بثت قناة البغدادية التي تمثل التيار القومي الناصري،وتتخذ من مصر مقرا لها،لقاء مع الشيوعي المخضرم الرفيق كريم أحمد (أبو سليم) عبر برنامجها الذي تتناول فيه لمحات من تاريخ العراق الحديث،وتلتقي من خلاله بالساسة العراقيين ليتحدثوا عن بعض الجوانب التاريخية وذكرياتهم عن فترة عاشوا أو شاركوا في أحداثها،وكنا نتوقع عند الإعلان عنه أن سيكون هناك جديد فيما يقوله هذا القائد الشيوعي الذي أسهم في النضال الوطني لستة عقود أو تزيد،وتنسم مسئوليات عدة في الحزب الشيوعي العراقي،كان آخرها سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني/العراق،إلى أن أحال نفسه على التقاعد بعد أن بلغ من الكبر عتيا،وأفسح للشباب الجديد تقلد المسئولية ،بعد أن وجد أن ظروفه الصحية لا تسمح له بالعمل بفاعلية،وأن وجوده يشكل عبئا ،وحسنا فعل فهذه سنة حميدة أن يترك القائد منصبه فيفسح للآخرين من الدماء الشابة الفتية مواصلة المسيرة بما تتطلبه المرحلة الحالية من فتوة لمن يتصدر واجهة النضال،وقد أصدر كتابه المسيرة الذي تناول فيه تجربته النضالية ومسيرة حياته الكفاحية حتى تقاعده،ولكن هذا اللقاء اليتيم ما كان له أن يكون،فقد كان الرفيق العزيز غير قادر على الإجابة عن أسئلة المحاور أو يمتلك القابلية على مناقشة ما يطرح من أفكار،وليس ذلك عن عجز أو جهل من الرفيق الكريم،ولكنه دوران في غير محله كان على المجيب أن يكون على قدر من القابلية على المناورة والمحاورة والمداورة،وتفنيد ما يطرحه المقدم من تخرصات حاول من خلالها الإساءة وأن كانت تبدو بريئة إلا أنها مقصودة،لأن هذه القناة لا تنسى في يوم من الأيام مواقفها من اليسار والحركة الشيوعية،بفعل العداء المستحكم للقوميين المصريين لكل ما هو أصيل.

وسأحاول ما وسعني الجهد التركيز على المحاور التي تلكأ في الإجابة عنها الرفيق الكريم أملا أن يهيئ نفسه في المستقبل،ويشحذ ذاكرته في الرد والنقاش والإجابة،وأن يضع نفسه في الموضع الذي عليه أن يكون فيه،لأن (الغلب غلب لو كان لعب كعاب) كما يقول المثل الشعبي العراقي.

*حول أحداث الموصل:في سوآل لمعد البرنامج عن المجازر التي حدثت في مسيرة أنصار السلام ومؤامرة الشواف،كانت الإجابة باهتة لا تتعدى الدوران حول الموضوع دون الدخول في تفاصيله،مما يعطي للمشاهد صورة قاتمة عن الحزب الشيوعي العراقي وما نسب إليه من أمور ما أنزل الله بها من سلطان،وقد ركز المخرج على أظهار صور لجثث محترقة وأخرى معلقة،وشباب يحملون الحبال،وكل هؤلاء أحتسبهم المخرج على الحزب الشيوعي متناسيا أن ما قامت به القوى الرجعية من مجازر في تلك الفترة وعمليات قتل وإبادة لا تجعل من هؤلاء مظلومين بعد أن كانوا ظالمين،فقد أثبتت الوقائع والأدلة أن العصابات البعثية والقومية كانت قد أعدت للقيام بمؤامرة لقلب نظام الحكم بالتعاون مع مصر عبد الناصر وحكام سوريا الموتورين،وما كان في نيتهم من إرسال طائرات لتكمل عملية الانقلاب وتزويدهم للمتآمرين بإذاعة وأسلحة بالتعاون مع الزمر الإقطاعية وشيوخ العشائر وفي المقدمة منهم آل الياور الذين سلبت منهم الثورة امتيازاتهم الخيالية في الهيمنة والاستحواذ على الأراضي الزراعية،وللقارئ الكريم مراجعة ما كتبه الباحث حامد الحمداني عن مؤامرة الموصل بكل تفاصيلها،وما أثبتته التحقيقات من قيام عبد الناصر بتسريب صور التعذيب والقتل والشنق لمعارضين لنظامه واتهام الشيوعيين العراقيين بها،وأن أغلب الصور التي بثتها وسائل الأعلام المعادية للعراق في تلك الفترة كانت مفبركة من قبل المخابرات المصرية،وأن القوى الوطنية كانت في موضع الدفاع عن النفس عندما قامت العصابات القومية باعتدائها على أنصار السلام بالتنسيق مع عبد الوهاب الشواف.

أما الهتافات التي لا زال الكثيرون يشيرون إليها في معرض التنكيل بالحزب الشيوعي والتي أشار إليها مقدم البرنامج عدة مرات دون أن نجد من الرفيق إجابة حاسمة عنها ،وهي من قبيل(ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) فهذا تعبير عن رأي شعبي لا رأي الحزب،وأن الجماهير في تلك الفترة كانت تتصرف بتلقائية دون أن يكون للحزب رأي فيما تطرح من شعارات وطالما كانت هذه الشعارات المدسوسة يهتف بها أناس بعيدين ومعادين للحزب،ولم يكونوا من أعضائه أو أتباعه،وأن القوى الرجعية المنظمة كانت وراء ما يجري من أمور منافية للهدف الشيوعي النبيل،ووجدت من يشيعها ويذيعها في حربه الدعائية ضد الحزب،وإلا ليرشدني هؤلاء إلى من قام الشيوعيين بسحلهم أو الاعتداء عليهم،وهل أن الأطراف الأخرى كانت حملان وديعة بعيدة عن المطاعن،ولو أجرينا أعادة لترتيب الوقائع لوجدنا أن الشيوعيين قدموا في تلك الفترة مئات الشهداء الذين قامت القوى الرجعية بتصفيتهم واغتيالهم،ولكن دول الجوار وعملاء الداخل وقوى الاستعمار العالمي سخرت ماكينتها الإعلامية لتزييف الوقائع ونشر التخرصات وإذاعة الأخبار الكاذبة لتحقيق طموحاتهم الشريرة في وأد الثورة وإنهاء الدور القيادي للحزب الشيوعي على الشارع العراقي،وكان لسكوت الشيوعيين وعدم ردهم بما تستحق الأمور وراء الإيغال أكثر في التعدي عليهم ومحاربتهم،ودفعوا ثمن تلك الأخطاء بعد انقلاب البعث في شباط الدامي.

*وركز مقدم البرنامج على تبعية الحزب الشيوعي العراقي للسوفيت والعمل وفق رغباتهم،وكانت الإجابة مائعة لا يمكن صدورها من قيادي بوزن أبو سليم،فهو بحكم اطلاعه على مجريات السياسة تلك الفترة يمتلك الكثير من الأدلة على بطلان هذه المزاعم،وأن الاتفاق في المواقف نابع من وحدة النظرية و الأهداف لا نتيجة تبعية،وقد تكون هناك استشارات لا ترقى لمستوى الفرض والإملاء.

*وتساءل المحاور لماذا لا يستلم الحزب الشيوعي السلطة،أسوة بحزب البعث الذي استلمها لمرتين ،في الوقت الذي كان الحزب الشيوعي أكثر جماهيرية وقوة في الشارع،وكان على الرفيق الكريم الإشارة إلى إن الحزب لم يكن حزبا انقلابيا يؤمن بالتآمر أو يتعامل مع القوى الخارجية ،التي كانت وراء الانقلابات البعثية والقومية التي تكاثرت تلك الأيام،وأن الحزب لا يؤمن أساسا بالعنف كطريق للوصول إلى السلطة ،ويؤمن بالثورة الشعبية والنضال السلمي لتحقيق ما يصبوا إليه،وأن من تسلقوا سلالم السلطة في العراق كانت ورائهم قوى دولية وإقليمية فاعلة،وهم جميعا مرتبطين بشكل أو آخر بعجلة الاستعمار الغربي،في الوقت الذي يشكل الحزب الشيوعي مصدر خطر على جميع هذه الأطراف،ولم يتسنى لدول الجوار الإقليمي أسلامية وعربية أن اتفقت على شيء سوى محاربة الشيوعيين في بلدانهم ،مما يعني أن الخطر الشيوعي المزعوم يصب في خدمة الشعوب التي ترزح تحت نير هؤلاء الحكام العتاة.

* أما التصدي لانقلاب شباط ،فأن الحزب كان قد أتخذ قراره قبل الانقلاب بمواجهته بالعنف وأنه نبه زعيم البلاد ببوادره قبل وقوعه ،ولكن عدم اليقظة،أو الإهمال أو الثقة العمياء أو أمور خافية لم تظهر حقائقها لحد الآن ،أدت إلى نجاح الانقلاب لأسباب وعوامل كثيرة في مقدمتها تضافر الجهود الدولية والإقليمية و المحلية على وأد الثورة التي يتحمل نتائج إخفاقها ونهايتها عبد الكريم قاسم لمواقفه المضطربة،وتكتيكاته المريبة،والمقاومة كانت عفوية أكثر منها منظمة وكانت المنظمات الحزبية غير مهيأة لمواجهة عسكرية لعدم امتلاكها لآليات المقاومة وعدم تجهيز الجماهير المدافعة عن الثورة بالسلاح من قبل الزعيم،الذي كان يعتمد على ضباطه الذين كانوا في عداد المتآمرين.

*أما أجابته عن خط آب التصفوي فكانت تؤكد على تبعية الحزب للاتحاد السوفيتي،وأنه جاء نتيجة رأي السوفيت ومواقفهم من جمال عبد الناصر وعلاقتهم به،وما يتوقعون أن تكون عليه العلاقة مع نظام عارف بحكم العلاقة الظاهرة بين النظامين العراقي والمصري،وتناسى الرفيق أن بروز تيار له توجهاته القومية داخل القيادة الحزبية كان وراء هذا السلوك،ولم يكن الأمر مجرد رأي سوفيتي بل رأي داخل الحزب لقيادات لها توجهاتها القريبة من الهموم القومية،ولا زال الواقفون خلف خط آب يحملون ذات التوجهات وظهرت في الكثير من مواقفهم وجعلتهم خارج الحزب،ولكن الداخل العراقي وقف بالضد مما أتخذ في الخارج مما أدى إلى إفشاله قبل أن يقيض له الظهور.

*وعن الجبهة مع البعث تناسى الرفيق الكثير من الأمور التي تجعل القيادة محط تساؤل في تحالفها مع البعث ،فقد كانت جميع البوادر تشير إلى عدم جدية البعثيين في أقامة الجبهة قبل التوقيع عليها وبعده وأتبع صدام تكتيكات غير خافية حتى على البسطاء ناهيك عن العاملين في المعترك السياسي،فقد تحالف مع الكورد في البداية ودق إسفين العداء بينهم وبين الشيوعيين،وجعل القيادة الكردية تتصرف بغباء ضد حلفائهم الإستراتيجيين،ثم تحالف مع الشيوعيين ووجه سهامه إلى الكورد،فكان يصافح جهة بيد ليحارب الأخرى باليد الثانية،وأن البعث بعد توقيعه ميثاق الجبهة بيوم واحد أصدر تعليماته إلى جهازه الحزبي بالعمل لاختراق الشيوعيين من الداخل وزج الكثير من عناصره الأمنية في المنظمات الحزبية،والجميع يعلم أنه غير جاد في تحالفه معهم وأنه ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم ،ولكن.......

*والسوآل الأخير كان عن عدد الذين أعدمهم النظام ألصدامي البائد،فكانت إجابة الرفيق لا تنم عن معرفة بأبسط الأمور ويبدو أنه لم يعرف المقصود بالسوآل فقال أنه أربعة عشر عسكريا،وعندما أكد عليه المقدم بأن المطلوب بيان عدد الذين أعدمهم النظام بعد انهيار الجبهة،فأجاب بما لا يمكن قبوله من قيادي بمستواه ،مبينا جهله بالعدد لعدم امتلاكه لأي إحصائية،متناسيا أن لجنة الشهداء في الحزب تمتلك المعلومات الكاملة عن عدد المعدومين وطريقة إعدامهم،فكيف له الجهل بمثل هذا الأمر البسيط.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com