لا انسى ذلك اليوم الذي كنت فيه صغيرا وتصفحت به المجلة التي احبها (العربي) الكويتية التي كان تاريخ اصدارها في عام 1968 ، وشاهدت التقرير المصور الذي كان فيه الشيخ الراحل زايد يحتفل في خيمة بوسط الصحراء ، ومجموعة من الاطفال يرقصون امامه بمناسبة وضع حجر الاساس لاحدى المدن الاماراتية (لا اتذكرها)، حيث كانت بغداد في حينها تعتبر احدى المدن الكبيرة في الوطن العربي وتعتبر –باريس- بالنسبة الى الامارات وباقي دول الخليج التي كانت شبه صحراء قاحلة نادرا ما ترى فيها دارا مشيدة او عمارة واقفة.

وبعد اربعين عاما على هذه الاحتفالية اصبحت هذه المدينة التي احتفل بها الشيخ زايد قبلة لسياح العالم واصبحت الامارات احدى الدول المشهود لها بالعمران والتقدم والخدمات والنظافة بل قد تكون اجمل الدول في العالم من حيث العمران المذهل ، حتى انها انهت اسطورة (هونك كونك) التي كانت قبلة للسياح قبل ان تنطلق الامارات العربية المتحدة ومن بعدها قطر وكذلك الكويت وباقي دول الخليج التي تمضي على نفس الطريق التي سارت عليه لامارات.

في المقابل فان بغداد العريقة مدينة الف ليلى وليلى بقيت على حالها ، بل تأخرت وفقدت معالمها البسيطة التي كانت تحتفظ بها سابقا ، بفعل الدمار والحروب والثورات والانقلابات العسكرية التي شهدها تاريخها منذ قيام العصر الملكي الى الان الذي عشنا فيه ورأينا فيها الامريكان يصولون ويجولون بدون أي محاسب.

بالتأكيد لا يمكن اليوم ان اقارن بين المدينة التي احتفل بها الشيخ زايد وبين بغداد التي اصبحت من المدن المتخلفة عمرانيا وخدميا، ولكن يمكنني ان اقارن بين خيرات العراق وخيرات الامارات التي لا تملك ما يملكه العراق من حيث الموارد النفطية وباقي الموارد الطبيعية ، فضلا عن الامتيازات الجغرافية التي يملكها العراق وتحلم الامارات وغيرها ان تتميز بربع ما يتميز به العراق من حيث الاراضي الصالحة للزراعة والمياه المتوفرة ببركة دجلة والفرات ، ناهيك عن التاريخ والشهرة الذي ضربط اطنابها في بطون التاريخ.

اذن لماذا وصلت الامارات الى هذا المستوى المتقدم والمذهل ، وبقيت بغداد بحالها المأساوي الغير منسجم مع الخيرات والامتيازات التي تتميز بها.

امن المعقول ان يكون السبب بالعقول؟ فلا يعقل ان يكون العراق فارغا من العقول المتحضرة التي تبني وتؤسس لهذا البلد ، ولا يعقل ان يكون البلد فقيرا الى درجة انه لا يستطيع ان ينهض حضاريا وعلميا واجتماعيا.

اعتقد انه قبل الاجابة عن هذا السؤال لابد ان ننظر بشريط التاريخ الاسود الذي عاشه العراقيين ولم يروا فيه الا القتل والسلاح والنار والمشانق وميادين الاعدمات والجثث المعقلة ، والانقلابات العسكرية التي تأتي باناس يتعاملون مع شعبهم ليس معاملة الراعي للرعية بل معاملة الضابط والقائد العسكري لجنوده ، فتراهم لا يخاطبون شعبهم الا ببزاتهم العسكرية التي شهدت معاركهم وتلطخت بدماء منافسيهم ، وتراهم لا يعرفوا طريقا للانجازات الا من خلال وزارة الدفاع وصفقات الاسلحة وجمع الولاءات داخل هذه المؤسسة . اما الناس الذين بالخارج فلا حول ولا قوة لهم ولا صوت ولا كلمة مسموعة ان كانت سلبا او ايجابا ، فلا هَم لهم سوى العيش والستر والحفاظ على ارواحهم ، اما صراعات الحكم والكرسي والحكم فهي لاناس خلقوا لاجل الصراع والقتال ، فكل شخص او جهة سياسية ترى من نفسها هي الاصلح والاقوى لحكم العراق.

ان العراق يمتلك كل ما يؤهله بان يكون اجمل بلد في العالم وبامكانه ان يضاعف خيراته في مجالات غير مجالات النفط مثل السياحة والزراعة وغيرها من المصادر الغير طبيعية التي تدر على أي بلد ما اذا تم استثمارها.

ولكن لا أأتي بشيء جديد حين اقول ان السبب بالحكام الذين حكموا هذا البلد المسكين وتقصدوا بإفقار شعبه وقتله واضطهاده ، ولكن هذا ليس معناه ان حكام باقي الدول التي كانت بالامس متأخرة واليوم متقدمة هم يحبون شعوبهم ، ولكن هم عرفوا كيف ان يكبحوا جماح شعوبهم بخيرات بلدانهم وجعلوهم لا يفكرون بتاتا بلغة السلاح او اللجوء له بالرغم من انهم (الحكام) يسرقون اضعاف ما سرقه الحكام الذين حكموا العراق في السابق، فهم لا يعطون شعوبهم سوى فتات ما يسرقوه الا ان هذا الفتات كان كفيلا برفاهية شعوبهم وجعلهم يغضون النظر عن ما يسرقوه حكامهم.

اذن لماذا لا ينتهج حكام العراق اليوم الذين اختارهم الشعب دستوريا والعمل على نهج ونظرية الشيخ زايد ، والعمل على عدم تفتيت وتشتيت تركيز المواطن ، الذي لو شعر ان له بيت في بلده ورصيد بسيط من خيرات ارضه ، لا اعتقد انه سيفكر يوما بان يتميز بامكنة وطرق اخرى منها لغة السلاح والعنف.

ما الذي يمنع ان يكون للعراقي حصة من نفط بلده بعد ان كفل الدستور له ذلك باعتراف رئيس الملف الاقتصادي العراقي برهم صالح، وما الذي يمنع ان يكون لكل عراقي ارض صغيرة تضمن له مستقبله ومستقبل أطفاله، ما الذي يمنع ان تعمل وتساعد الدولة على رفاهية المواطن العراقي.

لذا اقترح على الدولة العراقية ان تنتهج نهجا حقيقيا تعامل المواطنين العراقيين بالتساوي بموجب الدستور العراقي ، عن طريق إزالة الامتيازات التي يتميز بها بعض شرائح شعب من عوائل الشهداء والسجناء السياسيين وغيرها من التسميات التي لطالما كانت متصدرة في أي مبادرة تعطيها الحكومة للشعب.

نحن نعترف ان هذه الشرائح كانت متضررة من النظام السابق ، ولكن هذا لا يعني ان باقي الشعب لم يكونوا متضررين حتى يستثنوا او يوضعوا خلف هذه الشرائح، ثم ان معاملة العراقيين بصورة متساوية بدون أي تفضيل سوف يعطي انطباعا للمواطن العراقي بحرص ورعاية الدولة له ولعائلته.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com