|
تخلـّص الشعب العراقي من صدام حسين " الشخص " ... لكن صدام حسين " الظاهرة والمنهج " ما زال موجودا ... تخلص الشعب من " الديكتاتور " ... أما " الديكتاتورية " فلم يتم التخلص منها ... الديكتاتورية ـ كمنهج في إدارة السلطة ـ هي الرحم الذي سينجب المزيد من الطواغيت .... والمستنقع الذي تتناسل فيه جراثيم الديكتاتورية ... الوقاية من تلك الجراثيم ، ليس بتوفير الأمصال واللقاحات ... إنما : بردم المستنقع لتقوم مكانه حديقة الديمقراطية .. لقد كشف أسلوب السيد المالكي في إدارة السلطة وصنع القرار وتنفيذه ، عن ولادة ديكتاتور جديد .. كشف عن " صدام " صغير ، سيأخذ في النمو ليغدو غولا ً كسابقه ، ما لم يضع الشعب وقواه الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني حدّا ً لهذا النمو الديكتاتوري ... والمؤسف ، أن الشعب وقواه الوطنية وما يُزعم بأنهم ممثلو الشعب ـ أعضاء البرلمان ـ لم يحاسبوا السيد المالكي على خروقاته للدستور وتجاوز صلاحياته كرئيس حكومة مُـكـلـَّف من قِـبَـل الشعب في إدارة السلطة وليس من قِـبَـل الحزب الذي يرأسـه ... الشعب هو صاحب السلطة الحقيقة ـ إذا افترضنا أن الديمقراطية هي شكل النظام في عراق ما بعد صدام حسين ـ وهو افتراض ينفيه أسلوب إدارة السلطة من قبل السيد المالكي .... السيد المالكي قد اعترف صراحة بخرقه للدستور حين أعلن بلسانه شخصيا في معرض حديثه عن " صولة الفرسان " بقوله : " أنا اتخذت القرار وحدي " .... هكذا ببساطة ... يقوم بتحريك عشرات آلاف الجنود والضباط من بغداد إلى البصرة ، بقرار فردي ّ منه ... هي إذن " جمهورية سوق مريدي " ... المغفلون وحدهم الذين يصدقون هذا الزعم .. فقرار تحريك هذا العديد من الجيش العراقي ، كان قرارا أمريكيا وبموافقة مسبقة من مندوبها السامي في بغداد !!! هذا الخرق للدستور ، سبقه خرق آخر لمبادئ العمل الديمقراطي ، حين أجرى إتفاقات سرية مع الرئيس الأمريكي جورج بوش عـبر دائرة تلفزيونية مغلقة ، دون رجوعه إلى البرلمان ـ بل ودون أن يعرف الشعب العراقي طبيعة وتفاصيل تلك الإتفاقات أو" التفاهمات " ( علما أن السيد المالكي ليس ملما ً باللغة الأنكليزية ، وقد يكون مستشاروه غير ملمّـين بها الإلمام الكافي لغلق أية ثغرات يمكن أن يدخل منها شيطان التفاصيل التي يجيد الساسة الأمريكيون تمويهها ) .. وحتى لو كان مترجمو السيد المالكي ملمـّين بالإنكليزية ، فإن مجرّد عقد تلك التفاهمات أو الإتفاقات في غرفة ٍ مُـغـلـقة ، يقود إلى الشكّ والريبة ... لأن الإتفاقات والتفاهمات النزيهـة تـُعْـقـَد تحت الأضواء وليس في الغرف المغلقة ... الإتفاقات والتفاهمات النزيهة تجري في الهواء الطلق لا في الدهاليز ... وتجري بين أطراف متكافئة ، لا بين آمر ٍ محتل ٍ ، ومأمور ٍ مكبّـل ٍ بقيود الإحتلال . في مؤتره الصحافي الذي عقده يوم الأربعاء الموافق 30/ 4 / 2008 عقب أحداث البصرة وسوق الشيوخ ، قال السيد المالكي مخاطبا الصحافـيين والإعلاميين: " أنتم الذين تضعون الزيت على النار وتؤججون الفتنة بين المواطنين وبين المواطن والحكومة ، هؤلاء سواء كانوا أعضاء في مجلس النواب أو في التكتلات وأحزاب سياسية أو في الحكومة الذين لا يتورعون عن إثارة الفتنة والحديث السيء عبر وسائل الإعلام يتحملون المسؤولية " والتهديد في هذا القول لا يحتاج دليلا ... إنه تهديد ليس للإعلاميين فحسب ، إنما ، ولشركائه في الحكم ، ولأعضاء البرلمان الذين اعـتبر مطالبتهم اعتصامهم في مدينة الثورة " إثارة للفتنة " وخروجا ً على طاعته ـ دون أن يأخذ بنظر الإعتبار انهم ممثلو قطاعات جماهيرية وليسو أعضاء في الحزب الذي يرأسه ... هكذا بكل بساطة إعتبر مَنْ يخالفه الرأي أو يحاول حقن الدم وإيقاف طاحونة الدمار والتقتيل العشوائي " مثيرا للفتنة " وسينال العقاب ... فالتهمة جاهزة إذن ، وعلى الأفواه والأقلام وأعضاء البرلمان والأحزاب الأخرى السكوت لأن " السكوت من ذهب " وأما الكلام ، فمن " صفيح وليس من فضة " ....فما حاجة الكلام إذا كان رئيس الحكومة قد خـوّل نفسه الكلام باسمها ـ غصبا على اللي يرضى واللي مايرضه ـ فقد سبقه في هذا المجال صدام حسين عبر شعاره : " إذا قال صدام قال العراق " !!! وبعد .... أليس من الصحيح القول ، إن العراق يشهد ولادة ديكتاتور جديد ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |