سناء صالح /هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

مدينة الثورة، مدينة الكادحين الوافدين من قرى الجنوب البعيدة يسبقهم حلمهم بأن يقطنوا بغداد ويندمجوا في مجتمعها المتحضر, يتزودون بماء صالح للشرب ونور يستدلون به الدرب ومستشفى يلجأ ون إليه وشارع مبلط يحفظ أقدامهم من التشقق ومدرسة لأبنائهم تفتح أعينهم على الدنيا وتنير لهم بصيرتهم فيكونون أفضل من آبائهم الذين يقصدون المسطر للحصول على يوميتهم آخر النهار تحت وطأة الحر أو شدة القر،هكذا بدأت طموحاتهم البسيطة، دخلوا المدينة القاسية،عاملتهم بجفاء فاعتكفوا في حيهم المتواضع هذا متأرجحين بين عالمي المدينة والريف، ملامحهم ولهجتهم تشي بهم أينما حلوا، كونوا مجتمعا خاصا بهم، تقبل الكثير منهم الأفكار الديمقراطية فتفتحوا لها وأعطوها خيرة شبابهم فقد رأوا في تلك الأفكار طوق النجاة الذي يوصلهم الى بر المساواة وإذابة الجليد بينهم وبين الطبقات التي تنظر إليهم من الأعلى وتعطيهم الفرصة في تحقيق طموحاتهم التي هجروا قريتهم من أجلها، حوربت تلك الأفكار وقمعت ورمي حملتها الى السجون أو المنافي وقد أفاقت المدينة ذات يوم لتجد اسمها وقد اقترن بمعتوه ومجنون بداء العظمة وسفك الدماء ولم يسأل أهلها وسكنتها عن رأيهم استخدمهم الجلاد وقودا لمحارقه التي خاضها فسقط منهم الآلاف وأبقاهم مقيدين بالجهل والتخلف وسوء الخدمات، استغل تمسكهم بالعشيرة وقوانينها فلم يعرفوا قانونا غيره . استغل عوزهم,  وهكذا مضت السنون وأهل هذه المدينة باقون في عزلة وظلمة مطبقة  وإرهاب وتضييق لم يبق لهم من منفذ سوى التوجه للبارئ عزوجل عسى أن يفك قيدهم، وكان الوقت قد أزف ليلعب المتاجرون بالدين والمثل السماوية مستغلين حب  آل البيت الذي فطر عليه أبناء المدينة الوافدين من الريف,  لعبوا لعبتهم وبثوا سمومهم مستفيدين من إحساس أهالي المدينة بالعجز واليأس وفراغ الساحة من القوى الديمقراطية التي كانت تسندهم وتشد أزرهم     استيقظ أهل المدينة ثانية ليجدوا أنفسهم أسرى لقادة جدد بملابس مميزة وعمائم ولحى، صور مبثوثة في كل ركن في مدينتهم  لشخصيات مألوفة لديهم يوم يقصدون العتبات المقدسة  يؤدون الزيارات السنوية لمراقد الأئمة عليهم السلام،كانت هذه الشخصيات رموزا يجلونها ويحيطونها بالتقديس والتنزيه، لم يعرفوا أن وراء كل هذه الهالة أهداف سياسية  وأطماع بالسطوة والجاه والسلطان، صدقوهم وساروا خلفهم منومين وموعودين بحياة سعيدة يوم يظهر الأمام المهدي  ليقيم العدل  وللمرة الثانية يبدل اسم مدينتهم  وكل أسماء مؤسساتهم دون استشارتهم .

هذا هو حال مدينة الثورة أو صدام أو الصدر، مدينة تشعر بالجور والظلم واللامبالاة،.

إن طويت صفحة الماضي فصفحة الحاضر مازالت مفتوحة والأحداث طرية منذ التاسع من نيسان  قبل خمس سنوات فالموت مازال يطرق أبواب هذه المدينة سخرهم السياسيون ليبرزوا قوتهم فساقوهم الى مناياهم يوم أشاروا عليهم بالمسيرة المليونية الى الكاظمية عبر جسر الأئمة فكانت الفاجعة بسقوط ألف قتيل قضوا سحقا تحت الأقدام أو غرقا، مازال صدى صوت الوزير صولاغ ورئيس الوزراء الجعفري وهم يحسدون الضحايا على ميتتهم ويستثمرون هذه المصيبة في جمع التبرعات تحت مسمى مساعدة أهالي الشهداء .

اليوم تعود إلينا نبرة صدام حسين وطريقته بإباحة العقاب الجماعي بشخص المالكي تسانده القوات الأمريكية التي تصب نيرانها على الجميع دون استثناء،تدك المدارس والمنازل  ماذا سيقول  المالكي والسياسيون الساكتون على مايجري وهم يرون الرعب بعيون  الأطفال ورعشة الخوف وهم يتوجهون  الى مدارسهم، أم صورة الطفل ذي الثلاث سنوات وهو يوضع في النعش، صورة تذكر بمحمد الدرة الذي أقام الدنيا وأقعدها بمقتله .

أسأل الساسة الذين يتغنون بانتصاراتهم في مدينة الصدر كم من هؤلاء القتلة قد  تمكنتم منهم وما هي نسبتهم الى الأبرياء الذين سقطوا من النساء والأطفال والشيوخ والشباب ؟

أتوجه بسؤالي الى الحكومة العراقية لماذا لاتحاسبون المخططين والقيادات التي تسرح وتمرح وتدلي بالأحاديث الصحفية من الغرف الأنيقة  في المنطقة الخضراء أو من الخارج  وهي التي توجه جيش غالبيتهم من الأميين العاطلين واليائسين والمدمنين أليسوا هم أولى بالمحاسبة ثم العقاب !!

هل طبقت الحكومة المنتخبة برنامجا تعبويا وتربويا وتثقيفيا لتوعية الناس بما يجري  حتى تستطيع القول بأنها قد أدت واجبها وقد أعذر من أنذر !! 

سؤال آخر ترى مالذي قدمته الحكومة لأبناء هذه المدينة التي تعاني شظف العيش والتخلف وسيطرة العصابات حتى تنتظر منهم التعاون والاستجابة!! 

لماذا يستخدم الناطقون الرسميون أسلوب المراوغة في تصريحاتهم وتنسب الجرائم الى جهات مجهولة  دون تسمية جهة بعينها .(وهذا ماسمعته على لسان علي الدباغ وسعد جواد قنديل في لقاءات صحفية )  

أنا أرى إن من حق الشارع العراقي أن يسائل الحكومة المتمثلة برئيس وزرائها عما يجري في هذه المدينة المنكوبة المهملة فهم مسؤولون عن كل شهيد بريء سقط دون ذنب،كما تحمل رأس النظام وأعوانه وزر قتل شهداء الدجيل وهو تاريخ ليس ببعيد وكانت التهم الموجهة إليهم كما نعلم جميعا ممارسة العقاب الجماعي بحق أبرياء، وهو ما يجري الآن في المدينة التي شيدها الزعيم الراحل الشهيد عبد الكريم قاسم الذي أطلق عليها اسم مدينة الثورة وقد كان حلمه أن يسعد الكادحين المهاجرين من عمق الريف العراقي ببناء مدينة صالحة للعيش البشري  فلم يعط الفرصة، تكالبت عليه القوى الرجعية والامبريالية قتلوه, فاختنق حلم الكادحين بمدينة عصرية  .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com