طرد 1300 من الجيش والشرطة بسبب امتثالهم لفتوى المرجع الراحل السيد الحكيم

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

لعل معظم العراقيين سمعوا بالسيد محسن الحكيم، فقد كان مرجعاً كبيراً، وعلى مدى عقدين من الزمن في العراق، حتى وفاته رحمه الله في 1970م، وللمرجع فتاوى كثيرة، لا أتذكر منها سوى إثتنان، الأولى عرف فيها الشيوعية، كما يعرفها الشيوعيون أنفسهم، بأنها كفر وإلحاد، وصدرت الفتوى بعد بلوغ ما يعرف بالمد الشيوعي ذروته، وبالنسبة لي فقد جاءت متأخرة، وياليتها صدرت قبل عام أو أكثر، لتنقذني من اضطهاد معلم شيوعي في مدرستي الإبتدائية بمدينة الشامية في جنوب العراق، فقد استطاع هذا المعلم من السيطرة ليس فقط على المدرسة بل على إدارات الإدارة المحلية، حتى أن القائمقام صار يأتمر بأوامره، كنت في العاشرة من عمري عندما وضع المعلم الشيوعي حبل السحل في عنقي، وخاطب طلاب مدرستي المصطفين صباحاً قائلاً: هذا هو مصير الإقطاعيين وأولادهم، يومها لم يجرأ أحد على الوقوف بوجه هذا الشيوعي المستخف بسلطة الزعيم الأوحد قاسم، ولم تصدر المرجعية فتواها التي فسرت إلحاد الشيوعية بالإلحاد إلا بعد رجحان كفة أعداء الشيوعيين، وكان توقيتها متأخراً بالنسبة لي وعشرات الألاف من ضحايا تلك الحقبة الدموية من تاريخ العراق المضطرب.

حرمت الفتوى الثانية للمرجع الراحل السيد الحكيم قتال الاكراد، في حينها كان الملا مصطفى البرزاني الذي عاد للعراق بعد إنقلاب 1958م يقود تمرداً كردياً مسلحاً ضد الحكومة العراقية، وبإسناد وتمويل من الحكومة الإيرانية الشاهنشاهية ودول أخرى في المنطقة من بينها الكويت، ولم يكن خافياً على المرجع الحكيم بأن فتواه تلزم الجنود العراقيين الشيعة بعصيان أوامر رؤسائهم الذين يقودون حملة عسكرية ضد معاقل الأكراد، مما يعرضهم لأشد العقوبات الإنضباطية بما فيها الإعدام، وبالرغم من ذلك فقد أصدر المرجع فتواه إستناداً إلى القواعد الدينية التي تؤكد على أن المسلمين أخوة، وتحرم الاقتتال بينهم، وياليته زاد على ذلك بإلزام الطرفين بنبذ العنف وتحكيم مباديء العقيدة والعقل.

 تذكرت فتوى المرجع الراحل الحكيم بعد قرائتي لخبر طرد 1300 عسكري وشرطي بسبب رفضهم المشاركة في عمليات القوات العراقية، وبإسناد من قوات الإحتلال، وتحت مسمى "صولة الفرسان" ضد مجموعات مسلحة، وصفهم رئيس الحكومة العراقية الشيعي بالخارجين على القانون، وقال التيار الصدري بأنهم من أفراد جيش المهدي، وسماهم إمام جمعة طهران بـ"القوات الشعبية"، وقد منيت القوات العراقية التي قادها رئيس الوزراء المالكي بنفسه بنكسات وخسائر كبيرة في المواجهات المسلحة، ثم عاد المالكي إلى بغداد متوعداً التيار الصدري من دون تسميته بالإقصاء من الإنتخابات المحلية وغيرها من الإنتخابات ما لم يحل جيش المهدي التابع له، وبذلك تكون الحكومة العراقية قد اختارت تصعيد الخلاف بين الأحزاب الشيعية الممثلة فيها والتيار الصدري مما ينذر بتحوله إلى مجابهة مسلحة واسعة.

 تثير المجابهة بين القوات الحكومية المدعومة بقوات الاحتلال وجيش المهدي السؤال حول إن كانت فتوى المرجع الكبيرالراحل الحكيم منطبقة أيضاً على هذا الصراع، وللتوصل إلى إجابة دقيقة لا بد من إجراء مقارنة بين الحالتين والظروف المحيطة بهما، وكما يلي:

 - الحركة الكردية في الستينات تمرد مسلح على حكومة عراقية ذات صفة وطنية، بينما يستهدف نشاط جيش المهدي حماية المدنيين العزل من هجمات الإرهابيين وحملات التطهير العرقي والطائفي ومقاومة الاحتلال الأجنبي للعراق.

- قاتل الأكراد القوات العراقية في الستينات من أجل الحصول على حكم ذاتي لمنطقة كردستان بالحد الأدنى، أما التيار الصدري فليس لديه مطالب مناطقية، بل وعلى العكس من ذلك يعارض المشاريع التقسيمية ويؤكد على وحدة شعب وتراب العراق.

- التيار الصدري مشارك في العملية السياسية بالرغم من تعرض جناحيه المدني والمسلح لعمليات التصفية والاعتقال والحصار من قبل قوات الإحتلال وجيش وشرطة الحكومة.

- استهدفت القوات الكردية الجيش العراقي بعملياتها الهجومية والدفاعية، بينما لم يبادر جيش المهدي القوات الحكومية بالهجوم، بل اضطرته القوات العراقية المهاجمة إلى الدفاع عن أرواح أفراده ومحيطه السكاني، وجنح بصورة عامة إلى التهدئة وحقن الدماء ودعا إلى المصالحة والتفاهم.

- حظيت القوات الكردية بدعم عسكري ومالي ولو جستي سخي من إيران الشاهنشاهية وغيرها من الدول، مما جعلها مرتبطة بمخططات تلك الدول المعادية للعراق، فيما لم يثبت ارتباط التيار الصدري أو جيش المهدي بأية جهات أجنبية أو حصوله على أسلحة منها، حتى أن أعداءه المحتلين شهدوا له بالأصالة والوطنية.

- فيما كانت قوات الإحتلال مكتفية بالتفرج وقوات ومليشيات الحكومة متوارية عن الأنظار تصدى جيش المهدي للدفاع عن المدنيين العزل من كل الأعراق والأديان والطوائف في بغداد والكوت وديالي والحلة وبلد ضد هجمات الإرهابيين وبقايا النظام البعثي البائد، ولولا استبساله وتضحياته لسيطر الإرهابيون على بغداد ووسط العراق برمته، وأخلوها من الشيعة والمسيحيين والصابئة واليزيديين والعلمانيين قتلاً وتهجيراً.

- التيار الصدري حركة سياسية ذات صبغة دينية ملتزمة بتنفيذ الأحكام الشرعية بما فيها فتاوى المراجع الدينية، أما التنظيمات الكردية فقد كانت ولا زالت علمانية.

 بعد هذه المقارنة، واستناداً إلى فتوى المرجع الكبير الراحل السيد الحكيم رحمه الله بتحريم قتال الحكومة العراقية للمسلحين الأكراد في الستينات فإن قتال الحكومة العراقية للتيار الصدري وجيش المهدي هو أيضاً مرفوض شرعاً، واستطراداً على هذا الاستنتاج العقلاني تكون الحكومة العراقية أمام خيارين لا ثالث لهما:

البديل الأول: الاصرار على قرارها بطرد أفراد الجيش والشرطة الذين رفضوا الإنصياع للأوامر بقتال جيش المهدي مما يعني اقتناع هذه الحكومة والتنظيمات السياسية المشاركة فيها بما فيها المجلس الأعلى بأن فتوى المرجع الراحل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم غير جديرة بالتنفيذ وبالتالي عدم الاعتراف بمرجعيته ولو بأثر رجعي.

البديل الثاني: تراجع الحكومة عن قرارها بطرد عناصر الجيش والشرطة مما يعني الاعتراف بخطأها في مبادرة الصدريين بالقتال والامتناع مستقبلاً عن تكرار ذلك امتثالاً لفتوى المرجع الكبير السيد الحكيم.

 سيكون من الصعب جداً على الحكومة العراقية الإعتراف بخطأها في قتال الجماعات الشيعية المعارضة لغرض الإنفراد بالحكم والهيمنة على الشارع الشيعي والتراجع عنه، ولكنها إن أصرت عليه فستضمحل مصداقية إدعاءاتها بالسير وفقاً لتوجيهات المرجعية وبأنها "جند المرجعية"، فهل ستحسن الحكومة الاختيار هذه المرة وتتعظ من أخطائها الفادحة؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com