أين هي الطبقة العاملة في العراق
محمد علي محيي الدين
abu.zahid@yahoo.com
دأبت صحيفة الحوار المتمدن على طرح ملفات ساخنة تتناول من خلالها جانبا مهما من جوانب الحياة،كقضايا المرأة ،وحقوق الإنسان ومناهضة عقوبة الإعدام،ودعم الديمقراطية ،وما إلى ذلك من الملفات المهمة التي تعالج الكثير من السلبيات والنواقص وما تتطلبه عملية البناء الجديد،واليوم طرحت لمناسبة الأول من أيار ملف الطبقة العاملة العراقية ودورها في عملية بناء العراق الجديد،ويحق لي أن أتساءل،أين هي الطبقة العاملة العراقية،وهل هناك طبقة عاملة لها تمثيلها في المجتمع ،أو حضورها في الواقع العراقي،وهل يوجد حزب سياسي أو جهة سياسية تتبنى مطالبها،أو تسعى لتحقيق مصالحها،وكم هم ممثلي الطبقة العاملة في البرلمان العراقي أو مجالس المحافظات والمجالس البلدية،وأين هي النقابات العمالية التي تتبنى قضايا العمال أو عملت من أجلهم،بعد أن أصبح الصراع طائفيا عرقيا ،وتنوسيت مسألة الصراع الطبقي وأركنت على الرفوف العالية،وأصدرت الحكومة العراقية بعد تولية السيد الجعفري قرارها سيء الصيت بإلغاء النقابات وحجز أرصدتها وإنهاء وجودها،وسعي جهات هامشية لا علاقة لها بالعمل والعمال لتولي قيادها وحرف مسيرتها باتجاهات أخرى بعيدة عن مصالح العمال كطبقة لها وجودها في ساحة النضال،أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات أكبر من المعنيين بهذا الشأن،بعيدا عن التصورات الهوائية التي تسود الساحة في الوقت الراهن.
لقد بدأت الطبقة العاملة في العراق بالانحلال والتلاشي منذ القرار الجائر الذي أصدرته السلطة الصدامية بتحويل العمال إلى موظفين،وربما قبل ذلك عندما هيمنت السلطة على مقاليد النقابات وأسلمت قيادها إلى مرتزقتها من الموتورين،وجعلتها واجهة من واجهاتها،وأجهزة أمنية تحارب العمال وتحصي عليهم أنفاسهم،وذابوا في حمئة الدكتاتورية ليتحولوا إلى سوام لا تأثير لها في بناء الحياة.
وبعد سقوط النظام ألصدامي وانهيار مؤسساته القمعية،توقع الكثيرون أن يعود العمال لواجهة النضال الوطني بما يشكلون من ثقل مهم في المجتمع،ولكن التطورات الدراماتيكية وهيمنة القوى الدينية- القومية،وضعف الوجود الحقيقي لحزب الطبقة العاملة أدى إلى كوارث جديدة أذابت الطبقة العاملة وجعلتها معدومة الوجود في ظل الاستقطاب الطائفي القومي،وانتهى العمال كطبقة اجتماعية ليتحولوا إلى مزامير تعزف باتجاهات طائفية – بعثية لا تخدم توجهاتها أو تحقق طموحاتها،وتولى أمرها في البداية بعثي موتور له تاريخه الأسود في العمل القمعي في العراق ومن فرسان 8 شباط المعروفين بجرائمهم التي يندى لها الجبين،وعمدت الفئة الحاكمة الجديدة في ظل الانفلات الذي طال كل شيء،إلى إنهاء مرتكزات الاقتصاد العراقي،والآجهاز على البقية الباقية لما تبقى من الطبقة العاملة،فقد نهبت المافيات المنظمة جميع المعامل الإنتاجية،وقامت عصابات الجريمة بسرقة موجودات المعامل العملاقة وبيعها (خردة) للأصدقاء والأشقاء من دول الجوار،وفرضت على العمال بطالة مقننة،وخصصت لهم إعانات شهرية وأضافتهم إلى آلاف العاطلين ،ثم سارت خطوات جديدة إلى الأمام في إنهاء العمال كطبقة اجتماعية مؤثرة لمعرفتها التامة بأن شعور العمال طبقيا سيجعلهم في الجانب الآخر،فعمدت بخطط منظمة ومدروسة الى إشاعة البلبلة في الٌاقتصاد العراقي،ففتحت الأبواب على مصراعيها للبضاعة الأجنبية الرديئة،وألغت التعريفة الكمر كية،وأغرقت الأسواق بالإنتاج الأجنبي،مما أدى الى إغلاق جميع المعامل الحرفية الصغيرة وتشريد عشرات الآلاف من العمال،وقامت العصابات المسلحة بسرقة المعامل الأهلية وتحويلها الى خرائب ينعب فيها الغراب.
وفي تخطيط مدروس من سلطة القرار الغربية الساعية لرأسماله الاقتصاد العراقي وجره لاقتصاد السوق،وربطه بالماكينة الاقتصادية الامبريالية عمدت الجهات التشريعية والتنفيذية الى سن القرارات القاضية بإنهاء جميع أوجه الاقتصاد فعمدت الى:
· إغلاق المعامل الحكومية والسعي لخصخصتها،لشرائها من قبل المافيات الجديدة كما هو الحال في دول المنظومة الاشتراكية بعد انهيارها،والاعتماد على دول الجوار وكارتلاتها المعروفة لاستيراد البضائع وإغراق السوق بها،والهيمنة عليه بدون منافس.
· إنهاء العمال الزراعيين وصغار الفلاحين وإغراق البلاد بالمنتجات الزراعية المستوردة وبيعها بأسعار زهيدة لا يستطيع الفلاح العراقي مجاراتها،ورفعت الدعم عن البذور والأسمدة والمبيدات،وزجت بأ بناء الفلاحين في ألتها العسكرية،لينصرف الفلاح عن الزراعة وترك الأرض بعد أن هيأت له وسائل الكسب خارج أطار عمله ،وتحولت الأراضي الزراعية الى مساحات جرداء قاحلة في ظل فشل واضح لوزارة الزراعة العراقية لوضع برنامج أصلاحي،لعدم وجود اختصاصي في الزراعة،تؤهله معارفه لوضع البرامج الصائبة،وهيمنة ذوي الشهادات (الفاشوشية) على مقاليد الوزارة.
· عمدت الدولة إلى قطع النفط السود عن معامل الطابوق التي يشكل العمال فيها نسبة كبيرة من الطبقة العاملة العراقية لوجود عشرات الآلاف من المعامل الإنتاجية،مما جعلها تتوقف عن العمل،وعمد تجار الرقيق الطيني الى استيراد الطابوق من دول الجوار وبأسعار تؤثر على السعر العراقي،ومارست ذات الأمر مع معامل الأسمنت الحكومية حيث عطلت عن العمل نهائيا وفتحت الأبواب على مصاريعها لاستيراد الأسمنت من دول الجوار.
· الهيمنة على النقابات والجمعيات ،وتشكيل نقابات أسمية يتولى أدارتها أناس بعيدين عن العمل النقابي،ولا يمتلكون أي مؤهلات أو وجود مؤثر بين العمال،مما جعل العمال(غنم من دون راعي) في ظل البلبلة الفكرية والتسطيح المعرفي وإغراق الأذهان بالفكر البعيد عن مصالح الإنسان،وزج لطبقة العاملة في المشاريع اللا طبقية.
· افتقار العمال للقيادات الكفوءة ذات الإيمان الحقيقي برسالة الطبقة العاملة ودورها في مسيرة المجتمع والحياة،وابتعاد العمال عن المشاركة في النضال ألمطلبي ،لعدم نمو الفكر الطبقي في صفوفهم وغياب الأيديولجيا الثورية عنهم،مما يستدعى أن يكون للحزب الشيوعي دوره المؤثر في تبني نضال العمال،والعمل في صفوفهم بغية أشراكهم بالنضال الوطني ومحاولة بناء نقاباتهم القادرة على جمعهم خلف رايتها،وهذا ما لا يمكن حدوثه بسبب الافتقار إلى الكفاآت العمالية القادرة على لم شتات الطبقة العمال والسير بها لما يخدم مصالحها،رغم الظروف المتاحة في ذلك بسبب المشاكل الكبيرة التي أغرقت فيها الطبقة العاملة بفعل القرارات التي أفقدتها الكثير من امتيازاتها التي ضمنتها القوانين السابقة التي جاءت بسبب النضال الملحمي للعمال عبر تاريخهم المجيد.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب