|
وقفة تأمل أمام الحدث اللبناني .. (1 – 2)
صلاح بدرالدين مدخل ازاء حملة الاثارة والمبالغة من وسائل الاعلام الحزبية الآيديولوجية وغير المستقلة في لبنان أو المنابر الرسمية السورية والايرانية من أخبار مطعونة في صدقيتها وتحليلات سطحية هادفة الى تصوير حالة شعاراتية مرسومة مسبقا خاصة بعد اسكات الصوت الآخر بالقوة منذ اللحظة الأولى من بدء الهجمات العسكرية واحراق واتلاف شبكة اعلام تيار المستقبل من الضرورة بمكان وأيا كانت نتائج مساعي الجامعة العربية وحوار الفرقاء في الدوحة قراءة المشهد اللبناني كما هومن جوانبه المختلفة بموضوعية وتشخيص طبيعة المرحلة السياسية الراهنة وشكل ومضمون الصراع الدائر هناك وعلاقته بأحداث وقضايا البلدان العربية خصوصا وشعوب الشرق الأوسط على وجه العموم وصلته بمسألة السلم والحرب والتغيير والاستقرار والجهود الرامية الى استئصال ظاهرة الأصولية الدينية – الطائفية المستفحلة ومواجهة الارهاب ذات الطابع العالمي مما تساعدنا على امكانية الخروج بنتائج واستخلاصات واقعية تكشف عن حقائق الحدث وتنير الطريق أمام كل من يريد التعامل مع الوضع اللبناني بهدف نصرة قوى الشعب اللبناني الخيرة العاملة في ساحتها الملتهبة من أجل قضايا الحرية والديموقراطية والسيادة والقانون والعدل والسلم الأهلي ذات الصلة الوطيدة المباشرة بساحات المنطقة كلها المتشابهة بتفاوت في أسباب ومصادر الأزمة العامة وحلولها المرتقبة وذلك بمراجعة وتقييم المسائل التالية : عوامل الصراع تبدلت عوامل وأسس وأسباب الصراع الداخلي في لبنان في غضون العقود الأربعة الأخيرة لمرات متتالية بفعل التحولات السياسيةالعميقة على مختلف الصعد فمنذ أن قامت الدولة اللبنانية ككيان تعددي بموجب عقد اجتماعي دستوري قانوني بين مكوناتها الدينية والمذهبية استندت في نظامها السياسي على مبادىء الديموقراطية والحريات العامة وتوزيع السلطة والمشاركة في القرار بأكبر قدر من العدل والمساواة وهذا ما رشح هذا البلد لتبوىء مكانة لائقة كنموذج حضاري مميز وشهدت هذه المرحلة رجحان كفة الأمور الداخلية في الحياة السياسية لللبنانيين حتى بداية سبعينات القرن الماضي والانتقال اللاارادي بعد أحداث الأردن لمنظمة التحرير الفلسطينية الى الساحة اللبنانية مما اتخذ الصراع السياسي طابعا آخر حيث تعاظم الموضوع الفلسطيني كجزء من قضايا العرب القومية واحتل مكان الصدارة في المعادلة الداخلية بذيولها الأمنية والعسكرية الى درجة الاحتراب بين قوى اختلفت حول المواقف والتوجهات الا أن ظهر العامل السوري بما هو هيمنة ومصادرة للقرار اللبناني ووصاية قسرية من طرف خارجي على مقاليد السلطة والادارة والاقتصاد بكل افرازاتها السلبية من فتن وعدم ثقة بين الطوائف والمذاهب وتغلغل أمني سري وعلني في ثنايا مختلف جوانب الحياة واطلاق العنان لتنفيذ جرائم الاغتيال السياسي مما اتخذ الصراع طابعا جديدا تصدرته شعارات الاستقلال والسيادة التي مازالت تكلف الوطنيين اللبنانيين أثمانا باهظة حتى بعد طرد النظام السوري عسكريا شر طردة لأنه استطاع خلال أكثر من ثلاثة عقود من بناء بنية تحتية مخابراتية ورعاية وتنشئة قوى ومجموعات تابعة من أرباب الطائفية السياسية وعصابات بأسماء منظمات حزبية مفلسة شعبيا من المرتزقة شكلت منظومة أمنية – عسكرية شبه سرية باشراف حزب الله بأجندة مذهبية وميول واضحة لزعزعة أركان الدولة الحديثة ونزوع عدواني – ارهابي تجاه الشرعية والقوى الديموقراطية وتبعية مطلقة لمحور طهران – دمشق وتداخل كل ذلك مع العامل الاسرائيلي المزمن منذ النكبة الفلسطينية المعادي ان كان باحتلال مناطق من لبنان في السابق وظهور وتنامي ونجاح مقاومة الاحتلال من جانب معظم اللبنانيين وقواهم الوطنية والديموقراطية واليسارية على وجه الخصوص مع دور بارز لحزب الله الشيعي لأسباب قد تكون جغرافية ووطنية حيث تتصدر تلك الطائفة الكريمة مثقفون ومناضلون لعبوا دورا هاما في حركة اليسار والتقدم والى جانب المقاومة الفلسطينية الا أن أضيف العامل الايراني الملتبس الذي غير من وجهة المعادلة وأمسك بمفاصل – اللعبة - مما دفع باتجاه تغيير الملامح الرئيسية لطبيعة الصراع ومنح الأولوية للحفاظ على استقلالية واستمرارية لبنان التعدد والحضارة وأسس خصوصية الدولة القائمة منذ التحرر من الانتداب وتوازنات المجتمع المدني وحصر السلطة بيد قوى الشرعية من رئاسة وحكومة وبرلمان وجيش وقوى أمن ونزع سلاح المتمردين على الدولة والقانون والنظام العام باسم المعارضة وقطع الطريق على تغلغل المجموعات الارهابية نحو المناطق اللبنانية كما حصل في مخيم البارد وغيره بدعم سوريا وايران وقوى محلية وتجنيب البلد أية مواجهات مذهبية والفصل بين لبنان والصراعات الاقليمية وبشكل خاص كف أيادي نظامي دمشق وطهران من التدخل واستغلال الورقة اللبنانية في سبيل مصالحهما وأوراقهما التفاوضية مع اسرائيل والغرب . ساحة لبنان تجسيد لصراعات المنطقة هكذا نلمس بكل وضوح أن المعركة الدائرة في لبنان تختصر شكل وملامح الصراع العام في الشرق الأوسط بين الديموقراطية والاستبداد والعلمانية والاسلام السياسي الأصولي والتقدم والتخلف والمجتمع المدني وظلامية القرون الوسطى والوحدة المجتمعية والانقسام الطائفي المذهبي والحوار السلمي والعنف والقهر وبناء الدولة الحديثة الجامعة الموحدة ودويلات الأمر الواقع المحلية والصراع السياسي السلمي الحضاري ومنطق القوة والاذعان والاذلال والتغيير الديموقراطي والارتداد الى ما قبل الدولة والفكر المتنور والفكر الشمولي والقيادة الجماعية والفردية المطلقة باسم الأرض أو السماء والسلم الأهلي والارهاب والوحدة الوطنية والانقسام واحترام ارادة الشعوم في تقرير مصائرها والاضطهاد والتجاهل وثقافة حقوق الانسان ومفاهيم خنق الحريات والارادات لذلك فان انتصار القوى الديموقراطية التي تتصدرها قوى الرابع عشر من آذار هو انقاذ للنموذج اللبناني الديموقراطي الفريد أولا وتعبيد الطريق لتواصل عملية التغيير الديموقراطي بعد الزلزالين الأفغاني والعراقي في عموم الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا التي يشكل نظامها رأس الحربة في الخندق الاستبدادي الأصولي الشمولي . أولوية مواجهة الارهاب هناك غالبية من الرأي العام ومعظم القوى السياسية والنخب الفكرية والثقافية ترى أن الأولوية في هذه المرحلة الدقيقة من حياة شعوبنا لمعالجة ومواجهة الارهاب الأصولي دينيا كان أو مذهبيا أو قوميا عنصريا شموليا لأنه العقبة الأساسية أمام تحقيق الأمن المجتمعي والاستقرار والتغيير الديموقراطي وتحسين ظروف الحياة الاقتصادية والتحدي الأكبر أمام ترسيخ دولة القانون والمؤسسات بشكلها العصري ونشر وتثبيت ثقافة حقوق الانسان وحرية المرأة وأن تحقيق ذلك يتطلب تعاونا دوليا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا المتضررة أيضا مثل شعوبنا من شرور الارهاب والظلامية وبالتالي حدوث نوع من التشابك المرحلي في المصالح تجاه العديد من المسائل المشتركة خاصة بعد توقف الحرب الباردة وظاهرة العولمة والقطبية الأحادية وهنا لايمكن الطعن كما يفعله بعض الماركسيين السابقين – محنطين أو تائهين – من أيتام محور الممانعة المنقلبين على مصالح الطبقة العاملة والحركة الديموقراطية بوطنية وصدقية الحكومات الناهضة القائمة على انقاض الدكتاتورية والاستبداد الظلامي أو الطامحة في انجاز مهام بناء الدولة الديموقراطية الحديثة وتتشكل أساسا من قوى المجتمع المدني الحية معبرة بشكل عام عن ارادة وأهداف الطبقات والفئات الاجتماعية من عمال وفلاحين وفقراء ومثقفين وبورجوازية وطنية والمبتلية بالارهاب الأصولي في افغانستان والعراق وفلسطين ولبنان اذا ما مدت يد التعاون على أساس المنافع المتبادلة مع دول الاعتدال العربي مثلا أو دول أوروبا والولايات المتحدة ألم تتحالف دول المنظومة الاشتراكية سابقا وقوى السلام والتحرر في العالم أجمع مع تحالف الغرب الامبريالي في مواجهة النازية والفاشية خلال الحربين الكونيتين ؟ ألم يتحالف الشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى مع الاستعمار البريطاني في مواجهة ظلامية وتخلف العثمانيين ورثة الخلافة الاسلامية ؟ وهناك عشرات الأمثلة بتاريخ الحركات الثورية والتقدمية حول التكتيكات السياسية الواعية لمتطلبات كل مرحلة في مجال التحالفات والأولويات والبرامج المرحلية في خدمة قضايا الشعوب وتحقيق أهدافها بأقل الخسائر واسرع الأوقات .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |