شعرت بقلق شديد عندما اقترب موعد انعقاد المؤتمر الإقليمي التاسع والعشرين للشرق الأدنى. والذي اختتم أعماله في الخامس من مارس الماضي ..ويعقد بصفة دورية كل عامين لمناقشة أهم القضايا الزراعية بإقليم الشرق الأدنى (الشرق الوسط وشمال أفريقيا)ويضم 32 دولة .

وهذا الحدث أثار لدي العديد من التساؤلات ومن بينها التساؤل الأكثر إلحاحا .... هل سينجح هذا المؤتمر في تحقيق أهدافه أم سيكون كغيره من المؤتمرات السابقة التي توصلت إلى قرارات لم يدخل أي منها حيز التنفيذ بل ظلت حبيسة الأوراق والأدراج؟‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍

نعم حبيسة.... فما التفسير إذا كانت الفكرة قد طرحت منذ أكثر من أربعين عاماً ولم تنفذ حتى الآن ؟ وهو القرار الذي يخص إنشاء هيئة إقليمية للصحة الحيوانية بإقليم الشرق الأدنى . ففي عام 1967 خلال اجتماع وزراء الزراعة بروما وحتى عام 1983 لم تتقدم إلا تونس بموافقة مكتوبة على الانضمام إلى الهيئة وبالتالي ألغيت الفكرة، ثم قدم هذا الاقتراح خلال المؤتمر الإقليمي للفاو في بيروت عام 1999 ووافق عليه وزراء الزراعة بالإقليم وكان عددهم 25 وزيراً .

 وللحقيقة لم تتخذ أية خطوة جادة وبشكل فعلي تجاه هذا القرار، وخلال المؤتمر الإقليمي التالي في طهران عام 2001 أخذت نفس التوصية ضمن التوصيات المنبثقة عن المؤتمر وبحضور أكثر من عشرين وزير زراعة بالمنطقة .وكذلك في المؤتمر الإقليمي بقطر 2003، وفي كل مرة يوافق الأعضاء على القرار لكن لايدخل حيز التنفيذ واستمرت تلك المهزلة حتى مؤتمر صنعاء عام 2006 . ويتكرر نفس السيناريو هذا العام في المؤتمر الإقليمي التاسع والعشرين إذ توصل الحاضرون لضرورة حث دول الإقليم على اتخاذ الإجراءات المناسبة للموافقة على إنشاء الهيئة الإقليمية لصحة الحيوان في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.

علماً بأنه لم توافق سوى 12 دولة بالإقليم على إنشاء الهيئة المقترحة،كما طالب المؤتمر منظمة الفاو بضرورة مواصلة جهودها من أجل إنشاء تلك الهيئة.

 والغريب أن دولا مثل السودان والسعودية تحججت بعدم وجود أي خلفية لديها عن هذا المقترح (رغم مرور أربعين عاماً عليه) ولهذا لم يستطيعوا اتخاذ أي قرار بهذا الشأن لعدم توافر المعلومات الكافية عن هذه الفكرة لدراسة الموضوع بشكل جيد.

 والسؤال هنا: كيف لا تعرف مثل هذه الدول أية معلومات عن إنشاء هذه الهيئة ؟ بالرغم من تأكيد المدير الإقليمي للفاو بالقاهرة على إخطار الدول الأعضاء بأهمية هذه الهيئة ولم توافق سوى 12دولة فقط ولهذا سيتم إخطار دول الشرق الأدنى بعد ختام المؤتمر لإعطائها فرصة أخرى للموافقة على هذا المقترح.

 ألم يحن الوقت لإنشاء هيئة إقليمية للصحة الحيوانية بالشرق الأدنى خاصة أن أمثال هذه الهيئة موجود بالفعل في جنوب شرق آسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا؟ ونحن في الشرق الأدنى نكتفي بدخولها حيز التفكير منذ أربعين عاماً، وينبغي هنا ألا نغفل الجهود المصرية والجمعية البيطرية المصرية التي لولاها ماعقد اجتماع واحد بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بالقاهرة حول هذا المقترح.

 ومازلت أؤكد على ضرورة إنشاء مثل هذه الهيئة في الإقليم نظراً لعلاقتها الوثيقة بصحة المجتمع والأمن الغذائي خاصة في ظل تكرار الأزمات المتعلقة بالأمراض العابرة للحدود كالحمى القلاعية،حمى الوادي المتصدع وأنفلونزا الطيور والتي نلاحظ آثارها يومياً على الأمن الغذائي والاقتصاد القومي لاسيما وأن الثروة الحيوانية مهمة جداً للإقليم كونها أساس الأمن الغذائي .

 وإقليم الشرق الأدنى بالأخص في أشد الحاجة لهذه الهيئة نظراً لزيادة التجارة البينية للحيوانات ومنتجاتها يوما تلو الآخر..... ففي كل مرة تنتقل الحيوانات من داخل الإقليم أو خارج الإقليم يصحبها انتقال للعديد من الأمراض ..... فضلاً عن أنه يتم استيراد أكثر من 70% من البروتين الحيواني من خارج الإقليم كنتيجة طبيعية لنقص الثروة الحيوانية بالدول العربية عن دونها من دول الإقليم .

 وأسباب هذا النقص كثيرة من أهمها الجفاف وقلة الأراضي الرعوية ونقصها المستمر فضلاً عن زيادة استهلاك الإنتاج الحيواني بالمناسبات الدينية بالإضافة إلى كثرة الأمراض العابرة للحدود في المنطقة،ويأتي هذا المقترح على سبيل المثال لأعلى سبيل الحصر ... وقد تطرقت إلى هذا الموضوع بالتحديد نظرا لعلاقته بالأمن الغذائي والذي تنظر إليه بعض دول العالم بأنه ذات أهمية كبيرة عن مسألة الأمن القومي.......

 ويتبادر إلى ذهني تساؤل آخر ... ما مدى فاعلية دور وزراء الزراعة بالإقليم في هذه المؤتمرات ؟ خاصة وأنهم لا يحضرون سوى عدة ساعات وبعدها يغادرون إلى بلادهم... فهل يعقل أن هذه المدة تكفي لمناقشة أهم الموضوعات والقضايا الخطيرة بالإقليم ؟‍‍‍‍‍

 وأتحدث عن هذا الموضوع بالتحديد بناءً عن تجربة شخصية وبحكم منصبي سابقاً كمسئول إقليمي لإنتاج وصحة الحيوان بالقاهرة وممثلاً للفاو في الصومال أثناء الحرب الأهلية ....... فقد حضرت المؤتمر الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أديس أبابا منذ عام، والذي ناقش فيه وزراء الصحة خلال أربعة أيام كل البنود والأفكار المقترحة وما تم انجازه منها وما يتطلبه لإتمام هذه القرارات كما توصلوا إلى قرارات في غاية الأهمية حول الميزانية وأوراق العمل المقترحة التي سيتم مناقشتها خلال المؤتمر القادم. ولهذا فهم أصحاب القرار الأول والأخير . في حين أن مؤتمر وزراء الزراعة بالإقليم يعقد بعد ثلاثة أشهر من المؤتمر العام الإقليمي للفاو والذي عقد في نوفمبر بروما ويحضره وزراء الزراعة كل عامين.. فما الفائدة من المؤتمرات الإقليمية إذا كانت القرارات قد تم اتخاذها بالفعل؟ وما الجديد الذي تضيفه حقاً مؤتمرات وزراء الزراعة ؟ وما هو دورهم بعد اتخاذ القرارات بالفعل؟ خاصة وأن مثل هذه المؤتمرات تكون علي عاتق بعض الدول الفقيرة في الإقليم وتنفق الكثير من ميزانيتها علي هذا المؤتمر المنعقد بشكل روتيني والذي يعتبر من وجهة نظر الكثيرين "عديم الفائدة".

 وبالنسبة لقضية أنفلونزا الطيور التي تؤرق العديد من متخذي القرار والشعب المصري وتمثل خطرا كبيرا علي الأمن الغذائي والقومي وبحكم مسئوليتي عن هذه القضية اعترف أن الفاو لم تنفذ الدور المطلوب منها و المكلفة به لمكافحة هذه الأزمة، خاصة وأنها قد أوصت مصر في بداية الأزمة بضرورة القضاء علي كافة الدواجن( وهذه التوصية جاءت من روما على بعد ألفي ميل ) ولكن لم تنفذ هذه التوصية لأنها كانت ستسبب كارثة اقتصادية في مصر و مستحيلة التنفيذ وذلك لما تمثله من خطورة وتدمير للأمن الغذائي المصري.

 ونهاية القول فمازال لدي أمل كبير في إنجاح هيئة الصحة الحيوانية في المنطقة بفضل الأخوة المصريين والأطباء البيطريين والذي يبلغ عددهم أربع مرات عدد كافة الأطباء البيطريين العرب.

 ومازال هناك العديد من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات ...ما هي المعوقات أمام تنفيذ القرارات ؟ هل سببها اقتصاد الدعم المقدم من منظمة الفاو أم افتقار دول الشرق الأدنى إلى الاتفاق حول موضوع واحد ؟ أم لأسباب أخرى لانعلمها نحن ؟

 * المستشار الإقليمي السابق للفاو بالقاهرة للإنتاج والصحة الحيوانية ورئيس رابطة موظفي الأمم المتحدة بالقاهرة سابقا.

نشر المقال بجريدة "التعاون" المصرية العدد٢٥٢٥ بتاريخ٢٢أبريل٢٠٠٨

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com