تماما لما نشرناه سابقا عن عملية الهروب من سجن الحلة وعملية حفر النفق رأينا أثبات شهادة الفقيد حسين سلطان عضو اللجنة المركزية سابقا والذي كان مشرفا على العملية كما جاء في مذكراته،وسننشر في حلقات قادمة شهادة الأستاذ علي عرمش شوكت عن العملية ،واللقاء الذي أجراه الأستاذ صباح كنجي مع أحد العاملين في حفر النفق وما يردنا أو يتوفر لدينا من معلومات جديدة على ضوء الشهادات التي أوردها المشاركين في عملية الهروب،وسنقوم بعدها بدراسة هذه الأقوال وطرحها على بساط البحث للوصول الى الحقيقة وآمل ممن تتوفر لديه أي معلومات جديدة الإدلاء بها خدمة للحقيقة والتاريخ،وربما سنقوم بجمع هذه المقالات والمعلومات في كتاب يتحدث عن هذه العملية المثيرة في تاريخ السجون العراقية،وتمثل صفحة لامعة من صفحات النضال للشيوعيين العراقيين،الذين قدموا الكثير في نضالهم التليد لبناء وطن حر وشعب سعيد،وعسى أن تكون هذه الصفحة تتمة للسفر اللامع لكل من ناضل من أجل وطنه وشعبه لا طمعا بمنصب أو جاه وإنما أيمان بسلامة الأهداف والمبادئ التي ناضل ولا يزال يناضل من أجلها الشيوعيين العراقيين،بعد أن ظهر أنهم أصدق العاملين في الساحة العراقية،وأكثرهم بعدا عن المطامع ،بما سطروا من آيات البسالة والتضحية والفداء والنزاهة التي أصبحت مثلا أعلا لكل العاملين في الحقل السياسي ،ولم يجحدها حتى الأعداء الموتورين.

يقول الراحل حسين سلطان في مذكراته:

(نقلت الى سجن الحلة في بداية أو أواسط نيسان عام 1967 وقبل مغادرتي سجن نقرة السلمان بأيام كنا في قاعة مجموعة من الرفاق نتحدث في مواضيع شتى ومنها الهروب وقال أحد الرفاق : ) إننا سعينا في سجن الـحـلة قبل نقلنا الى حفر نفق من غرفة الصيدلية وهي تقع بين ممـرين ( قاووشين ) كبيرين في القلعة الجديدة وحفرنا بالعمق ما يقارب الـمـتر إلا إننا اضطررنا في ظروف معينه الى غلقه ( بصبة من السمنت )) وأردف قائلاً موجهاً كلامه لي : ( سوف تلاحظها إذا وصلت سجن الحلة الـغـرفـة كلها كاشي أرضيتها وستجد مساحة من السمنت تلك هي الحفرة ) . هكذا قال أحد الرفاق في حديث عرضي ، إلا إني كنت منتبهاً إليه بكل جوارحي وكانت عندي فكره سابقة إن سجن الحلة فيه إمكانية جيدة للهروب حيث تحيط سور السجن بيوت أهليه لا تبعد عن غرف السجن إلا بضعة أمتار ومثل هذه الإمكانية مغرية لمن يفكر بحفر نفق للهروب . وعند وصوليٍٍٍٍٍٍ الى سجن الحلة طلب الرفاق أعضاء لجنة السجن أن أخفي وجهي عن السجانين أثناء التعداد ، أنام وأغطي وجهي ولا أذهب الى الدائرة ولا أقترب من السجانة إذا كانوا داخل السجن ، كل ذلـك مـن أجـل أن لا يـتـعـرفوا على ملامح وجهي بصوره جيدة لوجـود إمكانية لهروب رفيق واحد مع المواجهين ، وعملت بهذه الوصية . ويوم وصولي الى سجن الحلة كتبت رسالة الى قيادة الحزب ، طلبت فيها أن يأتيني شخص ثقة لأن لدي مشروع ( . . . ) وهذا المشروع يتطلب مساعدتكم . وقلت من الأفضل أن يكلف للإشراف على هذا المشروع آرا خاجادور حيث كنت فاهما عنه انه يميل لمثل هذه الأعمال ولكن أحيانا يكون الفرق كبيرا بين الأقوال والأفعال . وبعد أسبوعين كتبت رسالة ثانية ، تأكيدا على الأولى ، وانتظرت الى أواسط أيار 1967 ولم يأت أي جواب ولذا قررت أن نأخذ القضية على عاتـقـنـا ونعتمد على أنفسنا . وأنا أفكر من أفاتح من الرفاق بهذا المشروع الخطير حيث إني لم أعرف أحداً من أعضاء اللجنة معرفة سابقة. ومعرفة شهر أو شهر ونصف لا تكفي. وقبل أن أفاتح أحداً من رفـاق اللجنة بالموضوع ، وصلنا حافظ رسن منقولاً من سجن نقرة السلمان وكانت لي معرفة جيدة بحافظ عندما كان في الخارج وحين وصوله انضم الى لجنة السجن بحكم مكانته الحزبية . وكان قوام لجنة السجن في ذلك الوقت ، الرفاق التالية أسمائهم :

1) المحامي الرفيق نصيف جاسم الحجاج ، كان مسئول اللجنة قبل وصولي .

2) الرفيق كمال شاكر

3) الرفيق محمد ملا عبد الكريم

وهؤلاء الثلاثة كانوا على وشك انتهاء محكومياتهم .

4) حسين ياسين

5) رفيق لا أعرف اسمه كنا نلقبه ( أبو الدناديش ) لكثرة صلاته الفردية .

6) الرفيق حافظ رسن

7) كاتب هذه السطور

وتم اختيار الرفيق حافظ رسن لتلك المهمة استناداً الى المعرفة السابقة وقبل أن أدخل في صلب الموضوع ، لابد من الإشارة الى الخطة التي كانت تراودني والتي راسلت الحزب من أجلها وهذا ملخصها :إيجار بـيـت مـن البيوت الملاصقة لسور السجن . وبعد ضبط المقاييس يبدأ حفر النفق من ذلك البيت باتجاه أحدى غرف السجن وعند إكمال العمل تقام حفلة عرس وهمية في ذلك البيت مساء اليوم المقرر للهروب وآخر سيارة تنقل أصحاب البيت وكل من له علاقة بالأمر . وبذلك نجعل جميع إدارة السجن وأفراده تتحول من سجانين الى سجناء يندبون حظهم العاثر . ولكن هذه ألخطه لم يكتب لها شيء من التطبيق أو النجاح وذلك بسبب ـ على ما أظن ـ إن قيادة الحزب كانت مشغولة بجماعة عزيز الحاج واشتداد الصراع بين مؤيد ومعارض وجميع الأمور الأخرى كانت تعتبر ثانوية . وهناك من اعتاد أن يكون بعيداً عن ساحة المعركة الفكرية ـ بعيداً عن الوطن ـ ينتظر النتائج وله الحـاصل وهذا ما تكرر في أكثر من مرة. وفي أواسط أيار 1967بدأت بالعمل بالاعتماد على النفوذ والإمكانات المتوفرة بعد التأكد من وضع الصيدلية كما ذكر الرفيق في حديثه في سجن نقرة السلمان . اختليت بالرفيق حافظ رسن ، وفاتحته بالأمر عن إمكانية فتح نفق لتحرير أنفسنا ، وأعطيته تصوري عن تلك الإمكانيات المتوفرة فأيدني بحماس وقوة وبقينا عدة أيام نتدارس الموضوع من كل جوانبه نظرياً وعملياً وأخيراً بدأنا بدراسة التفاصيل من حيث تحديد المكان وضبط المقاييس وتشخيص العاملين والأدوات التي تستخدم وعن الضبط وسرية العمل وتطرقنا بصورة عابرة الى تصريف التراب المستخرج من النفق . وبالتالي حددنا مكانا جديدا لنقل الصيدلية إليه وإفراغ مكانها القديم لنبدأ العمل به وبررنا ذلك أمام اللجنة إن لنا شغله خاصة بتلك الغرفة ، لإخفاء بعض الوثائق الخاصة ولإعطاء القارئ فكره عن تلك الغرفة ، حيث كانت في يوم ما هذه الغرفة غرفة عمليات جراحية عندما كان هذا القسم مستشفى تابع للسجن وتلاصق هذه الغرفة قاعتين كبيرتين أحدهما تمتد نحو الجنوب والثانية نحو الشمال ، وكل من القاعتين لها باب تؤدي الى هذه الغرفة ولكن بعد أن تحولت المستشفى الى قلعة سجنيه أغلقت تلك الأبواب المؤدية الى غرفة العمليات وأقفلت بمسامير حديدية كبيرة بحيث يصعب فتحها إلا بجهود كبيرة . ويمتد غرب هذه الغرفة ممر عريض على كل جانب منه ثلاثة أو أربعة غرف وينتهي في وسط ساحة القلعة ويقع شرق هذه الغرفة سور السجن الأول ويليه السور الثاني وبعده يأتي كراج كبير لسيارات الحمل . ومساحة تلك الغرفة لا تزيد على ( 20 ) متراً مربعاً وكانت الاجتماعات واللقاءات بيني وبين حافظ رسن تكاد أن تكون متواصلة حتى جلبت انتباه البعض وخاصة من أعضاء اللجنة وكنت أشير أحيانا أمام أعضاء اللجنة من إن علاقتي بحافظ رسن قديمة وجرت خلالها أحداث كثيرة والغاية تغطية تلك اللقآت الكثيرة . وعندما احتجنا صرفيات لشراء بعض اللوازم وكان مسئول المـالية الرفيق نصيف جاسم الحجاج لا يصرف أي مبلغ إلا بعد إبلاغه بصرفه مع تبيان وجه الصرف ولما كان وجه الصرف لا يمكن كشفه ، أبلـغت الرفيق نصيف أن يصرف أي مبلغ يطلبه حافظ رسن ، وذلك لأغراض كلفنا بها الحزب ولها علاقة بمنظمة الحلة . على أن يخبرني أولاً بأول عن المبلغ المدفوع وعندما يقدم المالية الشهرية أمام اللجنة يشير الى المبلغ المصروف بأنه دفع الى الحزب . واخترنا للعمل في النفق رفيقين الى جانب حافظ رسن وهما : الرفيق مجيد الملقب (جدو ) وهو من كادحي الكاظمية ـ لا أعرف اسم أبيه ـ إلا انه عمل في مقر اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي العراقي أثناء الجبهة وعمل في مقر منظمة بغداد أيضاً وأخيرا عمل في مطبعة الرواد . والثاني على الأكثر اسمه فاضل وهو ضابط عسكري متوسط القامة ، أبيض اللون تعلو وجهه البشاشة دائما إن هؤلاء الثلاثة كانوا أبطالاً حقيقيين من حيث الجهادية ونكران الـذات ، كانوا يعملون ليل نهار بلا كلل ولا ملل يتقدون حماساً من أجل إنجاز المهمة المكلفين بها بكل شرف وأمانة .

بدأنا العمل الفعلي بالنفق في نهاية أيار أو بداية حزيران من عام 1967 وبينما كنا في غمرة هذا العمل والتحضير له ، كانت هناك أحداث تشغل كل المنطقة والعالم أيضا بالتوتر الذي نتج عن الأعمال الاستفزازية الإسرائيلية وعن موقف مصر بقيادة جمال عبد الناصر بوجه تلك الاستفزازات وخلال أيام من تصاعد الأحداث نشأت فكرة تـحـريـر أنـفـسنـا من السجن بطريقة أخرى إذا وقعت الحرب بين العرب وإسرائيل ، إلا إن تلك الفكرة وطريقة تحقيقها لا يمكن أن تنجز ببضعة أفراد بل هي تحتاج الى مجهود كل السجناء الشيوعيين وخاصة الكوادر منهم . والفكرة التي نضجت لدينا هي الاستيلاء على إدارة السجن وقواته الحارسة والإمكانات كانت متوفرة تماما لمثل هذا العمل . ولأن جميع أعمال السجن الإدارية كانت بيد رفاقنا ، مثلا استلام القادمين الى السجن وتسليم الخارجين منه واستلام الأرزاق والمحاسبة مع المقاول واستلام النداءات الداخلية والمخابرات الخارجية ، والى جانب كل هذا كان معنا عدد كبير من ضباط الجيش العراقي سجناء ومن بينهم ضابط كبير هو الزعيم إبراهيم الجبوري ( الملقب بـ الخال ) وهؤلاء في أغلب الأوقات يتواجدون مع المدير أو مع مأمور السجن ويجري تعداد السجن مرتين في اليوم الأول في الساعة التاسعة صباحا والثاني في الساعة الرابعة بعد الظهر، ويدخلون الى داخل السجن كل ضباط الصف مـن رئيس العرفاء الى اصغر رتبة ولم يبق في إدارة السجن إلا نفر أو نفران فقط . وكان ملخص ألخطه هو : القيام بعملية الاستيلاء على إدارة السجن خلال عملية التعداد ، وقسمت الخطة الى قسمين الأول منها يبدأ بعملية الاستيلاء على القوة الداخلة للتعداد وعندما تدخل الى أبعد قاعة عن الإدارة حتى لا يسمع صوت أو حركة وهم لا يزيد عددهم على عشرين شخصا وبالإمكان أن نجهز لهم ( 80 ) مناضلا في القاعة الكبيرة ويدعمون بعدد آخر عند الحاجة . وخلال تلك اللحظة يبدأ القسم الثاني من الخطة حيث يقوم الرفاق الضباط ومن معهم من الرفاق العاملين في الإدارة بالاستيلاء على المدير والمأمور إذا كانوا في الإدارة ومن معهم من النفرات وإلحاقهم بالمحجوزين في القاعة الكبيرة وحينذاك نستولي على مشجب السلاح ويرتدي بعض الرفاق الملابس العسكرية لاصطياد بعض السجانة الذين هم خارج السجن وإلحاقهم بجماعتهم . وأفضل وقت للحركة هو في تعداد الساعة الرابعة بعد الظهر ويمكن إذا نجحت الحركة تسريب عدد من الرفاق في تلك العصرية أما إذا كلكل الظلام يمكن في كل ساعة إخراج ( 100 ) شخص وكان مجموعنا لا يزيد على ثلاثمائة مناضل ، عدا السجناء العاديين وهم محجوزين في قلعة على انفراد ، هذه هي أوليات الخطة . إلا إني أقول وقعت الحرب علينا أن نفكر بتحرير أنفسنا عن طريق الاستيلاء على إدارة السجن وكانت الآراء غير منسـجمـة حول الفكرة لأسباب توضحت فيما بعد ، علما إن جميع أعضاء اللجنة لا يعرفون بموضوع النفق عدا حافظ رسن . وكما ذكرت سابقا إن مثل هذا العمل لا يمكن الإقدام عليه بعدد قليل من الرجال وكان التقدير الأولي هو انه نحتاج كحد أدنى الى مائة مناضل يتحلون بضبط عسكري وموحدين في الإرادة والعمل . وكان بيننا ما يزيد على ( 50 ) ضابطاً وضابط صف . وكنت أفكر بالقيام بمشاورات فردية مع الكوادر لغرض إنضاج الفكرة إلا إن الوقت أدركنا حيث طلب جمال عبد الناصر من الأمم المتحدة ، أن تسحب قواتها الفاصلة بين مصر وإسرائيل وفي ذلك اليوم وجهت دعوه الى كافة الكوادر الحزبية الموجودة في السجن وكان عددهم لا يزيد على عشرين رفيقاً بما فيهم أعضاء اللجنة الى اجتماع خاص . وكانت النية أن أطرح عليهم الفـكرة ، ولأن مثل هذا العمل من أول مستلزماته أن يوافق عليه الكادر الموجود وعند المساء تم عقد الاجتماع ، وافتتحت الجلسة بكلمة استغرقت ما يقارب من عشرين دقيقة بدء بموضوع الضغوط الامبريالية على مصر بهدف تغيير سياستها أو الإطاحة بجمال عبد الناصر والأداة الفعالة بالضغط هي إسرائيل وختمت الحديث إن الحرب على ما يبدو آتية . فهل هناك من إمكانية لتحرير أنفسنا من السجن ، وقلت يجب أن نبحث هذا الموضوع من كل جوانبه ، وقد تعقد عدة اجتماعات لهذا الغرض من أجل أن نتوصل الى أفضل المقترحات هذا ما رغبت عرضه أيها الرفاق وبعد لحظات من الصمت طلب الكلام مظفر النواب وموجها كلامه نحوي بصيغة سؤال ، قائلاً : هل تعتقـد يا أبا علي أن هناك حرباً ستقع وأردف قائلاً : أن العميل الأمريكي جمال عبد الناصر ، بعد أن فشلت سياسته في المحيط العربي ، وهو يعاني العزلة ولذا تحاول الامبريالية الأمريكية أن تعيد له بعضا من بريقه السابق عن طريق هذه الألاعيب ( وفي الحقيقة أن هذا معنى الحديث وليس نصه ) . وبعده طلب الكلام الفريد سمعان وكان أكثر شدة من صاحبه في العرض حيث قال : إن إسرائيل لا تجد في المنطقة أفضل من جـمـال عـبـد الناصر وسياسته وتكلم كثيرا وختم قوله ( لا حرب ولا هم) . وتكلم الكثير من الرفاق ، ولكن الحديث أصبح إطاره هل تقع الحرب أم لا وهل جمال عبد الناصر وطني أم عميل . ولم يتطرق إلا القليل الى لب الموضوع . وتبين لي من خلال تلك الجلسة إن عدداً غير قليل من الحاضرين في ذلك الاجتماع يناصرون أفكار عزيز الحاج . ويعتبرون إن أغلبية قيادة الحزب يمينية ودليلهم على تلك اليمينية لهذه الأغلبية ، حيث لها موقف من القضايا القومية ولذا يناصرون جمال عبد الناصر ويعلقون عليه الأمل . واستمرت أحاديث الرفاق بهذا الاتجاه أو باتجاه معتدل الى ساعة متأخرة من تلك الليلة وقبل انقضاء الاجتماع كان حافظ رسن جالسا الى جانبي همست بإذنه قائلا : ( نبقى بشغلتنا أفضل بكثير ) ، وتبادلنا الابتسامات . وأعلن عن انتهاء الاجتماع دون أن تطرح أية فكره عن تحرير أنفسنا . بل وتحول الحديث الى الانجرار الى السياسات القومية . وعن المواقف اليمينية بكلمات يسارية متطرفة خالية من أي محتوى في الحياة العملية . حقا إن المناضلين الذين يذهبون بعيداً بالتـطرف اليساري يجدون كل اليسار يمينهم . ويقال إن ثوار الملايو في الستينات عقدوا مؤتمراً وتوصلوا في تحليلاتهم عن سياسة الصين حيث اعتبروا في ذلك الوقت سياسة ماوتسي تونغ ، إنها سياسة يمينية ( وعلى هذا النغم جيب ليل و خذ عتابة ) .وهكذا وضع المشروع على الرف ، وبعد بضعة أيام بدأت الحرب ويوم استقالة جمال عبد الناصر ، جاء بعض الرفاق ممن كانوا حاضرين الاجتماع المشار إليه أعلاه يخبرني بأن مظفر النواب نائم على وجهه ويبكي ، قلت لهم إن مظفر يبكي على نفسه ولا يبكي على أحد . والمهم خلال الحرب نشطنا سياسياً في تلك الفترة في تقديم المذكرات والمطالبة بإطلاق سراحنا للمساهمة في معركة الشرف ، وخاصة رفاقنا الطيارين العسكريين الموجودين في السجن ، وعلى كل حال بعد أسبوعين عاد كل شيء الى وضعه الطبيعي في داخل السجن ، وبعد فترة أخذنا نواجه مشكلة تصريف التراب الذي نخرجه من النفق وأصبحت هذه المشكلة تضايقنا يوما بعد آخر ، وخلال حزيران وتموز استخدمنا عدة طرق لتصريف التراب . كنا نجمع علب الصابون الفارغة ونملؤها بالتراب ونـرمـيـها فـي بـرامـيل الزبـل ورمينا كمية قليلة من التراب في مجاري إلا إن المجاري سدت ونرمي كمية من التراب مع فضلات المطبخ ولكن كل ما كنا نصرفه من التراب يوميا وفي مختلف الوسائل لا يزيد على صفيحة من التراب ، في حين كانت طاقة العمل تستخرج ما يزيد على عشرين صفيحة من التراب يوميا . لذا كان يخزن التراب في غرفة النفق بعد أن عملوا الرفاق أكياسا كبيرة من البطانيات تملأ بالتراب ويوضع بعضها فوق بعض حتى امتلأت الغرفة من الأرض والى السقف . وفي أواسط آب 1967 على ما أتذكر توقف العمل في النفق لأن لم يبق مجال في الغرفة لأي كمية من التراب ، وأصبح حتى الوصول الى فتحة النفق فيه شيء من الصعوبة . ما العمل ونحن نشعر بوجع الرأس من خلال طيلة ثلاثة أشهر من التشاور في هذا الموضوع بين الرفاق العاملين في النفق من جهة ، وبيني وبين حافظ رسن من جهة أخرى . وجاء مقترح من العاملين في النفق ، أن نفرغ جميع الأفرشه ـ الدواشك ـ من القطن ونملؤها بالتراب . فرفضنا هذا المقترح كما رفضنا العديد من المقترحات غير العملية . أو التي تؤدي الى كـشـف العمل برمته . وبقينا مشدودين الى تلك المعضلة نفتش عن حل حتى وان كان جزئيا وبطيئا فلم نجد حلا لمشكلة التراب المعقدة والتي نعاني منها أشد الآلام حيث لم ينجز من النفق الا ما يزيد على ثمانية أمتار وأمامنا ما يزيد على خمسة أمتار أخرى يجب انجازها ولكن أين نذهب بترابها . وبقينا ما يقارب من نصف شهر في حالة لا نحسد عليها وشعرت ان حالتي الصحية ازدادت سوءا بسبب ذلك التوتر العصبي والغذاء الرئيسي كان الشاي والسجائر فقط وقطعت التدخين استعدادا لمقتضيات الهروب . وفي أحد الأيام ـ وعلى ما أظن في مطلـع أيلول ـ جاءني حافظ رسن ، وهو يبتسم من بعيد ابتسامة ألفرح وعندما جلس بقربي قلت له : بشّر . قال: والله عثرنا عليها وأخذ يشرح لي المقترح . ومن أجل إيضاح المقترح للقارئ . أشرنا أعلاه : يوجد أمام باب غرفة النفق غرباً ممر عريض وعلى كل جانب منه ثلاثة أو أربعة غرف وفي الجانب الجنوبي من تلك الغرف وعلى جدارها الخلفي عندنا ما يشبه الغرف مبنية هياكلها من أنابيب الماء والبطانيات . واحدة منها معدة للحلاقة والثانية لكوي الملابس ، والثالثة مـخزن والرابعة مقهى .

وكان المقترح : أن نقوم هياكل هذه الغرف بأخشاب متينة للقوائم والسقف ونقدم طلباً للإدارة من إننا نريد أن نلبخ تلك الغرف بالطين حيث قادم علينا الشتاء ونطلب سيارة من التراب وكمية من التبن لهذا الغرض . وعندما نكمل الهياكل الخشبية ونستر الغرف من كل جوانبها ونخلي أحدى الغرف القريبة من غرفة النفق من سكانها ، حينذاك نبدأ بنقل التراب من غرفة النفق عبر الغرفة المجاورة ومن الشباك نرمي التراب الى أحدى الغرف المراد لبخها بالطين . إن هذا المقترح أنقذ الموقف وأخرجنا من حالة الى أخرى مفرحة ويؤسفني لم أتذكر من هو صاحب المقترح من الرفاق الثلاثة . أهو الرفيق فاضل . أم هو الرفيق جدو وقد يكون حافظ رسن هو صاحب الاقتراح . ولا بد أن يكون الجميع ساهموا بجعل المقترح أكثر كمالاً . وذات يوم قدمنا طلبا الى مقاول الأرزاق عبر الإدارة عن كمية الخشب التي نحتاجها لقيام هياكل الغرف وأجلنا بقية خشب السقف الى وقت آخر ولأن مجموع الكمية تلفت النظر وبعد أسبوع قدمنـا طلباً لخشب السقـف ولعدد من لوحات البلـيـت ( الجينكو) المضلع للسقف أيضا . وطلبنا سيارة كبيرة من التراب وكمية من التبن وأوضحنا الغرض منها . وبسرعة فائقة أكمل هيكل الغرف وانتقل العمل الى السقف . وأدخلنا جميع التبن وعربتين من التراب فقط وترك البقية من التراب في الشارع يلعب عليه الأطفال وعند إكمال السقف وغلق أبواب الغرف الجديدة ومنافذها بدأ نقل التراب ، بعد منتصف الليل من غرفة النفق والى الغرفة الثانية وعـبر الشباك والرفاق الثلاث هم الذين أنجزوا هذا العمل الشاق . وخلال بضعة أيام وقبل وقوع انشقاق ( رمزي ـ وليد )* انتهى كل شيء وتخلصنا مـن كل التراب وعاد العمل في النفق من جديد .

قضايا مقلقة

في أحد الأيام كنت جالسا في قاعة كبيرة وكان عدد الحضور يزيد على أربعين مناضلاً وإذا بأحد الشباب يناديني بصوت مرتفع يقول: يا أبا علي قطعت الدخان وأراك تتجول كثيراً في سور السجن، ألا تخبرني ماذا وراء هذا الموضوع. وأردف قائلاً : أخاف تريد تهرب . قلـت له : أنت شاب وتفكر هكذا وأنا شايب أفكر بالرحيل قريبا الى جوار ربي فضحك البعض على هذا الحوار ولكن بالنسبة لي وكما يقول المثل ( إلي بعبة عنز يمعمع ) وبقيت أفكر بدافع هذا الشاب الى مثل هذا السؤال وقد تكون هناك رائحة تظهر من النفق . وبعد ساعة التقيت بحافظ رسن وأخبرته بسؤال ذلك الشاب ، الذي هو وأخوه الكبير يلقبون بـ ـ أبناء ثالثة ـ والأخوين من أبناء الموصل ، وقال حافظ رسن : حقاً إن السؤال مقلق ولكن لا يستبعد انه رمى حجارته بالظلام . وأخيرا طلبت منه أن يستطلع الأمر من خلال معارف الأخوين . وعلى الهيئات الحزبية أن تخبر اللجنة الحزبية بما يجري من الأحاديث الخطرة في القاعات تلك التي توجهها الإدارة وعملاؤها من شائعات وبعد هذا الحدث بأسبوع وصلنا خبر من إن الدوائر الصحية في محافظة بابل تريد أن تـفـتـش صيدليتنا . وسألنا رفاقنا القـدماء : هل جرى سابقاً مثل هذا الـتـفـتـيـش

وكان الجواب: لأول مره يقدم مثل هذا الطلب. صار عندنا بعض الشكوك من إن إخبارية وصلت إليهم عما يجري في الصيدلية أو في مكان الصيدلية وحاولوا أن يكتشفوا ألموضوع عن طريق التفتيش.

وبعد أيام جاءت هيئة التفتيش واستقبلوها الرفاق المعنيين بالصحة في داخل السجن وأدخلوهم الصيدلية وبعد عشرة دقائق عادوا من حيث أتوا

أحداث متفرقة

في نهاية آب حصلت مشكله بين الزعيم إبراهيم الجبوري ـ الخال ـ وبـيـن أحـد السجناء السياسيين . رغم ان التنظيم تدخل لصالح الخـال ألا إن الخال تـعـنت وأصـر وذهـب الى مـدير الـسجن وطلب منه مكاناً آخر بحيث ينعزل عنا . وفعلاً خصص لهم مدير السجن جناح بجانب الدائرة . وهذا الجناح لا يفصله عن الشارع العام إلا جدار لا يتجاوز سمكه أكثر من ( 9 ) إنجات وانتقل مع الخال عدد من الضباط تضامناً معه . وبعد انتقال الزعيم الخال وعدد من الضباط ، ساورني شك من إن انتقال الزعيم بهذه الصورة وبهذا الإصرار قد يكون عنده نية الهروب . وهذا يعني ضياع كل مجهودنا ولذا كلفت أحد رفاقنا الضباط سراً أن يخلق مشاجرة مع أحد الرفاق وعلى أثرها يزعل وينتقل مع الخال لاكتشاف ما يجري هناك ، وبعد أسبوعين تبين إن الأمر لا يتجاوز حدود الراحة من حيث وسائل التسلية وانتهى الأمر وتصالح الرفيق وعاد الى مكانه .ولما كان وضعي الصحي رديء كنت بين فترة وأخرى أدخل المستشفى وهو داخل السجن وفي أحد الأيام زارني في المستشفى أحد الرفاق وهو كبير السن وكان يعمل معلماً أو مدرساً من أبناء الموصل جلس بقربي على السرير وأخذ يستفسر عن وضعي الصحي ـ مع العلم لم تكن لي به معرفة سابقة ـ وبعد دقائق من الاستفسارات والمجاملة مد يده الى جيبه واخـرج مـنـه حـزمـة مـن الـنقود ذات فئة خمسة دنانير ومد يده لي وقـال : يـا أبـا علـي أرجـو أن تـسـتـلـم مـنـي هـذا المبلغ وسكت . قلت له : تبرع الى الحزب . قال : احسبه كما تشاء ، إن جوابه جعلني في ريبة من الأمر قلت له : أفصح ماذا تريد ، انطلق يحدثني بعاطفة إنسانية كونه محكوم عشرين عاماً وعنده عائلة وأطفال ويعاني أزمـة نفسية ، ...الخ . قلت له ارجع النقود الى مكانها وحدثني بالملموس ماذا تريد مني وأرجوا أن تحدد بالاسم نوع المساعدة . وأخذ فترة تأمل مشوبة بالارتباك وفعلا أعاد النقود الى جيبه وهو يهمس بكلمات شعبية مع نفسه عرفت منها الجملة الأخيرة بهذا المعنى ( إذا لم نتساعد فيما بيننا من الذي يحررنا من السجن ) إن هذه الجملة الأخيرة والتي فهمتها منه جعلتني أتشكك من إن أخبار النفق تسربت الى بعض السجناء وقد يلتقطه عملاء الإدارة والنتيجة تكون إحباط كل مساعينا بالإضافة الى تشتيتنا وتعرضنا الى العقوبات قبل أن نعمل أي شيء وحاولت أن أسـتـدرج الرجـل : ( الله وأيدك ) إذا كان عندك مقترح أو مشروع أو أي شيء آخر دعنا نتناقش به وقد نتوصل الى أفضل الحلول . أنا وإياك وكل سجين سياسي يفكر بتحرير نفسه ولكن وفق الإمكانات المتوفرة هذا من جهة ومن جهة أخرى إن رأي الحزب هو فوق كل شيء . وانبسطت معه وكأننا أصدقاء منذ الطفولة وطلبت (إستكانين ) من الشاي وحاولت أن أضفي على الجلسة شيئاً من المرح ، لكي ينطلق صـاحـبـي ويـذكـر مـا هـو خـفـي أو ما يجول في خاطره . أشرت له مازحاً: أتعتقد إن مفاتيح أبواب السجن عندي وأنا باخل على نفسي وعلى رفاقي . قال : كلا وأنا أعرف ذلك جيداً . قلت له إذن تكلم لي الحقيقة حتى نستطيع أن نتوصل الى حل ممكن التحقيق والأمر يحتاج الى الصراحة . قال : كل ما تكلمت به صحيحا وأنا واثق من أخلاصكم ولكن أعتقد توجد هناك بعض الإمكانيات يجب علينا أن نستغلها مثلا بين فترة وأخرى يمكن أن نعبر رفيق أو رفيقين خلال المواجهة هذا أولاً وثانيا مثلا حمام المستشفى هو خارج سور السجن ويقع على الشارع العام يمكن أن نعمل به فتحة ونعبر عددا من الرفاق ولما كانت مثل هذه الأعمال لا يمكن القيام بها إلا بتخطيط وإشراف لمنظمة السجن لهذا الغرض عرضت الأمر عليكم ، أرجوا أن يكون أحد المقترحين موضع رضاكم ورضا المنظمة وهذا كل ما عندي . إن المقترحات التي قدمها الرفيق الذي لا أعرف اسمه إلا أبو فلان وهنا يمكن أن نصطلح عليه الرفيق ـ س ـ كانت وجيهة ومنطقية وبدأ الشك يضعف من إن أخبار النفق متسربة ومع هذا يبقى احتمال ضعيف إن تلك المقترحات التي قدمها الرفيق ـ س ـ ما هي إلا تغطية ولجس النبض . وعلى كل حـال

أعطيته الجواب التالي : إن المقترحات وبصورة أوليه تبدو منطقية بحيث المقترح الأول محدد بهروب رفيق أو رفيقين . أما المقترح الثاني قد يكون أوسع عدداً ولكنه أقل ضمانة ً. وفي الحالتين لا بد من مساعدة الخارج وموافقة الحزب على تلك الخطوات ولاحظت إن وقع الجملتين الأخيرتين كانت عليه ثقيلة ، حيث كان يحاجج باتجاه إن الحزب لا يعارض الرفاق إذا حرروا أنفسهم من القيود وهذا أمر مفرح له ويناقش بمساعدات الخارج ويقول جيدة ولكن الإنسان يعتمد على نفسه إذا لم تحصل المساعدة الخارجية وخاصة إذا كان يحمل مبلغاً من المال .

وانتهى ذلك اللقاء مع الرفيق ـ س ـ بوعد من المنظمة ستدرس تلك المقترحات وإذا أقرت أحد المقترحين سترسله الى الحزب وتنتظر الجواب وانتهت القضية . هذا واستفسرت من الرفيق جاسم الحجاج باعتباره كان المسئول الحزبي في السجن عن الرفيق ـ س ـ بعد أن عرفته عليه ، وكان السؤال محدداً عن سلوكه وعن مدى ارتباطه بالحزب . فأجاب الرفيق الحجاج : ان سلوك هذا الشخص جيد جداً وارتباطه بالحزب متين ومحكوم ( 20 ) سنة وتطرق الى ما تحمل أبناء الموصل من آلام واضطهاد طيلة أكثر من ثمانية سنوات . وأعطاني الرفيق الحجاج فكرة عن أحد الرفاق من أبناء الموصل محكوم ( 20 ) سنة أيضا وهو ابن ثالثة الكبير والذي جاء ذكر أخيه الصغير أعلاه والذي ناداني عن الهروب قال : إن هذا الرفيق فاتحني أكثر من مرة عندما كنت مسئول السجن حول هروبه في إحدى المواجهات . وهذه الملاحظة الأخيرة التي عرضها الرفيق الحجاج أوضحت بصورة جلية طلب الرفيق ـ س ـ علماً إن الرفيق ـ س ـ والرفيق ابن ثالثة أصدقاء وبعد خروجي من المستشفى ببضعة أيام سمعت من خلال حديث عرضي إن الرفيق ابن ثالثة الكبير أدخل المستشفى وعند سماع الخبر قفز الى ذهني حديث الرفيق ـ س ـ ومقترحاته وحمام المستشفى وملاحظات الرفيق الحجاج عن طلبات ابن ثالثة وعند المساء التقيت مع حافظ رسن وأعطيته صورة عن الموضوع وطلبت منه أن يسأل من الرفاق العاملين مع الأطباء ـ وهم شغيلة صيدليتنا ـ عن مرض الرفيق ابن ثالثة ويجب أن يكون السؤال بصورة طبيعية ولا يثير انتباه أحد . وفي اليوم التالي جاء حافظ وأخبرني برأي الرفاق الصحيين من ان رفيقنا ابن ثالثة لـيس

مريضاً إلا إن لديه الرغبة في أن يدخل الى المستشفى ونفذنا له ذلك بواسطة الأطباء والأطباء لا يخالفون رأينا في مثل هذه القضايا . لقد حسبنا الحساب لهذا الخبر وفي ذات الجلسة اتخذنا قراراً أن نضع رفيقنا ابن ثالثة تحت المراقبة الشديدة وخاصة ليلاً وكلفنا رفيقين من نزلاء المستشفى بهذه المهمة السرية تحت حجة الخوف من أن يعمل ابن ثالثة " مكسورة " بهروبه وتضيع كل المكاسب السجنية والحزب أوقف الهروبات الآن . وبهذه الحجة حمسنا الرفاق للمراقبة الشديدة . علماً ان أبناء ثالثة الاثنين هربا معنا فيما بعد من النفق .

وكان العمل مكثفاً في النفق والعادة المتبعة ان حافظ رسن يأتيني في كل يوم صباحاً ويقدم تقريراً شفهياً مفصلاً عن النفق والعمل به ومقدار المنجز ووضع العاملين وما يعترضهم من مصاعب وكيفية حلها وهذه العادة بقيت مستمرة من البداية حتى يوم الهروب واني لم أعمل عملاً مباشراً مثل الحفر أو نقل التراب نظراً لوضعي الصحي وزرت النفق مرتين فقط . الأولى في بداية العمل وعند نهاية البئر والثانية عند أزمة التراب والزيارتين كانتا في وقت متأخر من الليل. وكان تقدير كافة العاملين في النفق بعد حل أزمة التراب أن ما يستخرج من تراب النفق حتى النهاية تستوعبه غرفة النفق ولا حاجة لأي طريقة أخرى. هذا ما كان يتعلق بالنفق والعاملين به. أما ما يتعلق بالمنظمة في داخل السجن فكانت اجتماعات اللجنة الحزبية والهيئات التابعة لها مستمرة بصورة طبيعية. ومن كل تلك الممارسات كانت واضحة العناصر والكوادر الذين يحملون فكرة عزيز الحاج ولديهم بعض الملاحظات على سياسة الحزب والضجيج عن اليمينية وكان أكثر هؤلاء حماساً مظفر النواب والفريد سمعان وعناصر أخرى أما من الناحية الفكرية وإخراجها بعد التحليل فكان جاسم المطير الأساس لها إلا انه لا يستطيع أن يكون وجهاً للجماعة لأسباب معروفة . إلا إن الصراع الفكري يشتد يوما بعد آخر ويبدو إن جماعة عزيز الحاج أوجدوا قاعدة لهم في وسط منظمة السجن أخذوا يراسلونهم سراً ومن خلف ظهر المنظمة ويعدونهم لعمل أكبر . وفي أحد أيام أيلول 1967 جاءني أحد الرفاق من جهاز إنصات وأخبرني بحدوث انشقاق في حزبنا يقوده عزيز الحاج والحزب أصدر بـيـاناً أذيـع مـن صـوت الـشـعـب الـعـراقـي ضـد الانـشـقـاق ، قـلـت

لـه : أنقلو الـبـيـان عـلى الـورق ولا تنشروا الخبر وعلى الفور دعوت اللجنة الحزبية في السجن الى الاجتماع وعلى ما أتذكر كان نصيف جاسم الحجاج وكمال شاكر ومحمد ملا عبد الكريم خرجوا هؤلاء من ألسجن قبل هذه الإحداث وحضروا بقية أعضاء اللجنة وأخبرتهم بما وقع وقررنا أن نعقد اجتماعا عاما لكل السجناء ونقرأ عليهم بيان اللجنة المركزية ونشجب الانشقاق ، وفي تلك الجلسة لاحظت إن حافظ رسـن وضع غـيـر طـبـيـعي وحتى عندما يتكلم كان يتعثر في كلامه وكلفت الرفيق حسين ياسين أن يشرف على تفريغ البيان ونشر إعلان باسم لجنة السجن في جميع القاعات يدعوا الى اجتماع عام في الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم . وبعد نصف ساعة من انتهاء الاجتماع جاء لي حسين ياسين وقال إن البيان ليس عليه توقيع فقلت له البيان صادر من اللجنة المركزية فيمكن أن تذيله باسمها. وفعلا تم الاجتماع العام وقرأ بيان الحزب وأعلن عن شجب الانشقاق وكانت النية أن نتحدث بصورة أوسع إلا إن المجتمعين دخلوا في مناقشات جماعات وإفراد مما اضطرنا الى إنهاء الاجتماع . وأمسى السجن يغلي كالبركان في تلك الليلة ولا تخلو قاعة إلا ويعلو فيها النقاش الحاد والى ساعة متأخرة من الليل. وأصبح السجن كما أمسى في الهياج وأخذ الفرز يتضح يوما بعد آخر ولاحظت حافظ رسن يتحرك لصالح الجانب المنشق ودعوت اللجنة للاجتماع لدراسة الوضع المستجد إلا ان حافظ رسن عارض عقد الاجتماع وعقد الاجتماع بدون حافظ رسن ولاحظت المجتمعين في حالة من الارتباك . وكان حسين ياسين عنده قضية مع الحزب معلقة وأخبرني بوقت سابق بجزء منها ويبدو إن حافظ رسن وهو من الجنوبية أيضا يعرف بتلك القضية وقد يكون جاسم المطير هو الآخر يعرف نقطة الضعف عند حسين ياسين أيضاً . ولان أخبار أية منطقة تنتشر من خلال المواجهين بالإضافة إن الكوادر الواحد يعرف الآخر معرفة جيدة إذا كانوا أبناء منطقه واحده ولذا جرى التأثير على حسين ياسين ، وخاصة حينما أخبر أن يكون المسئول الأول على رأس منظمتهم وأنحاز إليهم في اليوم الثالث أو الرابع من إعلان البيان . ومنذ انحياز حافظ رسن وحسين ياسين والتردد عند باقي أعضاء اللجنة . فكرت بتشكيل لجنة جديدة يكون قوامها من الرفاق التالية أسمائهم:

1) الرفيق الشهيد عبد الأمير سعيد

2 ) الرفيق جميل منير

3) الرفيق ألحمامي

4) الرفيق محمد النهر

5) الرفيق صاحب الحميري

6) كاتب هذه السطور

وأخذت اللجنة المشار إليها أعلاه تمارس مهماتها السياسية والتنظيمية في داخل السجن بعد الانشقاق ويبدو إن المنشقين أصابهم الغرور من ان كل كوادر الحزب والقاعدة معهم . والأمر الذي ساعدهم على هذا التصور ان بعض الرفاق أعطيت لهم مسؤوليات في إدارة شؤون الـسجناء قـبـل الانـشـقاق مثلا مظفر النواب ورفيق آخر لا أتذكر اسمه ـ وهو قائد نقابي ـ هو الآخر مسئول أرزاق السجن في الإدارة والتحق معهم أغلبية أبناء الموصل عدا عدد قليل بقى مع الحزب وهكذا أوحى لهم هذا الوضع ان جميع الأمور أصبحت بأيديهم وسوف يخضعون البقية الى ما يريدون ولكن الحقيقة غير ذلك . وفي اليوم الرابع أو الخامس لإعلان بيان الحزب في السجن وجهت دعوة الى جميع الكوادر الـحـزبـيـة لـعـقـد اجـتـمـاع لـهـم على أن يكون جدول العمل نقطتين فقط : الأولى منها كل واحد منا يدلي بما عنده في المجالات الفكرية والـسـياسية والتنظيمية والأحداث الجاريـة بصورة حرة . والنقطة الثانية : بعد الاستماع الى ما يقدم يقرر كل واحد منا موقفه مع الحزب أو مع الانشقاق وبصورة حرة أيضاً وأما القاعدة الحزبية وبقية السجناء وهم الأغلبية كل واحد منهم يقرر موقفه دون أكراه مع هذا الجانب أو ذاك . ان هذه الدعوة استجاب لها الجميع عدا نـفر قليل حاولوا أن يعرقلوا مثل هذه الدعوة إلا ان تلك المساعي باءت بالفشل وانعقد الاجتماع فعلاً وحضره جميع الرفاق بما فيهم أولئك الذين كانوا يسعون لعدم عقده وفتحت النقاش بكلمة مطولة تحدثت فيها عن أهمية وحدة الحزب وقلت ان الخطأ في السياسة يمكن إصلاحه بالنضـال الهادي الصبور وتكلمت عن تجربتي في انشقاق راية الشغيلة وختمت كلمتي أنا مع وحدة الحزب ومع صيانة مبادئه التنظيمية والتي بواسطتها نعدل ان كان هناك خطأ في السياسة أو الفكر وعلينا أن ندرك ان الانـشقاق لا يؤدي إلا الى خدمة أعداء الشعب والطبقة العاملة مهما كانت النوايا . وتعاقب المتكلمون مع التشديد على الشرط المسبق ، هو عدم السماح بالمقاطعة والمتكلم حر باختيار الجمل التي يعبر بها عن أفكاره وتكلم الجميع ومنهم من أطنب ومنهم من أخذ بقاعدة خير الكلام ما قل ودل . وبعد انـتـهاء الـنقاش اتفقنا على أن ينادى بالأسماء وكل من يرد اسمه

يعلن انه مع هذه الجهة أو تلك وكانت النتيجة (8) مع الحزب و (8) مع المنشقين. واثنين رفضا إعطاء أي رأي بحجة لا نستطيع تحديد موقف في هذه الساعة وكان مجموعنا ثمانية عشر رفيقاً وبعد ذلك انتهى الاجتماع في ساعة متأخرة من تلك الليلة . ومع هذا الوضوح في الفرز خاصة في الكوادر إلا ان المنشقين بقوا يدعون ان معهم الأكثرية من القاعدة الحزبية وينبغي أن يبقى كل شيء من الأعمال الإدارية بيدهم وأسمعونا بعض التهديدات . وكان رد الفعل عندنا عنيفا قلنا لهم نحن مستعدون لكل طارئ وترجوا أن لا تحملونا على الانفصال عنكم مكانياً ومعاشياً وفي كل شيء وهذا ما يفرح أعداءنا وأكدنا لهم في الحديث : لا تستطيع قوة في الكون إخضاعنا ونحن أحياء فكيف بوضعكم الهزيل . وأنتم منشقون تطمحون بذلك ، وبعد هذا اللقاء بـبـضـعة سـاعـات جـاء حـافـظ رسن وتحدث معي حديثا لطيفاً وليناً وقال : أن افترقنا الآن ولكن لا بد أن نلتقي ويجب علينا أن نبقى موحدين أمام إدارة السجن وكل أعداءنا . وحصة كل منا نصف واتفـقـنا على ذلك وشكلنا لجنة من الطرفين لبحث القضايا تفصيلياً وخلال أسبوع من الإرهاصات ليل نهار. إلا ان بعد هذا الاتفاق أخذت الأمور تهدأ تدريجيا وتعود الى وضعها الطبيعي عدا ان التنظيم الموحد صار تنظيمين منفصلين ورغم أحداث الأسبوع وما جرى فيها من تهديدات وإرهاصات إلا ان حافظ رسن بقي على عادته حول النفق يأتي كل صباح ويقدم تقريره كالسابق وكأنما لم يحدث شيء بيننا ومن سوء الصدف عند حدوث الانشقاق ذهب مع المنشقين اثنين من أصل ثلاثة من الرفاق الذين كانوا يعملون في النفق وهم حافظ رسن وفاضل ، بقى مع الحزب جدو فقط . وعند تقسيم قاعات السجن بين المجموعتين كانت القاعة الجنوبية الملاصقة للنفق للحزب والقاعة الشمالية الملاصقة لـلـنـفـق أيضاً للانشقاقيين . هذا وأكدت على حافظ رسن أن تبقى قضية ألنفق كما كانت سابقا محصورة بيننا وقرب التنفيذ يمكن أن نتفق على العدد وعلى الكيفية وكان حافظ متحمساً لهذا الرأي ولكن فيما بعد ظهرت الحقيقة ليست هكذا بل ان بعض الكوادر والعناصر الأخرى كان كسبها عن هذا الطريق ، طريق الإغراء بالتحرر من السجن في حيـن من جانبنا بقينا محافظين على سرية العمل حتى إكمال النفق وبدأت التشاور مع كل رفيق من الكوادر على حدة لاختبار استعداده إذا توفرت الفرصة للهرب .

نعود قليلا الى الوراء أي قبل الانشقاق كنت وحافظ رسن ندرس قضية توفير الحد الممكن من الضمان في كراج السيارات الذي تكون فيه فتحة النفق دون إحساس حارس الكراج أثناء العملية وتدارسنا ثلاثة حلول وفضلنا أحدهما والحلول هي :

1) أن تساعدنا منظمة الحلة بإيجاد علاقة مع حارس الكراج وإقامة حفل شراب ـ كحوليات ـ في الوقت المحدد لبدء عملية الهروب .

2) أن تساعدنا منظمة الحلة بثلاثة رفاق مجربين اثنين منهم يلبسون ملابس شرطة والثالث يكون بهيكل مفوض أمن ويأتون في الوقت المحدد لإجراء التحقيق مع حارس الكراج عن سيارة ( وهمية ) تحمل أموالاً مهربة خرجت من الكراج في الساعة كذا والسؤال عن سائقها أما الشرطة أحدهم يلزم باب الكراج والأخر باب غرفة الحارس وأثناء التحقيق تبدأ عملية الهروب .

3) بعد استشارة الجهات المختصة قالوا عندنا مخدر ـ بنج ـ يمكن أن يخدر الشخص لمدة من الوقت بزرقه أبرة .

وكنا ميالين الى الطريقة الثانية وفعلا دفعنا مبلغا من النقود لأحد الرفاق أن يشتري لنا بواسطة أخيه مسدساً مع بدلتين رسميتين من ملابس الشرطة إلا إننا لم نحصل على نتيجة بسبب وقوع الانشقاق . وفي أواخر تشرين ألأول أخبرني حافظ رسن من ان النفق أوشك على نهايته وان في المواجهة القادمة يجب أن نرتب أمورنا مع جماعتنا ونقرر سوية يوم العملية . واتفقنا على ذلك وقال : توفرت لدينا إمكانية لعمل هويات شخصية ويمكن أن تعطينا صوراً شمسية لجماعتكم حتى نضعها على الهويات . وفعلاً في اليوم الثاني أعطيته خمسة تصاوير لتلك الهويات . وكان مسموحا لزيارة السجناء مرتين في الشهر: الأولى في بداية الشهر والثانية في أواسطه . وفي نهاية تشرين الأول جاءت الرفيقة وابلة الشيخ الى السجن لزيارة أخيها عزيز الشيخ وطلبت اللقاء بي . وعند المقابلة قالت : يقولون الجماعة ـ وهي تعني الحزب ـ إننا لا نستطيع إيواء الهاربين من السجن في المدن بل توجد إمكانية لإيوائهم في الريف وسألتها عن إمكانية المساعدات الأخرى قالت : والله لم يذكروا شيئا آخر قلت لها : نحتاج الى بعض النقود وإذا أمكن مساعدات أخرى . قالت : يمكن في المواجهة القادمة أجلب إليك شيئاً من النقود وأخبرك بما يتقرر من مساعدة . وانتهى الأمر عند هذا الحد . وفي عصر ذلك اليوم ـ يوم المواجهة ـ وهو على ما أظن الأول من تشرين الثاني ، جاءني حافظ رسن وقال : ان جماعتنا طلبوا منا أن نوقت يوم الهروب في مساء يوم المواجهة القادمة فما هو رأيكم قلت لـه : ونحن هكذا وسألته عن الكراج فقال لا يشغل بالك هذا الموضوع وقدرت ان هنالك عملاً للجماعة في هذا المجال . وبقينا في كل يوم نلتقي ويتحدث حافظ رسن عن النفق وما جرى فيه من تاسيسات مثل إنارته بالكهرباء وتغليف سقف النفق بالبطانيات لئلاً يقع التراب من السقف وغير ذلك من الأحاديث الشيقة . وحتى يوم السادس من تشرين الثاني جاء حافظ رسن وفق العادة ولكنه أول ما تكلم به قال لي : إننا في عصر هذا اليوم عندنا اجتماع في هذه القاعة ـ وأشار بيده الى القاعة الشمالية وهي قاعتهم والملاصقة لغرفة النفق ـ قلت له : هذا أمر يخصكم وتحدث عن النفق وأحاديث أخرى ولكن عندما أراد أن ينهض كرر القول ـ في عصر هذا اليوم عندنا اجتماع في هذه القاعة ـ قلت لـه : هذا شأن يعود لكم إلا إني أرتبت في الأمر وذهبت الى تفسيرات عدة وقدرت ان الحالة لم تعد طبيعية وإنما لا بد أن يكون خلفها قـصد ـ ولكن في الحقيقة لم أتوصل أنهم يضمرون الغدر بنا والهروب من خلف ظهرنا ـ وكنت أقدر قد يكون لهذا علاقة بالاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى حيث كانت الاستعدادات . وبعد ذهاب حافظ رسن بساعة ونصف جاء مظفر النواب وجلس بقربي وبعد كلمات المجاملة انحنى نحوي وهمس بإذني قائلاً : الرفاق أصحاب الصور للهويات من الأفضل أن يختاروا أسماءهم التي تدون في الهويات حتى لا ينسوها عند السؤال والـجواب ، غداً أأتي لاستلامها منكم .

وفي ذات اليوم عصراً والساعة تقترب من السادسة مساءاً وأنا أتجول في جانب من ساحة السجن لاحظت بعض العناصر المنشقة تأتي مـن القلعة القديمة الى القاعة التي أشار لها حافظ رسن صباح ذلك اليوم باعتبار عندهم اجتماع فيها ولكن ما يجلب الانتباه ان القادمين الى تلك القاعة كل واحد منهم يحمل بيده كيساً من القماش أو من النايلون ومنهم من يحمل لفة ـ بقجة ـ والى هنا أخذت أقترب من هدف الجماعة وحيث كان يظهر الارتباك حتى في سيرهم وكانوا واضعين برنامجاً للدخول الى القاعة ، دقيقة بين واحد وآخر وحارس يقف على باب القاعة منهم وبقيت أراقب الحالة وجو السجن هادئ تماماً وقد دخل القاعة ما يقارب خمسة عشر شخصاً ومرت عدة دقائق ولم يأتِ أحد للدخول وخلال تلك اللحظات مر أمامي أحد الرفاق وهو شجاع وصدامي ـ مع الأسف لا أتذكر اسمه ـ إلا إني أعرفه من أبناء الموصل ، نادينه فجاء مسرعاً قلت له : اذهب الى تلك القاعة وانظر من فيها فذهب وبقيت أتبعه بنظري وعند الباب منعه الحارس من الدخول فعاد لي وقبل أن يصل نادينه وبنبرة لا تخلوا من الحدة ، أدخل عنوة ً، فعاد الى القاعة بعزيمة أشد ومسك الحارس من يده ودفع به الى ساحة السجن ودخل وعاد لي مسرعاً وقال لا يوجد أحد في القاعة . وقفت في ساحة السجن وإمامي الرفيق الموصلي وجاء الرفيق جدو تواً وساحة السجن خالية تماماً ، وقلت لنفسي : أمامي بضعة دقائق ينبغي أن أتخذ خلالها موقفاً وأتحمل مسؤوليته شخصياً وكان القرار النهائي ان أذهب إليهم بالعنف وأرغمهم على مشاركتنا بالهروب وإذا رفضوا نخوض معهم معركة والنتائج هم يتحملونها . وخلال تلك اللحظات كنت أشاهد الرفيقين الموصلي وجدو متوترين الأعصاب واقفين وقفة شبه عسكرية شاخصين بنظرهم نحوي وكأنهم يقرؤون ما في وجهي . وكان بقربنا قطعة من الحديد يكسرون بها الثلج ، قلت الى جدو هاتني بذلك ـ الهيم ـ الحديد وعندما جلبه لى قلت لهم اتبعوني وتوجهنا نحو غرفة النفق ومعلوم لدي ان باب غرفة النفق لها قفلين واحد من الخارج والثاني من الداخل فوضعت ـ الهيم ـ الحديدي في رزة القفل وقبل أن أكسره قلت لجدو أطرق الباب عليهم فسأل حسين ياسين من الطارق ، قال له أنـا

جدو ، فأجابه حسين ياسين اذهب يا جدو وبعد ساعة عد ألينا . والى هنا كسرت القفل وقلت لحسين ياسين : يكلمك أبو علي افتح البـاب وإلا كسرتها وفتح الباب وهو يشد بربطة عنقه ومن شدة الانفعال بصقت على وجهه ورفعت يدي وقلت أهكذا الغدر يا . . . وخلال دقائق معدودة صارت ساحة السجن ساحة معركة بين الطرفين وكان أحدهم ينوي طعني بسكين لكن الشهيد عبد الأمير سعيد هو الذي حال دون تحقيق هدفه. وخلال تلك الحالة طلبت من أحد الرفاق أن يأخذ معه رفيقاً آخر ويمسكوا باب القلعة ولا يسمحوا بالدخول أو الخروج منها وأحاطني عدد من الرفاق حتى أدخلوني الغرفة وقبل أن أولع سجارتي جاء حسين ياسين الى باب غرفتي ، إلا ان الرفاق أبعدوه بالدفع والاهانة وسمعت منـه كـلامـاً : أريـد أبـو عـلـي وكـان بـقـربـي الـرفـيق ألحمامي ، فقلت له : اذهب الى حسين ياسين وافهم منه ماذا يريد مني ذهب وعاد لي يقول : انه يريد اللقاء بك شخصياً ، قلت : افرغ الغرفة المجاورة من الرفاق وآت به . وعندما التقينا في الغرفة وقبل أن يجلس قال حسين ياسين : اغفر لنا يا أبا علي ما فعلنا وعالج الأمر بحكمه لئلا تذهب كل الجهود أدراج الرياح ، قلت له : جيد أتوافقون أن نخرج في البدء عشرة رفاق خمسة منكم وخمسة منا ويمسك النفق خلال ساعتين وبعدها يخرج من يريد . قال : موافقون ، قلت : إذن خلال خمسة دقائق يكون الجميع جاهزين . وعدت الى غرفتي وأبلغت الرفاق الأربعة أن يكونوا جاهزين خلال دقائق . وأخرجت ما لدينا من وثائق وأعطيتها الى الرفيق جميل منير ، قلت له : احرقها بسرعة وكانت لدينا من النقود ثمانية عشر دينارا فقط فوزعناها بيننا وشكلنا حلقة كبيرة في الغرفة ورقصنا رقصة الفرح وقبلنا بعضنا البعض وذهبنا الى القاعة المجاورة للنفق واجتمعنا نحن العشرة في القاعة وتكلمت معهم حول الاستفادة من الوقت وقلت لهم : من يخرج سالماً الى المدينة عليه أن يخرج منها بأسرع وقت وإذا لم يجد واسطة لنقله الى مكان آخر خلال عشرين دقيقة عليه أن يخرج سيراً على الأقدام نحو الريف . وإذا حصلت له واسطة نقل فعليه أن ينزل منها قبل الوصول الى سيطرة الشرطة ومن هناك يذهب سيراً وسألتهم عن الكراج فقالوا لم نستطيع فعل أي عمل ، قلت لهم مع الأسف عملنا يفتقر الى بعض المستلزمات والى هنا أشار حسين

ياسين الى ساعته فقلت : حل الظلام ، قال : نعم . قلت له : اذهب أنـت وجدو وافتحوا النفق والرفيق فاضل يقف في وسط النفق لإعلامنا بالنزول وانتم اذهبوا ولابد من ذكر العشرة الذين تم اختيارهم للوجبة الأولى للهروب :

جماعة الحزب : 1) الرفيق الشهيد عبد الأمير سعيد

2) الرفيق لطيف ألحمامي

3) الرفيق جدو ـ العامل بالنفق ـ

4) رفيق لا أتذكر اسمه ولا صورته

5) كاتب هذه السطور

الجماعة المنشقة : 1) حسين ياسين

2) حافظ رسن

3) الرفيق فاضل ـ العامل بالنفق ـ

4) مظفر النواب

5) جاسم المطير

ورغم كل انطباعاتي عن حسين ياسين إلا انه في ذلك اليوم بانت شجاعته ورباطة جأشه وكان حقاً متماسكاً ومتميزاً عن بعض جماعته . وانتقلنا الى غرفة النفق ونزل الجماعة لفتح النفق وبقينا السبعة واقفين على فتحة النفق . وبينما كنا ننتظر الإشارة من فاضل وإذا بموجة كبيرة من السجناء دخلوا علينا يتدافعون وكلهم يريد الخروج من السجن ولما كانت غرفة النفق ضيقة بسبب أكياس التراب الصاعدة الى السقف انحشر فيها عدد كبير من الأشخاص وكذلك القاعة المجاورة كان فيها أكثر من خمسين سجيناً كلهم متوجهون نحو النفق وعلى كل حال أختل النظام ولم يبق أي ضبط أو ربط وخاصة عند الناس غير الملتزمين وهم يرزحون تحت أحكام ثقيلة ، وخبر النفق أنتشر خلال المعركة بين السجناء في قلعتنا . وخلال دقائق جاءت الإشارة بالنزول ونزلت ونزل الرفاق الواحد بعد الآخر وعند الخروج وجدت فتحة النفق جاءت في مكان مناسب حيث تبعد عن جدار السور أقل من متر ويبعد عنها بحدود المتر الواحد عدد من سيارات الحمل على امتداد سور السجن وهذا يعطي إمكانية إذا خرج مائة سجين بهدوء وانتظام يمكن أن يبقوا لمدة

ساعات دون أن يلاحظهم أحد بـفـضـل ذلك الحاجب من السيارات وخلال لحظات تجمع خلف السيارات أكثر من ثلاثين سجيناً وهنا أدركت ان الحالة قد تكشف خلال دقائق ولا بد من الإسراع ورأيت حسين ياسين يرمي بحجر كلباً صغيراً ينبح بكل قواه ضد الغرباء المختفين خلف السيارات ، همست بإذن ياسين : أترك هذا العمل وأسرع بالخروج وسألته أين الباب فقال : ( ذيك ) وفي تلك اللحظة وإذا بقربي حافظ رسن مسكته من يده وسلكت به بين سيارتين متجهاً نحو الباب ووجدت حارس الكراج واقفاً الى الجانب الأيسر من الباب وكان حافظ على جانبي الأيمن وعندما وصلت بمحاذاة الحارس قلت له : مساء الخير ودار رأسه نحوي ورد التحية بصورة مرتبكة : أهلاً . . . أهلاً أساتذة أهلاً وسهلاً ، واتجهنا نحو الساحة الرئيسية والتي لا تبعد عن باب الكراج إلا بضعة أمتار ونحن نسير قلت لحافظ تعال معي وحافظ قال أنت تعال معي . وافترقنا حيث ذهب هو نحو مركز المدينة وأنا ذهبت الى مـوقـف سـيـارات الـنـجـف وناداني حافظ رسن : ( انفض سترتك من التراب ) وغاب كل منا عن الآخر وبعد بضعة خطوات وجدت سيارة يـنـادي صـاحـبـهـا الـى الـنـجـف وعندما صعدت الى السيارة قلت للسائق : يا ولدي أنا مستعجل جداً فهل يمكن أن تحرك وكان في داخل السيارة ثلاثة أو أربعة مسافرين . قال : يا عم ننتظر قليلاً قد يأتينا واحد أو اثنين ، قلت له : أنا أعطيك أجرة هؤلاء ويبدو ان السائق يعرفني ولكنه لا يعرف أية قضية من قضايا الساعة فصعد على الفور وشغل المحرك واتجهنا بسرعة فائقة نحو النجف والمسافة لا تزيد على (60 ) كيلومتراً . وكنت أفكر أن أنزل في الكفل التي تبعد (30) كيلومترا عن الحلة وأذهب الى النجف سيراً على الأقدام ولكن وجدت الوقت لازال مبكراً حيث لم يمض على تحررنا إلا (20 ) دقيقة ولاحظت من بعيد الشارع فارغاً من كل شيء ، قررت أن أنزل بالكوفة وحينما صرنا في ضواحي الكوفة والوقت لم يمض عليه إلا ( 35 ) دقيقة قدرت لو كشف الأمر خلال هذا الوقت فحينما تبدأ المخابرات وتجمع مفارز الشرطة فالوقت يتطلب أكثر من ساعة ولذا واصلت ركوب السيارة حتى مدينة النجف وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء ذلك اليوم ـ وهو يوم مـجـيد حـيث تم فيه الإعداد لثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917 ـ كنت جالساً مع أقاربي في البيت لتناول طعام العشاء معهم . ونـتـنـاول أطراف الحديث في مواضيع شتى وبقيت عندهم يوما كاملاً وفي مساء اليوم الثاني جاء أحد الرفاق ونقلني الى بيت الحزب وبقيت هناك ما يقارب عشرين يوماً ثم ذهبت الى بغداد ومنه الى الكونفرانس الثالث عام 1967 .

أعود بكم لى موضوع النفق والكراج عند وقت الهروب وقبله .

مواصفات النفق :

1) الطول (14) متراً تقريباً . عدا البئر التي يزيد عمقها على مترين .

2) الارتفاع غير متساو ولكن أعلى نقطة منه تبلغ متراً وربع وأقل ارتفاع فيه متر واحد .

3) العرض متر واحد في أبعد نقطة فيه ، الا ان العرض والارتفاع ليسا مستويين وإنما فيه شيء من شكل الدائرة ولكنه ليس دائرة والطول فيه شيء من ( الزكزاك ) ولكنه ليس ( زكزاك ) أيضاً .

الأدوات المستخدمة في حفر النفق :

أدوات بسيطة للغاية ، كركات يدوية صغيرة وفؤوس صغيرة أيضاً وحتى استخدمت في البداية الملاعق و ( الدررنفيزات ) .

القياسات :

كنا نقيس الأماكن المستورة بـ ( الفيتة ) إلا ان الأماكن المكشوفة مثل السور كنا نفرش عليه بطانيات ظاهرياً لغاية التشميس ثم ننقلها الى الأماكن المستورة ونقيسها هناك . الا ان السور الثاني قدر تقديراً بمسافات السور الأول وظهر التقدير صحيحاً وكانت الجدران تقاس مسافة سمكها وتضاف الى مجموع المسافات .

مدة العمل في النفق :

بدء التخطيط دام شهر آيار كاملاً وفي بداية شهر حزيران 1967 بدأ العمل في النفق واستمر فيه الى شهر تشرين الأول . أي استمر العمل به خمسة أشهر متواصلة عدا التوقف الذي حصل بسبب أزمة التراب .

الكراج عند الهروب :

قلت ان الحارس كان واقفاً في الباب عند خروجنا من الكراج أنا وحافظ رسن وبعد خروجنا بلحظات خرجوا ثلاثة من الكراج وسلموا عليه أيضاً وبـعـد أقـل مـن نـصف دقـيـقـة وإذا بأربـعة أشخاص يـخـرجون من الكراج دفعة واحدة . وتوالت الدفعات بالخروج من الكراج الواحدة تلو الأخرى .

وهنا أصيب حارس الكراج بالذهول ، وأخذ يـفـسر الأمـر بالغيـبـيـات مـن ان كراجه مسكون من قبل الجن ، وهاهم يخرجون من الكراج على شكل بشر ولابد أن يشهد على هذا الوضع أناس آخرون . وانطلق نحو شـرطـي الـمـرور الواقـف تـحت المظلة في وسط الساحة وأخبره قائلا ً: يا أخي ان كراجي تخرج منه ناس في حين لا يدخل إليه أحد . أظنه مسكون وهؤلاء يخرجون من تحت الأرض ، وطلب أن يحضر معه ويشاهد المنظر ، الا ان الشرطي رفع سماعة الهاتف وأخبر إدارة السجن بما قاله حارس الكراج ، وقال لهم أن صح الخبر فالأمر خطير وعلى أثر ذلك أطلق الرصاص بغزارة في الهواء وهجم السجانة على الكراج وطوقوا من فيه وألقوا عليهم القبض ومسكوا فتحة النفق ثم أخبروا سلطات المحافظة ونزلت قوات حامية الحلة وطوقوا المدينة وأصدروا أمراً بمنع التجول وأوقفوا في تلك الليلة آلاف الأشخاص وعثروا على القليل من الهاربين واستلم الجيش مقاليد الأمور في السجن وفي ذات ألليله يقال ان طاهر يحيى الذي كان رئيس الوزراء حينما سمع بالخبر توجه الى سجن الحلة فوراً وشاهد غرفة النفق والقطعة المكتوبة على باب الغرفة ـ ممنوع الدخول ـ وشاهد أكياس التراب التي التحمت مع السقف، ودخل في النفق وشاهد فيه انارة الكهرباء والأعمال الفنية الأخرى . وعندما خرج من فتحة النفق رغم ضخامة جسمه صاح بصوت غاضب ، فاقداً الصبر والاتزان ، أأتوني بهذا ( . . . ) مدير السجن والمأمور وكل جهازهم ، وأخذ يردد بعصبية أين كانوا نائمين .

ومجموع الذين تحرروا من السجن في تلك الليلة ما يزيد على ( 45 ) مناضلاً .

حـسـيـن سـلـطـان

شباط عـام 1987

بعض ردود الأفعال حول عملية الهروب من

سجن الحلة المركزي 1967

*تصريح لمدير السجون العامة على أثر العملية

نشرت صحيفة الإعلان وهي من الصحف القديمة تصريحا لمدير السجون العام حمدي سعيد بعد العملية نسجل هنا بعض الفقرات منه :

بعد هروب عدد من السجناء من سجن الحلة قررنا إلغاء السجن نهائيا أن النفق ينتهي عند جدار السجن المطل على أحد كراجات السيارات ومدة حفر النفق بما لا يقل عن ستة أشهر وطوله أربعة عشر مترا وهروب السجناء الأربعين قد تم في الساعة الخامسة والنصف مساء بعـد أن هدأت حركة العمال في الكراج حيث كانت قد وصلت الى الكراج سيارة حمل من بغداد ، وجاءت بعدها سيارة ركاب من النجف فركبوا بها بحجة إنهم ركاب وبعد خروج السيارة شاهد الحارس ثلاثة منهم يخرجون من الكراج فاعتقد بأنهم لصوص ، وقد تعرف الحارس في حينه على النفق .

ان عمليات حفر النفق كانت شاقة للغاية واستعملوا فيها السكاكين والحديد ، وشرعوا بالحفر في غرفة تستعمل كعيادة طبية للمرضى منهم توجد فيها أدوات وأثاث طبية متروكة فكانوا يحفرون ليلا ويضعون الأدوات في مكانها فوق الحفر الى أن أتموا الحفر . أني قد أشعرت مدير الأمن العام بعد زيارتي الى هناك قبل أيام بأني غير مرتاح من وجودهم في هذا السجن ، واني أتوجس خيفة من ذلك ، وأننا كنا في طريق اتخاذ إجراءات لنقلهم فسبقونا وتمت عملية الهروب . ان أربعة عشر سجينا قد ألقي القبض عليهم من أصل الأربعين سجينا الهاربين وما زالت التعقيبات جارية لإلقاء القبض على الآخرين وان الإجراءات الأصولية قد اتخذت لإحالة الهاربين المقبوض عليهم للقضاء لمحاكمتهم .

أما السجناء الهاربون مع سنوات محكوميتهم فهم كل من :

1 ) جاسم محمد المطير / 20 سنه

2 ) حمادي عبد ألله / 20 سنه

3) حسين علي طراد / 20 سنة

4) حافظ رسن / 5 سنوات

5 ) حسين ياسين / 3 سنوات

6 ) عبد العزيز الحامد / 20 سنة

7 ) عبد الجبار علي الجبر / 20 سنة

8 ) عبد اللطيف حسن / 20 سنة

9 ) عبد الأمير سعيد / 20 سنة

10) عبد الحميد غني / 20 سنة

11) عدنان ابراهيم / 20 سنة

12) رياض كريم حبش / 10 سنوات ونصف

13) عادل عباس الزبال / 7 سنوات

14) عبد تام الجبار مال ألله / 20 سنة

15) مظفر عبد المجيد النواب / 20 سنة

16) ريمان عبد ألله / 15 سنة

17) نبيل حسين / 15 سنة

18) غانم داود الموصلي / 5 سنوات

19) عدنان عبد ألله سمعو / 20 سنة

20) أسعد عبد العاقولي / 20 سنة

21) عقيل كريم / 10 سنوات

22) سعدان فهوي / 20 سنة

23) سعد ألله ملا محمد / 12 سنة

24) جياد تركي / 20 سنة

25) كمال مدني / 11سنة

26) محمد حسن حمدي / 10 سنوات

27) صدام حميد / 20 سنة

28) قحطان عارف / 27 سنة

29) محمد موسى كاظم / 5 سنوات

30) حز علي جاسم خلف / 20 سنة

31) بشير الزرعو / 20 سنة

32) صلاح حسن شاهين / 20 سنة

33) هادي صالح / 3 سنوات

34) محفوظ يونس / 20 سنة

35) جاسم حذو / 15 سنة

36) جواد عبد ألله / 10 سنوات

37) حسين سلطان / 9 سنوات

38) عبد الواحد خلف / 20 سنة

39) حازم صابر / سنة واحدة

40) فاضل عباس / 17 سنة

حسين سلطان

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com