|
لنتفق اولا على تعريف البارحة، لنتعرف بعده على المقصود باليوم الذي يليه، والبارحة هنا لا تعني الليلة والنهار الماضيين على وفق المقياس التوقيتي لزمن اليوم المحدد ب 24 ساعة، فهي ربما امتدت اياما وشهورا وسنوات وعقودا بل ربما قرونا ايضا، وحين يقول العربي ما اشبه الليلة بالبارحة، فهو انما يقيس الزمن بمعيار آخر غير معيار الوحدة القياسية لزمنه، ربما بمعيار الحدث، ولذلك كان تاريخه يبدأ بالحدث كما هو الامر مع عام الفيل ويوم الهجرة ويوم المولد النبوي وحتى التاريخ الذي بني على يوم ميلاد السيد المسيح انما بني على مقياس حدث، كنقطة بدء لما يليها، وعلى وفق معيار الحدث يمكن تحديد معنى ومفهوم البارحة، وهكذا يمكننا القول عن العهد الصدامي انه يعني (البارحة) ضمن مفهوم الحدث بعد ان تولى صدام السلطة، دكتاتورا وطاغية، وسفاحا، ولكن هل يمكن القول عن اليوم انه اليوم الذي يلي البارحة؟؟ اذا ابتعدنا عن التغيير السلطوي والتركيبة السياسية المختلفة، على اعتبار انها تختلف فعلا عما كان عليه الوضع (البارحة) لكنها لا تكفي وحدها لوصف الراهن الذي افرزها بانه (اليوم الذي يليها)، واتجهنا الى امتداداتها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وهي اهم الاسس التي يقوم عليها بناء ما نسميه بيومنا، لوجدنا فعلا ... اننا ما زلنا نعيش (ساعاتها المعيارية) ولم نغادر حيزها الى اليوم الذي يليها!! فالطائفية والمناطقية والعشائرية والعائالة مفاهيم ما زالت حاكمة بل اشتد تحكمها بمسار العلاقات الاجتماعية اكثر عن ذي قبل، واقتصاديا وماليا واداريا ما زال الفساد المالي والاداري هو المتحكم، اذا لم نقل انه ازداد اتساعا وشمولية وتفاصيلا وامتدادا الى حلقات دنيا لم يكن قد امتد اليها (البارحة) وان كان ينذر ويؤشر الى ذلك، وسادت ثقافة تصفية الآخر، وانتهاك حقوق الانسان، ان لم يكن في اطار مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية كما كان الامر ايام صدام ففي اطار الاجهزة التنفيذية التابعة لها، والمنقسمة الولاءات بين الحكومة والطوائف والاحزاب والقوى والكتل السياسية العاملة على الساحة العراقية، فضلا على التناحر بين هذه القوى الذي يتخذ في احيان كثيرة شكل التصفيات الدموية، مع انها تجالس بعضها على كراسي المجلس النيابي وتتقاسم معها مسؤوليات الحكم!! وتتحمل مسؤولية المشاركة في العملية السياسية برمتها، ما يبرر القول او يؤكده، بان الكيان العراقي الراهن كيان اميبي لم يجد حتى هذه اللحظة الهيأة النهائية التي سيتشكل على وفق معاييرها ومقاساتها وهندستها العامة والتفصيلية وآلياتها، وبمعنى آخر انه ما زال في جغرافيا البارحة ولم يبارحها، ولم ينتقل الى اليوم الذي يليها، مع ان كل الارهاصات بهذا الانتقال موجودة، والامكانات متوفرة، ذلك ان مواصفات اليوم العراقي لم تبرز لتؤشر الغد بعد، ومادام هذا الامر، هو واقع الحال الراهن عراقيا، فلا يمكننا الحديث عن اليوم الذي يلي البارحة الا على اساس انه سياتي غداً، لاننا لم نغادر منصتها الثابتة في جغرافيا تلك الليلة التي تشبه ليلتنا، وعلينا ان نفهم اننا انما سندخل دوامة اخرى بهذا القول ذلك ان مفهوم الغد العراقي هو الآخر ما زال في الغيب، وعلى هذا الاساس انظر لمرور خمس سنوات على سقوط نظام صدام باعتبارها ليست اليوم الذي يلي البارحة بعد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |