|
الأسلام وبنيته الاجتماعية مابين المدنية والقبلية ... أعادة قراءة - 5 -
حميد الشاكر أ : - (التنوع فكرة البنية المدنية) مصطلح (المدنية) من المصطلحات الشائعة الاستخدام والمختلفة المعاني والمقاصد على السنة وفي أقلام الكتاب والمفكرين القدماء منهم والمحدثين، ولكنّ وعلى اي حال نقصد به هنا وبالتحديد المصطلح التقني والعلمي، وليس الاخلاقي او الفني، للتجمع الانساني المتعدد الاتجاهات والافكار والميول والمصالح، فالمدنية هنا عبارة عن مصطلح او مفردة تضم تحت جناحيها تجمعات بشرية مختلفة وباتجاهات فكرية متعددة وبمصالح مختلفة تجمعهم رابطة التمدين وهدف العيش المشترك، هي، المدنية اشمل واوسع بطبيعة هذا المنطق من باقي التجمعات الانسانية المتنوعة الاخرى، كما وان هذه المفردة مشتقة من (المدينة ) هذا المكان الجغرافي الذي يستقطب الكثير من التنوعات الانسانية والتي تعمل فيهم روح السياسة والحكم والاقتصاد والتجارة والدين والخرافة والفن والصناعة ... من جهات متعددة !. ومن هنا وسمت المدنية ودائما على اساس انها ابعاد فكرية واقتصادية واخلاقية متنوعة، مرة تكون متنافرة واخرى متناغمة، وليس لها ضابط وقيامة الا من خلال الشرائع والدساتير والقوانين المكتوبة، والتي تراعي وبقدر المستطاع هذا التنوع البشري الذي يشكل البنية الاساسية لقيام تجمعات المدنية القديمة والحديثة منها . نعم للبنية المدنية فكرة موحدة تقوم على مفهومة ((التنوع الانساني)) الذي يكون هو وبالفعل روح هذا التمدين وثمرة وجوده الاصيل، ومن ثم اذا اردنا الوصول او اكتشاف الفكرة التي تقوم عليها بنية الاجتماع المدني فنحن مرغمون على الاخذ بفكرة (التنوع) باعتبارها الضابط والسمة والصفة للتجمعات الانسانية المتمدينة - اي ساكنة المدن - وذالك من منطلق ان هذا التنوع هو الممثل الواقعي لروح المدنية، واي مساس او تلاعب ديمغرافي او فكري او سياسي او ديني بنمطية هذه الوجودية المدنية يعني وبشكل واضح رفع مفهومة التمدين تماما من هذا التجمع الانساني او ذاك الاخر البشري، ليحل محلها التجمعات العرقية او الاخرى السياسية او الاقتصادية الموحدة او الدينية العقدية، التي يغلب عليها الطابع الموحد منها من الطابع المتعدد الاعراق والاتجاهات والمصالح والاخلاقيات .....الخ !. اذن : مصطلح او مفردة المدنية يختلف او تختلف عن باقي المصطلحات الاجتماعية في وجودها وصورتها العملية، اولا في الشمول والسعة، وثانيا في انها أطار يضم داخله فكرة (التنوع) باعتبارها البنية او فكرة البنية الاساسية للاجتماع المدني الانساني، وتختلف هذه الفكرة والبنية المدنية منها عن باقي الافكار والبنى الاجتماعية بالاتي : اولا: الفكرة والبنية السياسية . تقوم الفكرة والبنية السياسية على اساس (الحماية والدفاع) عن الافراد المنضوين تحت بنيتها الاجتماعية بميثاق العقد السياسي المبرم بين الافراد والهيئة السياسية المسماة دولة او حكومة، وليس لها علاقة تذكر هذه الفكرة والبنية السياسية ان كان المجتمع متنوعا او موحدا في اسلوب عيشه وانماط تفكيره واساليب اخلاقه واديانه المختلفة، وهذا بعكس فكرة وبنية الاجتماع المدني القائم على فكرة واصالة وبنية التنوع في الاجتماع الانساني، والناظرة وبشكل مباشر الى مصداقية الفكرة البنيوية للمجتمع المدني وهل هي متوفرة وقائمة او منتفية ولاغية، فأن وجد مجتمعا تتحرك فيه مفردة التنوع البشري فهو مجتمع مدني، وان وجد مجتمعا تطغى عليه فكرة الحماية والدفاع والفرد والدولة، فهو مجتمعا سياسيا وليس مجتمعا مدنيا هذا !. ثانيا : الفكرة والبنية القبلية . كذا عند مقارنة فكرة وبنية الاجتماع المدني بالاخرى القبلية، فاننا سنلاحظ وبادنى تأمل الاختلاف الكبير بين الفكرتين والبنيتين الاجتماعيتين القبلية والمدنية، ففكرة البنية القبلية وكما ذكرنا هي (العصبة) ورابطها الاساس الدم والتحالفات القائمة على مبدأ التعصب، وهذا بالنقيض تماما من فكرة التمدين القائمة على القانون الحَكم او التعايش المتنوع الذي يلغي فكرة العصبة صاحبة الدماء الموحدة ليحل محلها فكرة التنوع والاختلاط البشري، وكذا في معرض السؤال عن الاهداف المعلنة للتجمعات المدنية والمختلفة بطبيعة الحال عن التجمعات القبلية، ففي البنيوية القبلية يكون هدف القوة من التجمع واضحا تماما، ففكرة العصبة لم تقم بنيانها القبلي الا من اجل احراز القوة، وهذا بعكس فكرة التنوع التي اقامت بنيانها المدني على اساس الانتعاش والتعايش والنمو والاستقرار والبناء فحسب، وليس للقوة في فكرة الاجتماع المدني الا من حيث هي متنوعة الوجود فحسب، فليس مفهوم القوة منحصرا في المجتمعات المدنية في جانبها الدفاعي او الهجومي الحربي لعصبة وشوكة القبيلة، لابل مفهومة القوة والشوكة في المجتمعيات المتمدينة تأخذ الاشكال المتنوعة لتكون قوة اقتصادية تجارية واخرى سياسية حربية وثالثة عمرانية حضارية .... وهكذا، فمفهوم القوة مع تعدده وتنوعه في المجتمعات المدنية، الا انه ليس هو الهدف من فكرة الاجتماع المدني بقدر ماهو مفردة من مفردات القيام للوجود المدني هذا !. وهكذا يكون الاختلاف بين فكرتي وبنيتي ووجودي الوجود المدني منه عن الوجود القبلي في الفكرة وفي البنية وفي الاهداف والغايات الكبيرة والصغيرة، فهناك تمايز واختلاف كبير جدا بين المدنية والقبلية ولا اقل من ذكر ان حركة الانسان داخل هاتين البنيتين حركة معاكسة تماما، فبينما يكون انسان المدن مرغما على السير والانفتاح على الخارج القيمي والفكري والديني والطبقي في حياته الاجتماعية في الاجتماع المدني المتنوع ليتمكن من العيش والتفاعل مع المحيط الاجتماعي المختلف، يكون الانسان القبلي مرغما على السير الى الداخل والتقوقع عن الخارج والاحتفاظ بالولاء للعصبة، والتمترس داخل اطار الاجتماع الصغير والنظر الى العالم الخارجي على اساس انه مهدد وعدو يجب الحذر واليقضة منه، وهذا نتيجة طبيعية في اختلاف فكرة البنيتين واهدافهما والغايات المؤسسة لوجودهما في هذه الحياة التي قسمت المدينة مفتوحة الابواب والقبيلة التي هي موصدة الجدران . ثالثا : الفكرة والبنية الاقتصادية . لايختلف الحال كثيرا في الفكرة والبنية الاقتصادية ومدى اختلافهما عن الفكرة والبنية الاجتماعية المدنية عن اخواتهما السياسية والقبلية ايضا، فكما ذكرنا الاختلاف السياسي والاخر القبلي في البنية والفكرة، كذالك هنا فأن منشأ الخلاف والاختلاف بين الاجتماع الاقتصادي عنه من الاجتماع المدني يتعدد بتعدد فكرة البنية الاجتماعية وحركة ورؤية الاجتماع الاقتصادي منه عن الفكرة والبنية المجتمعية المدنية ايضا، فمجتمع الاقتصاد قائم في القديم على فكرة عامل واحد كان الاساس في تأسيس نواة الاجتماع الانسانية الا وهي المصالح الاقتصادية للافراد، وكذا في العصر الحديث قامت فكرة العامل الاقتصادي في وسائله الانتاجية وكيفية ان تكون هذه البنية الاقتصادية هي الاساس في توحيد الاجتماع الانساني والقاعدة لكافة ظواهره السلوكية الاجتماعية وتصوراته الفكرية والفنية والدينية، والخلاصة هي ان فكرة الاقتصاد هي اللبنة الاولى المؤسسة لهيئة الاجتماع الانساني فحسب !. وهذه الفكرة البنيوية للمجتمع الاقتصادي هي التي قسمت المجتمع الى طبقات غير ملتقية المصالح ابدأ بل والمتنافر او المتناقض الوجود على الاطلاق، مما ادخلنا في حالة انقسام عميق بين المجتمع الواحد ومن ثم انشطار نواة الاجتماع في ومن خلال عملية ديالكتيكية متدحرجة، كلما وصلت الى مرحلة انشطرت هذه النواة من جديد لتقوم بنفس عملية الصراع مع شقيقتها الطبقية، وهكذا دواليك !. ولاريب ان هذه الفكرة الاقتصادية التي أسست لبنية الاجتماع الاقتصادي هي مختلفة بطبيعة الحال عن فكرة التنوع المؤسسة لبنية الاجتماع المدني، والذي هو ومن اساسياته دعم وجود التنوع الاقتصادي والسياسي والاخلاقي والديني، بل واعتبار هذا التنوع هو من اساسيات فكرة الاجتماع المتمدين، فلاتقوم المدن الا من خلال جميع الطبقات الاقتصادية القابلة بلعبة الانتاج والتوزيع والاستقرار وبلا حرب او تنازع او صراع طبقي بين هذا وذاك، وكذا الحال في التنوع السياسي والاخر الاجتماعي والرابع الديني، والخلاصة ان فكرة الاجتماع والبنية الاقتصادية هي مختلفة عن فكرة وبنية الاجتماع المدني في كون التنوع وفكرته هو وبطبيعته مختلف عن فكرة العامل الواحد المقيم للمجتمع الانساني باعتبار ان هذه الواحدية هي بالضد والنقيض من فكرة النوعية والتنوع في فكرة البناء الاجتماعي فحسب، وهذا بغض النظر عن السلبيات الاجتماعية التي تنتجها فكرة البنية الاقتصادية على حركة الاجتماع وتوحد حركته في جهة واحدة معينة تغلق جميع الابواب بوجه حركة الانسان الابداعية الاخرى التي توفره بنية الاجتماع المدني المعبر عن ذاته بحرية اكبر وباحتكاك مع جميع العوامل الانسانية الاخرى بصورة اعمق ب : - (التنظيم قانون البنية المدنية) عندما يقال ان :(التنوع فكرة البنية المدنية) فلاريب عندئذ يبرز لنا من يسأل عن صورة هذا التنوع الانسانية والاجتماعية وكيفية حركته والهدف والغاية من وجوده الاجتماعي .... ؟. وغير ذالك، باعتبار ان اي تنوع حتما اذا لم ينظم بقانون فهو تضارب وفوضى لها اول وليس لها آخر على الاطلاق، ومن هنا فرضت فكرة التنوع المدنية نمطية حركة الاجتماع المدني على اساس وجود قانون او دستور او شريعة تنظم من حركة هذا الاجتماع المتنوع، وتحدد اطارات كل فرد وجماعة في هذه المدينة الانسانية، وكل ذالك على اساس فكرة القبول بالتنوع الانساني والانخراط بالعيش المشترك، فلا مدينة على اساس هذه الصورة بلا قانون، ولاقانون بلا مدينة، فالمدينة بطبيعة وجودها الانساني تنتج قانون المشاركة المتنوعة، وعندما ينتفي قانون المشاركة الاجتماعية من اي مدينة اجتماعية، فحتما سوف تتحول هذه المدينة الى نظام اخر مختلف تسيطر عليه العصبة او فكرة وبنية المجتمع السياسي الايدلوجي او الاقتصادي الذي لايؤمن كثيرا بمفردة التنوع الانساني وحقه في الوجود القانوني الذي يضمن له حق التعايش مع الاخر وبنفس الحقوق والواجبات الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية .....الخ . نعم ان وجود القانون المنظم لطبيعة وحركة الاجتماع الانساني في اي مجتمع ما، ليس هو دليلا الا على ان هذا المجتمع يؤمن بفكرة التنوع المدنية التي انتجت بنية الاجتماع المدني والذي انتج وبالحتم نظام وقانون الاجتماع المدني هذا، والعكس ايضا صحيحا عندما تنظر بقوة الى وجود مجتمعا متنوع الاتجاهات والاعراق والافكار والمصالح متحركا على ارض الواقع، فانك حتما ستستدل على ان هناك بنية اجتماعية أسست لها فكرة التنوع هذه القاعدة وهذا السطح الذي برز بشكل تنوع انساني مدني متحرك بأنتظام وبلا تصادم او تنافر يذكر بين افراده والمنخرطين في لعبته الاجتماعية هذه !. الغرض : هو القول ان التنظيم الاجتماعي كقانون، هو بالاساس ليس منتجا لبنية الاجتماع السياسي او الاقتصادي او القبلي او غير ذالك، بقدر ماهو منتج طبيعي لبنية الاجتماع المدني القائمة على فكرة التنوع الانسانية هذه، والتي هي وبطبيعتها الانسانية تحتم فكرة وجوب النظام وقانون النظام الذي يحفظ وحدة وقيام المدن الاجتماعية الانسانية هذه، فالنظام المدني هو منتج لنواة فكرة التنوع المدنية، وما القوانين والشرائع والدساتير ... التي تتعامل مع هذا الواقع الانساني المتحرك الا نتيجة لوجود نظام المدن والمدنية، وليس نظام المدنية وفكرة التنوع التي اقامت بنية الاجتماع المدني هي منتج القوانين والدساتير والشرائع والمراسيم الحكومية فافهم ذالك !. بمعنى آخر : ان حالة التمدن والتطلع الى الحركة الاجتماعية المنتظمة .... وغير ذالك من شؤون انسانية يخلقها واقع الاجتماع المدني تلقائيا ومن نفسه، كمنتج طبيعي لفكرة التنوع الاجتماعية المدنية، وليس كل هذه العملية الانسانية النظامية الاجتماعية هي وليدة النصوص القانونية او الاحكام الشرعية او المراسيم الحكومية، التي تأتي بعدا من وجود هذا النظام وتلك البنية الاجتماعية وهذه الفكرة التي اسست لوجود الاجتماع المدني هذا !. ومن هنا قلنا ان :(التنظيم قانون البنية المدنية) اي ان البنية المدنية التي انتجتها فكرة الايمان بفكرة التنوع الاجتماعية هي التي خلقت روح التنظيم الاجتماعية ليأتي فيما بعد القانون ليصيغ مواده الدستورية لادارة مجتمع المدينة هذه حسب مايؤمن من فكرة ومايتبنى من بنية اجتماعية مدنية هنا، والحال نفسها عندما قلنا ان :(القوة قانون العصبة القبلية) باعتبارها منتج طبيعي لفكرة العصبة وبنيتها الاجتماعية، فكذا الحال عندما نقول ان ((التنظيم قانون البنية المدنية) فاننا نعني ان النظام وقانون النظام ماهو الا منتج طبيعي لفكرة وبنية الاجتماع المدني وتنوعه المباشر، والذي لايمكن ان تتغير نتائجه من انتاج روح التنظيم الاجتماعية التي اولدتها بنية المدينة، الى انتاج روح القوة - مثلا - بدلا من ذالك، باعتبار ان روح وقانون القوة قاتلا لبنية الاجتماع المدني القائم على التعايش وليس على الغلبة والقهر كما هو الحال في بنية وفكرة القبيلة والشوكة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |