16 مايس اليوم الوطني للمقابر الجماعية في العراق .. جريمة عصية على الطمس والنسيان

 

الدكتور طالب الرماحي

احتفل الشعب العراقي لأول مرة باليوم الوطني للمقابر الجماعية في العراق في يوم 16 مايس 2007 ، وحضر حفل احياء هذه المناسبة الأليمة السيد رئيس الوزراء والكثير من رجال الدولة العراقية ، ورافق احتفال الحكومة العراقية الكثير من الفعاليات في داخل العراق وخارجه ، وكان المؤتمر الأول للمقابر الجماعية في العراق والذي أقيم في لندن في 16 أيلول 2006 والذي أقامه ( مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا ) شكل أساسا لجعل يوم وطني لهذه الجريمة الكبرى حيث صادق مجلس الوزراء العراقي على البند الثالث من توصيات مؤتمر لندن والذي نص على ضرورة جعل يوم وطني للمقابر الجماعية في العراق كخطوة مهمة لاستذكار مئات الآلاف من الضحايا التي دفنت تحت الأرض من قبل النظام الصدامي المقبور لأسباب طائفية وسياسية .

وهذه الأيام تمر الذكرى الأولى لهذه المناسبة ، إلا أن ما أقيم من مراسيم لم تكن بحجم ومستوى هذه الجريمة ، وقد اكتفت شبكة الإعلام العراقي ببرنامج استمر لساعتين تحدث فيها عن اليوم الوطني للمقابر الجماعية وعن الجرائم التي اقترفها النظام السابق بحق الشعب العراقي والتي تعتبر ضربا قاسيا من إبادة الجنس البشري .

فيما أحجمت بقية وسائل الإعلام وفضائياتها والتي تعتبر نفسها من ضحايا النظام العراقي عن التحدث عن هذه المناسبة ، وكان ينبغي عليها أن تبادر إلى إحياء هذه المناسبة بعيدا عما تفعله أو لاتفعله الحكومة الغارقة في الكثير من المهام الأمنية وغيرها أو مشغولة بمحاربة الفساد والمفسدين من جانب آخر ، ونحن إذ نعتبر الحكومة العراقية باستخفافها بهذه المناسبة مقصرة في واجبها اتجاه ضحايا المقابر الجماعية وكل أبناء الشعب العراقي نعتبر أيضا أن الفضائيات الشيعية التي أعطت ظهرها للمناسبة ترتكب خطأً فادحا وتبدي من خلال ذلك عدم شعورها بمسؤولية كبرى اتجاة هذه المناسبة لاسيما وأن ذلك يدل على عدم تعامل هذه الفضائيات مع قضايانا المصيرية بإسلوب يعكس قابلية  ما على أداء واجباتها الوطنية والدينية والإنسانية .

لقد ذكر أحد المسؤولين في شبكة الإعلام العراقي أن السبب في عدم الاحتفال بهذا اليوم كما ينبغي يعود إلى الحملة التي تشنها الحكومة العراقية على فلول القاعدة في الموصل . فالحكومة لاتريد أن تبدو من خلال الاحتفاء بالمناسبة أنها تريد الانتقام من (الطرف الآخر) ،ونعتقد أن هذه الذريعة لايمكن لها أن تقنع يتامى وأرامل وأمهات وآباء الضحايا ، وأن ذلك يشكل عملية هروب عن واجب وطني مقدس .

وإذا كانت الحكومة العراقية ووسائل إعلامها لها ما يبرر تلكؤها في الاحتفاء بهذا اليوم فما هي أعذار المنظمات الإنسانية العراقية الأخرى والمؤسسات الشعبية ووسائل الإعلام المستقلة والتي هي غير ملزمة بما يلزم الحكومة سياسيا ؟ فهذه المؤسسات هي الأخرى لم تفعل بما يستوجبه الواجب الوطني والإنساني وبقيت صامتة غير مكترثة، وهذا مؤشر على تخلفنا في طبيعة تعاملنا مع قضايانا والكوارث التي تحل بنا وهو أيضا دليل على أننا لم نبلغ بعد الحد الأدني من الوعي الذي امتلكته الأمم قبلنا واستطاعت بحكمتها أن توظف مآسيها توظيفا دقيقا استطاعت من خلالها أن تحفر مظلومياتها في جبين التاريخ وتحقق الكثير من المكاسب الوطنية والعالمية .

إن ضحايا جريمة المقابر الجماعية بلغ نصف مليون، الكثير منهم دفن حيا ومن بين الضحايا اطفال ونساء وشيوخ وفتيان، وأن المتضررين من هذه الجريمة تجاوز الستة ملايين وهي بذلك تعتبر من الجرائم الكبرى التي تتعرض لها الشعوب في العالم وهي وفق ما أقرته مباديء حقوق الإنسان والقوانين الدولية ومنها قوانين منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تعتبر من جرائم إبادة الجنس البشري، والذي يؤسف له فأننا لم نفهم بعد هذه الحقيقة ولو أننا فعلاً ندرك ذلك لتعاملنا معها بجدية وبإسلوب يضفي عليها الكثير من الاهتمام والقدسية.

من خلال تعاملنا مع هذا الملف المهم وخلال السنتين الماضيتين استطعنا أن نكتشف الكثير من الأمور التي تبعث الأسى والأسف، فهذه الجريمة الكبرى والتي عرضتها وسائل الإعلام بشكل صارخ لايقبل الشك نرى أن الكثير من الجهات العربية والطائفية تحاول أن تشكك بها وتدفعها باتجاه آخر يبعدها عن مرتكبيها الحقيقيين وهم أجهزة النظام البعثي الصدامي السابق المدعوم ماديا وعسكريا وإعلاميا من قبل الحكومات العربية ، ونحن نعتقد أن طبيعة المعركة تفرض على أعدائنا هذه المواقف ، لكن كيف نبرر مواقف بعض الجهات السياسية الشيعية السلبية من هذه الجريمة ، وكيف نبرر تعامل بعض الشخصيات الشيعية التي تتبجح بوطنيتها ورفضها لجرائم النظام السابق وهي تحاول أن تضع ملف الجريمة في درج مقفول ، بل تحارب حتى أولئك الذين يجاهدون من أجل إخراجها من درجها الحالك إلى عالم النور .

إن من أبناء شعبنا العراقي المظلوم من لايقبل أن يستهان بدمه ، وأن في هذا الشعب ما لدى شعوب العالم الحر من اعتزاز بكرامته ولديه من القدرات التي تجعله قادر على جعل هذه الجريمة حية وفاعله وعصية عن الطمس والنسيان مادام دجلة والفرات يجريان في بدن العراق .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com