي أملن قلبه وهو سبب عائدُ الى استقرار العبرانيين وتحولهم الى حياة الزراعة والاستقرار .
ولقد تنبه الى هذه النظرية عالم الاجتماع العربي الكبير (ابن خلدون) في مقدمته حيث قال (96):
وبهذا فان العبرانيين الفوا حياة الزراعة ولم يؤثروا بها بل هي التي أثرت بهم وهذا يفسر لنا بوضوح سبب كثرة الانبياء والرسل عند العبرانيين ذلك أنهم كلما استقروا وبعدوا عن حياة البداوة كلما تبدلت ديانتهم وبهذا فانهم على شجاعتهم ينتصرون عسكرياً وينهزمون ثقافياً .
وهذا ايضاً يعطينا اضافة جديدة حول دور المرأة في الشرق الأدنى وهو أن الحياة الرعوية لم تك وحدها المسؤولة عن تراجع دور المرأة طالما أن الرعاه يتمدنون كما تمدن الملك سليمان واستقر في مملكته الزراعية وبنى اصناماً وبيوتاً لزوجاته الغريبات بل أن هنالك عاملاً اخر وهو آخر العوامل الذي جرد المرأة والرجل معاً من ثقافة الطبيعة الأم وهو : ظهور طبقة الصناعيين والحرفيين والتسابق على تنامي رأس المال وتراكم الثروات(97) والجري وراء الأرباح وهذا كله بسبب ارتفاع اجور المنتجين للأدوات الفخارية والحياكه وتراجع اجور المزارعين بسبب عدم قدرة الأراضي الزراعية على توفير فائض الانتاج المطلوب، وهذا ليس غريباً عن المجتمعات العربية، فانه حتى هذه اللحظة تهجر الناس الأراض الزراعية وحياة الزراعة وتتجه إلى أعمال حرفية وحكومية لأنها توفر دخلاً ومردوداً مالياً اكثر من الزراعة، وبالتالي فإن المرأة المنتجة زراعياً بقيت في البيت لخدمة الذكور الذين يعملون ليل نهار لتوفير لقمة العيش , وهذا عمل على تسارع نمو دور الرجل الذكر المنتج وتراجعت أهمية المرأة بقدر تراجع الاقتصاد الزراعي إذا أن الإنتاج الزراعي لم يوفر فائض الإنتاج المطلوب بسبب شح مصادر المياه وقلة الوسائل المطلوبة لتحسين الإنتاج , وهذا هو التصحيح والتفسير الأصح لأسباب تراجع دور المرأة إذ أن التهافت على الصناعات الجديدة وفر سوق عمل جيد وممتاز في أكثر المجتمعات الإستهلاكية ,وبدأ تدفق الصناعات من منتوجات حرفية يغرق الأسواق ويكدس الأموال من ذهب وفضة الأمر الذي حدى بكثير من المزارعين أن يهجروا أراضيهم ويتجهوا نحو الصناعات اليدوية ونحن ما زلنا نشهد مثل هذه الغمرة في مجتمعات الشرق الأدنى فقبل خمسين عاما من تأليف هذا الكتاب بدأ المزارعون في مجتماعتنا بهجرة أراضيهم الزراعية والإتجاه إلى أسواق إنتاجية حديثة والاغتراب عن الأرض الزراعية والاتجاه أيضا إلى السلك الوظيفي الأمر الذي أدى أيضا إلى تغير شكل (العشيرة ) و( القبيلة)* .
من هنا على الباحث الاجتماعي أن يعي أن إنتشار الثقافة العبرانية أيضا ساهم إلى حد كبير في تراجع دور المرأة لأن العبرانيين عززوا من وجود الرجل الذكر بفضل عبادة الإله يهوى الذي يحمل صفات ذكورية , وهذه الصفات زادت من الأشمئزاز البيولوجي لبعض المواصفات الأنثوية وانقلبت أهمية المرأة الأم الطبيعة رأسا على عقب , بعد أن كانت دورتها الشهرية تكتمل مع دورة الخلق الطبيعي حتى كادت أن تكون هي الخالق الفعلي للحياة إن لم تكن هي على الإطلاق.
ومما لاشك فيه أن دخول عصر الثقافة والفلسفة وفر جانبا مهما من جوانب تراجع المرأة الطبيعة وبرزت اتجاهات تخصصية تعي حقيقة دور الرجل أكثر من دور المرأة في استلام دفة القيادة , وعلية فقد بدأ تصور العبرانيون الرعاة أن الخطيئة جاءت من المرأة (98) واتسعت الهوة بين الرجل وبين المرأة وخصوصا عندما بدأ الرجل والمجتمع بأسره يتطور علميا وكان من اكثر الاكتشافات العلمية خطورة هو ملاحظة المجتمع للدورة الشهرية المؤلمة للرجل إذا اقترب من المرأة وهي حائض , من هنا بدأت النظرة إلى المرأة تأخذ شكلا مغايرا ومعكوسا عن الشكل السابق الذي كان يرى في الدورة الشهرية سببا وعاملا أساسيا للخلق وتجدد بذرة الحياة لذلك كان وما زال ينظر إلى المرأة أثناء الدورة الشهرية على أنها (دنس ورجس) وعلى الرجل أن يتجنب الاحتكاك الفعلي معها , ومنذ تلك اللحظة بدأت المجتمعات الشرقية تنظر إلى المرأة نظرة احتقار مبالغ بها لقولهم :- أن الإله والآلهة لا يقتربون من المرأة أثناء الدورة لاعتقادهم أنها رجس لا يتجنبه الرجل وحده بل الرجل والآلهة معا , وحول هذا الموضوع يرى (دور كهايم) أن أصل القوة السحرية التي تعزى إلى عضوية المرأة ترجع إلى الأفكار البدائية المتصلة بدم الحيض . وكان العرب في الجاهلية يفعلون كما يفعل اليهود من حيث إفراطهم في مجانبة النساء أثناء الدورة الشهرية فلا يؤاكلوهن ولا يجالسوهن , أما الديانه المسيحية فلم تك تحرم إتيان النساء أثناء (الطمث) بخلاف العرب والعبرانيين وهذا يعود إلى البنية الثقافية الواحدة للعرب الرعاة وللعبرانين الرعاة , أما الديانه المسيحية فلم تك تتحرج من إتيان النساء أثناء الدورة الشهرية وهذا سبب يعود أصلا للثقافة المسيحية الزراعية والامومية السمحة لأنها خالفت في شكلها كل أشكال الثقافات الأبوية المتسلطه وعلى رأس هذه الثقافات الثقافة العبرانية , ولقد ظل المسيحيون يأتون نساءهم أثناء الدورة حتى سألوا الرسول الكريم (ًص) فسألوه هم والعرب المشركين فقرئ عليهم ( ........ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) . ولم تك الشعوب البدائية تلاحظ ذلك لولا إعتمادهم على المشاهدة والخبرة أما اليوم فقد أثبتت الدراسات أن حصيلة التنفس عند المرأة أثناء الدورة فيه سموم , والمفرزات العرقية تحوي على مواد سامه سميت ( بالسموم الطمثية) وهي مضرة حتى بالأزهار والأثمار ذلك أن دم المحيض يحتوي على مواد سامة مثل (الزرنيخ واليود والفسفور والمنغنيز ))(99)
وهذا السبب من الأسباب التي نحت بالمرآة منحا متدنيا من الأعلى إلى الأسفل كما هو الخط البياني المتدني من أعلى إلى اسفل والغريب في الموضوع أن سبب تألية المرأة كما اسلفنا سابقا هو بسبب الدورة الشهرية المكتملة مع دورة القمر الشهرية , وان من اكثر أسباب تدهور المرأة اجتماعيا هو أيضا بسبب الدورة الشهرية إذ اصبح لدى المجتمعات الشرقية خبرة واسعة عن طريق التجربة والخبرة والمشاهدة لأضرار الدورة الشهرية وان ظهور عصر الحديد أمتاز بالصراعات الدموية والتسابق على تراكم الثروات بالإضافة إلى ذلك فقد بدأت تظهر طبقات اجتماعية تمتاز بالقدرة على تسخير الطبقات الأدنى منها عسكريا واقتصاديا من هنا بدأت السيطرة على الفنانين والمبدعين في شتى المجالات مع حب الاحترام والتقدير لإبداعاتهم وحب الاحتقار للفنانين والمبدعين(100) إذ بدأت الفتات المسيطرة تنظر إلى الأدوات الفنية والمنحوتات على أنها فن رفيع وبنفس الوقت تنظر إلى الفنانين على انهم طبقة وضيعة وربما يعود هذا السبب إلى انفراد الفنانين والمبدعين بحياتهم الخاصة مع حب التعرف على أهوائهم وحسب ملذاتهم , وهذا ليس بالغريب على المجتمعات الحديثة اليوم والتي تنظر غالبيتها إلى الفنانين نظرة حب واعجاب وتقدير بنفس الوقت الذي يكرهون به أن يكونوا مثلهم وعليه فقد إنحدرت حياة الفن الزراعي وآدابه وارتفعت مكانه حياة تراكم الأموال وانتشرت مفاهيم جديدة تصف الفن وإظهار النزوات على انه (بذخ) ولهو ولعب يستمتع به من يملك الاقتصاد والمال وقد ظل (سنكا) يحتفظ بالتميز الكلاسيكي القديم بين الفنان وعمله ويقول (إننا نقيم الصلوات ونقدم الضحايا أمام تماثيل الآلهة ولكنا نحتقر المثالين الذين صنعوها )(101)
وهذه الحكاية الطويلة مع الفن بدأت منذ إنتشار المعابد الدينية , وهذا الأمر خلق جوا من التشويش على آراء المبدعين , بسبب تمسك الكهنة على مبدأ المحافظة خوفا من تغيير أنظمتهم لذلك شجع السياسيون ورجال الدين على مبدأ المحافظة على القديم بنفس الوقت الذي أصبح به الفنانون أداة طبيعية بأيدي رجال الدين والسياسيين خشية الانجراف خلف رغبه الجماهير ... ولقد كان الفن ولإبداع على هذه الحال حتى قبل سنتين من تأليف هذا الكتاب حيث ظهرت اتجاهات فنيه تعي حقيقة . الفن مع الاحتفاظ بموضوعاته بمعزل عن رغبة السياسين وبمعزل عن الاتجاهات الفكريه والايديولوجيه السائدة في هذا العصر , وهذا الامر ليس بالجديد على الظاهره الفنيه فمنذ القدم كان مبدأ ( الفن ليس للفن) و( الابداع ليس للابداع) حتى غدا الانسان مغلوبا على ارائه ورغباته بسبب تدخل جملة من الثقافات التي لاتقيم وزنا لرغبة الانسان بقدر ما تقيم وزنا لرغبة السلطه حيث ان المقياس الفني لا يعود لرغبة المبدع بقدر ما يعود لرغبة السلطه التي دائما ما تتحول الى خصم وحول هذا الموضوع يخبرنا مؤلف كتاب ( العنف والمقدس والجنس )*102 عن قصة (نزول عشتار الى العالم الاسفل ) وخلعها عند كل باب ما تلبس من اقراط وحلي وملابس ... حيث يخبرنا ان هذا الخلع ما هو الا تعبير صادق من المراه الشرقيه عن رغبتها في التحرر من القيود الاجتماعيه والثقافات السائدة ةوالعوده الى احضان الام الطبيعيه ايام لم تك هناك ثقافه او محرمات تفرض قيودا على الممارسات الجنسيه حيث حولت الثقافه العبريه الجنس من مفهوم بيولوجي ومشاعر صادقه الى مفهوم ايديولوجي يهدف اولا واخيرا الى ترسيخ مفهوم العائله الجديدة للمحافظه على املاك الفرد من التقسيم العشوائي وبمقابل ذلك فقد وضع الجنس والدين والتوحيد والفن بكافة اشكاله تحت وصاية السلظه خوفا من التغيير بمفاهيم متعددة تهدف الى المحافظه وقتل روح الانطلاق من قبضة الثقافه ولترويض الانسان ايضا وتدجينه ثقافيا .
وانه منذ ظهور عصر الايديولوجيات حتى اليوم كانت المراه وما زالت هي الاكثر ميلا للعوده الى ايام الفردوس الضائع ايام لم تك هنالك ثقافه او تدجين الانسان ثقافيا ووضعه في سجن تحرسه افكار ومفاهيم لا تقيم وزنا لحريته ورغبته ولقد امتاز الرجل طوال حياته بحب المحافظه حتى ان قصة اغراء حواء لادم وهي قصة (اغراء) وليست قصة ( إغواء) كما يتصورها الكثيرون فقصة ادم منقوشه على حجر سومري يرجع الى (4000ق.م) هي اخبار حقيقيه عن مفهوم الدين والجنس ورغبة صادقه من حواء في اطعام ادم من تفاحتها الكنعانيه ونخلتها السومريه ويقول استاذ علم النفس في جامعة جورجيا البرفسور (توراناس) ( ان المساواه بين الجنسين تشكل عقبه كأداء في القدرات الخلاقه فالقدرات الخلاقه لدى الفتاة تحتاج الى الحساسيه والصفات الانثويه بينما تحتاج عند الرجال الى الاستقلاليه وصفات الرجوله )(103)
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا اكثر الفنانين والمبدعين من الشرق الى الغرب هم من الرجال ؟ والجواب هو :- لان المراه لا تتمتع بامتيازات الرجل الاجتماعيه واذا تمتعت بها فهي تقليديه ومحافظة بينما الرجل اذا تمتع بامتيازات المراه فانه يبدع اكثر منها ذلك ان مجتمع الرجال والذكور يستطيعون الازدواج اجتماعيا بين عدة مفاهيم ولا تسطيع المراه ان تقيم عليه حدودا ثقافيه كالتي يقيمها هو عليها ذلك ان وصاية الثقافة على المرأه فيها نوع من القسوه على مشاعرها النبيله والعاطفيه والوجدانيه . فهي تقليديه ومحافظة بينما الرجل اذا تمتع بامتيازات المراه فانه يبدع اكثر منها ذلك ان مجتمع الرجال والذكور يستطيعون الازدواج اجتماعيا بين عدة مفاهيم ولا تسطيع المراه ان تقيم عليه حدودا ثقافيه كالتي يقيمها هو عليها .
وسيقى الى الابد هاجس المراه الشرقيه مرتبطا ارتباطا غير عقلاني وغير منطقي الى الابد مع جملة من المفاهيم الثقافيه التي تحد من مشاعرها ويبقى هاجس الرجل مبغظا للمراه ( الشريكه) واقصد بالشريكه , المراه الزوجه – نعم سيبقى الرجل الشرقي في حالة تناقض مستمر بين حب الحريه والانفلات من الثقافه والايدويولوجيا مع عشيقاته وخليلاته بنفس الوقت الذي لا يقبل به ان يقيم شراكه حقيقيه مع صديقاته , وهذه المساله تشبه الى حد كبير احترام وتقدير العامل المنتج من ذكر وانثى بنفس الوقت الذي يرفض به المجتمع والناس اقامة شراكة حقيقيه مع اولئك الذين يعملون في اعمال وضيعه او شبه متدنية مع السلم الوظيفي ولقد عبر فرويد في كتابه ( الاحلام والقلق والخجل) عن هذ الموضوع بقوله :-ان الاحلام تذهب بالانسان مذهبا قريبا من المحرمات مثل ( الزنا ) والتمتع و(الاستمناء)وهذا كله بسبب نشاط الانسان الذهني اثناء الاستيقاظ وتفكيره المرير اثناء النهار بين ملاحقة نزواته الطبيعيه وبين الامتثال لاوامر (النهي ) الثقافية وكل البشر يتصارعون كل يوم بين حب الامتثال للاوامر الاغرائية والرضوخ الى النزوات الشهوانيه وبين الاستمتاع الاوامر النهي الثقافية وان الثقافة والتثقيف هنا زاد المسألة تعقيدا على تعقيد فمن يوم عرف الانسان الثقافه عرف معها ( كبت ) المشاعر وقتل بكبته روح المتعه مع الطبيعه المغريه .
وفي الوقت الذي عرف فيه الانسان الشرقي هذه الافكار كان الشيطان قد ولد مع هذه الافكار والنزوات ويرى بعض المحللين ان معرفة الانسان بالشيطان ( كان فاتحه خير ) اذا استدل الانسان على السبب الاول لسقوطه وارتفاعه واعتبر ان الشيطان هو المحرك الفعلي للنزوات والمتع عبر وسوسته لحواء وادم في الانقلاب من كوابيس الثقافه , والقي الانسان المثقف اللوم على الشيطان والمراه وقام الانسان المثقف بتنظيم نفسه من جديد عبر هدم كل اشكال الماضي وإقامة أبنية ثقافية حديثة تهدف إلى إعادة تنظيم الإنسان ثقافيا وهدم أبنية البيولوجية التي لا تقيم وزنا للثقافة الاجتماعية على اعتبار أنها نظام وأنظمة اجتماعية لها جملة من المفاهيم الأخلاقية تتغير هذه الأخلاق عبر تغير الأشكال والعادات والتقاليد , فمن مجتمع يرى أن خروج المرأة حاسرة الرأس يشكل عيبا أخلاقيا فإنه في المقابل هنالك مجتمعات لا ترى في ذلك عيبا أو حرجا للمرآة أو الرجل , وبالتالي فإن الأبنية الإجتماعية والأخلاق تتغير بتغير العادات وأساليب الإنتاج الإقتصادي ففي المجتمعات الزراعية كان وما زال نزول المرأة إلى سوق العمل في الحقول والبساتين لا يشكل عيبا وإنما نمطا تعاونيا , أما عند مجتمع الرعاة فإن نزول المرأة للعمل لم يك من الموضوعات الخطيرة التي تستحق البحث وذلك يعود أصلا إلى المجتمع الرعوي غير المنتج أصلا إذ أن الرجل به غير منتج وغير مستثمر , فكيف تكون المرأة عاملة وحال الرجل غير منتج , لذلك فإن الثقافة الإسلامية كانت على ذكائها وعبقريتها لا تقيم وزنا لعلاقة المرأة بالإنتاج , وكذلك الثقافة العبرية . حتى أن موضوع الإستثمار كان غائبا ذهنيا وعمليا
* * * *
v الحب والكيمياء إن الحب بشكله الرائع والممتع هو من أجمل العلاقات الإنسانية بين اثنين هما المرأة والرجل , وإن الحب هو أرقى درجات الإحساس وهو حالة من حالات الوعي المتكامل بين إثنين وهو من أعلى السلالات العاطفية وهو روح الإنسان المبدع وأداته الخلاقة. ويضطرب الإنسان المبدع إذا فقد الحب أو إذا تعرض لجراحة وخصوصا إذا كانت هذه الجراح عميقة وبالغة الأثر , وان الإنسان المبدع إذا فقد حبيبه أو شريكه الحقيقي فإن أدوات إبداعه الإنتاجية تتعرض هي أيضا لموضوع فقدان الترابط الموضوعي , وإن المحب في حالة سلوك طبيعي في المجتمع ما دامت علاقاته الوجدانية طبيعية .
من هنا نشأت الاضطرابات الإجتماعية بين الرجل وبين المرأة نتيجة اضطرابات وجدانية , وقد نشأت الاضطرابات الوجدانية في الشرق الأدنى عندما بدأت الثقافة تتدخل في الموضوعات الإنسانية الوجدانية وبدأت الثقافة بالتمرد على العاطفة وعلى السلوك العاطفي للإنسان وهذا كله عمل على إحداث شرخ في بنية الإنسان الوجدانية وتحولت أحاسيسه من كتلة عاطفية إلى كتلة ثقافية تحضر علية (الحب) باسم ( الحرام) وتحرم عليه (المتعة ) باسم ( الزنا ) وتحضر علية النظر إلى وجه محبه الكريم باسم (الاختلاط ) الممنوع , لذلك فإن الإنسان الحساس يحسد كل الحيوانات (السفلى والعليا ) على حرية حياتها العاطفية وعلى قلة أمراضها النفسية , وكلما تدخلت الثقافة في الإنسان أكثر كلما ازدادت اضطراباته اكثر , ذلك أن الإنسان الشرقي هو الإنسان الوحيد الذي مازال يصارع بين الإمنثال لأوامر النفس وبين الامتثال لأوامر الثقافة .
وإن الحب يفرز في الجسم مادة كيميائية وتسمى إختصارا (p-e-a) وهي تحقق الشعور بالمتعة والسعادة والرضا والخفة والإحساس بانعدام الوزن نتيجة توسع الأوردة وانخفاض الضغط العصبي وهذه المادة – كما يقول عنها البر فسور(104) { ميشيل رئيس قسم الاضطرابات العصبية – تحقق الشعور بالسعادة والرضا وتجعل الإنسان يشعر برغبة هائلة في الاقتراب من الآخر وهذا العمل الكيميائي الذي ينتجه المخ يعمل على الاستقرار العاطفي , عندها يقل إنتاج مادة الحب في الجسم (P.E.A) وتذوب نشوة الإحساس بين الأطراف المتحابة ويخف الوهج وتنزل درجة حرارة الحب والعاطفة بينهما , بعد ذلك يبدأ الجسم في إنتاج مادة { الإندروفين } وهي مادة جذابة تساعد الأطراف المحبة في التعرف على بعضها بصوره افضل وهذا ما يسمى في الحديث {الأرواح جنود مجندة ما تالف منها أأتلف وما تنافر منها أختلف } وهذا يعني ان من تالف منها انتج مادة {P.E.A} ومن ثم { الاندروفين} وما تنافر منها لم ينتج أي شيء من هذا القبيل وبقي مختلفا مع الطرف الآخر . ويلخص الدكتور { ميثيل } نظريته بقوله { كلما قل الاندروفين يقل الحب وينعدم التفاهم } وعندما أكل آدم من شجرة التفاح , كانت هذه التفاحة تعبيرا مجازيا عن { الجنس } ولان الحب والجنس يفتحان الشهية فان التفاح أيضا يساعد الجسم على الانتفاع بالكالسيوم لتجديد العظام وتقويتها . وتؤثر { فرونات } الرجل العرقية خاصة تلك التي يفرزها من تحت إبطه حيث تعمل على تنظيم الدورة الشهرية عند المراه , وقد أجريت تجارب بوضع مخدة تحت إبط كل رجل لمدة {27 ساعة}(105) أسبوعيا وتم بعد ذلك عصرها ووضع مواد عطريه ومزجها بالكحول ومسحوا بمحلولها شفاه بعض النساء فانتظمت الدورة الشهرية لديهن بعد إن ذقن الآمرين من عدم انتظامها .
وان قدرة المراه على الحب هي اكثر من قدرة الرجل وان المرأة تحيه بعواطفها اكثر من الرجل الذي دائما ما يحاول إن يكون عقلانيا بتصرفاته , ولكن هناك رجال عشقوا النساء ودافعوا عنهن اكثر من النساء أنفسهن ومن نافل القول إن الملك { ادوارد الثامن } تنازل عن العرش { 1894_1973} ليتزوج من مطلقه امريكيه وهي { مسزوليس سمبسون } وهذه صوره مصغرة عن مفهوم { أعط كل شيء للمراه التي تحب }(106) ويرى ( شبلي شميل ) وهو أول عربي تحدث عن نظرية النشوء(107) والارتقاء , إن مقدمة راس الرجل اكبر من مقدمة المراه بزيادة 54 سنتم3 ( مكعب) أما مؤخرة دماغ المراه الذي فيه مركز العواطف اكبر من المراه منه في الرجل ولهذا قيل :- ( إن المراه تحيا بعواطفها والرجل يحيا بعقله ).
ولكن من الغريب والملفت للا نتباه إن الرجال الذين احبوا وعشقوا ثم ( جنوا) هم اكثر بكثير من النساء العاشقات وهذا غريب جدا قياسا مع مركز العواطف المتسع في المراه اكثر .
ولقد برزت في التاريخ صورا كثيرة للنساء (الخائنات ) أكثر من صور الرجال( الخونة ) ولقد ظلت ومازالت قصص ألف ليلة وليلة تحتفظ بأكبر نماذج المرأة الجميلة الخائنة , حيث برزت فيها صور المرأة الجميلة على أنها خائنة تسلك أقذر الطرق في سبيل الوصول إلى عشيق لها غير زوجها(108) وقد تلجأ أيضا إلى الأجرام في سبيل ذلك , ودائما ما تبدأ صورة المرأة الجميلة على أنها خائنة , أما إذا كانت طاعنة في السن فإن صورتها تكون لصة ومحتالة تثير الفتن, ولقد ظلت هذه الصورة المشوشة تشوش على عقول الأطفال ردحا طويلا من الزمن ولولا تدخل عصر (الرواية الأدبية ) لبقيت المرأة حبيسة قصص ألف ليلة وليلة وليس عنها بديل , ولكن بفضل تدخل الرواية تغيرت صورة المرأة الشرقية في عيون المجتمعات الحديثة , ولكن ظل ومازال الفلكلور الشعبي يحتفظ بصورة (المرأة الغولة) إلا أن هذه الصورة لا تتعدى أن تكون نمطا فنيا للدراسات العلمية غير مؤثر وغير فعال في توجيه أنماط السلوك البشري.
الحوار المتمدن - العدد: 1847 - 2007 / 3 / 7
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب