ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

لا املك في الواقع الخبرة الكافية في مجال مدح الحكام والتقرب منهم فلم اعتد على ذلك في حياتي  التي قضيت ربع قرن منها معارضا للنظام الصدامي ومنذ أن كنت طالبا في مرحلة الإعدادية، ولم أخش بطش النظام وجبروته في الوقت الذي سقط فيه الكثير من الكتاب والشعراء وانصاف المثقفين في الوحل الصدامي وباعوا ضميرهم وشرفهم ووطنيتهم للطاغية. ولم أخش بعد السقوط جبروت وطغيان الأرهاب الذي حاربته وانا جالس في بغداد خارج المنطقة الخضراء وليس بعيدا عن الوطن الذي لا يكلف الكثيرون من أدعياء الوطنية عناء العودة إليه وخدمته من داخله  كما عملت انا وفي أصعب الظروف كخبير في مجال الإعمار في العام 2006 وهو العام الأسوأ ربما في تأريخ العراق.

إلا أن طريقة التقرب الى الحاكم لاتبدو بالصعبة بل هي يسيرة ولا تتطلب سوى مدح الحاكم ورفع مقامه الى مستوى الأولياء او الخارقين والدفاع عن كل أفعاله وسياساته، وتصديق كل مايقوله ويدعيه، ورسم صورة وردية للواقع تنفرج اسارير الحاكم لرؤيتها. وبعدها سيتصل بك شخص من مكتب رئيس الوزراء ليأخذ رقم حسابك وليبعث لك مبلغ ستين الف جنيه إسترليني لتعقد بها ندوات شعرية نبيلة وزاهرة!.

وبعدها ليس المطلوب منك سوى أن تضع عقلك في الفريزر وتتحول الى بوق يلهج بمدح دولته وأياك إياك أن تنتقده أو تعيب سياساته او تحاسبه على مواقفه أو تذكره بتقلباته، فحينها ستتهم بالعمالة لهذه الدولة او تلك ولربما ستصبح مارقا كافرا مفرقا وحينها سيوعز الحاكم الى وعاظ السلاطين من حاشيته إصدار فتوى بهدر دمك أو إصدار حكم قضائي بإعتقالك بتهمة المس بالذات الرئاسية المبجلة!.

فإن قال لك دولته بأن الفيل يطير فاكتب قصيدة مطلعها الفيل يطير وفوقه بعير!

وإن قال لك  بأني أصبحت زعيما بقواي الذاتية وليس بدعم العصابات الخارجة على القانون فصدقه فأن القول ماقالت حذام, وإن قال لك إنني أريد القضاء اليوم على العصابات التي اوصلتني للسلطة لا لأنني لم أعد بحاجة لدعمها بل لأني أريد فرض هيبة القانون فصدقه وإياك ان تكذبه, وإن قال لك بأن القانون لم يداس أبان عملية فرض القانون و بأن طفلا عراقيا واحد لم يسقط ضحية لمعاركه فصدقه وقدم له تبريرا شيطانيا مفاده  أن الميليشيات هي السبب في قتله لأنها إستخدمته درعا بشريا، وإن قال لك أتباعه بأن مصلحة العراق أن نعادي دول الجوار وعلى رأسها العربية السعودية فقل له إنك على الحق فالزمن ليس زمن التهدئة بل هو زمن التصعيد ولا بد من إبقاء الورقة الطائفية ساخنة كي يتجر بها تجار السياسة والدين!.

وإن قال لك الحاكم إنني من دعاة الدولة المدنية ومنذ نعومة أظافري وان المشروع الأمريكي في العراق ينبغي إنجاحه، فإياك إياك ان تذكره بالماضي وبالشعارات الأسلامية والمواقف المتشددة من المشروع الأمريكي وإياك أياك أن تعتبر هذا التحول قد حصل تلبية لمتطلبات كرسي هارون الرشيد، بل لأن مصلحة العراق العليا هي التي إقتضت ذلك, وإن أولئك الذين سبقوا الحاكم في معرفة مصلحة العراق العليا كانوا عملاء وخونة لأنهم عرفوا تلك المصلحة قبله.

وأخيرا فماعليك إلا أن تصور العراق جنة ينعم بظلالها العراقيون بفضل حكمته وعبقريته وبفضل مستشاريه وأتباعه الذين لايدانيهم احد في مواهبهم ومؤهلاتهم وهي كثر, واهمها أنهم يملكون شهادات مزورة أو أخرى لاقيمة لها, وانهم ينتمون الى جناحه الحزبي وانهم من أقاربه ومعارفه، وانهم لاباع لهم بالنضال بل كانوا مدللي دولته أيام المعارضة, وأنهم لايفقهون في أي شيئ سوى في حياكة المؤامرات وضرب هذا الطرف او ذاك. فإن أغلقت عينيك عن كل ذلك وصممت أذنيك وجمدت عقلك فحينها ستصبح لواء ركن في الداخلية وعضو مجلس محافظة في الناصرية ومستشار رئيس الوزراء في الشوكية  وتقاعدك محفوظ عند الدولة السويدية وكان الله في عون الامة العراقية!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com