مافرقه الوطن جمعته الغربة!

 

نبأ سليم حميد البراك

nh4woman@yahoo.com

عمان المدينة التي صار العراقييون يعرفون طرقاتها اكثر مما يعرفون طرقات بغداد وذلك لكثرة ترددهم عليها، فخلال السنوات الأربع الأخيرة كثير من العراقيين نام فيها أكثر مما نام في بيته في بغداد.

ولمن لايعرف عمان جيدا سأصفها له وأقول هي مدينة شحيحة المياه، مكتضة بالسيارات والبشر ،أشجارها عمارات وحجر ، قلما لمحت عيني طيرا في سمائها لأن الطيور تبني أعشاشها على الشجر. مدينة تنبت على أرضها العمارات بلمح البصر! تجارة صار لها زبائن كثر وعلى الخصوص بعد غزو العراق في 2003  حين تدفق عليها مئات الآلاف من العراقيين.

سأقص عليكم ماحدث لي في عمان  في زيارتي الأخيرة الى هذه المدينة، ليس للبقاء فيها ولكن لأنني كنت ملزمة بهذه الزيارة.   كنت أريد الحصول على تأشيرة سفر من  السفارة النمساوية في عمان ليس لأنني أهوى السياحة والتمتع بليالي الأنس في فينا ولكن لأنه يتوجب على العراقي حمل هذه التأشيرة على جوازه لمجرد توقف الطائرة التي تقله ساعات قليلة على أراضي النمسا! وبما أني عراقية و أروم السفر الى كندا لحضور ولادة حفيدي الأول أذن يتوجب  الحرص على كل الأجراءات والتحوط لها قبل أقلاع الطائرة.

أستيقضت باكرا وتناولت افطارا خفيفا وأستقليت سيارة أجرة وطلبت من السائق أن يتوجه بي  الى منطقة جبل عمان حيث يوجد  مقر  السفارة النمساوية. جبل عمان منطقة راقية فللها جميلة وشوارعها مشجرة ولكن زال مجدها عندما هجرتها معظم السفارات وأنتقلت الى أحياء عمان الجديدة مثل عبدون. وصلت مبكرة وكانت أبواب السفارة مقفلة ولن تسمح لأي مراجع بالدخول قبل الساعة التاسعة صباحا. أنا  لايوجد عندي مكان آخر ألتجأ اليه لقضاء الوقت ففضلت الانتظار على الرصيف  أمام مبني السفارة. الوقت كان يمر بطيئا و كنت أنظر الى ساعتي بين الفينة والفينة وأتمتم أنا أكره الأنتظار ولا أطيقه فكيف اذا كانت الغربة والقلق يسكنان قلبي وينافسان الانتظار على ازعاجي!

وفيما أنا ساهمة أقلب الأفكار في رأسي أخترق طبلة أذني صوت جميل. أنتبهت الى أنني لست وحيدة في هذا المكان، هل تخيلت أنني سمعته أم أنه حقيقة موجود!   أنه معي غريب في هذا المكان، أنه حبيبي الذي ألفته وألفني منذ سنين الطفولة  وشقاوة الولدنة، أعرفه ويعرفني عندما كنت أسمع له وهو يسمع لي، عندما كنت أطارده فيهرب مني بعيدا، يعرفني عندما كنت أتسلق سياج حديقة بيتنا لأطل على عشه وأرى ماذا يفعل وكيف ينام ! ولكن أين هو الآن، وكيف أتى الى هنا ! وما الذي حمله من العراق مئات الكيلومترات و جاء به الى عمان؟ أسئلة كثيرة انهمرت علي رأسي بسرعة البرق فأنستني انتظاري وقلقي، عيوني تجول في المكان تبحث عنه! الصوت الجميل والحبيب جائني مرة ثانية من فوق رأسي من أعلى الشجرة القديمة التي كنت أقف تحتها، رفعت رأسي فرأيته أنه البلبل العراقي ذو الخدود البيضاء. رميته بنظرة وسألته لماذا أنت هنا؟ فأجابني بانكسار لا عيشة لي في بغداد،  أصوات المفخخات والانفجارات وأزيز الحوامات طمست غنائي، كنت خائفا ومفزوعا طوال اليوم ، جعت نهارا وحرموني النوم ليلا فقررت الهرب والنفاذ بريشي. وأنا أستمع له لم أشعر أن دموعي صارت تنهمر على خدي و لم أنتبه الى عيون الناس المتجمعين قرب السفارة وهي ترقبني ولم أسمع صوت موظف السفارة الذي كان يكلمني عبر سماعة الباب ويدعوني الى الدخول!

عيوني الدامعة عانقت عيونه الدامعتين وخفق بجناحيه وطار بعيدا دون أن يلتفت وراءه.

ذهبت الى نفس المكان في اليوم الثاني والثالث والرابع.... لعلني ألقاه ثانية ولكنني أضعته لاجئا في عمان كما أضاع العراق 750000 لاجيء عراقي في عمان! 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com