|
ساهر عريبي بينما كنت أطالع جريدة مترو السويدية إستوقفني خبر منح الملياردير الأمريكي بل غيتس درجة الدكتوراه الفخرية من معهد كارولينسكا الطبي السويدي في مدينة ستوكهولم التي هي بحق لؤلؤة تغفو بين مجموعة من البحيرات العذبة. وسرعان ما تلاطمت الأفكار في رأسي وقلت في نفسي هل حقا أن مملكة السويد العظيمة التي تسمي كل عام المبدعين على وجه البسيطة في مختلف الحقول العلمية والأدبية عبر منحهم جائزة نوبل، هل حقا إنها تهب درجة الدكتوراه لرجل لكونه غنيا؟ إذن فمالفرق بينها وبيننا حيث نسمي كل من هب ودب من السياسيين ومدعي السياسة بالدكاترة والأباطرة، ومنهم رئيس وزرائنا الذي يطلق عليه اليوم لقب الدكتور نوري المالكي ولا أحد يعلم أين ومتى وكيف حاز على درجة الدكتوراه وهو الذي قضى عمره في النضال كما يدعي أنصاره. إلا أن دهشتي سرعان ما زالت حالما أكملت قراءة الخبر، فالمعهد السويدي قرر منح بل غيتس درجة الدكتوراه تقديرا لخدماته العظيمة في مجال مكافحة الأمراض المعدية، كمرض فقدان المناعة المكتسبة والملاريا وغيرها. وكم كانت دهشتي كبيرة عندما قرأت بان بل غيتس وزوجته يشرفان على اكبر جمعية خيرية في العالم رأسمالها خمس وثلاثون مليار دولار !!!! تبرع بها بل غيتس من ماله الخاص!!! وهدفها عالم خال من الأمراض السارية، وشعارها جهاز حاسوب لكل طالب في العالم. وحينها إنهارت امامي كل المفاهيم والأفكار التي روجت حول الرأسماليين وجشعهم, فهذا الرجل العظيم رأسمالي ولكنه يتبرع بنصف ثروته لفعل الخير، فهو رأسمالي ولكن ليس كأي رأسمالي، فلقد بنى إمبراطوريته بالعمل الشاق والدؤوب وفي مجال يخدم البشرية. فهو مصلح ومغير ولولا أن القرن الماضي قد ضج بالعظماء امثال أينشتاين ومانديلا وغيرهم لأطلق عليه قرن بل غيتس. فهذا الرجل قد غير وجه الأنسانية عبر شركة مايكروسوفت التي تنتج برامج الكمبيوتر التي لم يعد يمكن الأستغناء عنها في مختلف مجالات الحياة والعلمية منها بالخصوص, ومنها برنامج اوفيس الذي اكتب به هذه المقالة وانا أترحم على والدي بل غيتس. وهنا بدأت بالتساؤل عن عدد الجمعيات الخيرية الموجودة في العالم الأسلامي الغني بالثروات وهل لدينا جمعية خيرية واحدة رأسمالها معشار رأسمال جمعية بل غيتس؟ اولسنا ندعي بأننا أصحاب قيم ورسالة سامية في مقابل الغرب( الكافر والفاسد)؟ وهل هناك مؤسسة دينية واحدة تقدم خدمات خيرية كمؤسسة بل غيتس الخيرية؟ ثم ذهبت في حيرتي وتساؤلاتي الى العراق حيث الفساد يضرب اطنابه وحيث السياسيين الذين يدعون الأهتداء بالأسلام لا يشبعون من ملأ الجيوب بالأموال الحرام حتى أصبحوا يملكون الملايين من الدولارات اليوم وهم الذين كانوا حفاة قبل السقوط!! فأحدهم يشتري عمارة في دبي، والأخر منتجع على البحر وثالث يشتري في كل محافظة عراقية قصرا, واخر يرسل عائلته الى لندن ويخصص لها راتبا شهريا قدره خمسة عشر الف باوند أنكليزي من خزينة الدولة العراقية!! ووووو........ في حين ان الملايين من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر ولا ينعمون بأبسط مقومات الحياة، فهل من الصعب على هؤلاء السياسيين إنشاء جمعية خيرية تعنى بشؤون المحتاجين ؟ أوليس من العار أن يستغيث مبدعي العراق راجين مساعدتهم في تكفل مصاريف علاجهم كرياضي العراق السابقين نوري ذياب وجبار رشك وقيس حميد؟ أوليس من العار ان يموت أدباء العراق علي الطرقات كما مات عقيل الناصري؟ أوليس من العار ان يعاني شاعر مناضل ومبدع من شظف العيش في أحد دول الجوار في الوقت الذي يلعب به التافهون بأموال العراق؟ إنه اللؤم الذي تطبعت به نفوس خبيثة وهل ينتظر من اللئيم خيرا. وحينها علمت الفرق بين هؤلاء اللؤماء المتاجرين بالدين وبين بل غيتس المعطاء الذي لا يسعني إلا أن أقف إجلالا له ولما يحمله من قيم إنسانية نبيلة, فهو قدوة وخير قدوة. ولكني تذكرت بان الأسلاميين يرون بأن أعمال بل غيتس هذه لن تتقبل منه لأنه غير مسلم ومصيره الى جهنم وبئس المصير بزعمهم!. فأصبت بخيبة امل كبيرة وقلت في نفسي هل سيدخل بل غيتس نار جهنم حقا كما يدعي هؤلاء فيما هم سينعمون بالجنة؟ إلا أنني سرعان ما علمت إستحالة ذلك، وقلت إن كان حاتم الطائي المشرك والكافر لن يدخل النار كما ورد في الروايات لأنه ذبح عدة بعران لضيوفه فحاشى لله أن يذيق بل غيتس العظيم حر ناره وهو الكريم الذي يكرم عباده الكرماء.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |