|
الأسلام وبنيته الاجتماعية مابين المدنية والقبلية ... أعادة قراءة - 4 -
حميد الشاكر 1: (( العصبة فكرة البنية القبلية )) ***** للبنية القبلية فكرة أصيلة ومعتقد متين في قيام بنيتها الاجتماعية في واقع حياة الانسان القبلية بشكل مباشر ، وهذه الفكرة هي (( فكرة العصبة )) فالبناء القبلي اجتماعيا قائم على مبدأ العصبة (( او العصبية )) التي يموّن وجودها العملي بعدان : الاول :رابطة الدم ، التي تتحول فيما بعد ولعدة عوامل اجتماعية الى طبقة الدم النسبي . الثاني : هو بعد التحالفات والتجمع ، والذي هو عبارة عن تجمعات قبلية متفرقة تجمعها العصبة لطلب القوة !. والحقيقة ان البناء القبلي من أقدم البناءات الاجتماعية الانسانية التي اعتمدها الانسان في تأريخه القديم والذي يمتد الى ماقبل الوجود الاجتماعي السياسي والمدني التجاري والحضاري الانساني وكذا الديني المعتقدي ، باعتبار انه التجمع الماقبل القانوني ، فهو تجمع يرجع بجذوره الواقعية الى حقب ماقبل الانسان المتحضر ، وغايته ومقصوده (( طلب الغلبة او القوة )) وذالك لأن فلسفة قيام هذا النظام الاجتماعي القبلي هو لسبب تشكيل عصبة القوة - او تشكيل قانون القوة - التي تستطيع السيطرة والحماية للفرد داخلها من اعتداءات الطبيعة والانسان الاخر بصورة عامة !. وتتميز فكرة العصبة والتي هي البنية الحقيقية للهيكل القبلي على قدرتها ببناء وحدة اجتماعية متماسكة البنيان المجتمعي من جهة ، ومنتجة للظواهر السلوكية المختلفة التعبير انسانيا من جهة اخرى ، فلاشك ان بنية الاجتماع القبلي وفكرتها الاصيلة (( العصبة )) هي في مكان يسمح لها ببناء كيان متماسك البنيان بضميمة ان علاقة (( الدم )) او رابطة النسب التي تقوم عليها فكرة القبلية هي من اقوى والصق واقرب الاشياء حميمية الى اي انسان في هذا الوجود مما يجعل من هذه الرابطة النسبية والعلاقة العاطفية من اقوى الشباك تماسكا اجتماعيا فتوفر قوة الهيكل القبلي على المستوى العام من جهة ، كما وان لهذه الرابطة القدرة على انتاج السلوك والظواهر المجتمعية الملائمة لتوجهات الوجود القبلي من جانب آخر ، مما يعني بصورة عامة ان لفكرة العصبة القبلية كبنية مجتمعية بدائية التكوين ثلاث وظائف رئيسية : الاولى : قدرة هذه الفكرة على توظيف العلاقة النسبية بتكوين نواة اجتماعية . ثانيا : قدرتها على انشاء منظومتها القيمية والقانونية التي تنظم من حركة هذا الاجتماع القبلي . وثالثا : امكانية هذه الفكرة على انتاج السلوك الجمعي الملزم لافراد المجتمع القبلي على الالتزام به مما يؤهله - هذا السلوك - على تحوله الى ظواهر منفردة التعبير القيمي والاجتماعي المميز !. ومن هنا كانت قوة فكرة العصبة باعتبارها البنية الحقيقية للكيان الاجتماعي القائم وحتى اليوم والمسمى الاجتماع القبلي ، والذي بدأ بعلاقة (( الدم النسبية )) كتعبير عن رابطة تميزها عن باقي روابط الاجتماع الانساني الاخرى القائمة على الابعاد السياسية او العقدية او الاقتصادية ....، لتنتقل الى رابطة (( القبيلة )) والتي هي ايضا رابطة وعلاقة دم نسبية الا انها اكبر قليلا من رابطة العائلة الصغيرة الغير قادرة على الدفاع الفعّال للفرد والغير مهيئة لاحراز القوة المطلوبة للسيطرة والهيمنة الاجتماعية ، ولهذا كانت القبيلة المولود الاكبر من مفردة العائلة والتي هي تجمع عدد اكبر من العوائل لتكوين وحدة اجتماعية اكبر تحافظ على رابطة الدم من جهة وتوفر الحماية والقوة الاكبر من جهة اخرى !. نعم يأتي لفكرة العصبة المميز الاخر في تكوين الاجتماع القبلي باعتبار ان هذه الفكرة تقوم على مبدأ طلب القوة ورابطة الدم كما ذكرناه لهذه الفكرة ، الا وهو مميز القدرة على استقطاب التحالفات القائمة على نفس مبدأ العصبة الا وهو التجمعات القبلية المتعددة وصهرها في بوتقة التحالفات القبلية الاكبر والتي تسعى لنفس هدف مبدأ العصبة الا وهو القوة ، لتكون بهذا - فكرة العصبة - مستوفية تماما لشروط الفكرة الجامعة التي تتمكن من صهر المجتمع واقامة البنيان المجتمعي ، بالاضافة الى قدرة هذه الفكرة على انتاج القانون الذي ينظم من تواجد هذه المجموعات البشرية !. **** 2: (( القوة قانون العصبة ))
لقانون العصبة وفكرتها الاجتماعية بنية مختلفة الانتاج القيمي والسلوكي الاجتماعي عنها من فكرة اي قانون اجتماعي بنيوي آخر سواء كان ميثاقيا سياسيا او عقديا اقتصاديا او عهديا معتقديا ، فهي فكرة - العصبة القبلية - تتمكن من فرض قيمها على جميع الافراد المنضوين تحت لوائها الاجتماعي ، بحيث تتمكن هذه الفكرة والبنية من ادخال اي فرد تحت هيمنتها الى القبول بلعبة قانون العصبة القائم على طلب القوة وتوفير الحماية لجميع افرادها والمؤمنين بشرعيتها الاجتماعية ، مما يعني وبصورة مباشرة : ان لقانون العصبة عدة مبادئ رئيسية تقوم على الاتي : اولا : الولاء المطلق لمصالح القبيلة . ثانيا : الالتزام القيمي بقانون العصبة . وهاذان المبدآن من أهم المميزات القيمية الاجتماعية للكيانية القبلية وبنيتها الاجتماعية والتي تعكس الكثير من الظواهر الاجتماعية الطافية على سطح الاجتماع القبلي ، من قبيل : ان الفرد مسؤول مسؤولية كاملة عن كل ما يصدر من منظومة الاجتماع القبلي سواء كان هذا الفعل سلبيا اجتماعيا او ايجابيا نفعيا ، ففرد القبيلة ومن منطلق مبدأ الالتزام القيمي بقانون العصبة هو منخرط ومسؤول بشكل مباشر عن اي فعل يصدر من القبيلة باعتباره فردا قبل بلعبة الالتزام المطلق بقانون العصبة وبغض النظر عن لون او كيفية او نوعية الفعل الاجتماعي الذي سوف يصدر من منظومة الاجتماع القبلي هذه ، فان افرادها على استعداد للدفاع وحماية افرادهم مهما كان فعلهم القيمي الاجتماعي سيئا او صالحا في منظومة الاجتماع العام !. وهكذا عندما يبرز المبدأ الاول لقانون العصبة والقبيلة الا وهو (( الولاء المطلق لمصالح التجمع القبلي )) على سلوكيات وظواهر الانسان القبلي ، فهو انسان يشعر بالايمان العميق بمصالح العصبة - بغض النظر عن باقي المكونات الاجتماعية الاخرى- ، التي توفر له القوة من جهة والحماية من الجهة الاخرى ، فمن الطبيعي والحال هذه ان تنصرف كل طاقة الولاء الكامنة داخل هذا الانسان القبلي تجاه الاخلاص لمبدأ قانون العصبة وبنيتها الاجتماعية من منطلق : ان هذا الانسان لايمكنه التخلص من قوة فكرة العصبة المسيطرة عليه تماما من جهة ، ولايمكنه التفريط بما توفره له هذه العصبة من حماية من عاديات الزمان واعتداءات السلطان والمجتمع ، فهو لذالك شديد الولاء والاخلاص المطلق لمصالح التجمع القبلي هذا !. كل هذا وغيره استطاعت فكرة العصبة صياغته في قانون عرفي يتوارثه الاجتماع القبلي شفهيا وتربويا وبلا دساتير مكتوبة او مدونة ، للتدليل على ان فكرة العصبة ومع انها غير مدونة قانونيا ، الا انها ومع ذالك استطاعت ان تتكيف مع الانسان الاف السنين حتى وقتنا الحاضر ، وبنفس القوة لقانون العصبة العرفي القبلي ، فياترى : ماهو سرّ قوة هذه الفكرة ؟. وكيف لم تستطع الحضارة الانسانية بكل ثقلها السياسي والاقتصادي والديني ان تضعف ان لم نقل تقتل من روح القبلية وفكرتها البنيوية الاجتماعية ؟. هل فكرة العصبة وقانونها القبلي ايجابيا على الوجود الاجتماعي الانساني ؟. أم انه وجودا وفكرة سلبية على هذا الوجود الانساني وغائرا في اضعاف حضارته الانسانية ؟. ماهي وجهة النظر الحضارية تجاه الفكرة والوجود القبلي ؟. وماهي وجهة النظر المدنية تجاه هذه النمطية القبلية من الوجود ؟. وكيف تعامل الاسلام ببنيته العقدية مع فكرة وقانون العصبة القبلية هذه ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |