شيعة العراق وأمريكا هل حان موعد نزع الأقنعة؟

 

جميل عودة

J_h_j71@yahoo.com

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما يتحدث المرء عن العراق بعد تغيرات 2003 فأنه ملزم بالحديث عن مكونات الشعب العراقي الأساسية وهي الشيعة والسنة والأكراد والتركمان، وأقليات أخرى متداخلة بين هذه القومية وذلك المذهب.

وهو ملزم أيضا بالحديث عن الشيعة بالخصوص؛ لأنهم يمثلون الأغلبية النسبية أي حوالي 65% من مجموع الشعب العراقي وهم يقطنون في مناطق الجنوب والوسط والعاصمة بغداد، ويشكلون أقلية ملحوظة في محافظات غرب وشمال العراق.

وشيعة العراق من حيث القومية ينقسمون إلى شيعة عرب وهم الأكثرية، وشيعة كرد" الكرد الفيلية" وشيعة تركمان، وشيعة عجم من أصول إيرانية، وهم رغم اختلاف قومياتهم إلا أنهم يرتبطون ارتباطا وثيقا بالمذهب الشيعي الجعفري أحد مذاهب الدين الإسلامي نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق "عليه السلام" مؤسس المذهب، ويؤثرون انتمائهم المذهبي على انتماءاتهم القومية، فالشيعية الكرد -على سبيل المثال- أي الكرد الفيلية يفضلون انتمائهم المذهبي الشيعي على كرديتهم، والشيعة التركمان يفضلون مذهبهم الشيعي على تركمانيتهم، وهكذا الشيعة من أصول إيرانية، وكلهم يشتركون في التكلم باللغة العربية، مضافا إلى لغاتهم القومية الأخرى، وبالتالي فان الاستخدام السياسي السليم هو "الشيعة" دون مصطلح "العرب الشيعة".  

ومن حيث الفكر والعمل السياسي ينقسم الشيعة في العراق إلى شيعة "إسلاميين" وهم الأكثرية وإلى "شيعة علمانيين" والشيعة العلمانيون كانوا قد انخرطوا في السياسة والتنظيم الحزبي قبل الشيعة الإسلاميين، وكانوا من أوائل من أسسوا الحزبين: الحزب الشيوعي وهو حزب أممي، وحزب البعث العربي وهو حزب قومي وذلك في مدينة الناصرية جنوب العراق، إلا أن الشيعة العلمانيين لا يتقيدون بتعاليم المذهب الشيعي كثيرا إلا في بعض المسائل الاجتماعية والعبادية التي أصبحت جزءا من عاداتهم وتقاليدهم، بينما ينطلق الشيعة الإسلاميون في عملهم السياسي والتنظيمي والحزبي من تعاليم المذهب وأفكاره وفلسفته.

وسواء كان الشيعة في العراق عربا و اكرادا و تركمانا وعجما أو كان الشيعة علمانيين أو إسلاميين فأنهم لم يسعوا إلى إقامة علاقات طيبة مع الغرب قبل التسعينيات من القرن المنصرم، بل كانوا عموما يميلون إلى التوجس من الغرب وأمريكا متأثرين بالأفكار الاشتراكية من جهة، والأفكار السياسية الإسلامية "المتشددة" من جهة ثانية، وأيضا المواقف التاريخية السياسية من الأجانب والاستعمار كالموقف الشيعي المعروف في ثورة العشرين إزاء الغزو البريطاني للعراق.

سياسيا، ظلت علاقات الأحزاب الشيعية قبل غزو النظام السابق الكويت محصورة على إيران وسوريا، وهما الدولتان اللتان احتضنتا مئات الآلاف من الشيعة الذين اضطهدهم نظام صدام إبان حكمه، إلا أن "فشل" انتفاضة 1991 وما رافقها من تغييرات في المواقف السياسية لبعض الدول العربية وأمريكا وأوربا من النظام السابق، دفع بعض القيادات الشيعية إلى الانفتاح مع دول الجوار وأوربا وأمريكا، وبنفس الدرجة بدأت الولايات المتحدة والكويت والسعودية تستقطب الأحزاب والشخصيات الشيعية العلمانية والإسلامية على حدا سواء. 

وإذا كانت الشخصيات الشيعية العلمانية قد سارعت إلى إقامة علاقات حميمة مع أمريكا فان الأحزاب والشخصيات الشيعية الإسلامية كانت تتوجس كثيرا من أمريكا لأسباب منها عدم ثقتها بأمريكا، ففي الوقت الذي حمت قوات التحالف أكراد العراق فأنها سمحت للنظام السابق بقمع الانتفاضة في الجنوب والوسط بالطائرات والمدافع والأسلحة الثقيلة حيث راح ضحية ذلك مئات آلاف من الشيعة بما فيهم أطفال ونساء ناهيك عن هجرة أكثر من ثلاثة ملايين شيعي إلى إيران وسوريا والسعودية ودول أخرى، ومنها تأثر بعض قيادات هذه الأحزاب بالشعارات السياسية "الأيدلوجية" التي ترفعها إيران.

ولكن الشيعة الإسلاميين بمعونة الشيعة العلمانيين- كالدكتور أحمد الجلي الذي لعب دور الوسيط القوي بين أمريكا وبعض الزعامات الشيعية- أدركوا جديا أن قرار مستقبل العراق لم يعد قرارا داخليا بحتا، بل لابد من مشاركة فعالة للدول العربية والإقليمية و"العظمى" خصوصا أمريكا، هذا أولا. وثانيا، لن يكون لجهة سياسية ما أو جهة دينية ما، أن تحكم مستقبل العراق لوحدها بل لابد من السعي إلى إقامة تحالفات داخلية قوية تكسب رضا الشعب من جهة، ورضا حكومات العالم من جهة ثانية.

يبدو لي أن القرار الشيعي العراقي في فتح باب الحوار السياسي مع الولايات المتحدة الداعية إلى مثل هذه الحوار أصلا هو قرار صائب، ليس لان الشيعة في العراق تعرضوا في ظل الأنظمة العراقية السابقة إلى تهميش وعزلة، وإلى اضطهاد وإبادة كان آخرها جرائم المقابر الجماعية البشعة،  بل، لان الشيعة لن يحصلوا على أي حق من حقوقهم المشروعة سواء في الحكم باعتبارهم الأغلبية، أو في الحياة الحرة والكريمة ما لم يسعوا إلى توثيق علاقاتهم الخارجية مع الدول المؤثرة في الشأن العراقي، ومنها الولايات المتحدة.

وقد يؤيد صحة ما أذهب إليه هو أن الشيعة العراقيين كالكرد العراقيين حصلوا على جزء مقبول من حقوقهم السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية بعد أحداث 2003 وهذا لم يكن ليحصل لولا التقارب في وجهات النظر بين الشيعة وأمريكا.

ولكن العلاقات الشيعية - الأمريكية في العراق مازالت تراوح مكانها وقد تتراجع قليلا بين الفينة والفينة، وذلك لأن الشيعة مازالوا مختلفين في نظر إلى ما يجب أن تكون عليه علاقة الشيعة العراقيين بأمريكا بين من يرى أن "أمريكا الشيطان الأكبر" متأثرا بما يحدث في إيران ولبنان وهؤلاء دائما يعلنون أنفسهم أعداء لأمريكا ويفضلون لغة القوة والسلاح، وبين من يرى ضرورة إقامة "علاقات صداقة إستراتيجية بعيدة المدى" وهؤلاء يلجون إلى الدبلوماسية العالية ويعتمدون على علاقاتهم في تحقيق أهدافهم السياسية، وثالث يقول بـ"إقامة علاقات الضرورة" وفق قاعدة"الضرورات تبيح المحظورات" فهم أصدقاء متعاونون مع أمريكا في بعض الأحيان، وفرقاء وربما أعداء لها في السر في أحيان أخرى، بينما يصمت الكثير من الشيعة على المستوى الشعبي عن تحديد مواقفهم من أمريكا صراحة، فمرة تراهم أعداء لها، ومرة مدافعين عنها، وثالثة يفضلون الصمت!.

أمريكا أيضا لم تكن موفقة كثيرا في تعاملها مع الشيعة؛ فإستراتيجيتها كانت قائمة على تقسيم الشيعة إلى ثلاثة فئات: الأولى: وهم من الشيعة الموالين الذين يحظون بالدعم المعنوي والمادي من لدن الحكومة الأمريكية وغالبيتهم من العلمانيين الرأسماليين، والثانية: من الشيعة الإسلاميين المتعاطفين مع الأمريكان ويحظون بدعمها أيضا، والثالثة: من الشيعة الإسلاميين المؤثرين في الساحة السياسية ترى أمريكا أهمية التعامل معهم واستقطابهم وكسب رضاهم كأصدقاء مؤقتين.

إلا أن متابعة دقيقة لنتائج جهد توسيع العلاقات الأمريكية مع الشيعة العراقيين خلال الخمس سنوات التي مرت على تواجد أمريكا في العراق نستنتج أنها لم تفقد تعاطف الشيعة الإسلاميين وحسب، بل، خسرت كبار أصدقائها كالدكتور أحمد الجلبي، وهو الرجل الذي مازال يحظى بالاحترام في الوسط الشيعي. 

في الحقيقة لا أحد من العراقيين والشيعة بالخصوص يفهمون ماذا تريد أمريكا، وكيف يمكن التوصل إلى تفاهمات سياسية مشتركة، فأمريكا في نظر الكثير من الشيعة لها وجهان أحدهما يبتسم لك دائما فيغريك ويجذبك إليه، وآخر مكفهر يخيفك ويبعدك عنه.

أنا أتصور أن الكرة بيد الأمريكان لا بيد الشيعة العراقيين، فلو تقربوا أكثر، وصدقوا أكثر، وتكاشفوا أكثر لأضحت الأمور على ما يراهم، وأتصور أن الفرصة بالنسبة للأمريكان مازالت قائمة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com