|
ألاسلام وبنيته الاجتماعية مابين المدنية والقبلية ... أعادة قراءة - 1 -
حميد الشاكر توطئة تتميز دراسة البنية الاجتماعية لأي مجتمع انساني ما، بأنها الدراسة التي توصلنا الى فهم واستيعاب حركة الاجتماع الانساني وظواهره السلوكية من جهة، وفهم وادراك المنطلقات الواقعية التي بنيت عليها قواعد الفكر الاجتماعي من جهة أخرى، فالظاهرة السلوكية الاجتماعية وكذا الفكرة العقدية الايدلوجية - الغير سماوية بطبيعة الحال - على هذا الاساس هما وليدي البنية الاجتماعية المادية وكذا الفكرية لهذا او ذاك من الاجتماع الانساني !. ان هذه القاعدة العلمية الاجتماعية هي وبالضبط مانحن بحاجة اليه لفهم اعمق واستيعاب اشمل وادراك أوفى لاطروحة الاسلام بشكل كامل، وذالك من خلال حركة هذا الاسلام الاجتماعية وكذا قواعده الفكرية التي أسس عليها وانطلق منها خلال حركته الاولى وحتى اليوم !. نعم ماهي البنى الاجتماعية التي أقام الاسلام عليها فكرته الايدلوجية العقائدية، ومن ثم أنطلق منها، وانعكست سلوكياته وظواهره الاجتماعية من هذه القواعد؟. بمعنى آخر : ان هناك بنيتين كانت في الاجتماع العربي أبّان ولادة الاطروحة الاسلامية ونزول وحيها السماوي الى الانسان : الاولى : البنية الاجتماعية القبلية والتي كانت هي السائدة والمنتشرة بشكل كبير جدا في جزيرة العرب آنذاك . الثانية : وهي بنية الاجتماع المدني أو الحضري التي تتمتع به بعض المناطق او المجموعات الانسانية الضيقة جدا من هذه الجزيرة الشبه منقطعة عن العالم آنذاك !. ولاريب ان لهاتين البنيتين الاجتماعيتين خصائص ومميزات بحيث تجعل من كل بنية نوع منفرد ومختلف عن بعضهما والبعض الاخر في التأسيس اولا، فالبنية القبلية مختلفة التاسيس تماما عن البنية الحضرية او المدنية، وكذا تختلف بنية القبيلة في البنى الفوقية لحركة اجتماعها القبلي وما تنتجه من ظواهر سلوكية واخرى فكرية وعقلية عن ماتنتجه على نفس المستوى بنى المدينة الحضرية ثانيا، ولهذا تميزت كل بنية عن الاخرى بانها نسيج منفرد وقواعد مختلفة عن بعضها والبعض الاخر في الاساس وفي جدران البناء الاجتماعي ايضا !. والآن : ماهي مميزات كل بنية عن اختها الاجتماعية في القبيلة وفي المدينة؟. وماعلاقة معرفة مميزات كل بنية بمعرفة الاسلام كايدلوجيا عقدية فكرية على المستوى النظري من جهة وعلى المستوى العملي السلوكي من جهة أخرى؟. فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال فأن هناك علاقة وثيقة جدا بين فهم الاسلام كأطروحة الهية سماوية شاملة، وبين معرفة الاساس التي اقيمت عليه هذه الاطروحة الربانية، وذالك بأعتبار ان الاسلام كفكرة الهية لاتتحرك بالفراغ الاجتماعي، وانما هي فكرة نزلت،وتعاملت، وعالجت، وانتقدت، وصوّبت، وحللت، وانسجمت، وتنافرت، وشيّدت ..............الخ، مع مجتمع وبنية هو وهي المجتمع العربي وبنيته التي كانت سائدة انذاك، ولاشك عندئذ ان الكثير من فهم حركة الاسلام النظرية وكذا العملية هي مرتبطة بشكل مباشر بمدى معرفتنا نحن بهذه البنية الاجتماعية العربية التي كانت قائمة ابان نزول الاسلام والقرءان !. مثلا : عندما أجد اليوم او في التاريخ القديم والحديث سلوك اجتماعي ما، أو ظاهرة أجتماعية انسانية تظهر بكل عنف وشدة ووضوح على حركة المجتمع وفي ثنايا افكاره العقدية، فانني سوف لن أميّز بين ان تكون هذه الظاهرة منتج أسس له الاسلام وتلقاه بأيجابية كبيرة، او العكس من وجهة النظر الاسلامية بأن يكون الاسلام أول من ندد بهذه الظاهرة الانسانية، الا عندما ادرك البنية التي أنتخبها الاسلام لتكون قاعدة بنيته الاجتماعية، ففي مثل هذه المعرفة ادراك - لي ولك - في ارجاع اي ظاهرة اجتماعية اليوم الى اصلها الاسلامي او غير الاسلامي منها، باعتبار ان لكل ظاهرة اجتماعية انسانية بنية اجتماعية انطلقت هذه الظاهرة منها، ومعرفتها يحل المشكلة الادراكية في استيعاب وفهم هذا السلوك او ذاك منها على المستوى العملي !. تمام : ربما هنا من يتسأل حول نقطة الاسلام كأطروحة فكرية عقدية، والانسان ببنيته الاجتماعية المختلفة بين القبلية والمدنية، ولماذا محاولة فصل الاطروحة الاسلامية كدراسة عن بنية الاجتماع العربي الذي انطلقت منه؟. ان هناك الكثير من الباحثين الذين ذهبوا بعيدا عن جادة الصواب عندما درسوا او بحثوا عن الاسلام باعتباره منتج طبيعي لبنية الاجتماع الانساني العربي انذاك، وخصوصا بعض الدارسين للاسلام من خلال منطلقاتهم المادية التي تؤمن ان اي فكرة او معتقد او تصوّر حتى وان كان دينيا لاهوتيا ماهو الا انعكاس للواقع الانساني المعاش مع بنيته الاجتماعية الطبيعية ليصطدموا بكم هائل من التناقضات التي وقعوا فيها بين التوفيق بين ماهو بنيوي اجتماعي عربي كان قائما انذاك، وبين فكر اسلامي كان راقيا جدا ولاينم مطلقا عن ولادته ديناميكيا من بنية الاجتماع العربي انذاك - أنظر بحوثنا المكتوبة تحت عنوان من هدي القرءان .. الكلمة أقرأ الفصل التاسع في اشكالية المجتمع وبنيته الثقافية - وكل مافي الامر كان يكفي أؤلئك الباحثين ان يلتفتوا لنقطة : ان الرسالة الاسلامية منزل سماوي فحسب ليدركوا الفرق في الدراسة بين بنية الاجتماع من جهة والاسلام كأطروحة تتعامل مع البنية الاجتماعية الانسانية من جهة اخرى ليصلوا الى حل الاشكالات التي وقعوا فيها للتوفيق بين ماهو فكري وآخر بنيوي !. ومن هنا كانت فكرتنا في الفصل - الفصل بين البنية الاجتماعية والاطروحة الاسلامية - تعتمد بشكل مباشر على اساس ان الاطروحة الاسلامية ان اردنا فهمها على اساس انها وليد لبنية اجتماعية عربية فحسب نكون قد قتلنا عالمية الاسلام الانسانية من جهة، واختصرنا التعامل الاسلامي على اساس انه بنية واحدة فحسب، وهذا بالاضافة الى اننا بهذا الفعل الدمجي بين الاسلام وبنية الاجتماع الانساني كأنما حاولنا الغاء نمطية العيش الطبيعية التي تفرضه جغرافية العالم على تشكيل بنية الاجتماع الانساني وانه وليد طبيعة انسانية خلقها الله سبحانه وتعالى متنوعة البنيان في هذا العالم !. أذن ماهو الفرق حسب هذه النظرة بين البنية الاجتماعية والاطروحة الاسلامية؟. وكيف هو التقارن بين الاسلام كدين وبنية الاجتماع كمنتج بشري؟. الواقع ان الاسلام كدين سماوي شأنه في ذالك شأن باقي الاديان التي نزلت من قبله لتبحث عن بنية اجتماعية انسانية من خلالها تطل على العالم الانساني بكافته لتخاطبه حسب تلاوينه الاجتماعية وتدعوه الى الله والى القانون السماوي، وكذا الاسلام كأطروحة الاهية أريد لها ان تكون خاتمة الرسالات السماوية للانسان، فهي باحثة عن بنية تحمل من شؤون هذه الرسالة للعالمين جميعا من جهة، ويتم انتخاب هذه البنية الاجتماعية فيما بعد او تلك حسب ما تقبله هذه البنوية الاجتماعية وما تتمتع به من مميزات تتيح للاسلام ان يتحرك بمرونة شاملة تنطلق من خلالها لمخاطبة الانسانية بشكل عام من جهة اخرى، وهذا مارشح بالبنية الاجتماعية العربية لأن تكون هي الظرف الطبيعي الحامل لرسالة السماء الاسلامية الخاتمة للناس جميعا، وبأعتبار ان هذه البنية هي الاكفأ لديمومة حركة الاسلام لاطول فترة زمنية ممكنة لمخاطبة العقل والوجدان والروح الانسانية بشكل عام !. ان مثل هذه الرؤية في انتخاب الاسلام لبنية الاجتماع العربي الانسانية هي وبالفعل رؤية توصلنا الى منتصف الطريق في معرفة البنيوية الانسانية الاجتماعية للفكر والعقيدة الاسلامية العظيمة، باعتبار ان نصف الطريق الاخر والذي يتمم لنا الرؤية لدراسة الاسلام بشموليته هو ان ندرك أي البنيتين الاجتماعية العربية - القبلية او المدنية - التي انتخبها الاسلام كي تكون قاعدته المجتمعية التي شيد الاسلام بنيانه عليها، وهل هي البنية القبلية العربية هي تلك البنيوية المجتمعية التي ارتضاها الاسلام لتكون قاعدة منطلقاته الاجتماعية؟. أم انها البنيوية المدنية الصغيرة والمقموعة قبليا والمحصورة جغرافيا هي التي انتخبها الاسلام من وسط الصحراء لتكون نواة قاعدته الاجتماعية التي ينطلق ويؤسس على اركانها من اصول مجتمعه الاسلامي الجديد آنذاك؟. نحن اثبتنا في المقدمة ان للمجتمع العربي بنيتان اجتماعيتان مختلفتان متباينتان في التأسيس والتشكيل وفي الانتاج والمنعكسات الاجتماعية، وهما البنية القبلية، والاخرى البنية المدنية - سنتناول فيما بعد الفروق الجوهرية بين كلا البنيتين ولماذية حتمية اختلافهما -، اللتان كانتا تعيشان جنبا الى جنب في مجتمع الجزيرة العربية ابّان ولادة الاسلام العظيم بوحيه الرسالي الكريم، ومن خلال ذاك الاثبات يكون علينا معرفة أي البنيتين التي صلحت لأن تكون هي قاعدة الاسلام البنيوية لاقامة مجتمع السلم الاسلامي، وهل هي بنية الاجتماع المدني الصغيرة؟. أم ان قاعدة الاسلام وبنيته الاجتماعية كانت ولم تزل هي بنية الاجتماع القبلي؟. أو ان الاسلام جمع بين البنيتين في ظرف واحد، وانتخب هاتين البنيتين جميعا ليكونا منطلقات بنيته الاجتماعية التي اسس عليهما بناء مجتمعه الاسلامي فيما مضى وحتى اليوم؟. بمعنى آخر ماهو موقف الاسلام من بنية الاجتماع القبلي والاخرى المدنية؟. وهل عندما نقرأ الاسلام وبوعي وتأني ومن جديد، فهل سنكتشف بنيته الاجتماعية التي قامت على بنية الاجتماع المدني؟. أم اننا سنفاجأ بأسلام اقيمت اركانه على بنى الاجتماع القبلي العربي انذاك وحتى اليوم؟. من الذي اسس تلك البنى الاجتماعية الانسانية؟. أو كيف تأسست أصلا وماهي العوامل الطبيعية والانسانية التي فرضت لهذا التجمع بنية مدنية، ولذاك التجمع الانساني الاخر بنية قبلية؟. واذا كانت للاسلام بنيته الاجتماعية المميزة فكيف تعامل مع البنيوية الاجتماعية الاخرى؟. ..... للحديث بقية
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |