المنطقة ماذا وإلى أين ؟!!
د. فيصل الفهد
gaffar_1370@yahoo.com
مالذي يجري في منطقتنا....احمدي نجاد يصرح ان ايران اقوى دوله في العالم وانه مستعد للحوار مع أي دوله حول الملف النووي.... رئيس وزراء الكيان الصهيوني يطير بالون عن طريق رجب طيب اردوغان بانه مستعد ان يعيد كامل ارضي الجولان مقابل السلام مع سوريا!!؟؟ المالكي يكشف عن تحالف جديد من داخل الائتلاف الايراني مع السعوديه والاردن ومصر ضد النظام الايراني والمجرم موفق الربيعي يطلق العنان لنفسه ويوجه كلام خطير وغير مسبوق منه او من المالكي ضد ايران وهي ربيبتهم وولية امرهم!!...وابو مازن والملك عبدالله الثاني ملك الاردن يطيران بسرعة البرق لقاء الرئيس بوش ..والمسلسل مستمر ولكن الى اين؟
كل هذا ويضاف له الاجتماعات التي ما تنفك تعقد لمناقشة قضايا الامه العربيه فلا يكاد يمضي يوم او اسبوع الا ونسمع ان الانسه رايز فاجئت العالم بزياره الى هذه العاصمه او تلك لاسيما تلك العواصم التي حسم حكامها امرهم لصالح السيد الامريكي وان كان بالباطل وعلى حساب شعوبهم وابناء جلدتهم والاهم على حساب كرامتهم ان بقى لهذه الكلمه من معنى...!
وكانت محمية الكويت وقبلها المنامه اخر المحطات نهاية الاسبوع الماضي، ورغم أنّ هذه الاجتماعات الدورية الا انها أصبحت ذات طابع روتيني ، وانّ أغلب قراراتها تبقى حبيسة الورق الذي كُتبت عليه .... ورغم أنّ هذه الاجتماعات اهتمت بموضوعات ظاهرها يوحي انها تهتم بمسائل جوهريه يفترض انها ستكون لصالح قضايانا الا ان واقع الحال وما تمخضت عنه هذه الاجتماعات تثبت كسابقاتها العكس وعلى سبيل المثال لا الحصر كان اجتماع الكويت مخصص لشؤون العراق الا انه وبقدرة قادر دخل في ازمة لبنان بعيدا عن الاطراف الفاعله مثل سوريا ولبنان وايران وهذا يعني انهم فسّروا الماء بعد الجهد إلاّ بالماء ،اما قضايا العراق واسقاط الديون عنه واعادة فتح السفارات العربيه في بغداد فهي ظاهر النقاشات اما الحقيقه فكانت ( تعريق العرب وليس تعريب العراق) وهو و اميط اللثام عنه .
إنّ الملفت للانتباه هو تجاهل هذه الاجتماعات لجوهر القضايا الخطيرة التي باتت تؤرق العالم ، وفي مقدمتها احتلال العراق.. وإذا ما أخذنا ما يحدث في العراق مثلاً من كوارث في كلّ ساعة والتي تفوق ما يحدث في الاماكن الملتهبه في العالم نلاحظ أنّ مصالح أمريكا والكيان الصهيوني تقتضي الضغط بل واجبار الانظمه العربيه بكلّ السبل والوسائل ، لاعتماد ودعم السياسه الكارثيه في العراق لان الإدارة الأمريكيّة اوصلت هذه الانظمه الى مستوى من التبعيه المذله (المعلنه) الى درجه اصبح الرأي العام في كل مكان مقتنع ان هذه الانظمه تتصرف على اساس انها اجزاء صغيره تابعه لاحدى دوائر الخارجيه الامريكيه وليس الى البيت الاسود الامريكي… فرايز تأمر والجميع ينفذ بقناعه او غيرها هذا بالعلن اما ماوراء الستار فالله وحده يعلم أي ذل وهوان يتلقاه اصحاب العقه ومن هنا نعتقد ان على علماء السياسه ان يعيدوا تعريف وصياغة وانتاج مصطلحات مثل السياده والاستقلال للانظمه التي ترتبط بفلك امريكا لان ما نراه من تبعيه وصمت وتنفيذ اعمى ضيع علينا مدلولات سيادة الدول العربيه وبدأنا نشك انها دول مستقله ذات سياده ... واذا كنا نقول ان العراق بلد محتل لايمتلك سياده فماذا نقول على الانظمه التي لاتختلف في سلوكها وطاعتها وتنفيذها لأوامر السيد الامريكي عما يقوم به العميل المالكي او الطالباني ...فالانسه رايز وأي من موظفيها يصولون ويجولون في رحاب الوطن الذي لم يعد من الناحيه العمليه عربيا بل جزء من الامبراطوريه الامريكيه الصهيونيه الى درجه ان هذه الإدارة توبخ من يخطأ ويطرح أيّ موضوع يخصّ تورطها في العراق وأفغانستان وما حلّ فيهما من كوارث نتيجة احتلالها من قبل القوات الأمريكيّة الغازية .
السنوات الخمس التي مضت على احتلال العراق منذ نيسان 2003 وحتى الان سجلت في الواقع بداية مرحلة جديدة وشكلا جديدا من العلاقات التي سوف تربط العراق بالقوى الإقليمية والدولية خاصة إذا ما ثبتنا متغيرا مهما وهو تحول العراق من دولة مستقلة لها نهجها المستقل الخاص في إدارة علاقاتها الدولية إلى دولة تابعة ومسيطر عليها ومتحكم في قرارها السياسي ليس فقط من الولايات المتحدة بفعل وجودها العسكري والسياسي في العراق بل كذلك من قبل تلك القوى الإقليمية اللاعبة والفاعلة في معادلة الأمن والسيادة العراقية
إنّ احتلال العراق لم يكن حدثاً عابراً ، بل كان أكبر وأعمق من ذلك ، نظراً لما أسسه من تداعيات وما سيترتب عليه من استحقاقات ونتائج ربما هي الأخطر في المرحلتين الحالية والقادمة ، ليس على العراق ومحيطه فحسب ، بل وإعادة تشكيل عالم الغد الذي تعمد الولايات المتحدة لتحقيقه من خلال مشروعها الكوني . وتأسيساً على ذلك فإنّ دول العالم بلا استثناء ستشهد أوضاعاً وعلاقات وإرهاصات ستفوق إمكانياتها وقدراتها، نظراً لما تحاول الإدارة الأمريكيّة الحالية القيام بـه الأمر الذي أصبح من الخطورة بمكان ما يمكن أن يؤسس لعالم جديد تتفرّد بـه أمريكا بامتياز أكثر بكثير مما نعيشه اليوم.
إنّ احتلال العراق كان بالنسبة لصنَّاع القرار الأمريكي نقطة الانطلاق لتحقيق الأحلام المريضة في تغيير خريطة العالم ، لا سيّما في منطقتنا التي ستكون ساحة العمليات الأساسية فيها ( الشرق الاوسط الجديد ) ، والتي في ضوء ما تفرزه من نتائج سترتب على المناطق الأخرى في العالم انعكاسات ستجعل الجميع تحت رحمة الشيطان الأمريكي ولو بدرجات متفاوتة .
صحيح أنّ الأوربيين تحديداً والدول الأخرى في مناطق العالم المختلفة قد أصبحوا على يقين من أنّهم جميعاً في قلب العاصفه في كلّ ما تقوم بـه الولايات المتحدة الأمريكيّة في العراق ومنه إلى كلّ دول الإقليم ، فإنّ رد فعلهم لا يزال محدوداً وسلبياً للكثير منهم وكأن المسؤولين في هذه القوى الدوليّة يقرّون بحقيقة عجزهم ، أو بتبعيتهم للمنهج الذي تقوده إدارة بوش ولكلّ مبرراته ، لا سيّما وأنّ أغلب هذه القوى لا تزال في حالة الدفاع عن النفس داخل مجتمعاتها أمام الهجوم الأمريكي المستمر ، ويبدو أنّ أيّاً منها لم تخطط أو تبادر بتحويل عملية الدفاع السلبي في مجتمعاتها إلى هجوم فعَّال ينقل المعركة إلى داخل المجتمعات الأمريكيّة بل ان الرئيس الفرنسي ساركوزي رمى بكل بيضاته في سلة بوش المحترقه وتراجعت المانيا عن مواقفها التي كان فيها شئ ايجابي بعد مجئ ميركل عاد برلسكوني الى منصة الحكم في ايطاليا... ولو وضعنا فرضية تقوم على أساس قيام الدول المهمة في العالم بسلوك الاتجاه الصحيح بممارسة الهجوم سبيلاً للدفاع ضدّ السياسات الأمريكيّة ، فإنّ ذلك سيمنع الإدارة الأمريكيّة من الاستمرار بغيّها وغطرستها واستهدافها للآخرين، وهذا ما سيدفعها إلى تغيير استراتيجيتها وإفراد قسم مهم منها للدفاع في الداخل ... فأمريكا وعلى طول تاريخها الامبريالي تعمد إلى الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع وتجعل من كلّ ساحات العالم مسرحاً لعملياتها القذرة لأنّ قادتها أيّاً كانوا – جمهوريين أم ديمقراطيين- يعلمون علم اليقين أنّ وضعهم الداخلي أضعف من أن يتحمّل أيّ نوع من الصدمات .
وإذا ما أخذنا أحداث سبتمبر 2001 كمثال ( رغم قناعتنا أنّه سيناريو مخابراتي أمريكي صهيوني بامتياز ) ، فإنّ هذا الحدث يدلل في أبسط قراءاته أنّ الوضع الأمريكي الداخلي من الهشاشة والتفكك والضعف ما يجعله هدفاً سهلاً وسيترتب على اختراقه نتائج وخيمة لا تستطيع كلّ مراكز صنع القرار في أمريكا تحمّل عواقبه ، وستجعل هذه الدولة العدوانية في أوضاع مضطربة قد تحتاج إلى سنين لكي تستعيد توازنها ويكون العالم حينها قد تخلّص من هذا الشيطان الذي يجثم على صدور الجميع .
إنّ خشية المسئولين الأمريكيّين من وضع كهذا هو الذي يدفعهم باستمرار لفتح الجبهات خارج قارّتهم وبسيناريوهات وحجج مفبركة باطلة ، وفي كثير من الأحيان تستهدف الأصدقاء والأعداء على السواء ... فالأمريكيون لا يحترمون أحداً إلاّ مصالحهم ومن يلبّيها ، فصديق الأمس ربما هو هدفهم اليوم أو غداً ، والعكس يمكن أن يكون صحيحاً أيضاً ولا يمكن إغفال حقيقة مركزية تمثّل جوهر الأهداف الأمريكيّة في المنطقة ونعني بها قضية السيطرة على منابع وإنتاج النفط ، حيث يبرز هذا الهدف في مقدمة المحترم تستهدفه إدارة بوش في تمزيق أوصال المنطقة وإعادة تشكيلها بما يجعل 75 % من حقول إنتاج النفط وخزينه الاستراتيجي في العالم تحت الهيمنة المباشرة للولايات المتحدة الأمريكيّة ، الأمر الذي سيجعل أمريكا قادرة ليس على تأمين احتياجاتها النفطية حسب ، بل تحكمها بأغلب الإنتاج النفطي العالمي وبما يضع رقاب كلّ الدول المستهلكة للنفط تحت رحمة الولايات المتحدة الأمريكيّة وفي مقدمتهم أوربا واليابان والصين وغيرها ولعل هذا الارتفاع الجنوني باسعار النفط سيقلب عاليها اسفلها لاسيما اذا ادركنا ان هذه الزيادات لن تقف قبل ان تصل الى اكثر من مائتي دولار للبرميل ونسأل من المستفيد ومن سيتضرر اكثر من غيره؟؟
وإذا ما عدنا إلى منطقتنا وما ترتب فيها بعد احتلال العراق وبما ستؤول إليه الأوضاع في حالة نجاح المشروع الامبريالي الصهيوني في العراق فإنّنا يمكن أن نتنبأ
بما يلي :
أولاً- وجود مخطط بدء ينفذ يقوم على تفكيك التحالفات القديمة وبناء تحالفات جديدة . وهنا لابدّ من الإشارة بتركيز إلى أن جانب مهم من هذا المخطط الاستعماري يحمل بصمات بريطانية أي أنّ المستعمر البريطاني هو صاحب السبق في نسج خيوطه وتقوم الأيادي الأمريكيّة بتنفيذه.
ثانياً - بدأنا نسمع ومنذ شهور سبقت عن مصطلح جديد وهو ما يسمى الدول المعتدلة أو دول الاعتدال ( مصر الأردن السعودية ) وأنظمة هذه الدول كما هو معروف هي حليفة لأمريكا ، إلاّ أنّ هذه الأنظمة أصبحت تعيش حالة من الهلع بعدما اكتشفت أنّ علاقاتها ( الحميمة ) مع الإدارة الأمريكيّة والحكومة البريطانية لم تشفع لها وإنّها أصبحت هدفاً لعمليات ستطالها اليوم أو غداً وهذا ما أثار حفيظتها وشكوكها إلى حدّ التململ بعدما عجزت عن إصلاح ذات البين بينها وبين إدارة بوش في وقت يسود فيه اعتقاد أنّ هذه الأنظمة لم تعد قادرة على تلبية متطلبات دورها المفترض لتحقيق الأهداف الأمريكيّة في المنطقة وبالذات ما يتعلّق منه على وجه التحديد في العراق ناهيك عما يعتري هذه الانظمه من ازمات واشكاليات لاتبشر بالخير وبالذات من قبل قطاعات جماهيريه واسعه وستزداد وتقوى بسبب ازمات الغذاء والديمقراطيه المفقوده.
ثالثاً – هناك بوادر لتحالف جديد ستناط بـه مهمة تنفيذ ما تبقى من المشروع الأمريكي وهذا يقوم على توسيع أدوار دول مثل قطر والإمارات إضافة إلى إيران وغيرها بالتنسيق علناً وسراً مع الأمريكيّين لإعادة تقسيم خارطة المنطقة وإظهار كيانات مثل الكيان الكردي ليضمّ أجزاءً من العراق ومن خارجه وإطلاق يد الكيان الصهيوني وإيران لتستحوذ على أجزاء من العراق وربما من الأردن وربما من دول أخرى وقيام دويلات من لبنان تأخذ منحىً طائفي ، وكذا الحال بالنسبة للأراضي السعودية ..عدا ما سيحدث في مصر والسودان !
ورغم خطورة ما ذكرناه فإنّ هناك عقبة مهمة تعمل على إفشال هذا المشروع بدون أن يكون لأيّ من الأطراف المتضررة فضل فيها أو سلطان عليها ألا وهي المقاومة الوطنية العراقيّة ... هذه المقاومة التي ضربت المشروع الأمريكي في نخاعه الشوكي وحطمت ركائزه ومع أنّ هذه المقاومة بما قدّمته ولا تزال من تضحيات عراقية وطنية خالصة وما يتحقق للأنظمة سواء العربيّة أو غيرها من مزايا ( بدون مقابل ) إلاّ أنّه وللأسف الشديد فإنّ هذه المقاومة البطلة لا تزال تستهدف من قبل هذه الدول بمواقف وتآمر وجحود رغم أنّ منطق العقل يؤكّد أنّ على هذه الأنظمة العربيّة إن أرادت أن تحمي كياناتها المستهدفة فإنّ أبسط ما تقوم بـه هو تقديم دعمها اللامحدود للمقاومة العراقيّة .. لأنّ هذه المقاومة هي عنوان نصر العروبة والإسلام وضمان وجودهما ، وهي الوحيدة التي استطاعت دحر المشروع الإمبريالي الصهيوني بإرادة عراقية وطنية خالصة .. والسؤال المهم الذي يفرض نفسه : متى سيدرك العرب ذلك ؟! وهل سيتعظ بعض لم يتّعظ منهم حتّى الآن بعدما أصبحت النَّار تحت أقدامهم .
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب