|
الأسلام وبنيته الاجتماعية مابين المدنية والقبلية ... أعادة قراءة - 6 -
حميد الشاكر (( الاسلام في التأريخ )) في يوم من أيام عام / 610/ للميلاد المسيحي / ولد الاسلام في حياة محمد رسول الله ص ، وفي حياة مجتمعه القرشي الجزيري ، وفي مكان مكة المقدس العربي ، ولاريب ان هناك الكثير مما يقال في هذه الولادة الاسلامية الميمونة ، ولكنّ مايخص بحثنا هو : الشيئ الذي صادفه الاسلام اجتماعيا في تلك اللحظات الاولى من ولادته العظيمة !. ماهي البنيوية الاجتماعية الانسانية التي واجهها الاسلام ابّان ولادته الرسالية المحمدية ؟. وكيف تعامل الوحي والاسلام والرسالة مع تلك البنيوية العربية التي كانت قائمة ؟. ان الواقع والتورخة والتدوين ، وكذا باقي مايذكر بصدد الحياة الاجتماعية العربية التي كانت قائمة في حياة محمد الرسول ص قبل وبعد نزول الرسالة الاسلامية المحترمة ، توكد تلك وهذه من المصادر التاريخية على انه كان هناك نمطين من انماط البنيوية الاجتماعية الانسانية العربية كانت قائمة في حقبة نزول الاسلام الى واقع الحياة الاجتماعية الجزيرية العربية المحمدية تلك وهما : الاولى : البنيوية القبلية ، والتي كانت هي الطاغية على جزيرة العرب الصحراوية . الثانية : البنيوية المدنية ، والتي كانت تنازع البقاء هنا وهناك من مناطق الجزيرة العربية الصحراوية في جغرافيا شبه منقطعة الا انها متواجدة في اجزاء من مكان الجغرافية تلك ، وهي تتمتع بنوع من الزراعة وقليل من الاستقرار والاختلاط النوعي التجاري والديني والثقافي والاخر العرقي ، لكنّ مع بقاء هذه الامكنة الشبه مدنية على حالتها البدائية من التكوين ، في مناطق كيثرب ومكة - مدينة التجارة والتعبد - ، وكذا الطائف منطقة الاستجمام التجاري القرشي ، واخيرا جنوب هذه الجزيرة العربية في اليمن ، وشمالها على اطراف الجزيرة من الشمال ، والعراق في شرق هذه الجزيرة المحمية بحريا وصحراويا ايضا !. أ : - التأريخ الجغرافي للاسلام ولعل الطبيعة الجغرافية الصحراوية القاسية الممتدة الاطراف في جزيرة العرب هي التي حتمت انتشار وتوّسع الظاهرة الاجتماعية القبلية الانسانية في تلك الاطراف من العالم ، فحيثما تغيب المياه والانهار العذبة حيثما تنتعش حالة التصحر الجغرافية والاجتماعية ايضا ، باعتبار ان الاجتماع كما الارض بحاجة الى مياه عذبة تروي خضرة الاجتماع وتطور من قدراته وتنمي من استقراره وابداعه ، بالاضافة الى اعطاء هذه الروافد الاجتماعية الانسانية نوع من الاكتفاء المعيشي والاقتصادي والغذائي المطلوب ، وكل هذه وغيرها مرتبط ارتباطا وثيقا بوفرة الانهار والمياه العذبة ، واينما وجدت هذه المياه العذبة والانهار الكبيرة والارض السهلة وجدت الحضارة والمدنية الانسانية في القديم وحتى الحديث ، بعكس ما لو كانت الجغرافية المكانية شحيحة المورد المائي وعظيمة التحركان الرملية الصحراوية ، فيضطر عندها الاجتماع الانساني مرة للتنقل من ارض الى اخرى لمطاردة المياه الموسمية من الامطار ، ومرة للتدافع الانساني لتحصيل كفاية الحياة الانسانية فتقع الحروب والغزوات والاقتتال على اسباب الحياة الاقتصادية والمعيشية ايضا !. ان هذا الواقع الطبيعي لسكان الجزيرة العربية هو الذي فرض عليهم انماط معينة من تشكيلات الاجتماع الانسانية ولاسيما منها التشكيلات القبلية القائمة على فكرة وبنية (( العصبة )) التي تخلق نوعا من الشوكة والقوة ، ليس فحسب ضد الاجتماعات الانسانية الاخرى المتدافعة على اسباب الحياة في مثل هذه الارض القاحلة فحسب ، بل وكذالك ضد عوامل الطبيعة الجغرافية القاسية ايضا عندما تكون العصبة والشوكة والقبيلة عامل لمساعدة الفرد الانساني في وجود واستخلاص اسباب الحياة له ولمن حوله من العائلة الانسانية ايضا !. ولكنّ هذا الواقع الجغرافي والطبيعي والصحراوي العربي لم يمنع من تواجد جغرافيات صغيرة جدا في نفس هذه الجزيرة القاحلة من التنفس والحياة هنا وهناك وبشكل مدن مستقرة وزراعية ، وبأمداد مرّة بما تجود به الارض من ابار لمياه قليلة العذوبة ، ومرّة بما تجود به السماء من امطار موسمية واخرى طبيعية ، تهيئ الحياة لنوع من الاستقرار المدني والانساني الذي ترسي قواعده الزراعة والاكتفاء المعيشي ، كالذي حصل بالفعل في يثرب (( مدينة النخيل )) وفي الطائف (( مدينة الامطار )) وفي جنوب الجزيرة واطراف من شمالها والمشرق ، وأما مكة ، فكانت ولم تزل مدينة المقدس الصلبة لسكان جزيرة العرب ، وهي مكان بالاضافة الى انه جغرافيا استقطاب سكاني عربي ديني ، كذالك هي مدينة التجارة والمنتديات الفكرية والاخرى الموسمية ......، التي تتمكن من استقطاب الكثير من الاجتماعات العربية الدينية والاخرى الثقافية وكذا الطبقية ، ومنها العرقية والمذهبية ايضا !. نعم كانت مكة ابّان ولادة الاسلام العظيم جغرافية الجذب والطرد الاجتماعية ، وهي واقعة كنقطة صراع بالاضافة للصراع الجغرافي الطبيعي عليها بين الصحراء والتمدن ، كذالك هي واقعة في وسط الصراع الاجتماعي الذي كان قائما بين بنيتي القبلية الاتية من عمق الصحراء ، وبين البنية المدنية الاتية من مناطق الزراعة والمدينة في اجزاء من وسط الجزيرة العربية وكذا من اطرافها الجنوبية والشمالية والشرقية للتعبد والتجارة والتثاقف والتعارف ....... كذالك ، فمكة العربية هنا شكلت نواة الاستقطاب الحقيقي لأنسان الجزيرة العربية قداسيا ، ولكنها ايضا شكلت السطح والمرآة التي عكست صراعات البنى الاجتماعية القبلية والمدنية داخل اطارها المقدس ايضا !. ب : - التأريخ الاجتماعي للاسلام للمجتمعات التي كانت متحركة في حقبة ماقبل الاسلام وبزوغ شمسه الدافئة على حياة الانسان العربي بالخصوص والعالمي بالعموم ، كانت لتلك المجتمعات بنى اجتماعية وافكار انسانية مختلفة الملامح ومتباينة الاتجاهات ، ولو اردنا اختزال كل تلك البنى الاجتماعية العربية وتجميعها في منطقة جغرافية معينة ، فسوف لن يواجهنا التوفيق بقدر ما لو اخذنا (( مكة )) مدينة المقدس العربي ماقبل ومابعد الاسلام نموذجا لدراسة مستوفية لكل التشكيلات الاجتماعية والبنى البشرية التي كانت تجمعها مكة قداسيا وفي جغرافيا صغيرة وبينة الملامح والقسمات الانسانية ، بل واكثر من ذالك استطاعت مكة الجغرافية وبغض النظر عن انها ارض الرسالة ونزول الوحي الاسلامي ، وتنفس الحرف القرءاني ... بغض النظر عن ذالك استطاعت مكة ان تختصر الظواهر الاجتماعية المتنافرة والمنسجمة في قالب واحد وواضح تماما ، فهي بالاضافة الى كونها ألأم للجغرافية العربية هي كذالك وعاء للعائلة القرشية التي انتخبت فيما بعد سماويا ليكون الوحي والنبوة من نصيب احد فروع هذه العائلة الكريمة ، لتنزل الصورة فيما بعد لينتخب محمد رسول الله من احد فروع الاجتماع القرشي المتعدد في نفسه الاتجاهات الاجتماعية والاخرى الفكرية والثالثة الروحية والنفسية ايضا !. نعم : ان الاختلافات البنيوية القبلية والمدنية الاجتماعية العربية ، وكما ذكرنا سابقا استفرغت كل اختلافاتها المادية الاجتماعية والمعنوية الفكرية في الوعاء المكي باعتباره وعاء استطاب قداسي للاجتماع العربي ، وهذا بدوره انعكس تماما على سكان مكة الاصليين من الاجتماع القرشي المصغر في مكة ، والذي اثر بشكل مباشر على فروع الاجتماع القرشي هذا ، مما جعلنا نشرف على صيغ واسرار الاختلافات البنيوية والفكرية في مكة داخل العائلة القرشية الواحدة ، وانشطار نفس هذا التكوين القرشي الى تكوينات قبلية قائمة على فكرة العصبة والقبيلة ، وفي مقابلها تكوينات قرشية قائمة على فكرة وبنية الاجتماع المدني والتجاري الاخر !. بمعنى آخر : ان دراسة بنى الاجتماع القرشي المكي قبل ولادة الاسلام العظيم ورسالة الرسول محمد الكريم ص ، تطلعنا على نمطين من الاجتماع الانساني الذي كان متواجدا في داخل الاطار القرشي المكي نفسه قبل وجود الاسلام بالفعل ، والاول هو نمط قبلي عصبوي يقيم تشكيلات وتحالفات ابنيته الاجتماعية على كل المفاهيم والسلوكيات والظواهر القبلية ، والاخر هو نمط (( يحاول )) التخلص من سلطة القبلية وعصبة افكارها الاجتماعية ، بأن ينتهج نهج النمطية المدنية المتأثرة بافكار وسلوك وظواهر الاجتماعيات المدنية القائمة على فكرة وبنية التنوع الانساني القابلة على الانفتاح واحتضان الاخر الغير قبلي ، وكلا هاتين النمطيتين سيجدهما الدارس للبنيوية الاجتماعية القرشية قبل الاسلام عندما يصل الى دراسة الظواهر الاجتماعية المتباينة داخل البنية الاجتماعية القرشية داخل مكة ، لاسيما ان الدارس النبه سيلاحظ ظاهرة الصراع العائلي التي كانت قائمة في مجتمع مكة القرشي ، والذي ان حللناه بصورة اجتماعية وعلمية فسيوصلنا الى نتيجة الصراع الواقعية التي كانت تنبأ عن شكل صراع اجتماعي منه الى الصراعات الفكرية او السياسية او الاقتصادية المغايرة !. تمام : ان الكثير من ظواهر الصراع القرشي المكي قبل وجود الاسلام نفسه ، ماهو وما هويته الا شكل صراع بنيوي مئة بالمئة ، ومن ثم هو دليل على وجود صراع بنيوي اجتماعي اولا وقبل كل شيئ ثم وبعد ذالك تأتي تشكيلات الصراع المتنوعة التي تتشكل بشكل فكري واخر سياسي وثالث اقتصادي ورابع نفسي ليطفوا الصراع الذي كان موجودا في بنية الاجتماع القرشي المكي على اسسه المختلفة !. ومن هنا نستنتج الاتي : اولا : ان الاجتماع القرشي المكي ماهو الا انعكاس للوجود الاجتماعي الاكبر خارج مكة المقدسة . ثانيا : ان دراسة ومعرفة الاجتماع القرشي المكي يجب ان يبدأ على اساس دراسة الاجتماع العربي من الخارج ومن ثم الانتهاء بالداخل المكي ، باعتبار ان الخارج هو الصانع للوجود القرشي المكي فكريا وبنيويا واجتماعيا .... في الداخل وليس العكس !. ثالثا : هذا يعني ان مكة وباعتبار انها مقدس عربي لابد ان تكون نواة صراع عربي خارج مكة ، من منطلق السيطرة عليها اما قبليا بنيويا او مدنيا حضاريا . رابعا :- سكان مكة الاصليين من المتقرشين وباحلافهم الاجتماعية يأخذون سمات تواجدهم الاجتماعية وانقساماتهم الفكرية والاخرى البنيوية من هذه التركيبة الوافدة من الخارج المكي مدنيا وقبليا . اذن : قريش بنية الاجتماع المكي ليست هي نواة جامدة وصخرة صماء لاتتاثر بمحيطها العربي الاوسع ، ولاهي قلعة انتاج او ماكنة توزيع انتاج لتشكيل الاجتماع العربي للخارج فحسب !. كلا ... ان العكس هو الصحيح ، وان الاجتماع القرشي المكي هو الارض اللينة قبل ولادة الاسلام وبعده التي يزرع فيها الاجتماع العربي المحيط بكعبتها المقدسة عربيا بذور وابنية وظواهر اجتماعياته المختلفة ، وكلما كان في خارج مكة العربية تحالفات قبلية او صراعات مدنية او بنيوية لهاتين البنيتين انعكس بشكل حتمي على الداخل القرشي المكي ليقسم قريش نفسها الى قسم قبلي عصبوي ينتهج كل الاتجاهات القبلية الفكرية او السلوكية ، وقسم اخر مدني يتمتع بكل ماهو تنوعي منفتح واستقراري وبنيوي زراعي وتجاري ، وهذا هو الشأن الطبيعي لاي مجتمع تجتمع فيه التجارة وتفرق فيه البنى الاجتماعية !. ولكن ماقصة القسمين الاجتماعيين البنيوين القرشيين المدني والقبلي الذي صادفهما الاسلام ابّان نزوله ؟. واي من هاتين البنيتين بنى الاسلام اطروحته الالهية المقدسة عليها ؟. وكيف لنا ان ندلل على ان هذا القسم العربي القرشي الذي كان موجودا في مكة هو مدني التوجه وهذا الاخر هو القبلي النزعة ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |