|
حوار التناظر مع الأديب غريب عسقلاني... ما لم يقله غريب عسقلاني .. ج 1 .. المشهد الثاني
د.مازن حمدونه أجندة غزة وشطب الذاكرة حكايات عن براعم الأيام في الانتفاضة الأولى(2) الغفوة ...سقط الشهيد للشهداء شعائر كمناسك الحج والعمرة، للرجال أدوارا وللصبايا أيضا أدوارا تختلف، وللأطفال أدوارا أخرى ... ولطالما هم أبطال الانتفاضة وجنرالات الحجارة، فهم يقارعون جنرالات الدبابات ..وهم الذين يسقطون جرحى وقتلى "شهداء الحجارة" ومن ينجوا من طلقات الموت حتما قد يكون معتقلاً جريحاً .. تلاحقهم عيون الجنود من خلف نوافذ حديدية مغلقة ومغلفة مصفحة من حجارة الأطفال ! الأطفال كطباعهم، كلما سقط الشهيد وسمعوا دوى الطلقات، وصراخ الجيش الإسرائيلي، كلما ثارت حميتهم، ولطالما نالت طلقات جيش الاحتلال واحدا منهم فلابد ان تخرج وتصرخ كل حناجر الأطفال "بالروح بالدم نفديك يا شهيد "،"لا اله إلا الله .. والشهيد حبيب الله"، كانوا كل الشهداء لنا جميعاً، كل أبناء المخيم يرتصون في حفل عرس الشهيد يعزون .. يهنئون، وأم الشهيد تزغرد .. شامخة كما لو ان الشهيد ذهب في رحلة صيد وسيعود في نهاية اليوم حاملاً معه صيد ثمين . في الجانب الأخر من المشهد تجد مصفحات... دبابات مجنزرة، جيش الاحتلال مدجج بكل أنواع الأسلحة .. رصاص حقدهم يتطاير فوق وبين شوارع المخيم، الحجارة تنهمر عليهم كما لو ان فصل الشتاء القارص لم ينتهي بعد .. وأصبحت كلما اشتدت حمية المعركة تسمع صفارات نقل الشهداء والجرحى تزداد وتنتشر في كل شوارع المخيم والأزقة .. دفن الشهيد لن تثنيه أحقاد جنود الجيش الذين تقارعهم أصابع الأطفال الناعمة، حناجرهم الرقيقة .. ارث ديني وثقافي .. الجميع ينتقض في كل حالة، حالة الاستشهاد ومشهد دفن الشهيد ونجدة الجريح ... وكأنها حلقة لا تنتهي من العذابات . لو دققت النظر جيدا في المشهد،ترى كيف يآثر الصديق صديقة وهو يغادر أزقة المخيم، لم تثنيه طلقات وهراوات الجيش، ترجل ... تشبث .. هتف، سقط وهو يحتضن الشهيد، لم تثنيه هراوات الحاقدين، لم تجعله يتردد، زاد إصرارا .. عزيمة، مقارعة، سينتقم من كل الذين أطلقوا الرصاص .. انهالوا بهراواتهم عليه .. من داسوا بعجلات دباباتهم على عرس الشهيد .وفي الوقت ذاته تجد صفحات من العزة، أم تزغرد للشهيد .. وأم تبحث عن فقيد ..وأخرى تبحث بين ثلاجات الموت فلم تجده قد يكون في إحدى ثلاجات المعتقل ... وهكذا هي أيام العرس، ونهار أهل المخيم إلى ان يحل الظلام، لا تسمع إلا همس جنود الاحتلال وهم يخشون ان تنال منهم ثورة الشهداء، وانتفاضة الأطفال . العين ...نهار وليل تتكرر فيه ضريبة الدم .. حتى الأجنة وليس الأطفال الرضع دفعت ضريبة كرامة وطن ... حملته راحة أمه، وقرر جنود الجيش ان يركلوه كي لا يكبر، لا يرى كل جوانب الوطن، قبل ان يكبر لربما يكون أشرس من غيرة وليس كمن سبق .. هنا قرر جنود الاحتلال الانتقام المسبق كالضربات الاستباقية، فنالوا من عين الرضيع، وشهود حالهم من ملتهم يقفون متعجبين ولسان حالهم تصلب أرصاص جنود الاحتلال تنال حتى من الأطفال الرضع! استقالة الشرطي...كل الذين استقالوا كانوا في انتظار لحظة القرار، كان حال صريرهم ان تتحول السكينة إلى مشاركة في مواجهة طاغوت البغي والاحتلال، كل الذين داسوا على زي شرطة الاحتلال كانت في نظر الاحتلال بدل وبزات شبه عسكريه، يمنحونها كتاج لمن عمل في صفوف الاحتلال حتى ولو كانت شرطة مدنية، وفي كل الأحوال جاء قرارهم دوس على كل هذه البزات ففيها عبق رائحة من روائح احتلال لابد ان يزول، فقرر الشرطي ان يتخلص من دفتر طاعون فتاك منحه إياه أباطرة الموت هم يعتقلون يقتلون كل أبناء الوطن، تمرد قذف بدفترهم بعيدا ... خلع نعال اسود طويل، وتزين بألوان كرامة الوطن، وداس شرف الاحتلال بأن بصق على ممراتهم، وعاد إلى أحضان كرامته وأمه افتدته بكل الذهب الأصفر . ليلى وخالد... كل أطفالنا تغمست أحلامهم البريئة بذمم جنود الجيش، دماء أطفال فلسطين كانت تسيل على جنبات الطرق المؤدية إلى شارع الحرية .. حتى الذين مازالوا في طريقهم إلى مستقبل مقارعة الاحتلال في أحلامهم يمتطون ظهر جوادهم، والطفلة التي داعبت عروستها والتي أبكتها بنادق وأحذية جيش الاحتلال أبكتها أيضا ولكن ... نصر الطفل والصبي اليافع حين قفز من أعلى السور وعاد جند الاحتلال هذه المرة مهزوما ككل الجيوش العربية التي رحلت مهزومة أضحكتها .. أدخلتها في غيبوبة الضحك . حيث في هذه المرة مقارعة ليس بين جيش الاحتلال وجيوش غلبها سهاد السهر ورائحة خمور منتجة في بارات لندن .ترى لو كانت معركة فلسطين بين جنود الاحتلال وأطفال فلسطين كنا سنخسر معركة التاريخ لطالما فيها الطفل جنرالا من جنرالات مقارعة الدبابات المجنزرة وطائرات الموت الإسرائيلية ؟! البكر ... دوما كانت تطارد أحلام البكارى هواجس رائحة الموت، وجنود الجيش الإسرائيلي لم يترددوا في نشر ثقافة الموت في شوارع فلسطين .اعتاد كل أهل الانتفاضة على عبير رائحة قنابل الغاز، استخدموا أنواعا وألوانا من تلك القنابل اللطيفة، تلك التي تشبه قارورة ناعمة،إلا أنها تقدم لكل الضحايا همومها وتنفخ في وجوهم وعيونهم ألواناً لم يألفوها إلا في الانتفاضة الأولى، هم أبدعوا في صناعتها، أنتجوا منها الكثير ..الكثير، وشهدت واستمشقت عيون كل الأطفال والنسوة غازات بألوان متعددة، منها الأبيض، والأخضر البرونزي، والأحمر والقاني، والأزرق، حتى الألوان السوداء أيضا كان لها مكانة بين هذه الألوان .كانوا يعززون ويسددون الضربات صوب البيوت المغلقة،كانوا يعلمون ان في أزقة الشوارع والمخيم بيوتاً تآكلت من حدة الرطوبة، ومن ندرة الهواء النقي، إلا أنهم كانوا شديدي الحرص على الإغداق منها على أهل المخيم من كل ألوان هذه الغازات ... كانوا يعلمون ان خلف هذه الجدران المتأرجحة والآيلة للسقوط آلاف مرضى القلب، والربو، وآلاف النسوة الحوامل ..فكانوا حريصين على قتل كل هؤلاء لأنها معركة بدون لون الدم . هؤلاء الذين أرسلوا ذات مرة لذاك البيت هدية كباقي البيوت الحزينة، تلك الدار التي لا تزيد مساحة حوشها عن مساحة غرف السجون في كل المدن الأوروبية ... عذراً فتلك السجون تحمل كل معاني القصور بالنسبة للمخيم .قتلوا حلم العروس البكر وهي لم تفك طرحتها بعد، ولم تغيب ألوان الحناء عن يديها .. اغتالوا جنينها في رحم أمه ..عادت من مستشفى تعددت ألوان القتل فيه، وعاد "عادل " زوج الضحية البائس، المتعب ليشهد كيف ذبحوا الجنين والعروس الصبية ..شاهد كيف حولت بنادق الموت الإسرائيلية كيف بددت أحلامهم .. خيالهم الذي كانوا يداعبونه ويسترسلهم حين انتظروا كيف سيصبح الطفل يداعبهم، يطاردونه ويطاردهم ... إلا لان بنادق هؤلاء اغتالت أحلامهم، وبددتها لتعيش الصبية كابوساً حين فقدت من كان في كل لحظة يسمع خفقات قلبها، فذهب هذه المرة ليودع أحلام أمه قبل أن تداعبه راحة والده المتعب والذي كان يحلم كيف سيتربع مولدوه على أحضانه، على كتفيه حين يجول به شوارع وأزقة المخيم.رغم هذا مسح دموع عروسته الحزينة حين أغدقت مرارة كبدها ... حين سالت دموعها الحارة جدا على وجنتيها .. نعم أدرك الزوج أنها لحظة عذاب لم تنجوا منها وأصبحت ضحية ألوان صنعتها مصانع الحقد الإسرائيلية . أدرك حجم الكارثة حين هدهد على بطن الضحية وأدرك ان تكوير بطنها تجسيدا لا شك فيه ان جنود الاحتلال كسبوا معركة اغتالوا فيها جنين أحلامهم .. تنهد .. ابتسم ..وبكت عيناه وقرر أن المشهد لن ينتهي بعد أن طالت بنادقهم من جنين لم يرى النور بعد، أدرك حجم التحدي فقرر أن تكون بطاقة التموين مزدحمة كزحمة الدخان الذي تلو في حوش الدار وفي باحة الغرف المزوية. وبكل رباطة جأش ترحم على عريس أحلامهم ليعلن انه في بداية المشوار وستزدان كل شوارع المخيم بأطفال لن تنال منها غازات الموت اللعينة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |