|
فوزي الاتروشي/ وكيل وزارة الثقافة في العراق ايها الوطن المستقر في الشرايين والمخبَّأ في ابعد زاوية من القلب استحضرك الى الذاكرة وانا طفل احمل الكتب وكتاب الاناشيد الوطنية التي كنا نرددها صباح كل يوم . كنا بك نستهلُّ الدرس وبك نختتم نهارات التحصيل العلمي . كنت فينا نداء حب يتداعى الى كل ذرات اجسادنا . فاذا فتحنا دواوين الشعر نجدك منتفضاً في "انشودة المطر" السيايبة التي تصرخ : العراق ابعد ما يكون والبحر اوسع ما يكون وفي "شظايا ورماد" لنازك الملائكة التي ضمَّتك الى قلبها وانتزعتك لتدفنك تحت ثيابها سواء في بغداد او القاهرة حيث مثواها الاخير . اما الجواهري اطول القامات الشعرية فكنت حزنه الابدي وفرحه الابدي سواء في "بريد العودة" او في قصيدة (مرحباً ايها الارق ... فرشت انساً لك الحدق) او القصيدة الباسقة كما نخيل العراق والتي كتبها في 11/3/1970 تثميناً باتفاقية السلام بين العرب والكورد شركاء الوطن الواحد والتي يقول فيها : يعيا الجحيم بأن يسعَّر أمة ً فاذا هي اختلفت فعود ثقاب كان الجواهري اكبر عاشقيك على الاطلاق وحملك معه الى مقاهي (براغ) و(دمشق) ولذلك رحل وهو يردد لثورة الفكر تاريخ يحدثنا .. بأن الف مسيح دونه صلبا وكـانت قصيدة الرثـاء التي كتبها حول الشاعر الكوردي (فائق بيكه س) قائلاً (انت الجميع وانت الاحد) ايذاناً اخر بأن العراق تسمية لوطن يحوي الجميع ولا يفرَّط بأحد , واذا فرَّط لا سمح الله فلن يعود عراقاً كما عهدنا به . وكرَّت السبحة وبقيت ايها العراق الحزين والجريح على مدار الزمن مخزوناً في ذاكرة الشعراء , وكان عبد الوهاب البياتي صادقاً في "السيرة الذاتية لسارق النار"والتي فيها ارادك حراً قوياً متمرداً على الظلم رافضاً ان تصبح سيفاً من خشب وقصراً من ورق وسجناً للحرية . اما (بلند الحيدري) صاحب ديوان "خفقة الطين" الذي واريناه الثرى في لندن فاشهد انك ايها الوطن كنت على مدار اليوم حديثه الشهي وحلمه الذي يملأ عينيه وقلبه وعقله , وكنت حين التقيه يلهج بأسمك ويتورد رغبة بأمل لقياك وكم اغريته بالدخول الى حضنك عبر بوابة كوردستان المحررة ولكنها الاقدار اختطفته قبل انجاز الحلم . ايها العراق الجميل انك اجمل وانقى لأنك مخبوء بذاكرة الشعراء ففي "الريل وحمد" نراك عاشقة على ضفاف الهور وفي غربات "قطار الليل" وفي سنابل القمح الفاعزة الافواه نحو السماء , انك الحاضر الدائم في قلوب شعرائك الذين منحوك نزيف القلب والقلم ورحلوا دون ان يهنأوا على ارضك ولو بقبر . لم يكن عشاقك في السهل والهور فحسب , بل وعلى جبال كوردستان كنت حاضراً في حاضنات الشعر الدافئة للشاعر الكوردي المبدع (كوران) وهو يردد : اخي العربي الاسود العينين ... كان مراً حظك وكان مراً حظي او في قصائد (فائق بيكه س) المنفي في الناصرية , او في اشعار (كامران مكري) الذي تغنى بك وببطولة "جميلة بوحيرو" رائدة شهداء الجزائر . وما زالت القصائد فيك تتوالى فالشعر يراك دوماً ايها العراق جميلاً رغم قبح الارهاب , ورغم شوائب وضباب الخطاب الاصولي الغائب عن الحياة , وواعداً بالامل والبشائر رغم زارعي اليأس في طريقك , وعاشقاً رغم كل قتلة الحب المنتشرين في شوارعك . نحن على موعد نراك مشرقاً باسماً ناضحاً بالحياة في المستقبل , فكل ليل الى انتهاء وكل فجر لابد ان ينبلج والشمس اكبر من ان يعتمها الغربال . لأنك ايها العراق العزيز مخزون في ذاكرة (الجواهري) و(السيـاب) و(الملائكة) و(كوران) و(فائق بيكه س) و(عبد الوهاب البياتي) و(بلند الحيدري) و(لميعة عباس عماره) و(سركون بولص) ومئات العناوين الشعرية النابضة ببراعم الحياة والنور لذلك فأنك ستحيا الى الابد .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |