|
د. وليد سعيد البياتي/ المملكة المتحدة – لندن مقدمة في المفاهيم اللغوية: الحاكم: من اسماء الله تعالى (الحكم) ومراد به الحاكم وذلك لمنعه الناس من الظلم. والحاكم في الشرع الاسلامي هو من يحكم بما انزل الله كما في قوله تعالى: " ومن لم يحكم بما انزل الله فؤلئك هم الكافرون" 1 . وقوله عز شانه: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الظالمون" 2 . وايضا قوله جل وعلا: " ومن لم يحكم بما انزل الله فؤلئك هم الفاسقون" 3 . يقول الطريحي: " من اسماء الله تعالى (الحكم) ومراد به الحاكم، وذلك لمنعه الناس عن الظلم، والحكم (بالضم) هو العلم والفقه والقضاء بالعدل. ومن اسمائه تعالى (الحكيم) وهوالقاضي " 4. ويقول أيضا: " ان الحكم بما انزل الله ان كان لا مع الاعتقاد فهو أما ظالم او فاسق، وإن حكم بذلك إعتقادا انه غير ما انزل الله فهو كافر " 5 . أما الزاوي فيذكر في قاموس المحيط في مادة ح ك م (الحكم): " الحكم (بالضم) القضاء جمع احكام، والحاكم منفذ الحكم " 6 . ويقول ايضا: " الحكمة (بالكسر) العدل والعلم، والنبوة، القرآن، الانجيل " 7 . أما الفراهيدي فهو لايذكر معنى الحاكم ولكنه يذكر الحكمة فيقول: " مرجعها الى العدل والعلم والحكم، ويقال أحكمته التجارب إذا كان حكيما " 8 . وهنا اقول: وبما ان الحكم مشتق من الحكمة فتعني تحقيق العدل، والحاكم وفق ماجاء في التعريفات اعلاه سيعني (منفذ العدل أو من يتحقق العدل على يديه) 9 . وفي النهاية يذكر وجدي في دائرة معارفه: " حكم (بالفتح) يحكم حكما وحكومة بمعنى قضى (أي قضى في الحكم)، والحكيم هو العالم . ويقول ايضا: " الحكمة وضع الشيء موضعه والعلم والحلم والنبوة " 10 . لقد وضعت هذه التفسيرات اللغوية المستقات من مصادر مختلفة لتبيان وتحديد المفاهيم الاولية، والتعاريف الاصطلاحية. قد لا يتفق بعض المؤرخين وفلاسفة التشريع مع هذه المفاهيم، او ان يعتبرونها ناقصة وغير واقعية، لكنه في الوقت نفسة لايمكن الخروج بتعريفات اكثر مما ذكر باعتبار ان اللغة العربية سعت الى الايضاح قدر الامكان. ولما كان من غير المنطقي ان نكتفي بالمنهج الاصطلاحي للوصول الى تفسيرات تطبيقية كان لابد ان نبحث الموضوع من خلال المدرستين الوضعية والالهية في تفسير الحاكم والقائد . أنواع الحكومات: عرفت حركة التاريخ اشكالا متعددة للسلطات التي اخذت على عاتقها مسؤولية الحكم، سواء استمدت شرعيتها من الشعب، او عبر الهيمنة والقوة، لكن كل هذه الاشكال تحددت بالنهاية في شكلين ميزا نوع الحكم: أولا: الحكومات الملكية: وهذه بدورها تفرعت الى: 1- ملكية مطلقة: كما في الملكيات القديمة والتي لم يبقى منها إلاجزر متناثرة في آسيا وافريقيا. 2- ملكية شبه دستورية: وهي ملكيات شكلت دساتيرا ونظما برلمانية لكن يبقى الراي اولا وأخيرا بيد الملك كما في الجزيرة العربية (السعودية) والاردن والبحرين ودول الخليج. 3- ملكية دستورية: وهي حكومات ملكية مقيدة بدستور ومجلس نيابي منتخب فلا يصدر الملك رايا إلا بالرجوع اليها او تكون الملكية رمزا قوميا كما في بريطانيا وهولندا وبعض الدول الاوربية الاخرى . ثانيا: الحكومات الجمهورية: وهي معظم الجمهوريات الحالية في انحاء العالم، يخضع معضمها لنظام انتخابي او لآستفتاءات كما في معظم الدول العربية . ثالثا: الحكومات الاسلامية: وقد تكون الجمهورية الاسلامية في ايران احد اشهر الامثلة والتي تمثل احد الافكار الخاصة بمدرسة أهل البيت في الحكم المتمثل بفكرة (ولاية الفقيه) . نظرة الفلسفة الوضعية الى الحكومة: قدمت الفلسفة الاوربية منذ عصر النهضة رؤى تقيميية لمفاهيم الدولة والحكومة والحاكم، وبقيت هذه الرؤى تشكل معيارا لتفسيرات منشأ الحكومات وتطورها فقد ذهب كل من الفيلسوفين الانكليزي (هوبس) (ت 1689) والفرنسي (روسو) (ت 1778) الى القول: " بانة قبل أن تخضع الامة لحكومة، اجتمع افرادها وقرروا فيما بينهم ضرورة تعيين فردا أو أفراد لسياسة شؤونهم العامة والقيام على مصالحهم الاقتصادية وتدبير حياتهم الاجتماعية فتنازلوا عن قدر من سلطاتهم واودعوها رجلا أو رجالا منهم وكلفوهم بحكومتهم " 11. وذهب (هوبس) الى: " أن الانسان حيوان محب لذاته (أناني) لايتحرك حركة إلا لما يفيد ذاته ولكنه مع ذلك مفطور على كراهة العزلة والانفراد، ثم ان القبائل كانت في حالة تزاحم وتناهب يغير الاقوى على الاضعف منها، ويذهب بحياة أفرادها أو يجتاح ثمراتها فإضطر الانسان للاجتماع الى طائفة من بني نوعه تكمل نقصه وتسد خلته فأحدث الحكومة للهيمنة على جماعته وسوقها الى غرض مشترك " 12. أما (روسو) فيؤسس لنظرية العقد الاجتماعي إذ ينظر الى تاسيس الدولة باعتبارها نتاجا لتكاثر الجنس البشري وتعدد الافراد المؤدي الى الخروج من حالة السكون والرخاء الهاديء الى التفاعل الشديد فيقول: " إن حالة الانسان الاولى الفطرية كانت قائمة على سعادة راقية فأدى ازدياد النوع البشري الى ذهاب تلك السعادة واصبح الفرد عاجزا أمام العقبات التي تعترضه في طريق حياته وجلها نتاج لشرور البشر، فوجد ان الاجتماع الى مثله من الافراد من الضروريات فسلك ذلك الطريق بواسطة عقد هو اتفاق بين افراد المجتمع دفع به الفرد جميع حقوقة الى الهيئة الإجتماعية، وهذا يقضي المساواة العامة لانه لكل فرد نفس الحرية التي كانت للاخر " 13. يمثل هذان الموقفان رؤية الفلسفة الوضعية في تفسير الحاكم، ونجد ان (روسو) قد قدم مفهوما اوسع عبر نظريته (العقد الاجتماعي)، وبذلك يصبح الحاكم بناء على هذه النظرية هو الشعب أو على الاقل إرادته وليس القائمون بأمر النظام إلا وكلاء عنه، او خدما له، ومادام القائمون بالامر هم كذلك (وكلاء او خدم) فهم قابلون للعزل متى رأى الشعب أو المجتمع وجوب ذلك لسبب ما او لمصلحة ما. لم تلق هذه النظريات الوضعية قبولا من بعض علماء الاجتماع والتاريخ فترة من الزمن وخاصة من الذين يؤمنون بنظرية الخلق وفقا للمنهج الالهي. كما انها لم تلقى قبولا من الملوك والاباطرة الذين كانت انظمة الحكم التي تبنوها وراثية، غير خاضعة لرغبات الشعب إذ لم يعرف ان الناس اجتمعوا يوما أو في عصر من العصور وقرروا الخروج من المأزق بتنصيب حاكم او حكومة تكون وكيلة عن الشعب، ولم يحدث ذلك بشكل كامل حتى في ارقى العصور البرلمانية. غير ان هذه الاراء اسست الى حد ما مناهج الحكم في اوربا لما بعد الثورة الفرنسية، إضافة الى طروحات فولتير السابقة للثورة باكثر من نصف قرن. النظرية الالهية في الحكم: إن القول بان الحكومة مصدرها الهي، سيعني ان الله عزوجل قد فضل أو إصطفى بعض الناس على بعض وجعل المفضولين يخضعون للفاضلين بحكم الفطرة والضرورة، وبحكم النص الالهي (كما في مصادر أهل البيت عليهم السلام) كالانبياء والرسل والائمة المنصوص عليهم في الكتاب والسنة، ولهؤلاء الحق في تعيين وكلاء لهم يديرون الحياة: " وقال لهم نبيهم أن الله بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال، قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم " 14. ويظهر الاصطفاء أيضا في قوله تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" 15 . وهنا تظهر مجموعة من الملامح المهمة والتي تحدد شخصية الحاكم وفق المنهج الالهي وبالتالي يمكن التخلص من فكرة سيطرة القوي على الضعيف فنجد: أولا: الاصطفاء أو الاختيار الالهي. ثانيا: اسقاط المعايير الدنيوية وتبني المعاييرالالهية. ثالثا: التركيز على العلم (العقل) قبل الصفاة البدنية. وإستنادا الى ما تقدم يمكن القول بأن التاسيس لنظرية الحاكم وفق التفضيل الالهي والاصطفاء والتي قد حددتها الايات القرآنية السابقة تكون شروط الحاكم الشرعي (اي بما نصت عليه الشريعة): 1- العدل. 2- الكفاءة العقلية. 3- البلوغ والرشد. 4- الحكم بما انزل الله مع القدرة على المعرفة (معرفة النص والاصول التشريعية). 5- الذكورة (خاصة في المراجع العظام) وفي الذكورة هناك ترجيحات من قبل الفقهاء. القائد: وهو مفرد القواد (بالضم)، فالقائد هو امير الجند كما جاء في مجمع البحرين. والقواد هم امراء العسكر. ومن هنا تصبح القيادة بمعنى الإمرة والسيطرة. من جانب آخر قد يكون الحاكم قائدا وقد لايكون، وقد يكون القائد حاكما وقد لايكون. فالمسافة بين القائد والحاكم لاتحددها المعايير اللغوية بقدر ما تحددها الاشكال التشريعية والنظم التطبيقية، وهذه الاشكال تخضع في كثير من الاحيان لعناصر حركة التاريخ. ففي عصر ما يمكن ايجاد تداخل عضوي بين القائد والحاكم، بينما يمكن ان يكون هناك انفصال تطبيقي ومنهجي بينهما. أمثلة: الشيخ محمد تقي الشيرازي ايام مرجعيته كان قائدا سياسيا ولم يكن حاكما. الامام الخميني (قدس) كان قائدا ولم يكن حاكما مدنيا باعتبار ان الحاكم كان رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية. هذا وفق المنظور المدني (القانون الوضعي) لكنه كان قائدا بالفعل والقوة، وحاكما شرعيا، بالفعل والقوة وفق التشريع الاسلامي. وقد يكون القائد حاكما مثل توني بلير او جرودن براون باعتباره رئيسا لحزب ورئيسا للوزراء. السيد محسن الحكيم في عصره لم يكن قائدا سياسيا ولا حاكما وانما كان مرجعا دينيا معارضا للنظام الحاكم. الوضع الحالي للعراق: المالكي: حاكم ولكنه ليس حاكما اسلاميا بالمعنى المفهوم. الطالباني: هو قائد وليس حاكم فصلاحياته ليست صلاحيات الحاكم. لو فرضنا ان عبد العزيز الحكيم كان رئيسا للجمهورية لكان قائدا وحاكما في نفس الوقت من المنظور الشرعي، وليس وفق المنظور الوضعي. واما السيد السيستاني (حفظه الله) فهو مرجع مرشد وليس بقائد حاكم. فيما يخص الحكم في العراق فان فشل الاحزاب الاسلامية لايعني فشل الفكر الاسلامي، لكنه فشل في التطبيق، فالاحزاب الاسلامية تبنت الفكر الاسلامي لكنها لم تطبق مناهجه، وبالتالي هي من تتحمل الفشل وليس الفكر. واذا كنا نبحث عن قيادة حاكمة ليست اسلامية اي لا تتبنى الموقف الاسلامي بشكل كامل، فلا يمكن اعتبار الحكم والسلطة هنا إسلامية، وعلى هذا الحاكم ان يتصف بصفات مشتركة بين الحاكم والقائد فلكل منهما صفاته الخاصة. إنتخاب الحاكم والقائد: بما اننا ندرس قضية الانتخاب من خلال الوضع العراقي الحالي بعد سقوط الصنم والتحول ولو مبدئيا الى المنهج الديمقراطي، وحيث اننا كشيعة ننظر الى الموقف وفقا لقضية التحرك في عصر الغيبة، وبما انه لايمكن الافتراض عقلا ان التعيين لرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء حاليا يكون مصدره الهي حيث ان العملية تخص انتخاب اناس هم غير الائمة المنصوبين من الله عزوجل. فالانتخاب يفترض ان يتبنى احد امرين: اولا: التعيين من قبل المرجع الاعلى (السيد السيستاني حاليا): أي ان يقوم هو بنفسه بتعيين شخص معين، وهذا الفكرة تنافي مبدأ الانتخاب من جهة، ومبدا التشريع في عصر الغيبة من جهة اخرى، وهذا ما لايمكن ان يحصل ابدا، اذ لايمكن للمرجع من تعيين شخص بذاته. ثانيا: ان يقوم المرجع بتحديد مواصفات شرعية عامة يتم الانتخاب على ضوئها مثل: 1- العدل. 2- العقل والادراك. 3- الرشد. 4- الكفاءة العلمية والعملية. 5- العمل وفق المنهج الشرعي (وقد يضع بعض الفقهاء اشارة بان يكون العمل في الحد الممكن). 6- الذكورة، وقد اشرنا سابقا أن لبعض الفقهاء آراء فيها. فقد يتفق ان يكون القائد إمرأة (رئيس جمهورية) لكن الحاكم (رئيس الوزراء) يكون ذكرا، وللفقهاء في ذلك أرآء، حيث ينطلق البعض من فكرة الحاكمية التي يكون من شروطها الذكورة وفق الترجيحات. وفي هذه الحالة يكون دور المرجع دورا ارشاديا حيث ان انتخاب الشخص يكون عبر صناديق الاقتراع ويفترض بالمتقدمين للترشيح ان تتوفر بهم الشروط اعلاه. اما الذي يتم انتخابه ليصبح حاكما للبلاد، فلا يشترط به ان يكون هو القائد ذاته، واذا تمكن ان يجمع بين الحكم والقيادة فهو الافضل، ولو ان هذا سيعني المزيد من تركيز الصلاحيات بيد شخص ما، وبالتالي يتخوف من ان يتحول هذا المنتخب الى دكتاتور اذا لم يراعي الشروط التي انتخب لاجلها. ومن هنا يصبح لزاما ان تتشكل عدد من الحلقات او المؤسسات التي تحدد وتراقب صلاحيات الحاكم والقائد وعملهما كجهاز تنفيذي، كما تراقب صلاحيات البرلمان كجهاز تشريعي. ولابأس في هذه الحالة من الاستعانة بالتجربة الايرانية في ادارة الدولة، لسببين: اولا: حداثة التجربة الايرانية وقربها من الواقع العقائدي في العراق بشكل عام من جهة، وكفاءة النتائج التي توصلت اليها في تجربة الحكم والقيادة خلال قرابة ربع قرن من الزمان. ثانيا: ان التجربة الايرانية لم تعتمد على المنهج الكلاسيكي في انظمة الحكم الجمهوري سواء القديمة أو تلك التي ظهرت خلال القرنين الاخيرين، ولا تلك التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. فالتجربة الايرانية اعتمدت على ما اسميه شخصيا مبدأ (الضرورة المستقبلية)، أي البحث فيما تحتاجه التجربة في المستقبل وتهيئة الظروف المناسبة له وهذا ما جعل الجمهورية الاسلامية تتحول الى دولة عظمى في وقت قياسي. مالذي يحتاجه العراق ليصبح دولة قوية: أولا: الدولة: على السلطة في العراق ان تعي فكرة الخروج من حيز المعارضة الى كيان الدولة، ففي دراسة قانونية لطبيعة السلوك السياسي ومناهج التفكير التي يتبناها غالبية سياسيي العراق الحالي تكشف انهم لايزالون يعيشون مرحلة الصراع، فالتحول من الثورة الى الحكم عملية تراكمية، ولذلك نجد ان العراق الحالي يفتقر من الناحية القانونية الى معايير الدولة باعتبار ان الدول لم تعد (مجموعة بشرية تحتل مساحة من الارض ويقودها انسان او مجموعة) فهذه المفاهيم البسيطة لا تتفق ومعايير النظم الدولية المعاصرة التي تعتمد غالباعلى القوة التي تحكم المصلحة. ثانيا: العقيدة السياسية: لاشك ان الدول حتى الصغيرة لايمكن ان تستشعر قوة الحكم ولا القدرة على الاستمرار من غير ان تتبنى عقيدة ما، فوجود شعار فكري يحمل قيما فلسفية مهم لقيادة الامة باعتبار أن المجتمع يخضع للسطلة تحت قيم هذا الشعار، وهذا ما يطلق عليه فلاسفة ادارة الحكم باسم (عقيدة الدولة)، فعندما بدأ الفكر الاسلامي طرح الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله شعارا الهيا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هذا الشعار الذي مثل عقيدة الدولة هو الذي جاهد تحت لواءه كل المسلمين عبر العصور، وايضا في العصور اللاحقة نجد شعار أو (عقيدة) الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر والذي رفعه الثوار الفرنسيين بعد سقوط الباستيل ( حرية ، اخوة ، مساواة ). هذا الشعار صار الفكرة المؤثرة في تشكيل المنظومة الاوربية الحديثة. وفي قرائتنا المتمعنة للدستور العراقي الحالي لانجد هذه (العقيدة)، ففكرة العراق كدولة فدرالية كما جاء في الدستور لايمكن اعتباره (عقيدة)، ولكن يمكن ان يكون منهجا وليس (عقيدة). ثالثا: القوة الضاربة: حاجة الدولة الى قوة، فمن البديهي ان يكون الجيش احد اهم مؤسسات الدولة، لكن الدول المتقدمة تمتلك اكثر من مؤسسة عسكرية، فمثلا نجد ان الولايات المتحد قد اكتشفت ذلك مبكرا، وعملت بمبدأ الحاجة، فبالاضافة الى الجيش الفيدرالي هناك قوى عسكرية خاصة بكل ولاية هذا غير مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI)، ووكالة المخابرات المركزية (CIA)، ونجد في ايران مثلا الجيش وحرس الثورة، وهذه ليست ميلشيات خاضعة لحزب او جهة غير رسمية، بل هي مؤسسات رسمية ولها صلاحيات كبيرة ومنظمة، ومن هنا نجد على الحكومة العراقية ان تعمل على حل الميليشيات او تنظيمها في كيان ليكون مؤسسة خاصة توازي الجيش، ولما كنا ننظر اليها من الموقف الشيعي فيمكن ان تكون مؤسسة عقائدية رسمية باعتبار الكثافة العددية للشيعة في العراق. وفي العراق حاليا عدد من القوى العسكرية بعضها يرتبط بالحكومة واخرى يهيمن على قرارها الرأي الامريكي، وبعضها حزبي بحت او مناطقي (نسبة الى المنطقة) ولكنها تفتقر الى قانون يشرع عملة الارتباط بين بعضها البعض وينظم تحركاتها وفعالياتها، ومن هنا تظهر الحاجة الى قانون ينظمها وفق قواعد مشتركة. رابعا: دولة المؤسسات: تحتاج الدولة العراقية الى التحول من الحكم المركزي الى دولة مؤسسات تتبنى توزيع الصلاحيات والمهام (ذلك يظهر بشكل ادق في الانظمة الفيدرالية)، فظهور مؤسسات حكومية ومدنية تشرف على عمل البرلمان وبقية الاجهزة عامل مهم لحماية الانظمة من التحول الى انظمة شمولية. فالدولة تحتاج الى مؤسسة موازية للبرلمان ايا كانت تسميتها تراقب اداء البرلمان وتكون لها صلاحيات رفض بعض القرارات، كان تكون مجلس اعيان (او ايا كانت التسمية)، اضافة الى مؤسسة تكون باعتبارها (مجلس شورى الخبراء) يشرف على تقييم التشريعات القانونية ويراقب اداء الدولة ككل وهكذا. فلا يمكن والحالة هذه ان تتولد حالة ضعف نتيجة لقرارات سطحية او ارتجالية حيث ان كل قرار سيخضع لعدد من المناقشات من دوائر عدة قبل اصداره و وطرحه لحيز التنفيذ. خامسا: العقد الاجتماعي: تفتقر الدولة العراقية الى منظومة (العقد الاجتماعي) فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في بداية عشرينات القرن الماضي لم يضع فلاسفة التشريع منظومة جادة تنظم علاقة الانسان بالدولة، بل تركت هذه العلاقة لقضية فهم القوانين وتطبيقها، في حين ان الفرد العادي لا يدرك قيمة القانون كما لايدرك حدود القانون ومناهج التطبيق على الوجه الصحيح، مما يخلق فجوة بين الانسان والقانون، وكان على المشرع ان يهتم بردم هذه الفجوة بوضع منظومة تحدد العلاقة بين الانسان والدولة. سادسا: وضوح الافكار: خلال حضوري لعدد من المناقشات والاجتماعات هنا في لندن وفي غيرها من المدن والعواصم، عربية واوربية، وجدت تساؤلات تطرح بين الحين والاخر من قبل المجتمعين تتلخص بالفكرة التالية: " هل يحتاج العراق الى قائد يحمل مواصفات محددة، بمعنى هل نحتاج الى دكتاتور جديد ليحكم بالقوة مادامت افكار الديمقراطية تستغل في غير موقعها " ؟؟ فضعف الحكومات التي تلت سقوط النظام الصدامي جعلت رجل الشارع والمثقف يطرح هذا التساؤل في ضوء العنف المتزايد والكم الهائل للدماء المهدرة. غير ان تاريخ العراق السياسي يقف على النقيض من فكرة الدكتاتوريات للنتائج السلبية المترتبة عبر حركة التاريخ. ومن هنا يصبح من اللازم ان نبحث عن مشروع آخر للحكم وهو ما تحدث عنه البحث الحالي. وفي الخاتمة فان الخضوع المطلق للمعايير اللغوية والاصطلاحية قد لا يفي لتحديد هوية كل من القائد والحاكم، كما انها غير كافية لتبيان وتقييم شكل نظام الحكم، فالباحث هنا يحتاج الى مطابقة الشكل العام مع تحولات الزمن. فشخصية الحاكم فقد الكثير من خصوصيتها التاريخية، والقادة لميعودوا يتحلون بروح الفروسية، وفقد الشجاعة معاييرها لصالح حركة التغيير فتبنت معايير غير التي تعارف عليها الابطال ولا تلك التي فسرها الفلاسفة. وكذلك الامر بالنسبة لانظمةالحكم، فالانظمة الملكية لم تعد كما كانت سابقا وكذلك الانظمة الجمهورية.وما ذلك إلا لتباين المعايير وأختلاف المفاهيم بين الماضي والحاضر، فالابطال المعاصرون هم ليس كذلك في معايير العصور السابقة، ومن هنا كانت الحاجة الى إعادة تققيم نظريات الحاكم والقائد عبر المساعدة في طرح روى جديدة قد تتبنى بعض افكار نظريات سابقة وخاصة فيما يخص التنظير الاسلامي لفكرة الحاكم والقائد، ولكنها تطرح مشروعا حداثيا ذو رؤى مستقبلية. .................... 1- المائدة/44. 2- المائدة/45. 3- المائدة/47. 4- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين 6/47-48. 5- المصدر السابق. 6- الزاوي، الطاهر احمد، القاموس المحيط، 1/685-686. 7- المصدرالسابق. 8- الفراهيدي، الخليل بن احمد الازري، كتاب العين تحقيق الدكتور هادي حمودي، 2/72. 9- البياتي، الدكتور وليد سعيد ، بحث في نظرية التشريع، مجلة Law and Legislation / آذار/ 2006. 10- وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، 3/473-475. 11- المصدر السابق 12- المصدر السابق. 13- النص ترجمة عن الموسوعة الفلسفية نسخة المكتبة البريطانية. 14- البقرة/247. 15- آل عمران/33.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |