قصة مهاجر الى السويد

 

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

كان طالبا يدرس في كلية الهندسة الكهربائية في جامعة البصرة في أواخر السبعينات من القرن الماضي.حيث كانت جامعة البصرة حينها معقلا للمعارضة الطلابية بوجه النظام الدكتاتوري السابق وكانت منفى أيضا للطلبة الكرد المعارضين الذين يتم إبعادهم من جامعات ما يسمى سابقا بمنطقة الحكم الذاتي . وحينها كانت البصرة أول ملتقى للحركات المعارضة العراقية بمختلف مشاربها وألوانها. إنضم الى الحركة الأسلامية وهو لم يزل طالبا في المرحلة الأولى من الدراسة الجامعية. وشارك في العديد من المظاهرات التي إجتاحت العراق منددة بالنظام الدكتاتوري السابق. وبعد ان أشتدت الهجمة القمعية الصدامية ضد طلبة الجامعة والتي إنتهت بإعتقال وإعدام المئات منهم , قرر الهجرة من الوطن وهو على أبواب التخرج من الجامعة. وبعدها صدر حكم غيابي بإعدامه.

 ولى وجهه نحو جبال كردستان الشماء وهو الذي لم تطأ قدمه يوما أرضها عله يجد طريقا للهرب عبر سفوحها وقممها لينجو برقبته. وإذا به وفي الطريق يلتقي بأحد رجال البيشمركة الأبطال الذي إستضافه في بيته في قرية أحمد برنو والتي وصلها وبشق الأنفس متجاوزا العشرات من السيطرات الحكومية المتناثرة على جانبي الطريق الواصل بين خانقين والسليمانية وكاد ان يقع في قبضة رجال الأمن والأستخبارات لولا أن  بعث الله له واحدا من أبناء مدينته كان يؤدي خدمته هناك , ليدافع عنه ويسمح له بالمرور.

ورغم شظافة العيش أنذاك لم تبخل عليه عائلة عارف بواجب الضيافة وهي عادة معظم العوائل الكردستانية أنذاك والتي كانت تقدم ما بوسعها تقديمه لخدمة معارضي النظام السابق. ومن ثم تكفل الحزب الديمقراطي الكردستاني بتهريبه عبر الجبال الى خارج العراق. ولكنه يأبى إلا أن يعود الى العراق وليلتحق بالمعارضة العراقية في أهوار الجنوب وليمكث هناك العامين يقارع النظام الصدامي من اجل عراق ديمقراطي حر. في وقت كان فيه العديد من قادة الحركات السياسية العراقية اليوم يعيشون مرفهين أنذاك ولاباع لهم في النضال بل كان همهم السرقة حينها وهو دأبهم اليوم كذلك.

 لكن حبه للعلم دفعه بإتجاه إكمال دراسته الجامعية والتي نجح في إتمامها والحصول على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية. وبعد أن إندلعت الأنتقاضة الربيعية قرر الرحيل مع عائلته التي بناها في المهجر ولتأمين مستقبل أطفاله ميمما وجهه نحو دولة السويد المعروفة بعدالتها وإحترامها لحقوق الأنسان حيث يحكمها ملك عادل لا يظلم عنده أحد.

 وفي السويد لم يضيع وقته هباءا بل أنهي دراسته للغة السويدية في فترة قياسية لم تتجاوز الستة أشهر ليقرر بعدها تحقيق حلمه في دراسة الهندسة النووية . إلا أنه إصطدم بعقبة أن تكون له شهادة إعدادية سويدية كشرط لذلك. إلا أنه لم يستسلم رغم الصعاب وشد العزم على نيل شهادة الأعدادية السويدية وفي أصعب الفروع لينالها وبمعدل عال  وبزمن قصير أذهل السويديين  ليدخل بعدها وبمعدله كلية الهندسة النووية في جامعة لوند السويدية.

 ورغم ظروفه العائلية الصعبة نجح في دراسته الصعبة وهو المهاجر الذي لم يمض على وجوده في السويد إلا مدة قصيرة. إلا أنه تفوق في كثير من الأحيان على نظراءه السويديين , وفي احد المرات وعندما حصل على درجة عالية في مادة الجبر الخطي سأله صديقه السويدي عن سر ذلك فذكره بماقاله استاذ المادة في المحاضرة الاولى عن العراق وكيف وضع الخزارومي فيه أسس مادة الجبر .

 ورغم أنه حقق طموحه الدراسي إلا انه أراد النجاح في التجارة أيضا وهوطالب جامعي, فقرر أن يدخل سوق الأسهم أنذاك ليجرب حظه فنجح في ذلك, غير أنه وبعد مدة قصيرة إكتشف عملية إحتيال كبيرة تقوم بها احد البنوك السويدية الكبرى التي تفاجئت بهذا المهاجر الذي تمكن من كشفها وفك لغزها. وحينها حاول المصرف السويدية إسكاته بإعطاءه المال , فأخذه منهم كتعويضات وبكميات ضخمة مرات عدة . إلا أنه كان طموحا وأراد أن يرفع قضية كبيرة ضد البانك بتهمة الأحتيال .

 غير ان البانك عاجله بقضية ملفقة لغرض إسكاته . وذلك بإدعاء البانك بأنه إشترى أسهمه بسعر عال. غير ان قانون الأسهم السويدي يبيح للزبون بيع أسهمه بأي سعر كان طالما أن هناك من يشتري. وحينها وعندما أسقط في يد البانك الذي دفع له ثمن أسهمه بعد ان أرسل له وثيقتين تؤكدان البيع , جاء بثلاثة من موظفيه  ليشهدوا زورا بأن الشراء لم يكن حقيقي وان هناك خطأ ما قد حصل.

ورغم أن القضاء السويدي هو واحد من أكثر انظمة القضاء عدلا ونزاهة في العالم , إلا أنه وامام شهادة الشهود أصدر حكما بسجنه فلبث في السجن ثمانية أشهر رغم قناعة محاميه بأنه لم يرتكب أي خطأ أو جرم وأنه سيدفع ثمن وقوفه بوجه اكبر بانك في السويد وهو المهاجر القادم من بلاد الرافدين. ولم تكن أيام السجن التي قضاها بين شعر الجواهري وروايات أمين معلوف ونظريات اينشتاين , بأشد عليه من شماتة أخوته ممن يرتبط معهم بروابط شتى غير انه لم يلقى منهم سوى التشهير والشماتة وهو الذي لم يرتكب اي جرم وهو الذي خدمهم سواء بالمشورة أو بالترجمة أ و المساعدة المادية.

 وبعد خروجه من السجن عاد ليدافع عن حقه ورفع دعوى ضد البانك الذي أراد مساومته فأبى . ثم عاد الى الحياة كصاحب شركة سياحية ادارها بنجاح غير انه لم ترق له التجارة وهو المحب للعلم وإذا به يقرر العودة الى مقاعد الدراسة لينهي دراسة البكالوريوس ومن ثم الماجستير في الهندسة النووية. ولم يكتف بذلك فقرر خوض غمار حقل علمي جديد ومتقدم في السويد الا وهو حقل بدائل الطاقة المتجددة. واما أبنائه فلقد أوصلهم لدراسة العلوم الطبية والهندسية وهم مستمرين فيها.وبعد السقوط لم يدخر قلمه في الهجوم على قوى الأرهاب التي عبثت بوطنه فكان قلمه قاسيا عليها وتلقى بسبب ذلك سيلا من التهديدات التي لم تمنعه من الأستمرار في الدفاع عن الديمقراطية ونبذ الأرهاب.

 ليعود بعدها الى العراق  ليعمل كخبير ضمن برنامج إعمار العراق الممول من قبل الأمم المتحدة. حيث مكث عاما يعمل في العراق خارج المنطقة الخضراء في واحدة من أسوأ السنوات التي مرت على العراق لمرحلة مابعد السقوط , فكان قاب قوسين أو ادنى من الموت مرات عدة. وحينها إلتقى بعدد كبير من الساسة العراقيين العاملين في الساحة. وكان شاهدا للعديد من الوقائع والأسرار والتي سينشرها يوما ما.

وفي هذا الخضم لم يتنازل عن حقه الضائع أمام أكبر البنوك السويدية وضل يكافح في سبيل إثبات مظلوميته حتى تمكن أخيرا من النجاح في كسب قضية أمام المحاكم السويدية تثبت بأن شهادة موظفي البانك ضده كانت باطلة وبإعتراف رسمي وصريح تمكن وبذكائه من إنتزاعه من البانك ووضعه تحت تصرف القضاء السويدي الملزم بإعادة النظر في قضيته وتبرئته بسبب شهادة الزور وهو اليوم بإنتظار حكما قضائيا بذلك ليكون حجرا يلقمه في فم كل من عوى.

وبعد إنتهاء عمله أراد العودة الى السويد غير ان أحد القادة السياسيين الكبار عرض عليه العمل في العراق فرحب, إلا انه إشترط عليه العمل ضمن إختصاصه وهو الطاقة فهو يملك شهادتي بكالوريوس في الهندسة فضلا عن شهادة الماجستير وفضلا عن  شهادة إخرى إضافة لكونه كاتبا ومحللا سياسيا ويجيد لغات عدة فضلا عن تأريخه النضالي الذي قارب الثلاثين عاما . ولقد وافق السياسي على ذلك و طلب من دولة رئيس الوزراء تعيينه مستشارا في احد الوزارات وحينها  أصدر امرا بذلك غير ان مكتب رئيس الوزراء  أبى ان يصدر أمرا صريحا بذلك بل أصدر أمرا مبهما . غير ان الوزير المعني وهو ممن يقدر الطاقات أرسل كتابا رسميا الى رئاسة الوزراء مطالبا بتعيينه مستشارا فوضع الكتاب في ادراج النسيان. وبان كذب إدعاءات رئاسة الوزراء في إستيعابها للطاقات العراقية المهاجرة وهو أبسطها , فالمقياس ليس النضال ولا الشهادات بل الأمعات. وهو اليوم ماض في طريقه ينتقد المظاهر الشاذة في العراق ويدافع عن الديمقراطية ولا تأخذه في قول كلمة الحق لومة لائم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com