هل ارتكبت الحكومة العراقية الخيانة العظمى بتسليمها الإرهابيين للسعودية؟
د. حامد العطية
hsatiyyah@hotmail.com
تعرف قواميس علم السياسة الخيانة العظمى بأنه أي فعل يقترفه فرد أو جماعة يتهدد أمن ومصير موطنهم بالخطر، ومن أبرز الأمثلة على ذلك معاونة حكومة أو أطراف أجنبية بما يتعارض مع المصالح العليا للوطن ومساعدة المحتلين والتجسس لحساب دولة أجنبية، ويعاقب الخونة بشدة بالغة، وغالباً ما يحكم عليهم بالموت أو السجن المؤبد، كما يزدري أفراد المجتمع كل خائن لوطنه، وتظل خيانته حاضرة في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، يستذكرونها في كل حين، ليستمطروا اللعنات على رؤوس الخونة، فلم ينسى العرب والمسلمون خيانة أبي رغال، الذي قبل بأن يكون دليلاً لأبرهة الحبشي وجيشه الذي استهدف هدم الكعبة، وتشبيه أحد بأبي رغال هي أسوء مذمة أو مسبة على الإطلاق، حتى أن أبي رغال غدا كلمة مرادفة للخائن، وعندما وقع الرئيس المصري السابق أنور السادت معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني صارت كنيته لدى بعض العرب أبي رغال.
ومن المؤكد بأن احتقار الخيانة ومقترفيها خاصية مشتركة بين أمم وشعوب العالم، ويزداد مقت الخائن والخيانة أثناء الأزمات التي تعصف بالأمة، وبالذات عندما تتهددها الأخطار الخارجية أو الداخلية، ولدى الأوروبيين الذين عانوا من الإحتلال الألماني النازي آبان الحرب العالمية الثانية أبو رغال خاص بهم، فما أن انقضت الحرب حتى ازدادت اللغة الأنكليزية كلمة جديدة هي "كويزلنج" Quisling، وأصل الكلمة اسم لسياسي نرويجي، وهو فيدكون كويزلنج، الذي ساعد القوات النازية على احتلال وطنه النرويج، ولم ينسى الأوروبيون خيانته، فخلدوه كما خلد العرب أبي رغال ليكون اسمه مصطلحاً دالاً على خيانة الوطن.
لسنا هنا بصدد إجراء محاكمة للحكومة العراقية وإصدار الأحكام عليها، ومعاذ الله أن أكون مثل أقطاب هذه الحكومة التي تدعي حرصها على فرض القانون وهي في الواقع تخرقه كل يوم في تسخيره لأغراضها ومصالحها السياسية وإملاءات الاحتلال الأمريكي، ولكن من الضروري التذكير بإخلاف هذه الحكومة لوعودها بكشف نتائج التحقيق في أحداث قتل الآلاف من العراقيين على أيدي قواتها، في النجف وكربلاء والبصرة والعمارة والديوانية ومدينة الصدر، والتستر على الحقائق دليل ظرفي على اقتراف فعل مخالف للقانون، وكل ما أرميه من وراء هذه المقالة استكشاف احتمال ارتكاب الحكومة لجريمة الخيانة العظمى في تسليمها لعدد من الإرهابيين السعوديين إلى حكومتهم مؤخراً.
لا حاجة لتقديم البراهين على واقعة تسليم الإرهابيين، فقد أكدتها الحكومة في تصريح رسمي، وتناقلت خبرها وسائل الإعلام، والحقائق المعلنة من قبل الحكومة العراقية هي أن ستة سعوديين قبضت عليهم القوات العراقية داخل أراضينا سلموا للسلطات السعودية مؤخراً أثناء زيارة رسمية لمستشار الأمن القومي موفق الربيعي لمملكة آل سعود، وأضافت المصادر الرسمية للنبأ بأن التحقيقات أثبتت عدم ضلوع هؤلاء الموقوفين بعمليات إرهابية، وبعد الإتصال بالسلطات السعودية اتضح بأنهم من "المطلوبين أمنياً"، وهو مصطلح يستعمله السعوديون للإشارة إلى المتهمين بالإرهاب.
تسقط الشبهة عن الحكومة العراقية بارتكابها فعل مخالف للقانون إذا ثبتت صحة ادعاءها بعدم ضلوع السعوديين الموقوفين بتهمة الإرهاب، مع الأخذ بالإعتبار بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وبأن البينة على المدعي، وليس من السهل تقمص دور المدعي في هذه القضية في ظل عدم توفر نتائج التحقيق، ولكني على يقين بأن هنالك من الأدلة الملموسة والظرفية ما يؤيد وبدون أدنى شك تورط هؤلاء السعوديين بجرائم الإرهاب أو تآمرهم لتنفيذ عمليات إرهابية أو المشاركة فيها، ومن أبرز هذه الأدلة ما يلي:
- من الواضح بأن هؤلاء السعوديين دخلوا الأراضي العراقية خلسة، وهذا الفعل لوحده يشكل خرقاً كبيراً للقانون، ويكتسب درجة عالية من الجرم في الوقت الحاضر بسبب الهجمة الإرهابية الشرسة على العراق.
- لو كان غرض هؤلاء السعوديين من دخول العراق مشروعاً مثل الزيارة أو التجارة أو حتى الصيد والقنص لحصلوا على التأشيرات اللازمة وولجوا أرض العراق من نقاط الدخول الرسمية، لذا فالمرجح أن يكون قصدهم ارتكاب عمل محرم قانوناُ، وهو على الغالب عمل إرهابي أو متصل بالإرهاب.
- تبين الاحصاءات الرسمية الصادرة عن سلطة الاحتلال والحكومة العراقية بأن الغالبية العظمى من مرتكبي العمليات الإرهابية، وبالذات الانتحارية، التي أزهقت أرواح عشرات الآلاف من العراقيين المدنيين العزل هم سعوديون، مما يعزز الاشتباه بوجود نية مبيتة لدى السعوديين المقبوض عليهم لاقتراف عمليات إرهابية.
- يحرض رجال الدين السعوديون أتباعهم على قتل العراقيين الشيعة لأنهم كما يدعون منحرفون عقائدياً ومتعاونون مع المحتلين، وقد طالب مسئولون عراقيون مراراً وتكراراً الحكومة السعودية بمنع إصدار الفتاوى المكفرة والمحرضة على الإرهاب ولكن من دون جدوى، مما يجعل من الحكومة السعودية شريكة بالتحريض على الأقل في الإرهاب، كما تجدر الإشارة إلى تعامل الحكومة السعودية باللين مع الإرهابيين الذين اعادتهم قوات الاحتلال والحكومة العراقية في السابق، والمثال على ذلك الإرهابي السعودي الذي فجر بنفسه صهريج وقود مما تسبب في استشهاد العشرات من العراقيين المدنيين، ونجا هو من الموت، فكافأته قوات الاحتلال والحكومة العراقية بتسليمه للسعودية.
- إن تواجد المشبوه في مسرح الجريمة دليل ظرفي على احتمال تورطه فيها، والعراق كله مسرح لجرائم إرهابية، والقبض على هؤلاء السعوديين على الأرض العراقية دليل إضافي على احتمال تورطهم في الإرهاب.
- ينتفي احتمال براءة هؤلاء السعوديين استناداً إلى البيان العراقي الرسمي الذي كشف بأنهم مطلوبون بتهم أمنية، أي الإرهاب، في السعودية.
- إن تذرع الحكومة العراقية بعدم ثبوت تهمة الإرهاب على هؤلاء السعوديين سخيف ومرفوض لأن من المعروف بأن الكثير من العمليات الإرهابية التي نفذت في العراق انتحارية، لذا كان لزاماً تركيزالتحقيق على تهمة التآمر أو التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية، وفي هذه الحالة تؤيد كل الوقائع المتوفرة إدانة هؤلاء السعوديين.
إن تسليم الإرهابيين أو المشتبه بارتكابهم عمليات إرهابية أو بعقد النية على ارتكابها مخالف للمصالح العليا للعراق والعراقيين، فهو من ناحية استهانة فادحة بالقانون الذي يلزم الحكومة بمعاقبة المجرمين، وهو كذلك تفريط بحقوق العراقيين من ضحايا العمليات الإرهابية بصورة مباشرة وغير مباشرة، كما يشجع الإرهابيين على اقتراف المزيد من العمليات الإرهابية، وفي ظل الضرر الفادح الذي وقع على العراق نتيجة العمليات الإرهابية وما كادت أن تؤدي إليه من حرب أهلية واحتمال تفكك كيانه لذا يعتبر تسليم الإرهابيين من دون عقاب خيانة عظمى للعراق وأهله، ولا يخامرني أدنى شك بأن ذاكرة العراقيين تختزن هذه القضية، وسيأتي يوم قريب تتكشف فيه كل الحقائق ويلقى المفرطون بمصالح العراق جزاءهم العادل.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب