ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

أعلن رئيس الوزراء العراقي حربا لا هوادة فيها على  التيار الصدري بحجة ملاحقة المجموعات الخارجة على القانون وإعادة هيبة الدولة المالكية!. وبغض النظر عن كل المبررات والحيثيات التي ساقها المالكي لتبرير حملته العسكرية هذه والتي دفع ثمنها الألاف من العوائل العراقية والتي أزهقت أرواح أبنائها, سواء منها تلك التي ينتمي أبنائها للتيار الصدري أو تلك التي يقاتل أبنائها ضمن صفوف الأجهزة العسكرية الحكومية,أو المواطنين الأبرياء العزل الذين سقطوا صرعى خلال المعارك الأخيرة. فإن الحقيقة التي لايرقى إليها أي شك هي ان المالكي أعلن حربا على حلفاء الأمس الذين أوصلوه للسلطة. 

فتحالف حزب المالكي والتيار الصدري ليس وليد اليوم ولمرحلة مابعد السقوط , بل إن له جذورا تأرخية تمتد لعقود من القدم. فحزب الدعوة والتيار الصدري ينهل كلاهما من معين واحد ألا وهو الفكر الصدري الذي أفرز كلا التيارين. إلا أن التيارين لم يلتقيا إلا بعد وقوع الأنتفاضة , حيث هاجر العديد من أتباع التيار الصدري الى خارج العراق ليلتقوا بأتباع حزب الدعوة الذين كان يعيش معظمهم خارج الوطن. 

فنشأ تحالف بين الطرفين ومنذ ذلك الوقت قبال المجلس الأعلى للثورة الأسلامية في العراق . وكانت باكورة هذا التحالف هي أحداث مسجد أعظم في مدينة قم الأيرانية والتي كشفت عن عمق التحالف بين الطرفين. فكلا الطرفين لم يكونا على وفاق مع المجلس الأعلى على خلفية موقف المجلس من الصدر الثاني أنذاك, وكذلك على خلفية الصراع على النفوذ بين حزب الدعوة والمجلس والذي تعود جذوره الى العام 1983. 

وبعد السقوط  توثقت عرى هذا التحالف بشكل جلي حيث لم يدخل حزب الدعوة والتيار الصدري في أي إحتكاك مسلح على العكس مما حصل بين التيار والمجلس. وبعد فوز قائمة الأئتلاف العراقي الموحد بأخر إنتخابات برلمانية ظهر تحالف الطرفين بشكل واضح من خلال إعطاء نواب الكتلة الصدرية أصواتهم لمرشح حزب الدعوة لمنصب رئيس الوزراء على حساب الدكتور عادل عبدالمهدي مرشح المجلس الأعلى للمنصب ذاته. ومنذ ذلك اليوم يسيطر حزب الدعوة على رئاسة الوزراء بفضل ذلك الموقف للكتلة الصدرية.  

إلا أن المالكي وحزبه وبعد ان نجحوا في تأسيس تحالف رباعي مع الحزبين الكرديين والمجلس الأعلى , قلبوا ظهر المجن للتيار الصدري الذي لم يعودوا بحاجة إليه لديمومة حكمهم ولذا فلم يأبهوا لأنسحاب وزرائه من الحكومة ,بل إنهم لم يكلفوا انفسهم عناء التشاور والتفاوض معهم لحل تلك الأزمة بل إنهم أعلنوا حربا لاهوادة فيها على التيار الصدري طمعا في إحكام قبضتهم على السلطة ومن ثم الفوز برضا الأدارة الأمريكية التي تسعى وبكل ما إوتيت من قوة لتحقيق نجاح ما في العراق ينقذها في مأزق الأنتخابات الرئاسية القادمة التي تميل فيها الرياح لصالح غرمائها الديمقراطيين. 

واليوم وبعد أن ضمن المالكي دعم الإدارة الحالية  لحين إنتهاء ولايتها, دخل المالكي في أحلى فترات حكمه وكما أطلق عليها البعض ربيع حكمه. إلا أن هذه الفترة مؤقتة ومرهونة بنتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. فإن بقي الجمهوريون في الحكم فإن المالكي مدللهم وسيبقى في منصبه لحين إنتهاء ولايته. وأما إن هبت الرياح عكس ما تشتهي سفن المالكي وحوارييه العباقرة, وجلس في المكتب البيضاوي أحد الديمقراطيين - هيلاري أو أوباما-, فإن مأزق المالكي وحزبه حينها سيكون كبيرا ولا مخرج له إلا بإعادة الكرة واللجوء الى أسلوب الغدر والطعن مرة أخرى طمعا في الحصول على رضا الرئيس الأمريكي القادم. 

واليوم وبعد أن نجح المالكي في ضرب الصدريين في الظهر , فلابد للمالكي من البحث عن كبش فداء جديد على مذبح السلطة  يؤدي ضربه الى كسب رضا الرئيس الأمريكي القادم. وعند النظر الى حلفاء المالكي الرئيسيين وأعني المجلس الأعلى والحزبيين الكرديين, فإن المالكي سيجد صعوبة في ضرب الحزبين الكرديين نظرا لعلاقتهما الوثيقة بالأدارة الأمريكية, ولذا فإن ضربهما لن يخدم المالكي بل ستكون له نتائج سلبية على المالكي وحزبه بل وعلى مجمل العملية السياسية. 

ولذا فلم يبق الدهر  للمالكي من خيار  سوى توجيه ضربة عسكرية أو سياسية للمجلس الأعلى. فعلاقة حزب المالكي بالمجلس هي علاقة تنافسية مضى عليها عقود من الزمن وما تحالفهما الحالي إلا مرحلي وكلاهما يتنافس وبشراسة لقيادة الساحة السياسية في الجنوب والتي يطمح حزب المالكي للسيطرة عليها وهذا لن يتحقق إلا بإزاحة المجلس الأعلى. إلا أن هذا الأمر غير ممكن في المرحلة الراهنة نظرا لعدم قدرة المالكي على فعل ذلك حاليا بسبب الدعم البرلماني الذي يوفره المجلس لديمومة حكومة المالكي.

ولذا فسيعيد  المالكي  ذات السيناريو الذي وضعه لتحجيم التيار الصدري , والقائم على الحصول على دعمه أولا  ومن ثم الأنقلاب عليه وضربه أخرا. فنحن على أبواب إنتخابات محلية قادمة لن ينجح حزب المالكي في الفوز بها لوحده حتى يلج الجمل في سم الخياط, ولذا فليس امام المالكي من خيار اليوم سوى الدخول في تحالف مع المجلس الأعلى لخوض الأنتخابات القادمة. وبعد تحقيق نجاحات فيها بالشكل الذي تؤدي الى تقوية سلطة المالكي في الجنوب , فحينها سوف يلجأ المالكي الى تنفيذ الفصل الثاني من مخططه ألا وهو ضرب المجلس الأعلى.    

ويبدو هذا السيناريو مرجحا جدا  في حالة  فوز أحد مرشحي الرئاسة الديمقراطيين وكلاهما معروف بعدائه لأيران. بل وحتى إن فاز مكين فلزاما على المالكي ان يقوم بعمل ما يضرب به عصفورين بحجر واحد.

فمن ناحية يريد المالكي وحزبه تحقيق حلمهم في السيطرة على الساحة السياسية في الجنوب العراقي  وهذا لن يتحقق إلا بإزاحة غريمهم التأريخي وأعني المجلس الأعلى. 

ومن ناحية أخرى فلابد للمالكي من كسب ود الرئيس القادم وهذا لن يتحقق إلا بتنفيذ ما يرغب به الرئيس القادم. وإن كان من الصعب على المحللين السياسيين معرفة ماينوي الرئيس الأمريكي القادم فعله, فإن هذا الأمر هو أيسر مايكون على المالكي وحزبه ومستشاريه. فلقد أثبتت الأيام بأنهم عباقرة في قراءة أفكار الأدارة الأمريكية ومعرفة رغباتها ومن ثم تنفيذ تلك الرغبات, وخير دليل على ذلك الحرب الأخيرة ضد التيار الصدري والتي لاقت ترحيبا من لدن الأدارة الأمريكية فيما يجني المالكي وحزبه اليوم ثمارها. 

ولذا ونظرا لمعرفة هؤلاء المستشارين بمدى تشدد كافة مرشحي الرئاسة الأمريكية تجاه إيران, فحينها سيشير هؤلاء على المالكي بضرورة ضرب المجلس الأسلامي الأعلى, والذريعة هذه المرة تقليض النفوذ الأيراني في العراق وحينها ستلقى مثل هذه الخطوة ترحيبا من لدن الأدارة الأمريكية الجديدة  والتي ستسبغ بركاتها على المالكي وحزبه . وسوف يحقق المالكي وحزبه حينها كافة طموحاتهم السياسية. 

إن هذا الأمر ليس بالسيناريو الخيالي, بل هو بالضبط ما يخطط له المالكي وحزبه الذي لا يجيد سوى لغة الغدر والطعن بالظهر لتحقيق أهدافه السياسية ولكن هذه المرة على حساب المجلس الأسلامي الأعلى فهو ضحية المالكي القادمة وإن غدا لناظره لقريب!. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com