من منا لا يتذكر الشيخ أحمد ذلك القروي المتنور الذي فاق أقرانه بإجادته القراءة والكتابة ودراسة العلوم الأولية في الفقه والشريعة،وبز أنداده بالروح الثورية المغامرة،ونذر نفسه لخدمة الشعب بانتمائه لحزب الفقراء والكادحين،الحزب الشيوعي العراقي.

كان من السباقين للتشرب بالأفكار الشيوعية،والأيمان بالنظرية الماركسية التي لا تكتفي بتفسير العالم بل تسعى لتغييره والسير به إلى عالم خال من التسلط والاستبداد،رافل بالمحبة والسعادة،فأنتظم في صفوف الحزب في الأربعينيات وجاب أرياف الفرات الأوسط على قدميه وهو يزرع العبوات الناسفة التي تميد الأرض تحت أرجل الاستعمار وصنائعه الرجعيين ورجال العهد المباد البغيض،ينظم الخلايا ،ويزرع النواتات في أرياف بابل وقراها البائسة،ويرسم للفلاحين صور المستقبل الزاهر والغد السعيد،ورغم الحياة الصعبة التي يعانيها والظروف المعاشية القاسية التي ينوء بها ،إلا أن ذلك لم يفت في عضده أو يحد من عمله،فكان يواصل الليل بالنهار في العمل الحزبي متوجها من هذه القرية إلى تلك ،أو هذه المنطقة إلى غيرها،يجتمع بخلية أو يلتقي بركيزة أو يصل الرابطة بمقطوع عن الحزب،وكانت سيارته الأثيرة قدميه الحافيتين،لأنه لا يمتلك غير(نعال) واحد يخشى عليه النهاية المؤسفة فلا يتمكن من شراء غيره،وعندما أعتقل الخالد فهد وحكمت عليه السلطة بالإعدام قام الحزب بحملة قوية داخلية وخارجية لإطلاق سراحه وإلغاء الحكم ،فكان الشيخ أحمد يجوب القرى من ناحية السنية التابعة للواء الديوانية حتى قرية البو شناوة التي كانت رحاله الأخير حيث سلم القوائم إلى الشهيد كاظم الجاسم وكانت لأكثر من خمسمائة توقيع.

وكان يزاوج بين عمله الحزبي وعمله الديني في قراءة مراسيم التعزية الحسينية،ويدعوا من خلال هذا المنبر الكريم لمحاربة الظلم والاستغلال الذي تمارسه القوى المتسلطة ،مبينا أن الثورة الحسينية جاءت لمحاربة الطاغوت الأموي،والى جانب ذلك كان يحاول تعليم الفلاحين والشباب منهم مبادئ القراءة والكتابة في وقت كانت فيه المدارس حكرا على أبناء المدن والموسرين منهم بالذات فكان عمله في ذلك الوقت من الكبائر في نظر السلطة الغاشمة التي ترى في الوعي مصدرا لإنهاء تسلطها وهيمنتها،ولا زال الكثيرون ممن درسوا على يديه يذكرون ذلك بفخر وإعجاب.

وقد أثار نشاطه الواسع انتباه رجال الإقطاع ،رغم أن الإقطاع في مناطق القاسم بالذات لم يكن بمستوى ما عليه في المناطق الأخرى،والملاكين لا يتعاملون مع فلاحيهم بالجبروت الذي عليه عشائر الجنوب أو شيوخ (البو سلطان) من آل الجريان،فشيوخ المنطقة هم أقرب إلى الإنسانية منها إلى جبروت الآخرين ،ورغم أنهم مستغلين للفلاحين إلا أنهم يتوفرون على شيء من العدل لأسباب كثيرة في مقدمتها أن بعضهم ليسوا من أبناء المنطقة الأصليين،وآخرين يرتبطون بعشائرهم بروابط القرابة والعلاقة شبه الجيدة،لذلك لا يمكن قياس معانات الفلاح في الريف الجنوبي للقاسم بمستوى ما عليه في المناطق الأخرى،ورغم ذلك كان تململ الفلاحين من تجاوزانهم ظاهرا جعلهم يقفون بالضد منهم بانتمائهم لممثلهم الحقيقي الحزب الشيوعي العراقي .

وقرب اليوم الموعود الذي سيجعلهم في بحبوحة من العيش الهانئ الرغيد.وأوشكت الأحلام أن تتحقق،فقد بزغ فجر الثورة،وانطلقت جحافل المجد رافعة الشعارات المدوية الواعدة بوطن حر وشعب سعيد، وكان له دوره المتميز ومواقفه الرائعة ،وأنطلق المارد من قمقمه ليقود الجماهير ألفلاحيه في كل مكان للمطالبة بحقوقها في الأرض والإنتاج، ورافق لجان الإصلاح الزراعي وهي توزع الأراضي على أهلها الحقيقيين وكان لهم ما وعدهم به،فأسلموه أمرهم وارتضوا له قيادهم،ولكن الثورة تأكل أبنائها وتنقلب عليهم،فيعود الشيخ الوقور لسالف عهده بالتخفي والنضال السري،تطارده الكلاب البوليسية النهمة،فيختفي عن أنظارهم ويحفر نفقا يمتد لمسافات طويلة،فكان عصيا على الشرطة ولم تستطع القبض عليه رغم حملاتها المتكررة ومداهماتها المستمرة،فيكون أسمه مدار مكاتبات طويلة في أروقة الأمن ومديرية أمن بابل وبغداد،ويكبر ملفه في المديرية ويحسب له ألف حساب،وقد أقلق السلطات وجعلهم أضحوكة للناس لعدم تمكنهم من ألقاء القبض عليه،وذات يوم تمكنوا من أمساكه فأرسل مخفورا إلى مديرية الأمن العامة،وعندما أدخلوه على مدير الأمن قام عن مقعده ذاهلا...أهذا هو شيخ أحمد الذي أتعبهم هذه السنوات..وسأله أأنت...؟قال نعم أنا شيخ أحمد.فقال له أنت الذي أقلقت الأمن العامة وأصبح ملفك أطول منك..؟(وكان الشيخ قصير القامة إلى حد كبير)وكان لمدير الأمن شيء من الإنسانية فأكرم وفادة الشيخ،وأبدى له من المساعدة ما أدى إلى أطلاق سراحه، وظل وفيا على العهد راسخ العقيدة،لم تغيره الأحداث التي عصفت بالحزب،وظل سائرا في دروب الشيوعية،لم ينزلق يمينا أو يسارا رغم ما حدث من انشقاقات وتكتلات،وظل وفيا للحزب داعيا لوحدته ونقاء أفكاره ،وقد عرف بعقليته النضالية وحسه الثوري طبيعة الصراع والمرحلة،وكان له رأيه المخالف للآخرين إلا أن التزامه الحديدي جعله ينقاد لرأي الأغلبية ويعمل وفق سياسة الحزب المرسومة تجلى ذلك في موقفه من انشقاق القيادة المركزية حفاظا على وحدة الحزب.

وما كان لنضاله هذا أن يكون بمعزل عن تجاوزات السلطة ليكون هدفا لها،فكان في أوائل المعتقلين منذ العهد الملكي الغابر وحتى العصر الجمهوري الزاهر،فقد كان ضيفا مزمنا لأغلبها ،فحل في سجون متعددة كسجن العمارة وسجن الديوانية وسجن الحلة ونقرة السلمان وسجن الرمادي وسجن البصرة وسجن بعقوبة وسجن الفضيلية وقصر النهاية وغيرها من السجون والمواقف الأخرى،ومن الطرائف التي يعرفها الكثيرون إن المحكمة حكمت على الشيخ أحمد بالحبس لمدة ثلاثة أشهر أو دفع غرامة قدرها ثلاثون دينارا،ولعدم قدرته على الدفع فقد تقرر تنفيذ عقوبة السجن بحقه،فأصدر القاضي قرارا بأن يطوف جميع سجون العراق خلال هذه الفترة وفعلا نقل من سجن إلى سجن حتى جاب جميع السجون العراقية.

وكان سريعة البديهية حاضر الجواب على ما عرف به الملائيين من حب للطرفة والنوادر فقد أعتقل ذات يوم وأحيل إلى المحكمة في سجن رقم واحد،فسأله الحاكم (أنت شيوعي كبير لك نشاط واسع) فقال له حضرة القاضي عندنا مثل شعبي يقول (أنظر عباته وأخطب بناته) فهل يوحي لك منظري مثل ما اتهمت به،فنظر إليه الحاكم وكان الشيخ حافي القدمين يرتدي عباءة ممزقة،وكوفية مهلهلة،عندها تشاور الحاكم مع هيئة المحكمة وحكم له بالبراءة وأطلق سراحه.

ومن الطرائف التي تروى عنه أنه كان ذات يوم متوجها في مهمة حزبية إلى قرية الحسنية حيث يختفي الرفيق أ[و منقذ جاسم حسن الشلال،وكان حافي القدمين يرتدي ملابس قديمة،وكانت قريته تبعد عن قرية الحسنية أكثر من 7 كم،وعندما وصل إلى بيت الشيخ حسن الشلال والد الرفيق أبو منقذ دخل المضيف وجاء الشيخ حسن وقد عرف الشيخ أحمد ،فسأله عما يريد فقال له أنا غريب من منطقة أخرى وقد فقدت بقرتي وجئت ابحث عنها، وذلك لخشية الشيخ أحمد من كشف أمره أمام الشيخ حسن، متصورا أنه غير معروف لديه، فقال له لقد عثرنا على البقرة وسوف أرشدك إليها فتعال معي،فاصطحبه إلى حيث يختفي الرفيق أبو منقذ قائلا له(هاي بقرتك التدور عليها أخذها وروح) مع الاعتذار للرفيق أبو منقذ.

وفي عام 1964على ما أتذكر كان الشيخ مختبئا في مغارته التي لا تهتدي إليها الأبالسة وقد أصيب بمرض أقعده عن الحركة،مما جعل المنظمة الحزبية تعمل المستحيل لإنقاذ حياته،ولكن لا تستطيع عرضه على طبيب أو إدخاله إلى مستشفى لأنه مطلوب للسلطة،فذهب الشهيد علي حسين الصكر إلى الدكتور أحمد ألنعيمي الذي كان يعمل في مستوصف القاسم وكان جد قريب من الحزب وأخبره بحالة الشيخ وضرورة أجراء الكشف عليه وإعطائه العلاج اللازم، فذهب الدكتور ألنعيمي بسيارته بعد غروب الشمس حيث كان ينتظره الرفاق خارج المدينة وأوصلوه إلى حيث يختبئ الشيخ وقد أجرى الفحص عليه وزوده بالعلاج اللازم،وزاره بعد ذلك حتى تماثل الشيخ إلى الشفاء.

وكانت حالة الشيخ المادية مما يرثى لها،فكان رفاقه الشيوعيين في السجن يحبونه كثيرا لما تميز به من فكاهة وظرف،ويعلمون بحالته المادية رغم أنه لا يشكو لأحد فقرا أو يظهر عوزا،وكانت زوجته الوفية المناضلة (أم أحمد) تزوره في السجن فيعطيها الرفاق السجناء ما يكفي لمصروفها وأجور نقلها ذهابا وإيابا لمعرفتهم بحالتها المعاشية،وبعد وفاة زوجته في أوائل الستينيات تكفلت الأمر أبنته المناضلة،وكانت تشارك في نقل البريد الحزبي أو إيصال التعليمات والتبليغات في حالة تعذر الأمر على الرجال بسبب المطاردة والمراقبة،وكانت متمرسة بنقل الرسائل بين السجن والحزب وبالعكس ،حيث كان السجناء تلك الأيام يستعملون ورق الرايز في كتابة الرسائل الصغيرة التي تكون على شكل(زبانة) يمكن إخفائها بسهولة ،وفي عام 1963 عند اشتداد الحملة الشرسة على الشيوعيين وقيام الحرس القومي بالتعاون مع السلطة البعثية الحاقدة بمطاردة الشيوعيين وتصفيتهم بموجب البيان رقم (13) أضطر الشيخ للاختفاء،والعمل السري لإعادة بناء المنظمات حيث كان للتنظيمات الريفية دورها الكبير في أعادة البناء ومواصلة النضال وتشكيل الخلايا المسلحة لمواجهة الهجمة الشرسة،فقامت السلطات البعثية بإلقاء القبض على أهل القرية التي يسكنها الشيخ للضغط عليه من أجل تسليم نفسه ولكن دون جدوى فاضطرت السلطة أمام الضغط لإطلاق سراحهم،وكان له ولد متخلف عقليا أو على شيء من البلاهة فحاولوا استدراجه بالكلام لعلهم يحصلون على مكان اختفاء أبيه فسألوه أين ذهب والدك،فقال لهم عباس(ذهب مع عبد الكريم قاسم بالطيارة ولا أدري أين هو الآن).

و في عام 1965 القي القبض عليه وأدع السجن فذهبت والدته(أم شيخ أحمد) وكانت عجوز طاعنة في السن ،مع ولده الأصغر لزيارته في الأمن،وبعد جهد كبير سمح لها بالدخول ومن محاسن الصدف أنه كان نازلا في تلك اللحظة من غرفة التحقيق وكانت أثار الضرب والتعذيب ظاهرة على وجهه ورأسه ،وعندما رآه ولده أجهش بالبكاء،فسألته والدته ما بك ولماذا ضربوك،فضحك الشيخ وقال لها عندنا راديو صغير نسمع به الأخبار فأنكشف أمره فقالو لي لا يستطيع أحد غيرك إخفاءه،فعلقت بخيط ووضعته تحت أبطي وعند أجراء التفتيش قالو لنا أرعوا ملابسكم فنزعنا ملابسنا وبقي الراديو معلقا تحت أبطي، فمد أحدهم يده تحت أبطي عندما شاهد الخيط فضحكت بسبب الدغدغة التي لامست بدني،(وأكلت من وراه كونية بسط).

وعند اعتقاله انتقلت الأسرة إلى قرية العبارة التابعة للمحاويل حيث يسكن أهل زوجته وكان أبنه عبد الله طالبا في المدرسة،وكان يبكي على والده وما يمر به من ظروف معاشية قاسية ولفراق أبيه السجين،فكان المعلمون يتجمعون حوله متسائلين عن سبب بكائه،وما يعانيه من مشاكل فقال لهم ببراءة الطفولة أن والدي سجين لأنه شيوعي،وهنا حدثت ثورة في المدرسة حيث تعاطف معه أغلب المعلمين وحاولوا تهدئته،وكان متميزا بين الطلاب وفي نهاية العام عند توزيع النتائج يقول سلمني الأستاذ (كاظم) النتيجة قائلا (أنت الأول لكن لا تستحق مثل هذه الدرجات) وبقيت هذه الكلمات ترن في أذني إلى أن عرفت أن هذا المعلم ألبعثي يعبر عن حقده الدفين على الشيوعية والشيوعيين،وقد جعلني ذلك الموقف متميزا في المدرسة ومدار اهتمام المعلمين،ولم أفهم هذا الاهتمام إلا بعد انتمائي لاتحاد الشبيبة الديمقراطي،ومعرفتي بأن أكثر المعلمين متعاطفين معي من الشيوعيين ،أتذكر منهم الشهيد كاظم عبيسان أبو مازن،الذي كان يرعاني رعاية خاصة تزيد عن رعاية الأخ لأخيه لمعرفته بوالدي وعلاقته المتينة به.

ومن الذكريات عن الراحل الكريم،أنه كان متشائما من الجبهة والعمل الجبهوي والتحالف مع البعثيين وله أقوال سنتطرق إليها لاحقا،فارتدى (الدشداشة السوداء) بشكل دائم فسأله الرفيق الشهيد كاظم الحاج ظاهر،لماذا ترتدي دائما الدشداشة السوداء،فقال له حزنت على العراق منذ الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم،وعبر بوضوح عن تشاؤمه هذا أيام المفاوضات لتوقيع الجبهة وأتذكر في ندوة خاصة بمحلية بابل حاضر فيها الرفيق الشهيد صفاء الحافظ عن أساليب العمل الجبهوي،وكان الشيخ جالسا في الصفوف الأولى وأمامه قدح من الماء والرفيق يلقي محاضرته،وقد نزع الشيخ أحمد عقاله ويشماغه بسبب الحر لعدم وجود وسائل التبريد الحديثة في مقر الفقراء،فأخذ الشيخ يضع طرف يشماغه في القدح ويعصره حتى نفذ الماء،وكان الرفيق الحافظ قد لاحظ عمل الشيخ،وبعد انتهاء المحاضرة سأله الحافظ:الظاهر أيها الرفيق أنك لم تستمع إلى المحاضرة لأنك مشغول بالعبث بقدح الماء؟فرد عليه بعفويته الريفية الرائعة والله يا رفيق أنا فلاح بسيط وقد أجهل التكتيك و الديالكتيك ولكني أعلم أن صدام بجبهته سيسعى لإنهائنا تدريجيا كما أنهيت الماء من القدح و(يحرك سلفه سلفانه) ،فانفرد معه الرفيق في غرفة جانبية وتحادث معه بحديث طويل لم يفصح لنا الشيخ عنه،وله موقف آخر حيث قال أمام جمع كبير من قيادات الحزب في القاسم منهم الرفاق كاظم عبيسان عزيز حمزة الأحمد ومحمد النعمان وعامر الصافي "أن البعثيين مثل صغار الذباب شرهة في الأكل ولا تشبع من دماء الوطنيين" وقال"دعوني أنزل من القطار كي أستريح،وأترك لكم العمل الجبهوي،ولكن لم يستريح وأني للملدوغ أن ينسى ألم اللدغ فانتمائه ألصميمي وأيمانه المطلق ويقينه الراسخ بالشيوعية جعله يخضع لإرادة الأكثرية ،ويسير مع التيار رغم يقينه بالنتائج الوخيمة التي ستترتب على هذا التحالف،ولكن كيف يرتاح وهو يرى العربة تسير بالمقلوب ،ويلاحظ التجاوزات المقصودة لقوى البعث الحاقدة التي تحاول بكل السبل النيل من الشيوعيين وعمدت لانتهاج سياسة تخريبية معروفة ،ومارست شتى الضغوط على الشيوعيين ،ومحاربتهم بكل الوسائل التي يستطيعونها بوصفهم سلطة استبدادية تقود البلد،فكان يرى بعينيه ما آل إليه مصير البلاد،والى أين تسير القافلة التي حاديها غراب معروف هو صدام حسين،وعندما بدأت الهجمة البعثية بالتنامي والاشتداد نال الشيخ الكثير من رذاذها،تهاوى أمام الأمراض التي تناهبته،وثقل الشيخوخة التي ينوء بها،وضيق ذات اليد،وكان أخر المطاف الهجمة الهولاكية الشرسة التي شنها النظام على منظمات الحزب وقواعده،فأنهار ذلك البناء الشامخ وأخذت صحة الشيخ تنحدر إلى أدنى مستوياتها فأعتكف منزله عاجزا عن العمل والتحرك،وصار نديمه البكاء ودوائه ترديد الشجي من الأشعار الرثائية على رفاق أعزة أختطفهم البعث الجاحد وغيبهم النظام المقبور،واضطر للاختفاء مجددا رغم سوء صحته ،حتى تردت أحواله الصحية فاضطرت أسرته إلى إدخاله المستشفى بشكل سري خوفا من انكشاف أمره،وعلى فراش المستشفى كان الموت قاب قوسين أو أدنى منه ،وأخذ يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقول كنت أتمنى أن أعيش لأرى نهاية الطاغية ولكن يبدوا أن الشقي في حياته يشقى في مماته ،وسوف لن أرى ذلك اليوم الموعود،وقد أسلم الروح وعيونه مشرئبة إلى السماء بانتظار الخلاص الأكيد لشعبه الذي ناضل من أجله لأكثر من ستة عقود.

وفي يوم 28/4/1984 تناهت لنا الأنباء بوفاة هذا الشيخ الجليل بعد أن أقعده المرض وهدته السنين،وشيعته مدينة القاسم بما يليق بعلم من أعلامها، وأبن بار من أبنائها،كان له شرف الدفاع عتها والسعي لتحقيق طموحاتها،فنم قرير العين أيها الشيخ الذي أتعبه النضال،وأضناه الكفاح،فهاهم أبناؤك على الدرب سائرين ،يستلهمون العزم من جهادك المنقطع النظير،وأعينهم شاخصة لبريق الشمس التي لا تعرف الأفول..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com