تحت عنوان براق كتب الأخ سليم سوزه الإسلامي اللبرالي مناجاة بعنوان (هل غادر الشعراء من متردم) وكنت أظنها تعليقة جديدة لناقد مبدع على قصيدة الشاعر الفارس عنترة أبن شداد،وبعد قراءتها ظهر أنها نقد بناء لمواقف الحزب الشيوعي من أبن خرج على مبادئ أبيه فلا أدري أهو على صواب أم والده على خطأ ، فيقول في البداية أنه لا يميل إلى الفكر الماركسي،متناسيا أن الأفكار لا توازن بالميل وإنما تكال بالكيل وتوزن بمدى فائدتها من عدمها ولا تكون مجرد ميول وعواطف وهو على ما يبدوا وضع نفسه نقادا للأفكار،فالميول تدفع إلى الهوى والعقول تدفع إلى النقاش العلمي ومقارعة الحجة بالحجة،لذلك تحتاج هذه الأمور إلى عقل أرفع منها حتى يتمكن من بيان صحتها من سقمها،وصوابها من خطئها،ورجال العلم الذين يتعاملون بالميول دون العقول ليسوا أعلاما وأن خال لهم أنهم على الطريق.

ويتساءل عن تأثير الحزب أسوة بالأحزاب الأخرى فهل يتصور سيدي الكريم أن في العراق أحزابا بالمعنى الحرفي للكلمة،وهل ما يطفوا على الساحة هي أحزاب لها برامجها وأيديولوجيتها وفكرها الواضح الشفاف،أن ما موجود لا يعدو تجمعات دينية تتلاعب بعواطف الجماهير من خلال رموز مقدسة لها مكانتها في التفكير الشعبي،ولا تمتلك هذه الأحزاب أي تصورات يمكن لها أن تسير بجماهيرها لشاطئ الخير والأمان والدليل هذا التخبط والصراع على المغانم والمكاسب والامتيازات بغض النظر عن مصلحة الشعب أو تقدم الوطن،لذلك نرى أن الأحزاب الحقيقية ذات البرامج المعروفة تفتقر للتمثيل الحقيقي لافتقارها للآليات التي تستطيع من خلالها الاستحواذ على أصوات الجماهير لأن الأصوات أعطيت على أسس بعيدة عن المعايير المعروفة في التعامل السياسي،وهيكلية الأحزاب.

أما ترديده للمقولات البعيدة عن الواقع وتصويره الأمور بسطحية تبسيطية فهذا شيء لا يدخل في مقام البحث العلمي ،ونظرة ساذجة عندما يقول"من نظرة بسيطة على الحزب الشيوعي العراقي وأداءه في العملية السياسية العراقية، يستطيع المرء ان يرى بكل سهولة كيف بات هذا الحزب يستجدي هويته الفكرية والثقافية لا بل حتى السياسية من بقية التيارات والاتجاهات العراقية المختلفة والمتصارعة فيما بينها على إيديولوجية تستوعب التغيير وتستغرق تشظياته .. فقد ظل الخطاب الشيوعي الحالي وبعد خمس سنوات من التغيير مترنّحاً وغير مستقراً في زاوية ميله، حيث لا إلى الشرق ولا إلى الغرب ولا حتى إلى اللبرلة بمعناها السامي .. فالمغازلة للتيارات المختلفة ومنها الإسلامية كانت ولا زالت واضحة لدرجة وصفها احد أصدقائي الصعاليك ساخراً بالحزب الشيوعي الإسلامي"فموقف الحزب الشيوعي لا يسمى استجداء عندما يتعامل مع الواقع بفاعلية أقسرته عليها المرحلة وضمور الوعي والتخلف ومواقفه الثابتة يستطيع المراقب إدراكها من خلال سعيه لمعالجة الأمور بحكمة بعيدا عن التشنج الذي أصبح صفة لازمة للتعامل بين الأطراف،ويرى من خلال موقعه التاريخي أنه مسئول مسئولية كاملة عن سفينة أسمها العراق بغض النظر عن حجمه وتمثيله البرلماني،وإلا للأخ الكريم أن يرشدني إلى المواقف المتناقضة والسياسات المترنحة التي أنتهجها،لقد كان منذ البداية من الداعين لنبذ الطائفية والمحاصصات بكل أشكالها،وإلغاء سياسة التهميش والإقصاء،وأتباع سياسة عقلانية متوازنة تؤمن بوجود الآخر،وبعد هذه السنوات ظهرت صحة توجهاته وسلامة آرائه مما جعل الكتل المحاصصاتيه تدعوا لإلغاء المحاصصة وبناء حكومة موحدة قوية.

أما حجمه في الشارع العراقي فقد أبان عنه الأخ في قوله" واعرف إن حجم محبّة الشيوعيين كبيرة عند الناس لأنه الحزب الذي تعامل بواقعية مع الإحداث الحالية وقدّر حجمه الحقيقي في المجتمع وعلى أساسه تحرّك في سياسته" فهذا يعني أن سياسته الصائبة وأرثه التاريخي وراء القبول الذي يحضا به في المجتمع ،مما يعني أنه يسير في الطريق السليم ولكنه عاد لمناقضة نفسه عندما يقول" أما واقع الحزب الشيوعي العراقي وحجم تأثيراته في المجتمع العراقي - إن كان له تأثير فعلاً " .

أما عن غرور أنصاره وتفاؤلهم باكتساح الساحة السياسية في الانتخابات القادمة ،فأن مصدر هذا التفاؤل لم يكن لأن الأخ أسلامي الهوى فيجامل على أساس القول المأثور تفاءلوا بالخير تجدوه،ولكن على أساس المعطيات الجارية على الأرض بعد أن ظهر للأغلبية خطل الشعارات وزيفها وافتقاد الآخرين للمصداقية التي وجدوها لدى الشيوعيين ،فكانت التوقعات بأن يكون للحزب الشيوعي حضوره المؤثر وليس الكاسح،لأن وقت الاكتساح قد انتهى ومغرور من يتصور أن الأمور ستبقى على ما هي عليه،فالتغيير آت لا محالة،والمسير بالاتجاه الوطني لابد أن يكون هو الحاسم وأن طال الزمن.

ونقاشك مع والدك الأكرم دليل آخر على أن الأفكار الأصيلة تبقى ما بقيت الحياة،وأن الفكر الزائف لابد له أن ينحسر ولو بعد حين،ومصدر الحدة في النقاش أن الوالد الكريم يعتقد جازما أن 1+1=2 فيما تصر أنت ومن على شاكلتك بأنه يساوي 10 وهذا هو الفرق بين العلمي والغيبي،فالعلمي يتعامل مع الأمور من زاوية علمية بحتة ويؤمن أن المطر من البخار فيما لا زلت أنت وأمثالك تعتقدون أنه ينزل من بحر القدرة ،وهذا جوهر الخلاف في النظر إلى الأشياء، ومقولتك عن عدم قدرة الشيوعيين على استقطاب الشباب تثير الضحك فالأخ الكريم على ما يبدوا يعيش في غير هذا العالم ،ولا يدري بأن الشباب بدء يعي المأساة التي سيجره لها توجه المريض،وأخذ ينظر للأمور بميزان واقعي أعاده إلى جادة الصواب وبدأت الكفة تميل نحو الجانب الآخر بعد أن ظهر أنهم يلهثون خلف سراب،ولعل احتفاليات الحزب بعيده الميمون في المحافظات بدأت تثير تساؤل الآخرين عن التحول الجاري وانجذاب الشباب العراقي إلى ما يجعله بمصاف الآخرين ممن يعيشون على الأرض،بل أن الحزب بدء يستقطب الشباب بشكل فاق التصورات،ولكن بقاء الشيوخ والكهول على انتمائهم وأنشداهم لحزبهم وقضيتهم دليل على أنهم عرفوا الحقيقة في هذا الانتماء ولم يجدوها في مكان آخر،وأن فترة الانقطاع وغربة الفكر الماركسي أفرزت ما نراه من خلل في التفكير الجمعي للشباب العراقي ،وآن له أن يعود إلى صوابه ليرى بعينيه عقم ما أنجر إليه.

وما يراه الكاتب الكريم أن الحزب الشيوعي "ينتظر عطف الآخرين عليه في مقعد أو مقعدين من قائمتهم مقابل مصادرة استقلاليتهم في القرار السياسي" فهذا دليل على قصور النظر وفقدان البصيرة،فالانتخابات الأولى أثبتت استطلاعات الرأي التي رافقتها أن الحزب سيحصل على نسبة متقدمة في الانتخابات،ولكن ما رافقها من تزوير وتلاعب أدى إلى هذه النتيجة،ولكن أسأل لأخ ماذا حصل الآخرون من غير الكتل الطائفية وهل فاز أحد من خارج قوائم المحاصصة،وهل العيب في الحزب أم في الآخرين الذين عملوا المستحيل لمحاربته لا كما يقول أنه يستجدى منهم، ولم أسمع من أحد أن الحزب أستجدى تمثيله من آخرين ،إلا ما يقوله المصابون بعمى الألوان الذين غابت عنهم الحقائق، وأعماهم قصر النظر عن رؤية الطريق، ولعله يرى المكاسب بوصفه مراقبا من خلال التمثيل البرلماني في تصور أنها مكاسب حققتها تلك الأحزاب،فيما هي في حقيقتها خسائر فادحة بعد أن ثبت أنها غير قادرة على تحقيق ما وعدت به وبذلك ستنكفئ على نفسها وتخسر وجودها الذي فرضته الظروف الاستثنائية،لأن السيارة لا يمكن لها أن تسير إلي الخلف(ترجع بك) لمسافة طويلة ولابد لها أن تسير إلى أمام وفي تلك الحالة سوف لا يجد الآخرين مكانا،ليتقدم من هو أحرى بالتقديم

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com