نصف مقال .. في حزب الدعوة (الإسلامية) حاكما

 

ناصر العاملي

 من المبادىء الأساسية في عمل الحركات الثورية هي السعي لإستقطاب التيارات الجماهيرية والشعبية الكبيرة . فكلما إقتربت حركة ثورية أو كسبت وإحتضنت تيارا كلما أصبح موقفها أكثر قوة وظهرها أوثق إسنادا وأقرب الى تحقيق أهدافها.

فكيف تعامل حزب الدعوة ( الإسلامية ) مع هذا المبدأ والرؤية الإستراتيجية بعد سقوط النظام البعثي .

إن حزب الدعوة كما هو معلوم قد دخل الحكومة بإستحياء كبير ولأسباب منها أن الحكومة ستأتمر أو تخضع شاءت أو أبت بتوجيهات قيادة الإحتلال وهذا ما يتناقض مع شخصيته الإسلامية . ولكنه رأى بانه لو تخلى عن فرصة الدخول والمشاركة في الحكومة لضاعت الفرصة عنه وإنحصر دوره أو إنتهى، وهذا هو منطق الأشياء في التنافس أو عند إلتهام الفريسة،  فأي تأخر يقلل من فرص الشبع ويسلمك للجوع الطويل.

كان الحزب بعد سقوط النظام البعثي يواجه ثلاثة مشاكل أساسية وخطيرة في آن واحد

1-    فقدانه لقواعده التنظيمية في العراق بسبب غيابه الطويل عنها، وإستشهاد الكثيرين من الرواد الأوائل من قادته مبكرا وهجرة الخط الثاني من قيادته الى المهجر حفاظا على سلامتهم فبقي الإشراف الحزبي بيد الخط الثالث الذي كان يفتقد الى الحنكة والخبرات العملية الكافية مما ولد الكثير من المشاكل والأخطاء القاتلة .

2-    نشأة جيل جديد في داخل العراق لا يعرفه .

3-    معاناته من حالة التشظي والصراعات والإنقسامات الداخلية. 

ومع هذه المشاكل المستمرة تمتعت الدعوة ببعض الإمتيازات التي تلخصت في نقطتين :

1-    دعم عوائل الشهداء المعدومين المحسوبين على الدعوة من قبل النظام البعثي بإعتبارهم جزءا من القاعدة الجماهيرية للحزب .

2-    وجود التيار الصدري القوي جدا الى جانب الدعوة ، وهو تيار شعبي واسع الإنتشار من آخر نقطة على خارطة العراق الجنوبية الى حدود الموصل ومدينة كركوك ويتركزون في الطبقات الفقيرة والمتوسطة من مجتمع بغداد والفرات الأوسط والجنوب.  والتيار بهذا الشكل يعتبر الأرضية الأساسية لدراسات الحركات الثورية في العالم من أجل إستيعابهم بأي ثمن، وكيف إذا كان التيار نفسه يمارس الحركة الثورية مما يفرض على الحزب التنسيق معه .

كان المأمول من القيادة في هذه الحالة أن يتبلور الوعي الحزبي عندها وتحت شروط الضرورة القصوى ومبادىء نكران الذات والتربية الأسلامية ومصلحة الحزب الى :

- دعوة للإلتئام ولملمة الأطراف والشظايا لصنع وحدة داخلية وتماسك عام (أولا)

- وتعريف نفسه ومناهجه وخطه العام للجماهير( ثانيا)

- والبدأ في إعادة بناء وتشكيل التنظيمات الحزبية التي يمكنها أن تكون رافدا حيويا لمهمات الحزب بما يتناسب مع مستوى المرحلة وحاجاتها( ثالثا) بما في ذلك السعي لإكتساب القطاعات الجماهيرية الكبيرة كصديق إستراتيجي والتأقلم معه على أساس المشتركات والقربى .

 فماذا فعل الحزب تجاه هذه النقاط والمشاكل:

إستمر الحزب على واقعه التقسيمي وتعصب على حدوده وحدوده شتى وزادها خطوطا معلنة وغير معلنة، ولم يكتفي بالواقع الموروث بل أضاف اليه مخاوف ومشاكل أخرى، فمع إنتخاب الحاج أبو إسراء( المالكي) امينا عاما للحزب وإعتراضات أثيرت عليه بجمعه السلطتين الحكومية والحزبية بيده قد أعطى إنطباعا غير مألوف عن صورة الواقع الجديد وتنبئات المستقبل مما وضع المقدمات للحكم والتفسير الخطير عن إمكانية التحول المنهجي في سلوك الحزب بإتجاه قد ينساق في نهاية الشوط الى هوية مجهولة .

إن ظهور بعض علامات الإستفراد أو ظاهرة جمع السلطات بدت وكأنها خروج على مبدأ القيادة الجماعية للحزب أو التنكيل بها فعلا.

كان ذلك في أول تجربة عملية محاطة بأسوأ الظروف السياسية الداخلية والخارجية التي قد تلف أكبر وجود سياسي بشرنقة التعقيدات الخيطية وتجعل من سرعة الدوران دون الإلتفات الى سمك النسيج إنتحارا ذاتيا وهو ما كان يجب على الدعوة الإحتراس وأخذ الحيطة منها بشكل كبير.

 لقد تبين مما جرت أخيرا وخلال فترة الحكم القصيرة من بعض الممارسات الخطيرة التي إعتمدت على تقارير ربما كانت في بعضها أو معظمها زائفة او مبالغ فيها لاغراض سياسية أو حوادث مفتعلة وخلفها أياد الإحتلال وتحاليل بعيدة عن الحكمة مع تحريض مستميت من جهات وأحزاب ذات مصالح وتعصبات وعوامل أخرى أن الدعوة لم تتقيد بضوابط  الحركات الثورية في التوسع وبناء الذات وإعتمدت بديلا عنها على كسب بعض الأفراد اللذين تم تعيينهم على ملاكات الحزب في مؤسسات الدولة مع أن هذا النوع من العلاقات النفعية لن تمنح الحزب حصانة أو حماية أمنية من الأخطار حين تكون الدورة قد وصلت الى نهايتها أو توقفت وإنقلبت الأمور وعادت الأوضاع الى المربع الأول والشيء الوحيد الذي يمكن لهؤلاء أن يقدموه للحزب هو رفع بعض الشعارات واليافطات والصور في تظاهرات تأييد لا غير. وربما تحول هؤلاء يوما الى عامل إدانة لسلوك الحزب فيما إذا كانوا غير مؤهلين وقد يحاسب عليه .

إن تقديم الحزب نفسه للجماهير من موقع طالما دقق وحاسب وإفترض النظريات لسلوك من كان يمثله ووقوعه في تجارب مماثلة في الإدارة والحكم حين تحمل المسؤليات ومن دون أن تكون الوسائل والآليات وضغوط التفعيل خاضعة لنفوذه بالكامل قد شوّه الصورة المثلى التي كانت المتوقع تصورها منه وخيّب الكثير من آلآمال التي ربما كانت معقودة لدى شريحة من الواعيين على شجاعة الحزب في ترشيد الأوضاع، مع أنه جبن الى حد كبير أمام الأحزاب الكردية وخضع الى الإذلال والتحقير الكبيرين من قبل رئاستي الحزبين الكرديين حين أجبروا الجعفري للإستقالة رغما عنه .

كان التيار الصدري وقود حركة الإئتلاف في التمثيل السكاني والبرلماني والحكومة وبهم مثّلت الإئتلاف أغلبية برلمانية. هذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر وهي التي بدت بعض الأطراف يعبرون خشيتهم منها كي لا يكتسحوا مجالس المحافظات وإلا لماذا وقعت الصولة في هذا التوقيت بالذات.  وفي أجواء كالعراق الذي تعمدت السياسة الأمريكية نقل صراعاتها اليه عبر غزوها (وما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا ) فإن أي مواجهة محتملة كالتي ترشحها الأولويات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة أو لدوافع إستنزافية قصوى للطاقات العراقية على المدى البعيد عبر خلق وتفجير التناقضات بين الاقطاب أو تقسيم العراق الى دويلات فإن الحزب سيكون أحد الأطراف المتصارعة حتما، وعندئذ ستكون الحاجة الى حماية الظهر من الإلتفافات ضرورة قصوى يتحمل مسؤولية تنظيمها وبنائها القيادة. فكان التيار الصدري رصيد الدعوة القوي في هذا المجال والحليف الإستراتيجي الذي يمكن الإعتماد عليه في الأزمات والطوارئ والإحتماء به . 

إختارت الدعوة أن تكون المسؤولة المباشرة من عمليات صولة الفرسان وكان الهدف منها كما أعلنت الحكومة هو إستهداف مجموعة من اللصوص والقتلة المجرميين في البصرة بينما فسر التيار الصدري ذلك بأنه إستهداف له بغية منعه من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات سيما أن طرفا  في الإئتلاف كان قد أثار موجة من الإعتراضات على تعيين موظفيين في المفوضية العليا للإنتخابات وإتهموهم من المتعاطفيين أو المواليين للتيار الصدري وكأنه ممنوع عليهم وطالبوا بعزل مدير شرطة البصرة لكونه شخصية مستقلة قد لا يتناغم مع مطالبهم لقد إتخذت الحكومة قرار المواجهة ولكن القتال خرج من نطاق مجموعة من المجرمين الى ساحة مدارها خارطة العراق حين إستمر القتال وإستغرق أسابيع وإمتد الى بقية المحافظات والى بغداد ومدينة الصدر بالخصوص وهي أحد أهم معاقل الصدريين في العاصمة ومنذ أكثر من شهر لم تتوقف عمليات القصف بالطائرات والدبابات الأمريكية بمعية الجيش والشرطة العراقية من دون أن يخترقوا مواقع قوة الصدريين في المدينة وسقوط أكثر من الف قتيل  وآلاف الجرحى بما فيهم من المدنيين من الأطفال والنساء نقلت وكالات الأنباء صور جثثهم ينتشلونهم العراقيون من تحت الأنقاض وحسب بيان اليونسيف بأن 60% من ضحايا الإقتتال هم من الأطفال والنساء  فضلا عن تنفيذ سياسات العقاب الجماعي حيث تعيش المدينة وأبناءها وأطفالها ونساءها وشيبها وشبابها واقع الحرب الشرسة بما لها من دوي ورعب وخراب ودم.

هذا السرد عن مشاهد القتال من أجل توضيح هام هو لو أن الدعوة عارضت أسلوب القتال لما حدثت هذه البشائع في صفوف المدنيين، إنها المسؤولية يا رئيس أنظروا الى حسابات الطالباني إنه يتكلم بلغة القانون والديموقراطية ويرفض توقيع حكم الإعدام على قتلة مئات الآلاف من أبناء قومه ووطنه لأنه كما يدعي قد وقّع على وثيقة أوربية أو عالمية ترفض حكم الإعدام وكلكم قرأتم عن حصار بشت أشان وتعلمون معناه وهل تعلمون خلف كل غريب سر دفين إن الطالباني يفكر حتى في إحتمالات عودة البعث، وبعد أيام ستتضح الحقائق كاملة حين تختلف الدعوة في مصالحها مع الكتل والأحزاب في نطاق الإئتلاف أو في خارجها وتقوم الأطراف المشاركة في الحكومة كل على طريقته بلعب دور المحامي عن التيار الصدري وجيشه والدفاع عن مواقفهم بصورة أخرى سيما أن عمليات الموصل على الأبواب وربما بدأت ليبدأ فصل جديد من الإنشقاقات والمواقف المضادة والتناقضات في جسد حكومة المصالحة التي لم تتصالح يوما منذ تشكيلها مع ان ملكيات الأحزاب الكردية لن تجرأ عليها سلطة مخصي قط  في العراق وعندئذ تبقى الدعوة صاحبة الخطاب والفرسان وحيدة من دون حماية وجدار تسند ظهرها اليه وعندئذ وقعت الواقعة .

هل يمكن تلافي الأخطاء وما العمل ؟  

نعم.

والنصف الآخر من المقال على ذمة القيادة . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com