|
رياض عز الدين سليم قد لانختلف اذا قلنا ان كل الشعوب تعتز بمفكريها وروادها الاصلاحيين، وانها تفتخر بما قدمه هؤلاء من جهود من اجل اوطانهم عندما تكون الشعوب بحاجة الي اصلاحيين يقدمون ما لديهم من فكر ومعرفة، ويزداد هذا الاعتزاز اذا ما قدم الانسان حياته في سبيل تلك الافكار والاوطان. فنري كثيرا من الشعوب قد أسسوا مراكز دراسات تهتم بنشر تراث ذلك القائد او المفكر، او قد يضعوا له نصبا او رمزا ليكون شاخصا للاجيال حتي يستنار بفكره وتضحيته. اما في عراقنا الجديد فإن ما نقدمه لاجيالنا الواعدة عبارة عن متاجرة بهذه الشخصية او تلك، ونري بين الحين والآخر يخرج هذا التنظيم او ذاك لاقامة حفل تكريم لاحدي الشخصيات، ولكن ما يلفت الانتباه ان كل تكريم انما يتم من قبل الحزب الذي يتبني افكار تلك الشخصية او يدعي انه يتبناها، اوانه يتخذه متجرا ليبيع افكاره فيه، او يتذكره عندما يحتاجه في حملة انتخابية، او من اجل جمع اكثر عدد ممكن ممن يري ان في تلك الشخصية مميزات قد لاتوجد الا فيه او في من يتبني خطه وفكره. ولكن ما يلفت الانتباه هو محاولة بعضهم وخصوصا من هم في السلطة ومن المتنفذين في عراقنا الجديد تغييب شخصية وطنية قدمت كثيراً للعراق حتي آخر لحظة في حياتها. عز الدين سليم ذلك القائد المفكر والصحفي والكاتب والمؤرخ والسياسي ورئيس العراق الشهيد، سؤال اريد طرحه للملايين... ما السبب في محاولة تغييب هذا القائد؟ فاذا اردنا ان نخاطب المفكرين فهل لانهم اصبحوا بين مقتول وهارب، او الصحفيين بين مهدد وخائف او السياسيين بين قاصد لذلك او غير مهتم. فعز الدين سليم كان وخلال اكثر من اربعة عقود رائد الفكر الاصيل وصحفيا من الطراز الاول ورئيس تحرير لأكثر من أربع جرائد معارضة ابان النظام البائد وكاتبا في اكثر من عشر دوريات ومجلات واعلاميا عرف بين أقرانه بأنه صاحب الافكار المتجددة وكاتبا له العشرات من الكتب والتي اغني بها المكتبات الاسلامية والفكرية والاجتماعية ومحاضرا ومؤرخا وأخيرا وليس آخرا سياسيا تدرج حتي اصبح رئيسا للعراق الجديد حتي اعطي روحه وهو في هذا المنصب. فهنا اريد ان أتساءل هل من المعقول ان شخصية بهذا القدر من الاهمية تترك ولا تذكر في حياتنا اليومية ومواقعنا وقنواتنا ومؤسساتنا الثقافية او ان هناك اشياء اخري قد غابت عنا. خسارة كبيرة فأنا ادعو كل الكتاب والصحفيين وأصحاب الرأي والمفكرين للاطلاع علي هذه الشخصية الوطنية الكبيرة عز الدين سليم حتي تعطي حقها وخصوصا انه لم يبق الا أيام علي مرور الذكري السنوية الرابعة لاستشهاده. واقول ايضا ان استشهاد المفكر الشهيد عزالدين سليم في هذه المرحلة الحساسة من تأريخ وطننا العزيز يعتبر خسارة كبيرة للعراق وللعالمين العربي والاسلامي لما يمتاز به شهيد الوطن من عطاء للحركة الفكرية والاجتماعية والسياسية خلال عقود مضت من تاريخنا المعاصر. واذا اردنا ان نتحدث عن خارطة الاحداث الفكرية والسياسية خلال فترة الستينيات من القرن المنصرم حتي استشهاده، نري لشهيدنا الرمز مواقف وآراء بقيت شاخصة حتي بعد استشهاده، اضافة الي رؤيته السياسية والتي شهد له بها كل من عرفه، وافكاره وآراءه الفكرية منها والاجتماعية. وقد كانت افكاره اكثر وضوحا خلال فترة ما بعد سقوط النظام والي يومنا هذا بسبب الخلافات السياسية والفكرية الموجودة خاصة هذه الايام والتي كان شهيدنا بعيدا عنها دائما بل كان دائما يدعو الي لم الصف لهدف اسمي. فإن لشهيدنا السعيد أفكاراً بعيدة المدي تستوعب المرحلة والتي نمر بها من خلال طرحه افكار الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والقومية، اذ كانت علاقته مع كل التيارات والشخصيات والتي عرفته ايام المعارضة وحتي ما بعد سقوط النظام، وعطاءه الثر للحركة الوطنية وتوجهاته العراقية خير دليل علي معرفته بكل ما يجري في العراق، وما مواقف أغلب السياسيين ورجال الفكر والمعرفة حين استشهاده الا النزر اليسير من علاقته المتميزة والتي حاول من خلالها لم جميع مكونات الشعب العراقي في عملية البناء، وما اطروحاته التي طرحها بهذا الشأن الا طريقا من اجل ذلك البناء من خلال طرح حكومة الانسان، وبناء الانسان، ومشروع اللامركزية في الحكم وغيرها من المشاريع البناءة لاجل عراق جديد يحترم فيه المواطن والمواطنة ويتحقق فيه طموح ابن الرافدين بعيدا عن الأنا والذاتية والحزبية والطائفية. ولكن ان محاولة طمس هذه الشخصية الوطنية والتي سعت الي بناء عراق حر وكأنه لم يكن في يوم ما رئيسا للعراق فكأننا نقول لمن قتله عاشت تلك الايادي والا لماذا هذا التغييب. فنحن ندعو اليوم الي عدم قتله مرة اخري بتغييب افكاره وذكراه وخصوصا مع قرب الذكري الرابعة لاستشهاده. فسلام عليك يا عزالدين سليم وعلي كل المخلصين لك ولفكرك وعلي كل الصادقين بعملهم في عراقنا الجديد وعلي كل شهداء العراق. وأقول لقد بدأ القلب يعتصر، والمواجع تأخذني كلما اقتربت ذكراك سيدي يا أبا ياسين، اما في ذكراك الرابعة فإن للالم والمواجع طعما أكثر إيلاما علي القلب، لا لفقدك لأن الطريق الذي اخترته وتمنيته طيلة جهادك حصلت عليه بالجهادين الاصغر والاكبر، فقد جاهدت جهاد النفس فكنت مصداقا للصدق والاخلاص، لم تأخذك المطامع ولا الكراسي ولم تبعدك عن الطريق الذي اخترته لنفسك، وجاهدت الجهاد الاصغر حتي اعطيت نفسك رخيصة في سماء الصمود والتحدي من اجل الاسلام والوطن، وبذلك كشفت عن صدق نيتك وعقيدتك وانك كنت تتحرك باتجاه بناء نفسك وروحك حتي لقاء ربك عنك راضيا، تركت الدنيا وزخرفها ولم تتبع الاهواء ولم تبع دينك. سيدي يا عزالدين سليم: لقد كنت بحق عزا للدين، عزا بفكرك النير بكتاباتك التي بلغت المائة او يزيد بمحاضراتك الدينية والثقافية والفقهية والاخلاقية والتي بلغت المئات، عزا للدين والعراق بأفكارك المتجددة والتي كنت تطرحها بين الحين والآخر من الفيدرالية عام 1993 ــ وقتها من ينادي بها الان يعتبرها تقسيما ــ الي حكومة الانسان، الي البيت الشيعي، وبناء الانسان، وبناء روح المواطنة وغيرها. سليما بفكرك وخطك، لم تأخذك الاطماع ولم تجعل من السياسة والحزب اداة للتحكم بمصالح الناس ولا سلاحا للحرب علي الآخر، بل هي وسيلة لخدمة الوطن والشعب والدين، ولم تقدم نفسك ولا عائلتك ولا المنتمين لخطك علي غيرهم من ابناء جلدتك بل كنت تري الناس سواء.... مقتديا بذلك بأمير المؤمنين علي عليه السلام. سيدي يا أبا ياسين: اما اليوم فإننا نري كثيرا ممن ادعوا ما انت عليه من فكر اصيل، قد اخذوا التحزب والتسلط والكرسي هدفا لملء جيوبهم وحساباتهم وبناء القصور علي حساب الناس، واصبحوا لا يميزون بين حق ولا باطل الا ما يمليه عليهم شياطينهم، واصبح الدين وسيلة لاكتساب المصالح الدنيوية والمناصب. فسلام عليك يا أبا ياسين وعلي فكرك النير وعلي جميع الشهداء السعداء معك في جنات الخلد وعلي شهداء العراق جميعاً.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |