ذاكرة المستقبل .. تَنور مَرْيَم
جمعة اللامي
Juma_allami@yahoo.com
“إن أعلى جبل، قدماه في الوادي”
(مثل ياباني)
الرغيف هو الخبز.
وقد صار الرغيف مشكلة ضخمة، قبل هذه الأيام.
وهو أعاد إليّ صديقين عزيزين. الأول: متعب المطرود، الذي هو قناع “المتروك”، والثاني: نمر صالح “أبوصالح”، القيادي الراحل في حركة “فتح”، فقد كنا نتقاسم أرغفة خبز مناصفة سنة 1987 بدمشق، بعدما تخلى عن أهدافهم الذين تحولوا الى “الخط الأمريكي”.
رحم الله “أبا صالح”.
واستمطر سماوات الله تعالى شآبيب رحمة على روح السيدة مريم بنت مطر، تلك السيدة التي قالت لي ذات يوم “اسم متعب المطرود، ثقيل على سمع بعض الناس، فاستبدل به اسم: غريب المتروك”.
“قناع؟” قلت.
قالت: “يا ولدي،لا يُقنعُ الجائع، ولا يَقْنَعُ غير الجائع، والعياذ بالله”.
وما أسعدها ساعة عند جائع، عربياً، أو غيره، عندما يجد رغيفه من الخبز، وماعونه من الأرز، وسلته من الفواكه، وقماشه من الغزل، وهذا أمر مقدور عليه، حسب الخبراء، إن نهض القادة العرب بواجباتهم، ورصدوا عشرة مليارات دولار، لتنمية الغذاء، وتجلياته في السودان والصومال.
إن حدث هذا، بعون الله سوف تُوْجِرُ اخوات مريم، تنانيرهن بين قرية عربية وأخرى، ويصير دخان التنانير، علامة على وجود أرغفة، وَرُغُفٍ ورُغْفان، في بيوتنا جميعاً.
وعندها، سوف يشبع أطفالنا، ويرتوي عجائزنا، ويطيب الحديث في شأن اللغة العربية، والأصالة الوطنية والهوية القومية، فنقول: التنور أعجمي، أو فارسي، ثم استعرب بعد ذلك، لقوة البلاغة الغربية، حتى صارت كلمات مثل: الديباج، الدينار، السندس، والاستبرق، عربية قلباً وقالباً.
والتنور، نوع من الكوانين، كما يقول اللغوي “الجوهري”.
وهو “وجه الأرض”، حسب البليغ الفهيم سيدنا علي، رضي الله عنه، والتنور، كما قال بعض علمائنا، هو واحد في كل اللغات. وهذا قول مشكوك فيه، لكنه يحيلنا الى “همّ الخبز” و”ثورة الخبز” و”قضية الثروة”، و”الجبل العالي الذي أصله في الوادي” حسب الحكمة اليابانية.
ورغم كل ما قاله صديقي الأفغاني الذي لا يفارق تنوره، حول فوران تأملي للتنور، إلا أن تنور مريم بنت مطر، لا يزال يُسجر، ولا يزال يشتجر خبزاً مفقوداً، وغضباً لا راد له، لأنه تنور فوار.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب