|
بغض النظر عن الأسباب والدوافع التي أدت إلى التوافق السياسي الملحوظ الذي تعيشه الساحة السياسية العراقية حاليا ، يمكننا أن نؤكد ان ما تمر به العملية السياسية هذه الأيام وخصوصا بعد عمليات البصرة وغيرها هو تقارب وتوافق كبيرين أو كما يحلو للبعض تسميته بالربيع السياسي . فلأول مرة يكون هناك إجماع على نقاط عديدة وذات أهمية كبرى في حياة الشعب العراقي ومستقبل العملية الديموقراطية بعد أن كانت الكتل البرلمانية تضطر إلى الانتظار أشهر عديدة لكي يتوصل قادتها إلى اتفاق حول نقطة واحدة أو اثنتين ، ولأول مرة نرى ان ( المتخاصمين ) ومن جميع المكونات قد تركوا خلافاتهم جانبا وتوجهوا لترميم ما كاد أن ينهار ويتهاوى في فترة معينة . قد يقول قائل ان التيار الصدري لا يشترك مع الكتل السياسية في نفس التوجه ولديه اعتراضات على أداء الحكومة وهذا صحيح إلا أننا لا يمكن أن نعتبر ان ورود ملاحظات معينة حول أداء الحكومة هو خلاف لبقية الكتل لان هذا منظور متشائم ونحن هنا لا نود أن نضع العقبات أمام طموحات العراقيين ويجب أن ننظر إلى كمية الماء التي تملأ الكأس لا التي فرغت منه . فالتيار الصدري هو صاحب اكبر قاعدة جماهيرية في العراق ومن حقه أن يعترض لأنه مطالب من قاعدته أن يوفر لهم سبل العيش الحر كما هو ديدن جميع الكتل والأحزاب الأخرى وهذا لعمري لا يفسد في الود قضية ثم انه يجب أن تكون هناك معارضة حقيقية وفاعلة تقوم بتشخيص الخلل وإعطاء المقترحات والحلول للمشاكل المزمنة وهذا هو جوهر العمل الديموقراطي . إلا أن ما يشغل تفكير الكثيرين ، هو ماذا بعد هذه الاتفاقات والتوافقات ، هل ستحل جميع المشاكل التي يعاني منها الشعب بمجرد تغيير أسماء وأشكال الوزراء في الحكومة القادمة التي ينوي رئيس الوزراء المالكي تشكيلها ، وهل سيرضى المجتمع العراقي عن الساسة والقادة بمجرد أن يراهم عبر شاشات التلفزيون وهم يكيلون المديح احدهم للآخر بمناسبة أو بدون مناسبة . اعتقد ان على الحكومة ورئيسها وخصوصا في هذه الأجواء الدافئة سياسيا الالتفات إلى عدة نقاط جوهرية مهمة لا يمكن أن تتوقف على تغيير اسم الوزير الفلاني ، أو إقرار احد القوانين المعطلة أو تمشية بعض المتعلقات عبر وسائل الإعلام فقط وإنما المطلوب وكما ذكرت أن يقوم رئيس الوزراء باستغلال الوضع الحالي الذي يحتمل انه لن يدوم كثيرا بسبب مجموعة القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في لحظة كمسالة كركوك وفساد بعض الوزراء وعمل بعض البرلمانيين مع الارهاب. لذا فان على المالكي وكما صال في البصرة أن يجعل لكل وزارة في حكومته صولة للفرسان تشمل جميع مفاصلها دون استثناء فيبدأ من الاستعلامات إلى الموظفين إلى رؤساء الدوائر وصولا إلى وكلاء الوزراء الذين كثر الحديث عنهم وحامت الشكوك حول تورطهم بأغلب عمليات الفساد الإداري والمالي التي جعلت من العراق ضمن أوائل الدول في التصنيف العالمي للفساد .ومن الأمور المهمة التي تعمق اللحمة العراقية وتسرع بالمصالحة هو الإسراع باعمار الروضة العسكرية لتكون بداية لنبذ الفرقة والتعصب الطائفي ، كذلك يجب وضع لجان فاعلة لمتابعة عمل المشاريع الحيوية التي تخص حياة المواطن مباشرة كبناء المجمعات الصحية والمرافق الثقافية والرياضية والترفيهية والتي طال انتظارها كثيرا. وأخيرا وهذا الأمر أهم ما يتوجب على الحكومة القيام به وبأسرع وقت هو حملة وطنية كبرى ضد البطالة التي يعاني منها ثلثي شباب العراق بسبب السياسات الخاطئة في طريقة التعيينات واعتقد ان المعارك الأخيرة قد أثبتت بما لا يقبل الشك ان احد أسباب قيام المسلحين بوجه الدولة هو عدم إعطاءهم ابسط حقوقهم وغمطها من قبل المتنفذين الفاسدين في الوزارات والدوائر كافة فمن لا يجد قوت عياله بشرف وكرامة فكيف لا يحارب من اجل لقمة أطفاله واكرر ما قال سيد ثورة الاشتراكية أبي ذر الغفاري (( عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه)) .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |