|
يحيى السماوي لا يولد الإنسان طاغية ً أو ديكتاتوراً ... الشعوب هي التي تصنع من هذا القائد أو ذاك الرئيس طاغية ً وديكتاتورا ً من خلال مساهمتها بتضخيم نرجسيته وغض الطرف عن هفواته الصغيرة فيتمادى في الهفوات لتغدو أخطاؤه خطيئات ... وبقدر تعلق الأمر بالشعب العراقي، فإنه المسؤول الأول عن تضخُّم نرجسية صدام حسـين واسـتـفـحالها لتغدو بعد حين من الزمن، مرضا ً عصيا ً على الشفاء ... كانت نرجسية صدام برعما ً صغيرا، وكان يمكن الحيلولة دون تحول البرعم إلى شجرة راسخة في أرض الواقع، لو أن الشعب لم يصمت حيال الشعار المرفوع " إذا قال صدام قال العراق " والذي يعني، مصادرة صريحة لحق الشعب في الرأي والحرية والكرامة ... أمّـا وقد اتضح لصدام إستعداد الشعب لهذا التخلي، فإنه أفرط في نرجسيته للدرجة التي أسبغ فيها على نفسه أسماء الله الحسنى ... ليتحول لقبه من القائد " الضرورة " إلى القائد " المنصور " فـالقائد " الجبار " فالقائد " المقتدر " فبقية ألقاب الله الحسنى التي أحاطت بصورته المعلقة في كل دوائر الدولة ... هل كان صدام حسين سيستمر في انتحاله أسماء الله الحسنى لو أن الشعب العراقي أبدى التذمر والإستياء مع أول لقب منتحل ؟ وهل كان سيواصل هذا الإنتحال لو أن المرجعية الدينية أفتت بعدم جواز تلقـُّب القائد بألقاب الله الحسنى ؟ في الإنتخابات التي جرت في العراق، وزع حزب الدعوة صورة مرشحه الدكتور ابراهيم الجعفري وقد كتب تحتها " إنتخبوا القوي الأمين " .. أي أن الحزب قد أسبغ على مرشحه لقبين من ألقاب الله والنبي محمد ... كانت الجدران مزدحمة بهذه الصورة دون أن نجد الأيدي التي تمزقها احتجاجا على هذا التطاول والنرجسية المفرطة .. ولا أدري ما الألقاب الأخرى التي سيسبغها عليه لو أنه فاز في الإنتخابات .. قبل أيام قليلة، قرأت أن بعض المواطنين رفعوا صورة المالكي معلنين عن تأييدهم لسياسته ( وأنا أشك أن يكون المواطن العادي يمتلك صورة للسيد المالكي ـ ولسبب جوهري، هو أن المواطن العادي، منشغل بتدبير مصاريف قوت عائلته اليومي، ولا أظنه سيفرط بحفنة دنانير لشراء صورة يرفعها في تظاهرة ... فالصور لابد وأن يكون الحزب قد وزّعها مسبقا على بعض أعضائه " لغاية في نفس يعقوب "!!) مرّ على وجودي في أستراليا أكثر من عشر سنوات ... دخلت الكثير من مؤسسات الدولة، بدءا ً من مؤسسة الضمان الإجتماعي، مرورا باتحاد الأدباء وبمجلس البرلمان وانتهاء ً بمكتب رئيس وزراء الولاية ـ فلم أشاهد صورة معلقة على جدار ٍ لرئيس الحكومة ... لأن الجدار باق ٍ وأما رئيس الحكومة فسيرحل عن كرسيه ذات يوم ولأن المنصب تكليف وليس تشريفا، مع أن روساء الحكومات الاسترالية، يتسابقون في تقديم المزيد من الخدمات لمواطنيهم، وأما نزاهتهم فيكفي أن أنقل للقاريء أنّ رئيس الحكومة الفيدرالية تعرض للإستجواب والتحقيق من قبل البرلمان لأن خبرا ً نشرته إحدى الصحف جاء فيه أن زوجة رئيس الحكومة سافرت في رحلة خاصة ولم تدفع ثمن تذكرة السفر من جيبها الخاص، إنما دفعه مكتب زوجها رئيس الحكومة الفيدرالية !!!!! لقد دخل " نعال أبو تحسين " التأريخ حين هوى به صاحبه على رأس تمثال صدام حسين ... ولذا أقترح إنشاء جمعية بإسم " جمعية نعال أبو تحسين " تأخذ على عاتقها مهمة الضرب بالنعال على رأس كلّ مَنْ يرفع صورة هذا المسؤول الحزبي أو ذاك القائد المؤقت، كي لا نسهم في صنع طواغيتنا وفي تضخيم نرجسيتهم ... فما كنا سنصبح " فرجة للعالم " لولا طواغيتنا الذين أسهمنا نحن بصنعهم، ليتحولوا من غزلان وديعة بدء جلوسهم على كرسي السلطة، إلى ذئاب و " رنكو لا يتفاهم " كما كان حال المقبور صدام حسين الذي كان شعاره " إذا قال صدام قال العراق " فيتخذ القرار وينفذه بمعزل عن إرادة الشعب . كانت جدران الدوائر الرسمية وواجهات المحال التجارية وأعمدة الشوارع متسخة بصور صدام حسين ... أما اليوم، فصور الطواغيت الصغار تزدحم بها الجدران والساحات العامة، فعسى أن تـُزال لتـُعَـلـّق مكانها لوحات فنانينا العظام أمثال جواد سليم وقتيبة الشيخ نوري وكاظم حيدر وفائق حسن وفيصل لعيبي وضياء العزاوي والجادر، أو القادة التأريخيين كعبد الكريم قاسم أو شعلان ابو الجون وشهدائنا الأبرار الذين أرخصوا حياتهم من أجل الشعب العراقي كجمال الحيدري ومحمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر وفهد وسلام عادل ـ أو النصب التي تذكـّر بوحشية المحتل ( لا أقصد جرائم المحتل في أبو غريب أو جريمته البشعة بحق الطفلة عبير قاسم حمزة وغيرها المئات التي لا تقلّ بشاعة وهمجية وحشية، إنما أقصد جريمة العم علوان الفيترجي الذي هدم صاروخ أمريكي بيته في مدينة الثورة، فاحتلَّ زاوية ً من زوايا مكبّ نفايات حي الأمين ببغداد ليمضي فيها ليلتين بصحبة زوجه وطفلين مذعورين ) ليكن شعار عراقنا الجديد : " إذا قال الشعب، يقول القائد " ... الشـعـب هو الشجرة، وأما القائد فظل لها ... وليس العكس .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |