|
ا نفتأ نكرر الظلم الواقع والحظر المفروض على اللغة الكردية والأدب الكردي، لكنَّ هذا الحظر والظلم قد رفعا منذ عقدين تقريباً، فلماذا لم يحقق الأدب الكردي قفزةً ولو صغيرة نحو العالمية؟ هل هناك أسخى وأكرم من الدعم الذي تقدمه حكومة الإقليم للثقافة والمثقفين الكورد؟ لكنَّ الدعم ونوايا الحكومة الحسنة وأيديها البيضاء لا تكفي فقط، مع غياب مراقبة هذا الدعم، وفحص الإنجازات والإخفاقات، ومناقشة الأسباب. وأظنُّ أنَّ مِنْ أهم الأسباب هو غياب التضامن والتعاون والتكافل بين مثقفي الكورد، بالإضافة إلى مشاعر البارانويا التي يتصف بها معظم مثقفو الكرد، والتي تمنعهم من الاعتراف أو النقد أو التعاون، أو حتى الانفتاح على الآخر، كتبت الكاتبة المصرية شيرين يوسف مقالاً نشرته مجلة العربي واسعة الانتشار- بواقع 120 ألف نسخة في أرجاء العالم- بعنوان "الأدب الكردي بعيون عربية" العدد(564/ تشرين الثاني 2005)وحين قرأتُه شعرت بالخجل من نفسي لأنَّها تعرف عن الأدب الكردي ما لا أعرفه، ولكن ما جعلني أشعر بالأسف الشديد أنَّها بدلاً من أنْ تتلقى الشكر، انبرى لها بعض المثقفين الأكراد في التهجُّم عليها، لقد وصفت الأكراد بصفات الشجاعة والكرم وكتبت عن خاني وشيركو بيكس وجكرخوين وآخرين، وربما اتهمَّها بعض العرب والأكراد بالنفاق، لأنَّها عربية تتبنّى قضية الأدب الكردي، ولو أنَّ كردياً كأحمد شوقي أو عباس العقاد أو سليم بركات تبنى اللغة العربية لما وصفوه بالنفاق أبداً. وبعد أنْ شكَّك الأستاذ إبراهيم محمود بعروبة وجنسية الكاتبة المصرية قال(هل حقاً تمتلك المعدَّة معلومات خارج إطار المعلومات التي اعتمدت عليها، دون أن تستنطقها، أن تكون لديها مصادر ومراجع سابقة، تؤازرها في الفرز بين ما تقرأ ومصداقيته؟). هل هذه غيرةٌ عمياء على الأدب الكردي؟ هل هناك حظرٌ على غير الأكراد أن يكتبوا أو يقرءوا شيئا عن الأدب الكردي؟ لماذا يهاجم المثقفون الأكراد كلَّ من يحاول تقديم خدمة للثقافة الكردية؟ وعزاؤنا أنَّه لا يُرْمَى بالحجر إلا الشجر المثمر، أمَّا اليابس فليس له إلا كآبة المنظر ووعثاء السفر. لماذا كلما كتبتُ عن أديب كردي، غضبَ أدباء البارانويا؟ ثمَّ غمزوا ولمزوا، وهمسوا واغتابوا وبهتوا، والبعض هددني بأنَّه أبداً لم يغفر لي كتابتي عن الكاتب الفلاني، رغم أنني لم أطلب مغفرته!! لكن من أين جاءتهم مشاعر البارانويا هذه؟ وكيف تسللت إليهم؟ جاءتهم من أنَّ كلَّ مثقفٍّ منهم يحسبُ نفسه سادن بوابة الثقافة الكردية، التي لا يمكن دخولها قبل الحصول على بركته، هو الوحيد الذي من حقِّه أن يتحدث عن حقوق المجتمع الكردي، وهو الأول في المواجهة، وإذا لم يكنْ هو فارس السيمينار ونشوار المحاضرة، خرج في النهاية ليسأل فإذا به يستغرق وقتاً أكثر من المُحَاضِرْ ويتكلم عن كتبه العشرة التي لا تليق إلا بالتنور، وهي مجموعة مقالات مُمِلَّة ومقززة حدَّ القيء، ويتفاخر ببطاقات الدعوة إلى جميع المؤتمرات، التي تقدِّم قائمة بنفس المحاضرين، ونفس العناوين الفارغة، ويُستقبل أينما حلَّ بالتعظيم والتفخيم، وإذا جلس لا يسمح لأحدٍ غيره بالكلام، ولا يتورع عن قلة الأدب بأن يُسْكِتَ غيره بكلمةٍ نابية، لا تصدر إلا عن غوغائي، معيدي، عديم الثقافة يقول لمحاوره(صه صه) وربما رَطنَ بلغةٍ أجنبيةٍ لا يفهمها هو نفسه، هذه الأجواء هي التي توفر له الخطاب الاستعلائي المتكبِّر في الندوات واللقاءات وأية مُلتقيات أخرى، وبهذا سيقدِّم الأدب الكردي للآخر المختلف كهدفٍ للهجوم والسخرية اللاذعة، علماً أنَّه غالباً ما يكون مثقفا مخضرماً خدَم الزعيم والدكتاتور بكل إخلاص ونال جوائز كثيرة، هذا هو النمط السيئ من المثقف الكردي الذي يَحْجُبْ أية رؤية داخلية أو خارجية للأدب الكردي ويمنعه من التحليق إلى العالمية. أقام المعهد الكردي في العاصمة بروكسل بالتنسيق مع وزارة الثقافة البلجيكية حلقة نقدية في نهاية نيسان 2008 حول الأدب الكردي وماهيته والمعوقات التى تعترض االثقافة الكردية وسبل الارتقاء، هذا العنوان الذي يستحق أنْ يُناقش هنا لماذا يناقشونه هناك؟ أ لأننا انشغلنا في مؤتمراتنا ومهرجاناتنا بالبكاء على الأطلال وتأبين الموتى وتكريم ذويهم؟ هذا وقد وجَّه المؤتمرون رسالة بيد السيد بيرت أنسيو وزير الثقافة البلجيكية إلى السيد يان فيكل مسئول الشؤون الثقافية في الاتحاد الأوربي، لتوضيح هدف الحلقة النقدية حول الأدب الكردي، وبخصوص مراعاة اللغة الكردية وآدابها في الدول التي يعيش فيها الكرد، محرومين من لغتهم وثقافتهم، وكان لاتحاد الأدباء الكرد فرع دهوك ممثلاً برئيس الاتحاد حسن سليفاني حضورا متميزاً في الحلقة.... ولكننا نتساءل ماذا بعد هذه الحلقة النقدية وماذا بعد الرسالة إلى الاتحاد الأوربي؟ هل سنظلُّ في انتظار إجابة السيد يان فيكل والذي ربما لن يسمح له وقته أو مزاجه بقراءة الرسالة أصلاً؟ لماذا تناقش بلجيكا وألمانيا سُبل الارتقاء بالثقافة الكردية بينما نحن في التأبين منهمكين؟ وتحت مظلة " لا يرمى بالحجر إلا الشجر المثمر" سمعتُ همساً من أديب نمساوي يدور حول إلغاء انتخابات اتحاد أدباء الكرد فرع دهوك، التي غطَّتها وسائل الإعلام، وكتبت جريدة الزمان تقريرا عنها في عددها 2781 الصادر بتاريخ 27 آب 2007، وسيكون الإلغاء لصالح إدخال أعضاء من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ولكن ماذا سيحدث وماذا نتوقع إذا خضعت الثقافة إلى المحاصصة؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |