|
ساهر عريبي لم يكن يدر في خلد كل من عرف المالكي بأنه يملك كل هذا الدهاء والحنكة السياسية التي كشفت عنها أحداث مدينة البصرة الأخيرة وما تبعها من أحداث في بغداد ومناطق اخرى من العراق. فعملية صولة الفرسان التي كادت تودي بحياة فارسها لولا صولة قوات العم سام , قد أثبتت وبما لايدع مجالا للشك بأن المالكي بارع في السياسة كبراعة ميكافيللي. ولقد ظهر ذلك جليا في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم امس والذي ظهر فيه بمظهر رجل الدولة الذي يسعى لإعادة هيبتها المفقودة. فلقد تمكن وعبر صولة الفرسان من ضرب عدة عصافير بصولة واحدة. واولها واهمها انه نال رضا الإدارة الأمريكية التي كان يساوره القلق والأرق من إنقلابها عليه وإستبداله بشخص أخر عبر طبخة برلمانية كانت تنضج على نار هادئة حتى جاءت صولة المالكي لتطفيء نارها ولتسد الطريق على كل من يريد ان تكون له حظوة عند الأدارة الأمريكية التي باتت تعتمد عليه اليوم بشكل مطلق, ولذا فقد ضمن هو وطاقمه البقاء على سدة رئاسة الوزراء والتمتع بدنيا هارون الرشيد ولحين إنتهاء ولايته . ومن ناحية أخرى فقد نجح في حشر حليفه الهام وأقصد التيار الصدري في زاوية ضيقة بعد ان نجح المالكي في عزله عن مختلف القوى السياسية العراقية التي إصطفت خلف المالكي في صولته. وهذا يذكر العراقيين بما فعله صدام بالحزب الشيوعي العراقي عندما دخل معه في الجبهة الوطنية ثم عاد لينكل به بعد ان إستتبت له الأمور ووثق علاقته بالأتحاد السوفيتي عندها . وهو بالذات ما يفعله المالكي اليوم الذي إستخدم الورقة الصدرية للوصول الى الحكم ثم عاد لينقلب عليها بعد أن إستوى وإشتد عوده. ولم يكن الثمن الذي دفعه المالكي لتحقيق كل ذلك سوى التضحية بجملة من المباديء التي كان يؤمن بها ,وتخلى عنها اليوم تلبية لمتطلبات السلطة وكما يقولون الضرورات تبيح المحظورات . وأول هذه المباديء هي تخليه عن شعار إقامة دولة الأسلام الذي طالما رفعه حزبه طيلة العقود الماضية والذي دفع خيرة شباب العراق ارواحهم في سبيل تحقيقه, واليوم يسعى المالكي وحزبه لأقامة الدولة المدنية التي يحترم فيها القانون , ولا شك بان مثل هذا التحول يعتبر نقلة نوعية في التطور الفكري والسياسي لحزب الدعوة الذي لم يتبق له سوى تغيير إسمه والأستعاضة عن الأسلامية بالمدنية ليصبح حزب الدعوة المدنية. واما المبدأ الثاني الذي تخلى عنه المالكي وحزبه فهو مبدأ مقاومة الاحتلال وإجهاض المشروع الأمريكي في العراق والذي كان يشكل حجر الزاوية في سياسة ومواقف الحزب حيال المشروع الأمريكي لأسقاط نظام صدام والذي عارضه حزب الدعوة بشدة قبل السقوط رافضا الدخول أنذاك في كافة مؤتمرات المعارضة التي عقدت وبرعاية امريكية , وبعد السقوط كانت نظرة الحزب والمالكي قائمة على أساس خطورة المشروع الأمريكي في العراق والذي يجب إجهاضه خوفا من سريانه ليشمل بقعا أخرى من العالم الأسلامي. ولذا فقد كان التيار الصدري وجيش المهدي موضع رعاية وعناية حزب الدعوة طيلة الفترة الماضية. إلا أن الحزب دخل وبقوة في العملية السياسية بعد السقوط وهو اليوم يسيطر على رئاسة الوزراء ويفعل كل ما في وسعه لأرضاء الأدارة الأمريكية , وهذا يشكل نقلة نوعية في مواقف الحزب وتطورا يدل على أن الحزب لم يعد يعتقد بأن المشروع الأمريكي خطر على المنطقة , بل هو خير لها ولذا فقد تحول الحزب الى عراب للمشروع الأمريكي الذي يسعى المالكي وحزبه لأنجاحه في العراق وبكل صورة ليكون بديلا عن مشروع الحركات الأسلامية الذي طبل له حزب الدعوة عقودا. وكمصداق لهذا التبدل الأستراتيجي هو نظرة حزب الدعوة وامينه العام للميليشيات ومنها جيش المهدي الذي أراد رئيس الوزراء العراقي الأسبق الدكتور أياد علاوي القضاء عليها أبان رئاسته للحكومة انذاك, غير انه ووجه بمعارضة شديدة من مختلف القوى السياسية ومنها حزب الدعوة الذي سارع قادته أنذاك الى التوسط لدى قادة التيار الصدري لنزع فتيل الأزمة ولمنع علاوي من تحقيق نصر عليه انذاك حقنا للدماء, وبعد توقف المعارك تم شن حملة إعلامية ضخمة كان هدفها تسقيط الدكتور اياد علاوي وإزاحته من الساحة السياسية ولقد نجحت تلك الحملة الأعلامية في تحقيق العديد من المكاسب السياسية لحزب الدعوة. غير ان الحزب وأمينه العام عاد اليوم وبعد ان حصل ما حصل في العراق من مجازر بسبب ضعف سلطة الدولة وسطوة الميليشيات , عاد ليشن حملة على الميليشيات تفوق وبعشرات المرات في قوتها وقسوتها حملة علاوي التي قادها انذاك ضدها. وهذا الموقف الجديد له تفسيران لا ثالث لهما , أولهما أن المالكي وحزبه قد توصلوا الى ذات القناعة التي سبقهم الدكتور اياد علاوي في الوصول لها وقبل ثلاث سنوات , ولذا فقد تخلوا عن قناعاتهم السابقة , أو أنهم كانت لديهم ذات القناعة حيال الميليشيات إلا انهم لم يريدوا حينها ان يدعوا الدكتور علاوي يخطف نصرا على الميليشيات يقوي من موقعه ومكانته في الشارع العراقي وعلى حسابهم , ولذا فقد حرموا على علاوي ما احلوه على انفسهم اليوم طمعا في تحقيق مكاسب سياسية , ولو تركوا علاوي يقوم بالمهمة حينها ,لكان للعراق شأن اخر اليوم. وأما المبدأ الأخر الذي تخلى عنه المالكي فهو مبدأ الوفاء بالعهود والمواثيق. فالمالكي وحزبه لم يكونوا ليحظوا برئاسة الوزراء لولا دعم التيار الصدري الذي أعطاهم أصواته البرلمانية الثلاثين, مقابل جملة من الشروط والتوافقات. غير ان المالكي وبعد ان إستقر على كرسي الحكم , وبعد ان نجح في إقامة تحالف رباعي جعله في موقف قوي وفي غنى عن التيار الصدري , يسعى اليوم لعزله وحذفه من المشهد السياسي العراقي بذريعة أن لديه ميليشيات وكأن هذه حقيقة جديدة تم إكتشافها حديثا, وكأن التيار الصدري لم تكن له ميليشيات حينما جاء بالمالكي لرئاسة الوزراء. واليوم وبعد ان حاز المالكي على رضا جبهة التوافق العراقية فلم يتبقى للمالكي سوى تكرار ذات السيناريو مع المجلس الأعلى وعزله من الساحة السياسية وحينها سينفرد المالكي وحزبه في قيادة الدولة ممثلا لأحد مكوناتها الأساسية. إن هذا التطور السياسي لحزب الدعوة وأمينه العام يعكس نمطا سياسيا ميكافيليا وعلى درجة عالية من الرقي جعلت من المالكي سياسيا من الطراز الأول ولو على حساب المباديء , فتحية للمالكي السياسي ورحمة الله الواسعة على المالكي رجل المباديء!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |