|
المجتمع العراقي وخلق "قيم جديدة" للأخلاق!!
سهيل أحمد بهجت أبشع جرائم التاريخ هي تلك التي ترتكب باسم الله والدين، ثم يليها تلك التي ترتكب باسم الشعوب وحريتها، والإنسان بطبعه متحيز يبحث على الدوام عن "تبرير" لسلوكه الإجرامي ولإساءته إلى الآخرين، ولكن هذا لا يعني أن كل البشر هم من هذا الصنف والطبع، فهناك وعلى مرّ العصور من يبحث عن العدالة والحرية والإنصاف، وهؤلاء غالبا ما يتجاوزون البعد الديني ـ الضيق ـ والنعرات القومية، وكلما ارتقى الإنسان في الجانب المعيشي كلما تهيأت الفرصة لارتقاءه الفكري والعقلي لبناء منظومة أخلاقية متماسكة ومتصالحة مع الحضارة، ومشكلتنا نحن في الشرق المسلم أننا اختصرنا الأخلاق في المسائل الجنسية وجسد المرأة، أما احترام الآخرين كبشر وتقديس القانون والعدالة واحترام البساطة واحتقار التكبر والسعي إلى تحرير الفرد، فهذه مسائل مطمورة في الكتب ولا علاقة لها بالنظام القيمي للأخلاق. وكما أكد السيد العلامة هاني فحص، فإن العالم الإسلامي والشرق الأوسط على وجه الخصوص، بحاجة إلى منظومة معرفية قيمية جديدة تتجاوز "أخلاق القبيلة" المحصورة في الغلبة والغزووقتل الآخرين. ثقافتنا الحالية ولنقل أخلاقنا التي نتعامل بها تدور حول أن الغاية هي "البقاء على قيد الحياة" وأن "لقمة خبز" تفي بالغرض، إن القناعة في مجتمعاتنا تمثل مخدّرا أساسيا من جملة المخدرات التي أوقفت العقل المسلم ـ والعقل العراقي يهمني ها هنا كونه جزءا من هذه العقلية ـ فكل شخص في المجتمع ينظر إلى نفسه وعائلته وكأنه يعيش في بيئة الصحراء حيث بالكاد يحصل المرء على قوت يومه، بينما أرض العراق تحوي ثروات ضخمة قد تكفي قارات بأكملها، لكن مرة أخرى نعاني لأن المواطن يجهل كيف يستفيد من هذه الثروات حيث أن بإمكانه الوصول إلى هذا الهدف عبر الضغط على حكومته المنتخبة وعبر تهديد المواطن لهذه الحكومة بأنه يستطيع إسقاطها في الإنتخابات القادمة في حال لم تلبي طلباته وحاجاته، ونرجومن العراقيين أن لا يكتفوا بطلب الأرزاق وبعض المؤونة والكهرباء!! بل حياة الرفاهية والبذخ والسعادة، لأن كل هذه الحياة لن يأتي من جيوب الحكّام، الرؤساء والوزراء وغيرها من مراتب السيادة، بل هي ثروات الشعب والمواطن الذي ينتظر من السياسيين توفيرها بأسرع وقت. وللأسف فإن أولى وأهم خطوة في هذا الشأن وهي "الإصلاح الديني" لم تتحقق إلى الآن فغالبية رجال الدين يخلطون الدين بالسياسة وهم إما تبع للحاكم وأنهم يريدون أن يكونوا هم الحكام المستبدون ـ نموذجا للمثال الأول العراق قبل 2003 وسائر المنظومة العربية والإسلامية ونموذجا للمثال الثاني إيران وأفغانستان طالبان ـ وطالما تم استغلال الدين لأغراض سياسية وكوسيلة للوصول إلى الحكم وتبرير الحكم، بل إن هناك ممن يرفع شعار "الإسلام المعتدل"!! من يؤمن بكل صراحة بأن الديمقراطية ـ تتناقض وتختلف مع الإسلام ـ وأن حكم الشعب للشعب هو"أمر واقع" ليس إلا وأن الواجب الحقيقي يقتضي "إقامة حكم الله" ولكنهم حينما يُطرح عليهم السؤال: أليس هناك من بين البشر من سيقدم نفسه على أن ـ تفسيره ـ هوالذي يمثل المعنى الحقيقي للإسلام؟ وبالتالي نقع مرة أخرى تحت طائلة السؤال الشكي الذي يقول: أن لا ضمان هنا مرة أخرى إلى تحكُّم فئة وعصابة وبيوتات وعوائل بالسلطة وهذه المرة سيكون التغيير أصعب لأن الدكتاتورية ستكون متلبسة بالشرعية الدينية ومعلوم أن القومية والآيديولوجيات الأخرى لا تملك قوة وهيمنة الدين وبالتالي يكون الأمل شبه معدوم في خلق تغيير آخر. إن العرب لم يمتلكوا قانونا حينما ظهر الإسلام، على عكس أوروبا وشمال أفريقيا التي كانت منتظمة تحت الحكم الروماني المعروف بقوانينه التفصيلية، لذلك جاء الإسلام آنذاك بقوانين "شريعة" لمجتمع كان فاقدا للدولة والنظام، لكن الفارق ها هنا هوأن القوانين الرومانية لم تلبس بثوب التقديس والعصمة على عكس القوانين الإسلامية التي لبست لباس التقديس وبالتالي تعطل وامتنع أي مجال للتطوير وتكييف هذه الشريعة مع تغيرات الزمن وتطور المجتمعات، وأكبر دليل على ضرورة تطوير هذه الأحكام الفقهية بما يتلائم والحداثة هواختفاء الكثير من المعاملات الفقهية على صعيد الواقع، كـ"الرق" و"العبودية" حيث أن الإصرار على إبقاء هذه الحالة العبودية بحجة أنها للموائمة بين الشريعة والواقع سيكون إهانة للدين، وكان جعفر بن محمد الصادق يمنع من مناداة العبيد بـ"عبد" ويحظ على جعلهم إخوة وأخوات كإشارة إلى هذا المعنى (أي الحرية). حينما لا نخلط بين الدين والسياسة ونترك للأفراد حرية الرفض والقبول، نحصل على القيم الجديدة وتثمر مجتمعاتنا ديمقراطية وحرية وكرامة إنسانية، وأرفض استغلال الدين والعقيدة بأي حجة كانت وسواء كان الإسلام دين أكثرية وأقلية في عراق الإنسانية، لأن كل فرد مسؤول شخصيا عن قناعته وموقفه من الدين (أيا كان هذا الدين) ولا دخل للحكومة وأي حزب ومنظمة سياسية في هذا القرار الذي لا يملك الحكم عليه إلا الله في الآخرة ويوم الحساب، ومهما نظـّر وبرّر السلفيون ـ على مختلف مذاهبهم ـ موقفهم السلبي من تغيير المسلم لعقيدته وحتى من جزيئية صغيرة في الدين! فإن الواقع والعقل وغالبية آيات القرآن تكذبهم وتظهر بطلان ادعاءاتهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |