تعتبروظيفة الاجهزة الامنية عمل مقدس وشاق بنفس الوقت خصوصاً اذا كان الفرد الذي يعمل ضمن هذا الاطار لا يتجاوز حدود الشريعة السماوية المقدسة والاعراف الدولية التي لا تتقاطع مع هذه الشريعة فضلاً عن حفظ حقوق الانسان فأن هذه الاجهزة إن كانت تعمل بصدق وإخلاص بعيداً عن النفس الطائفي أو العرقي فهي مصدر أمان واستقرار في أي بلد كانت ويعتبر الامام علي(ع) هو المؤسس للشرطة وقد أطلق (ع) عليهم تسمية شرطة الخميس .

إلا ان الحكام في البلاد هم الذين يحددون مصير هذه الاجهزة الامنية فهي سلاح ذو حدين فإن كان الحاكم متبعاً حدود الشريعة والقانون الشرعي فقد جعل من هذه الوظيفة مساراً للامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأداة للقضاء على الفساد والمفسدين ومحاربة ظاهرة الانحراف وبشتى المجالات .

أما إن كان من سلاطين الجور والطغيان فسوف تكون هذه الاجهزة أداة لأراقة دماء الابرياء والبطش وإنتهاك الحرمات والكرامات للخارجين عن قانون الجور والطغيان وهذا ماكان عليه الحكام الامويين الذين استخدموا الجيش لهذا الغرض الفاسد من خلال وسائل الترغيب بالاموال والمناصب تارة واساليب الترهيب من خلال القتل والطرد والجور لمن عصى تلك الاوامر ...لا لشيء وإنما لتثبيت ملكهم الفاسد والمنحرف مما جرَّ على الامة ويلات الظلم والجور وحتى يومنا هذا، وكانت الاجهزة القمعية نموذجاً للدكتاتورية البعثية ومثالاً للاساءة لهذه الوظيفة المقدسة تحقيقاً لطموحات الحزب الفاشي والسيف المسلط على رقاب الشرفاء ... مما ولَّدَ إرث من التراكمات الفاسدة أعطت الطابع السييء لهذا السلك و بمجيء ديمقراطية العراق الجديد إستبشر الشعب المنكوب من الحزب السابق واجهزته الامنية خيراً .. إلا أنه لا زالت مع شديد الاسف النفوس هيَّ هيَّ نتيجة لتراكمات الحقبه المظلمة السابقة ومازالت المصلحة الخاصة مقدمة على مصلحة الامة .

فمنذ تأسيس الدولة الحديثة أُنشأت الاجهزة الامنية تحت إشراف قوى الاحتلال بعد أن حطمت البنى التحتية للقوة العسكرية العراقية وهذا حدث خطير لم يكن مسبوق بهكذا حدث فكل الحكومات المنحلة السابقة عن طريق الانقلابات والتغييرات التي تطرأ على العراق تكون فيها القوة العسكرية هي قوة مستقلة لا علاقة لها بالتغييرات السياسية إلا ان تحطيم القوة العسكرية كان مخطط لها ولعدة اسباب أهمها :

1.     عدم امتلاك العراق للقوة العسكرية سوف يؤدي الى انهاء الخطر على المصالح الامريكية في العراق والشرق الاوسط .

2.  انهاء القوة العسكرية العراقية يعني بقاء الحكومات العراقية المتعاقبة بحاجة الى بقاء القوات الامريكية في العراق لحمايته من الاخطار التي تهدد العراق من جيرانه وكذلك من المقاومة العراقية الشريفة التي لن تتفق مع الستراتيجيات للاحزاب التي جاءت بالاحتلال الى العراق .

3.     إيجاد الذريعة لبناء قواعد امريكية في العراق تحت حجة حماية ( المشروع الديمقراطي في العراق) .

4.  السيطرة على الشرق الاوسط من خلال بناء قواعد في العراق لحماية المصالح الامريكية من الدول المعادية لها كايران وسوريا .

وبذلك تم حل اقوى جيش في الشرق الاوسط وله خبرة قتالية في ادارة الحروب دون الرجوع الى الحلول التي تبقي على القوة العسكرية من خلال طرد العناصر البعثية والاجهزة القمعية والبقاء على الهيكلية العسكرية وتطويرها .

وبدأت الحكومة بتأسس جيش على اساس الولاء الحزبي فكان الجيش العراقي خاضع للمحاصصة والطائفية والانتماء الحزبي وبالتالي تخلص السياسيون من جيش موالي لحزب البعث وإنشاء جيش متعدد الولاءات والتوجهات والافكار وخصوصاً الاحزاب التي شمرت عن ساعديها في تثبيت جذورها منذ أول يوم لسقوط الطاغية فجعلت عناصرها في كل مرافق الدولة والادهى من ذلك فأن الحكومة المؤقتة بقيادة اياد علاوي كان لها الدور الرئيسي في تأسيس الجيش والاجهزة الامنية وبذلك كانت فرصة ثمينة للاجهزة الصدامية بالعودة الى مؤسسات الدولة من جديد وخصوصاً الحساسة منها ، كما إن وزارة الدفاع بقيادة حازم الشعلان على مبدأ الفساد الاداري والمالي والولاء المطلق للتوجيهات الامريكية .

فما أشبه اليوم بالبارحة فمن جيش بعثي الولاء الى جيش متعدد الولاءات ويمكن إبراز أهم نقاط الضعف في الاجهزة الامنية المشكّلة حديثاً :

1.  عدم وجود سيادة للجيش العراقي في اتخاذ قراراته الداخلية بل يعمل بخطط  ترسمها الستراتيجية الامريكية في العراق والتي تعطي هذه الخطط الى الحكومات المتوالية منذ سقوط الطاغية ويكون دور الحكومات هو التنفيذ فقط .

2.  تعدد الولاءات الحزبية فالجيش المشكل في شمال العراق منحصر في الولاء للحزبان الكرديان أما في الجنوب فالولاء منحصر للاحزاب الشيعية المتنفذة . أما بالنسبة لغرب العراق فالولاء للجهة السنية وبذلك يكون الجيش العراقي مبني على اساس القومية او الطائفية تحت مظلة المحاصصة الحزبية التي أودت الى ويلات متراكمة أدت الى إراقة الدماء وانتهاك الحرمات والتعامل بتمييز بين فئات العراقيين .

3.  ضعف الجيش من الناحية التقنية والعسكرية على الرغم من إدعاء قوات الاحتلال ببناء الجيش منذ اربعة أعوام إلا أن النتيجة عبارة عن جيش مهزوز وبمعدات وآليات واسلحة ،  قد تكون رجال الصحوة والمسلحين أكثر تقنية من جيش الدولة واليوم تتولى الدعوات الى حل المليشيات على الرغم إن الجيش العراقي عبارة عن مليشيات كل جهة منها تمتلك أيديولوجية خاصة بها ولم تكن تلك المليشيات ذات ولاء خاص للعراق والعراقيين بل هذه المليشيات في داخل الاجهزة الامنية تمتلك النفس الطائفي والعرقي والقومي ولن تقوم قائمة لهذا الجيش إلا بإعادة هيكلية وزارة الدفاع والداخلية على أسس وطنية ومهنية بعيدة عن ستراتيجيات وطموحات الاحزاب المتنفذة في الدولة .

وعلى هكذا طريقة فأن العراق يسير نحو حافة الهاوية وهو ( على شفا جرفٍ هار).

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com