ذاكرة المستقبل .. أقنعة جان جينيه
جمعة اللامي
Juma_allami@yahoo.com
“أيها الزنجي، يا بائع التمر المتجوّل أنت تعرف
طرقات العالم، منذ باعوك في غينيا”
(ليوبولد سنجور)
علينا أن نشعر بغبطة الكشف، لأن العراقي جواد الأسدي قدم لنا ذات سنة مسرحية جان جينيه: “الخادمات”. كانت تلك أحد انفرادات هذا المسرحي الذي لا يريد، مثلما يفعل آخرون يدعون أنهم اسطوات، أن يكون “حاجباً” أمام بوابة رجل عربي بيروقراطي، لا يعرف كيف “يفك الخط”.
ولقد شعرنا بغطبة مضاعفة، لأن التونسي المنصف السويسي الذي هو من دون أي ريب، يعرف المنجزات الراقية للمسرح في الجانب غير العربي من البحر المتوسط، جاء بتراث القناع الى “قصر الثقافة”.
وهو، المنصف، عندما استجاب لتحدي إخراج مسرحية “النمرود” للدكتور سلطان بن محمد القاسمي، كان يقف على قاعدة ثابتة من تجربة شخصية في التجريب، ويتمثل تجربة المسرح الأوروبي المعاصر، والفرنسي منه بخاصة.
قلت له: “أنت تغامر عندما تقترب من نص “النمرود” بهذه المشهدية البصرية الصادمة والمؤرقة؟”.
قال: “نعم، لأن روح النص، صادمة”.
وقلت له: “شكك البعض في استخدامك الأقنعة، بتلك الطريقة الباذخة، في “النمرود” حتى أنهم توقعوا لك فشلاً ما؟”.
لم يرد المنصف مباشرة، لكنه قال “يقولون ثمة استيراد للأقنعة، أليس كذلك؟ حسناً، هل هذا كلام فنانين حقاً؟ أيصح القول ان شكسبير استورد اسخيلوس” وأن كريستوفر مارلو، استورد سونوكليس؟”.
قلت: “حتى انهم نسوا، “السود” التي للفرنسي جان جينيه؟
صمت المنصف، صمت العارف، فيما كنا نراقب معاً، أداء فريق المسرحية بقصر الثقافة، قبيل العرض الرسمي بأسبوع ونيف.
مسرحية “السود” مشهد لذبيحة الأقنعة بامتياز، وفضاء يتبادل فيه الممثلون الأدوار والأقنعة، بيضاً وسوداً، حتى ليخرج المتفرج، وهو مفعم بأن الثرثرة العربية بالمسرح، كما هي أغلب مسرحياتنا، بحاجة الى مكنسة.
“السود” مسرحية الأقنعة، ومسرح داخل مسرح، وكم يتمنى المرء أن يطلع على “السود” بعض الكتاب والممثلين العرب، خصوصا في منطقة الخليج العربي، قبل أن يقدموا على كتابة مشاهدة تمثيلية ساذجة، تقول انها تناقش مسألة التركيبة السكانية، والهوية المحلية.
ذلك لأن “السود” التي يلعبها مجموعة من السود والبيض، وبعض من حضور العرض، إحدى مأساويات جان جينيه، وواحدة من مسرحيات القرن العشرين، التي استعاد فيها القناع، حضوره الإغريقي والروماني.
وعندما يجهل أحد القوّالين منجز جينيه هذا، ويهرف بما لا يعرف في تاريخ المسرح، يتحول الى “حاجب” جاهل، عند بوابة مكتب موظف عربي لا يعرف “فك الخط”.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب